الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / طلب البطلان / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 4 / اختلاف مفهوم الحيدة والاستقلال في التحكيم عنـه في القضاء - جواز نزول الأطراف صراحة أو ضـمنـا عـن حيـدة أو استقلال المحكـم - الحيـدة والاستقلال فكرتان متشابهتان في غايتهما ولكنهما لا تختلطان في مضمونها ـ يخـرج عـن نـطـاق دعـوى بطلان حكـم التحكيم تـعـرض محكمـة الطعـن لموضـوع حكـم التحكيم أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهب إليـه الحكم في تصديه لفهم أو تكييف أو تفسير القانون أو تطبيقه أو كفاية أسباب الحكم أو قصورها.

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 4
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    477

التفاصيل طباعة نسخ

اختلاف مفهوم الحيدة والاستقلال في التحكيم عنـه في القضاء - جواز نزول الأطراف صراحة أو ضـمنـا عـن حيـدة أو استقلال المحكـم - الحيـدة والاستقلال فكرتان متشابهتان في غايتهما ولكنهما لا تختلطان في مضمونها ـ يخـرج عـن نـطـاق دعـوى بطلان حكـم التحكيم تـعـرض محكمـة الطعـن لموضـوع حكـم التحكيم أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهب إليـه الحكم في تصديه لفهم أو تكييف أو تفسير القانون أو تطبيقه أو كفاية أسباب الحكم أو قصورها.1- وعلى الرغم أن المحكم ليس قاضيا ولا تكون له صفته، ولكن لكونه يؤدي عمـلا شـبيها بالعمل القضائي، يشترط في المحكم - شأنه في ذلك شأن القاضي- أن يكون محايداً. وشرط الحيدة مسألة شخصية أو حالة تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهه نظر أحدهم، ويفهم هذا الشرط ضمنا من المبادئ القانونية العامة، ويفرضه المنطق السديد حتى بغير نص في القانون، بحسبانه أمرا يقتضيه المركز القانوني لكل من القاضي أو المحكم، بل ولكل من يعهد إليه مهمة الفصل في خصومة، ويتأسس مبدأ الحياد هذا على قاعدة أصولية دينية حضارية – وإن أوردتها التشريعات – قوامهـا وجـوب أطمئنـان الخصوم إلى من يفصل فيما شجر بينهم سواء كان قاضيا أم محكما، وأن حكمه (القاضي أو المحكم) لا يصدر إلا عن الحق دون تحيز أو هوي. ومع ذلك فان معنى الحيدة يختلف فـي التحكيم عنه في القضاء. فكثيرا ما يكون أساس التحكيم والغرض الرئيسي منه هو رغبـة الطرفين في وضع النزاع في يد شخص أمين حريص على العلاقات القائمة بينهمـا كـرب الأسرة أو صديق حميم للطرفين أو محام لأحدهما يحترمه الآخر، وعلى ذلك فأن الصلة بين المحكم والخصوم أو بينه وبين أحدهم لا تؤثر في صحة تعيينه طالما كانت معلومة للخصوم عند الاختيار، هذا الأمر المسموح به في التحكيم لا يمكن قبوله بالنسبة لقاضي المحاكم.

 

2- يتطلب المشرع المصري (المادة 16/ 3ـ تحكيم) من المحكم عند قبوله التحكــم ضـرورة الكشف عن أية اعتبارات تتصل بالعلاقة بينه وكل من أطراف النزاع أو أي علاقة لـه بموضوع النزاع قد تثير الشكوك حول نزاهته واستقلاله. ويلاحظ أن الهدف مـن هـذا الكشف أو الإفصاح هو إتاحة الفرصة للأطراف للوقوف على أسباب قد تثير مظهر التحيز دون أن ترتب بالضرورة تحيزاً حقيقياً من جانبه، بيد أنه إذا حصل التصريح من المحكـم عن النحو السابق، فقد لا يمنعه ذلك من أن يكون محكمـا فـي النـزاع ذاتـه مـوضـوع الإفصاح، وذلك إذا ما ارتضى الأطراف مباشرته لمهمته بعد علمهـم بمـا صـرح بـه. فالخصوم قد يثقوا في عدالة المحكم وحياده رغم الإقضاء لهم عن أموراً أو اعتبارات قـد تثير الشكوك في هذه الحيدة، وأيا ما كان الأمر فإنه إذا قام المحكم، عند ترشيحه أو عنـد قبوله التحكيم، بالإفصاح عن الاعتبارات التي تربطه بأحد الأطراف أو الكشف عن الظروف التي من شأنها أن تثير ظنون مبررة حول عدم حيدته أو انتفاء استقلاله، ولـم يعترض الطرف الآخر، لم يعد من الجائز مستقبلا إعادة إثارة الأمر بالنسبة لصلاحية المحكم، أمر استقلال المحكم يخضع في الكثير من الأحوال لإرادة أطراف النزاع، فقد يتغاضون عن مثل هذا الاستقلال أو عن بعض المظاهر الخارجية التي قد تشير ظاهريا - إلى عدم الحيدة أو عدم النزاهة. هذا التغاضي ينفرد به نظام التحكيم، لا يسمح به قانون المرافعات بحسبانه قانون القضاة، وهو أمر غير مستساغ، ولا يمكن هضمه أو القبول به في العمل القضائي.

