التنفيذ / الاختصاص بدعوى البطلان / الكتب / دعوى بطلان حكم التحكيم في المنازعات التجارية الدولية / المحكمة المختصة بالنظر في دعوى بطلان أحكام التحكيم في النزاعات التجارية
المحكمة المختصة بالنظر في دعوى بطلان أحكام التحكيم في النزاعات التجارية
حددت المادة (51) من قانون التحكيم الأردني بالإشارة ضمناً إلى المادة 1/2 منه المحكمة المختصة بالنظر في دعوى البطلان، ولم تفرق بين ما إذا كان التحكيم وطنياً أو دولياً، بعكس الاتجاه السائد في التشريع الفرنسي والتشريع المصري الذي سنأتي على ذكره فيما بعد.
وبنصوص المواد سابقة الذكر، يكون المشرع الأردني قد خالف ما كان سائداً في قانون التحكيم السابق، حيث كانت الدعوى تقدم إلى المحكمة المختصة سواء أكانت صلحية أم بدائية ( حيث نصت م (2) من قانون التحكيم الأردني السابق على أنه تعني كلمة ( محكمة ) محكمة الصلح إذا كان اتفاق التحكيم يتعلق بادعاء يدخل في اختصاص محكمة الصلح وتعني المحكمة البدائية في جميع الأحوال الأخرى وتستأنف هذه الدعوى إلى محكمة الاستئناف وتميز حيث نصت م (3/18) من قانون التحكيم الأردني السابق على أنه تكون الأحكام الصادرة من قبل محاكم الصلح والبداية والاستئناف بتصديق أو فسخ أو إعادة قرار المحكمين أو الفيصل خاضعة للاستئناف والتمييز طبقاً للقواعد المقررة لاستئناف وتمييز الأحكام الأخرى).
ويجدر في ذلك التنويه بأن الأحكام الخاصة بدعوى البطلان من حيث الأسباب وميعاد رفع الدعوى والمحكمة المختصة لا تسري إلا بالنسبة إلى أحكام التحكيم الخاضعة للقانون الأردني، ويكون ذلك إذا كان التحكيم قد جرى في الأردن ووفقاً للقانون الأردني. ولتوضيح الصورة بشكل أفضل نستعرض الاتجاه التشريعي المصري ونبين من خلاله الانتقادات الفقهية الموجهة إليه.
موقف المشرع المصري
حددت المادة 2/54 من قانون التحكيم المصري المحكمة المختصة بالنظر في دعوى البطلان، وفرقت بين ما إذا كان التحكيم وطنياً أو دولياً. فإذا كان الأمر يتعلق بحكم وطني فإن المحكمة المختصة تكون هي محكمة الاستئناف التي تتبعها المحكمة المختصة أصلاً بالنظر في النزاع ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك، وذلك لأن دعوى البطلان ليست دعوى مبتدئة - كما ذكرنا - حتى يعرض النزاع على محكمة أول درجة. وإذا كان الأمر يتعلق بحكم دولي بالتحكيم التجاري الدولي وذلك بالمعنى الذي حددته المادة 2 ، 3 من قانون التحكيم المصري الجديد) فينعقد الاختصاص بالنظر في دعوى البطلان لمحكمة استئناف القاهرة ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك أيضاً (شرف الدين أحمد ، (2007)، الرقابة القضائية على اتفاق التحكيم وآثاره في ضوء أحكام محكمة النقض، دار النهضة العربية، القاهرة - مصر، ص80)، وذلك حسبما نصت عليه المادة التاسعة من ذات القانون .