 

3- ولأن استقلال المحكم يقوم في الغالب على مظاهر خارجية، مثل عدم ارتباطه بالخصوم بأي طريقة تؤثر في استقلاله، ومن ثم كان من السهل إثبات وتقرير وجـود الاستقلال لـدى المحكم أو عدم وجوده بالرجوع إلى هذه المظاهر. ومع ذلك فإن عدم استقلال المحكـم ورغم الكشف عنه أو إثباته، قد يتم للأطراف التغاضي عنه أو إقراره ولو ضـمنا، وعلـى ذلك فلا يصح الاحتجاج على حكم التحكيم بأن وكيل المحكتم يعمل بمكتب المحكم المرجح، ذلك أن الواضح من أوراق التحكيم أن الطاعن كان على علم بهذه الصلة ولم يعترض عليها حتى صدور الحكم التحكيمي

 

4- أما من حيث ما ينعاه الطاعن من مخالفة الحكم التحكيمي المطعون فيه للقانون والخطأ في تكييف ماديات النزاع ومن ثم الخطأ في تطبيق القانون وكذلك عدم انتظار صدور أحكـام جنائية متعلقة بالعقار موضوع عقد البند التحكيمي، فمردود بأن المشرع حدد أسباب إبطال حكم التحكيم على سبيل الحصر (في المادة 53 تحكيم) بحيث لا يقبل في الطعـن بدعوى البطلان الطعون المؤسسة على سبب غير منصوص عليه. ومـن ثـم لا تملك المحكمـة تلك المادة التعرض بشكل مباشر للموضوع الذي تناوله حكم التحكيم أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهب إليه الحكم في تصديه لفهم أو تكييفه أو تفسير القانون أو تطبيقه أو كفاية أسباب الحكم أو قصورها طالما كان كشف التعليل السوارد بالحكم عـن الطريق الذي اتبعه المحكم لتكوين رأيه. وبحسب

 

(محكمة استئناف القاهرة – الدائرة السابعة التجارية – الطعنان 65 لسنة 124 و 71 لسنة

 

125- حكم صادر في 2009/1/6).

 

محكمة استئناف القاهرة

 

الدائرة السابعة التجارية - جلسة 6 يناير 2009 أسباب ومنطوق الحكم في الدعويين رقمي 65 لسنة 124 و71 لسنة 125فضائية تجاري

 

القاهرة.المحكمة

 

بعد سماع المرافعة والإطلاع على الأوراق والمداولة: من حيث ان الوقائع تتحصل بالقدر الكافي لحمل المنطوق في أن كل من إبراهيم محمـود مهدي وتبيل السيد عبد العال وآخر (هشام الدسوقي) كانوا قد اشتروا قطعة أرض بمدينـة نـصر بالقاهرة واتفقوا بموجب عقد مؤرخ 1998/9/8 وملحقه المحرر في 2001/6/2 على مشروع أقامة عمارة سكنية عليها بشروط محددة بالعقد، وإذ نشب نزاع فيما بينهم كشركاء- يتعلـق باستحقاقات مالية ناشئة عن تنفيذ اتفاقهم؛ فقد التجأ نبيل السيد - وإعمالا لبند تحكيمي ورد بالعقد إلى عرض النزاع بينه وبين شريكه إبراهيم مهدي على التحكيم في نطاق ما سمي بمؤسسة التحكيم التجاري الدولي والمحلي لدول الشرق الأوسط"، وقيد التحكيم فيه تحت رقم 2. وتشكلت هيئة تحكيم ثلاثية حيث عرض كلاً من الطرفين طلباته ودفاعه ومستنداته، وبتاريخ 2006/6/20 صدر القرار أو الحكم التحكيمي بإلزام المحتكم ضده (إبراهيم مهدي) بأن يؤدي إلى المحتكم (نبيل السيد) تعويضاً قدره ثلاثة ملاين وستة آلاف جنية مع رفض طلبات المحتكم ضده، وقد امتنـع محكم الأخير عن التوقيع على مسودة الحكم التحكيمي مبررا في المسودة ذاتها سبب امتناعه هذا. وأودع الحكم قلم كتاب محكمة شمال القاهرة تحت رقم 138 لسنة 2007 تحكيم.