وتطبيقاً لذلك، ، فإن جانباً من الفقه الحداد ، 1997 ، ص99، وأيضاً د. إبراهيم، 1997، ص 323 يعلق على ما جاء به قانون التحكيم المصري من نصوص بهذا الشأن، وما تشكله من خطورة في التطبيق. فبحسب النصوص السابقة، فإن رقابة محكمة الاستئناف وإمكانية الطعن بالحكم سواء في التحكيم الذي جرى في مصر أو التحكيم الذي اتفق أطرافه على خضوعه إلى القانون المصري سيؤدي عملاً إلى خطورة ليس فقط لمخالفة المشرع المصري للقواعد العامة، بل يرجع أيضاً إلى احتمال ازدواج طرق الطعن، وعليه فإن من المؤكد أن حكم التحكيم الذي صدر في دولة أجنبية طبقاً لأحكام القانون المصري سيكون قابلاً للطعن وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها، بل وقد تجيز هذه الدولة استئناف الحكم، وقد يتعرض الحكم الصادر في الاستئناف للنقض، كما قد يتعرض حكم التحكيم للطعن بالبطلان، وكل هذا وفقاً لقانون الدولة التي صدر فيها الحكم، ثم يأتي قانون التحكيم المصري بحكم يجيز رفع دعوى بطلانه بعد كل هذا أمام القضاء المصري، ولذلك فمن الأفضل أن يقتصر المشرع المصري على تنظيم طرق الطعن في أحكام التحكيم الصادرة في مصر. هذا وقد تجاوز قانون التحكيم الأردني الانتقادات السابقة، حيث اقتصر نطاق تطبيق أحكامه على التحكيم الذي يجري في الأردن، وهو ما يعني أن المشرع الأردني أخذ بمقر التحكيم كضابط يعتد به لإمكانية الطعن بالبطلان في الأحكام، وبالتالي لا يختص القضاء الأردني في التحكيم الذي يجري في الأردن، ولا يمكن الطعن فيـه بالبطلان وفقاً لقانون التحكيم الأردني.
وبذلك يتبين أن قانون التحكيم الأردني لا يأخذ بأحكام التحكيم المحررة (غير الخاضعة لقانون وطني) بل يجعل من اللازم اتخاذ مقر للتحكيم، كما سبق وذكرنا بصريح المادة (3) منه ، التي تخضع دعوى البطلان إلى أحكام التحكيم أمام القضاء الأردني عندما يكون مقر التحكيم في الأردن، وهو ما سنتناوله بالتفصيل في الفصل القادم.
وقبل الختام، يثور التساؤل حول الفصل في دعوى البطلان بعد النظر فيها من قبل المحكمة التي يكون لزاماً عليها أن تفصل فيها؟ وهذا الفصل يحتمل أمرين:
أولهما : أن تحكم المحكمة برفض الدعوى بعد التأكد من عدم صحة سبب البطلان الذي أسس عليه صاحب المصلحة في الطعن دعواه، وفي هذه الحالة يحق لصاحب المصلحة في التنفيذ أن يقوم بتنفيذ حكمه بعد وضع الصيغة التنفيذية عليه.
ثانيهما : أن تحكم المحكمة ببطلان الحكم وفي هذه الحالة يدور التساؤل: هل ستكتفي المحكمة بإبطال الحكم أم أن عليها أن تنظر في موضوع النزاع برمته؟
وللإجابة عن هذا السؤال يقتضي التعرض للنظام الفرنسي والنظام المصري والنظام الأردني كل على حدة.
أولاً : قانون الإجراءات الفرنسي
استناداً إلى ما قررته المادة 1485 من قانون المرافعات الفرنسي الجديد، تستطيع المحكمة أن تفصل في موضوع النزاع، في حدود نطاق سبب البطلان وفي الحدود المتاحة لهيئة التحكيم، في حالة عدم اتفاق الأطراف على خلاف ذلك، لأن من حقهم الاتفاق على استبعاد سلطة القضاء والتمسك بالتحكيم، وذلك لأنه إن لم يوجد مثل هذا الاتفاق فإن النظام يتيح للمحكمة أن تتصدى للفصل في النزاع حيث تمتلك نفس سلطات هيئة التحكيم ، حتى لو كانت هيئة التحكيم مفوضة بالصلح إذ أن المحكمة يكون لها نفس السلطات والي، 2007، ص551).
ولقد أقر القضاء الفرنسي المبدأ حيث قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه يحق لمحكمة الاستئناف، وهي بصدد فحص أسباب بالبطلان في حكم التحكيم، أن تفصل في جميع المسائل المتعلقة بالواقع والقانون للسبب الذي تمسك به المدعي كأساس لدعوى البطلان (الحداد ، 1997، ص246 وأيضاً شحاتة، 1993، ص337).
ثانياً : قانون التحكيم المصري
وهو ما سبقت الإشارة إليه ولكن وبصورة موجزة، وللتذكير نبين أن المحكمة تكتفي بإبطال الحكم المطعون فيه، ويعود الخصوم فيه إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور الحكم، لأن القول بعكس ذلك سيعطي للمحكمة سلطة التصدي للفصل في النزاع، وهذا ما لم يتفق عليه الأطراف، وما يخالف طبيعة دعوى البطلان ذاتها ، وذلك لأن المحكمة عندما تفصل في موضوع النزاع تكون قد خالفت مبدأ من مبادئ التقاضي وهو التقاضي على درجتين.
وتكون قد خالفت أيضاً طبيعة التحكيم ذاتها، وهذا ما يجعل لدعوى البطلان ذاتيتها الخاصة بها، وهو أمر مشروط بعدم اتفاق الأطراف على غير ذلك، وبالطبع ما دام أن سبب البطلان هو عدم احترام حق الدفاع فإن الأطراف يعودون إلى ما كانوا عليه من اتفاق التحكيم، ويظلون ملتزمين به ما لم يتفقوا صراحة على غير ذلك (بريري، 1998، ص257).
ثالثاً: قانون التحكيم الأردني
نصت المادة (51) من قانون التحكيم الأردني على أنه "إذا قضت المحكمة بتأييد حكم التحكيم وجب عليها أن تأمر بتنفيذه، ويكون قرارها في ذلك قطعياً ، وإذا قضت ببطلان حكم التحكيم فيكون قرارها قابلاً للتمييز خلال ثلاثين يوماً من اليوم التالي للتبليغ، ويترتب على القرار القطعي ببطلان حكم التحكيم سقوط اتفاق التحكيم".
ويتضح من النص المذكور أنه يترتب على الحكم ببطلان الحكم سقوط اتفاق التحكيم، وعليه فإنه يتصور احتمالين لمحكمة الاستئناف، الأول أن تقضي بتأييد قرار المحكمين وهنا يكون قرارها قطعياً، والثاني أن تحكم ببطلان الحكم وهنا يكون قرارها قابلا للتمييز.
وأخيراً فإذا قضت المحكمة المتخصة ببطلان قرار التحكيم، فإن قرارهـا يكون قابلا للطعن فيه بالتمييز (م51 تحكيم أردني، وهذا نص يرى فيه البعض (عبدالمجيد 2001، ص478 أن فيه الكثير من العدالة والوجاهة، ويترتب على بطلان الحكم اعتباره كأن لم يكن بينما يرى الباحث أن الطعن بالتمييز يتعارض مع فلسفة التحكيم والغرض منه، وإن كان على حساب العديد من المبادئ القانونية التي تم إهدارها كما سبق بيانه، لكن ومن خلال تتبع أحكام قانون التحكيم يرى أنه لا يصح الطعن فيه أحكام محكمة الاستئناف الصادرة في دعوى البطلان بالتمييز، فالمشرع نص صراحة على أن أحكام التحكيم لا تقبل الطعن بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات المدنية. وهذا فضلاً عن أن الطعن بالتمييز يتعارض مع طبيعة التحكيم ويفرغه من كل قيمة له وأهمها السرعة، ويجعل التحكيم يؤول في النهاية إلى ذات مصير التقاضي أمام المحاكم بما يحمله هذا الطريق من مساوئ الحكم للاستئناف ثم التمييز، أي لا جدوى إذن من اللجوء إلى التحكيم، ولا يقدح في ذلك القول بأن الطعن بالتمييز يوجه إلى حكم محكمة استئناف الصادر في دعوى البطلان لتوحيد أحكام القضاء في مسائل التحكيم والإفادة من الخبرات المتميزة لمستشاري محكمة التمييز لإرساء قواعده، فمثل هذه المبررات لا تبرر إطالة أمد التقاضي في خصومة التحكيم التي حرص أطرافها منذ البداية على فضها عن طريق التحكيم وبمنأى عن القضاء وتعقيداته، كما أن الطعن بالتمييز وإن وجه إلى حكم الاستئناف فمحوره ومادته حكم التحكيم ذاته.