 

لم يصادف الحكم التحكيمي قبولا لدى المحتكم ضده فطعن فيه أمام هذه المحكمة بالدعوى رقم 65 لسنة 124 قضائية وذلك بصحيفة أودعت قلم الكتاب فـي 2007/6/30 طالبـا الحـكـم وبصفة مستعجلة يوقف تنفيذه وفي الموضوع بإلغائه واعتباره كأن لم يكن مع الحكم له بطلباتـه الموضوعية السابق أن أبداها أمام هيئة التحكيم، ثم عاد وتنازل عن الشق الخاص بتلك الطلبـات الموضوعية. وأسس المحكتم ضده طعنه على القول أن المحكم عندما يتولى مهمته التحكيمية هو بمثابة قاض بمعنى الكلمة، ولأن محكمة المحتكم هي زوج للمحكم الثالث (المرجح) ولأن محامي المحتكم يعمل أيضاً لدى المحكم الثالث (المرجح) وبذلك ينتفي شرط الحياد والاستقلال المتطلـب في هيئة التحكيم، هذا فضلاً عن مخالفة حكم التحكيم للتكييف الصحيح للوقائع ممـا جـره إلـى حلول مجحفة وغير قانونية. كما أضاف بأن طلب التعويض الذي بحثته هيئة التحكيم وحكمت به يخرج عن نطاق موضوع التحكيم، وكذلك فإن هذا التعويض يتوقف أمره على صدور أحكـام نهائية في طعون مقامة في قرار ومخالفة إيقاف أعمال بناء متعلقة بالعمارة السكنية موضـوع التعاقد.وبصحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة في 2008/6/30 أقام المحتكم ضـده (إبراهيم مهدي) وهشام إبراهيم الدسوقي (الطرف الثالث في عقد النزاع) الدعوى 71 لسنة 125 فضائية تجاري ضد شريكهما نبيل السيد بطلب الحكم ببطلان الحكم التحكيمـي ذات موضـوع دعوي البطلان السالفة الذكر (رقم 65 لسنة 124 ق). وبني هذا الطعن (الثاني) على أسباب تتحصل في الآتي: : 1- بطلان تشكيل هيئة التحكيم لأن العقد موضوع النزاع يتضمن أطراف ثلاثة . و استازم الشرط التحكيمي الوارد به أن يعيين كل طرف محكماً عنه في حال النزاع، والحاصل أن الشريك أو الطرف الثالث هشام الدسوقي لم يعين محكمه بل استبعد هذا الطرف من التحكيم ولـم يـدع إليه، 2- عدم صلاحية تشكيل هيئة التحكيم لوجود رابطة بين المحكم المرجح وبين عضوة في هيئة التحكيم وكذلك المحامي وكيل المحتكم، وهو ما يخالف نصوص قانون السلطة القضائية ويفقد هيئة التحكيم حيادها ونزاهتها.3- خلو حكم التحكيم من تحديد المهمة التحكيمية، إذ كان من واجب المحكم المرجح أن يتقيد بالتفسير الضيق لشرط التحكيم بحيث لا يمتد نطاق التحكيم بحال إلى طلب التعويض، كما فصل الحكم التحكيمي الطعين في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم ذلك أنه فصل في مسألة الخطأ العقدي وهي لم يشملها الشرط التحكيمي.4- خطا الحكم التحكيمـي فـي إعطاء الدعوى التحكيمية وصفها الحق وتكييفها القانوني السليم. 5- إغقال هيئة التحكيم الرد على الدفوع التي تقدم بها المحتكم ضده في مذكرته أمامها.

 

وإذ قررت المحكمة ضم الدعويين ليصدر فيهما الحكم معاً وأرفق بهمـا أوراق التحكيم

 

الطعين، وطلب الحاضر عن وزير العدل بعدم إلزامه بأي مصاريف بحسبان أن وزارة العدل

 

ليست خصماً حقيقياً في النزاع ولا مصلحة لها في شأن ما سوف ينتهي إليه.

 