أما عن ما يطالب به البعض في توحيد أحكام القضاء بشأن التحكيم، فلا يصح التذرع به، لأن قياس التحكيم على القضاء قياس لا محل له، فهيئة التحكيم تطبق القانون الذي اتفق عليه الأطراف والإجراءات التي اختاروهـا والتي تختلـف مـن اتفاق إلى آخر ومن تحكيم إلى آخر، بينما تطبق المحاكم قانوناً واحداً تحرص محكمة التمييز على ألا تذهب المحاكم في تطبيقه وتفسيره وتأويله مذاهب شتى على أساس تطبيق مبدأ المساواة أمام القانون، وليس هذا هو الحال بالنسبة لما يصدر عن هيئات التحكيم وما يعرض أمام القانون.
وتعقيباً على دعوى بطلان أحكام التحكيم كنظام خاص وأسلوب جامع لمراجعة حكم التحكيم نرى إن دعوى بطلان حكم التحكيم نظام خاص وأسلوب جامع لمراجعة حكم التحكيم، فلا يجوز تفسير أسبابها تفسيراً ضيقاً بغير نص باعتبارها السبيل الوحيد لإلغاء حكم التحكيم المعيب، فنحن لسنا مع الفقه في أنه لا سبيل أمام تحديد حالات البطلان وحصرها لمعالجة كثير من الضرر الذي يلحق بحكم التحكيم كمسألة بناء الحكم على ورقة مزورة أو على غش أو ظهور ورقة يتغير بها وجه الحكم لو احتجزها الخصم، أو الخطأ في تطبيق القانون، أو عدم رد الحكم على دفاع جوهري لأحد الخصوم أو القصور في أسباب الحكم الواقعية (كإعادة المحاكمة. ذلك أن المشرع في قانون التحكيم اختزل سبل مراجعة حكم التحكيم، نظراً لطبيعة التحكيم الخاصة في طريق واحد جامع لما يمكن أن تنطوي عليه سبل الطعن المختلفة، برفع دعوى ببطلان الحكم توخياً لعدم إطالة أمد النزاع، الأمر الذي لا يتفق وما تقتضيه التجارة الدولية من سرعة واستقرار الحقوق والمراكز القانونية، وبالذات وما ينادي به الفقه من تحرير حكم التحكيم أي صدور حكم غير خاضع لقانون وطني معين لا رقيب عليه سوى محكمة استئناف دولية، كما أن هيئة التحكيم ليست درجة من درجات التقاضي تعلوها ، وإنما هي المحطة الأولى والأخيرة التي ينتهي عندها النزاع.
وعليه إذا كان المشرع اتساقاً مع طبيعة التحكيم ونظام آلية حسم منازعاته قد رسم إصلاح خطأ ما يصدر عن هذه الآلية وحصرها في دعوى البطلان بناءً على أسباب حددها، فإنه يتعين عدم مقارنة هذه الوسيلة كسبيل إصلاح الخطأ في النظام القضائي لاختلافهما. ولذلك يجب تفسير الأسباب التي تقوم عليها دعوى البطلان باعتبارها السبيل الوحيد لمراجعة حكم التحكيم تفسيراً واسعاً، ولا يجوز تفسير هذه الأسباب على ضوء أسباب طرق الطعن في الأحكام وقياسها عليها أو تخصيصها وتقييدها بغير نص، فهي أسباب جامعة يمكن أن تتسع لما تصور الفقه أنها لا تتسع له.