ونظرت المحكمة النزاع على نحو ما هو مسطر بمحاضر الجلسات حيث قدم المحتكم وهو المطعون ضده الأول في الطعنين (نبيل السيد عبد العال) مذكرة ذكر فيها أن المحتكم ضده الذي لجأ إلى التحكيم هو الذي اختار المحكم المرجح/ مجدي مهران كمال الدين الذي أفصح من البداية عن أنه زوج للمحكمة أي عن محكمة المحتكم/ إيناس محبي الدين عبد المعطي، وأشار المحتكم في مذكرته إلى وجود تحكيم آخر مستقل بينه وبين الشريك الثالث في عقـد التـراع (هـشام الدسوقي) تم بالفعل أمام هيئة التحكيم ذاتها ومقيد بنفس مؤسسة التحكيم برقم 4 لسنة 2007 وقدم صورة من الحكم الصادر في التحكيم المذكور. وبآخر جلسات المرافعة قررت المحكمة النطـق بالحكم بجلسة اليوم وصرحت بمذكرات في أجل مسمى قدم خلاله المطعـون ضـده الأول فـي الدعويين مذكرة بدفاعه التمس فيها الحكم برفض الطعنين.ومن حيث إن الطاعن الثاني في الطعن رقم 71 لسنة 25 ق لم يكن طرفاً فـي الخـصومة التحكيمية التي صدر فيها الحكم المطعون فيه المودع برقم 138 لسنة 2007 شمال القاهرة ولـم يحكم له أوعليه بشيء، ومن ثم يكون طعنه غير مقبول شكلاً، أما بالنسبة للطاعن إبراهيم مهدي المحتكم ضده في كل من الطعنين فإن كل طعن منهما وقد أستوفى أوضاعه الشكلية المقررة فـي القانون، فالمحكمة تقبلهما شكلاً في خصوصه.

 

ومن حيث إن التحكيم هو نظام يسمح فيه القانون بحسم نزاع ما خارج نطاق محاكم الدولة، ومقتضاه اتفاق طرفين أو أكثر على إخراج نزاع معين من اختصاص القضاء وعلى أن يعهد به إلى هيئة تتكون من محكم أو أكثر للفصل فيه بقرار أو حكم ملزم. وهو بهذا المعنى نظام قانوني متميز ومستقل عن القضاء، فلا هو يتفرع عنه كما أنه ليس استثناء منه، ذلك أن التحكيم يقـوم على فكرة من نوع خاص، ترتكن وفي الأساس إلى الاتفاق، تملك خصائصها الذاتيـة المميـزة، يعترف بها المشرع ويرسم حدودها، وتميز التحكيم بذاتيته يعني أن له تطبيقاته المستقلة عن القضاء وصياغته الفنية المغايرة وكذلك قواعده الخاصـة التـي تفرضها العمليـة التحكيميـة ومقاصدها القائمة على مفاهيم ليست هي بالضرورة مفاهيم وقواعد المرافعات القضائية وإن تشابهت في كثير من الأحيان الأسماء واتحد المصطلح،

 

وعلى الرغم أن المحكم ليس قاضياً ولا تكون له صفته، ولكن لكونه يـؤدي عمـلاً شبيهاً بالعمل القضائي، يشترط في المحكم شأنه في ذلك شأن القاضي - أن يكون محايـداً، وشرط الحيدة مسألة شخصية أو حالة تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهه نظر أحدهم، ويفهم هذا الشرط ضمنا من المبادئ القانونية العامة، ويفرضه المنطق السديد حتـى بغير نص في القانون، بحسبانه أمراً يقتضيه المركز القانوني لكل من القاضي أو المحكـم، بـل ولكل من يعهد إليه مهمة الفصل في خصومة. ويتأسس مبدأ الحياد هذا على قاعدة أصولية دينية حضارية – وإن أوردتها التشريعات - قوامها وجوب اطمئنان الخصوم إلى من يفصل فيما شجر بينهم سواء كان قاضياً أم محكماً، وأن حكمه (القاضي أو المحكم) لا يصدر إلا عن الحـق دون تحيز أو هوي. ومع ذلك فأن معنى الحيدة يختلف في التحكيم عنه في القضاء، فكثيراً ما يكـون أساس التحكيم والغرض الرئيسي منه هو رغبة الطرفين في وضع النزاع في يد شخص أمـين حريص على العلاقات القائمة بينهما كرب الأسرة أو صديق حميم للطرفين أو محـام لأحـدهما بحترمه الآخر. وعلى ذلك فأن الصلة بين المحكم والخصوم أو بينه وبين أحدهم لا تؤثر في صحة تعيينه طالما كانت معلومة للخصوم عند الاختيار، هذا الأمر المسموح به فـي التحكيم لا

 

يمكن قبوله بالنسبة لقاضي المحاكم.

 

و لإيضاح المفهوم المختلف لحيدة المحكم عن الحيدة الواجبة في القاضي، تشير المحكمة إلى أن مبدأ الحيدة في القضاء، ينبغي أن يسود كل نواحي الخصومة القضائية، وحتى يتاح لهذا المبدأ أن ينتج كل آثاره، تحرص التشريعات على مبدأ ثان يكمله، وهو ضروري مثله، إذ أن الإخـلال به قد يؤدي إلى إفراغ مبدأ الحيدة من مضمونه، هذا المبدأ (المكمل المبدأ الحيدة) يتعلق بما يعرف باستقلال القاضي، ويعني استقلال القاضي، في إحدى صوره، استقلال القاضي عن الخصوم وعن الغير أصحاب المصلحة في النزاع. فالاستقلال وعدم التحيز (عدم الميل)، إذن، أمران مختلفان وليسا شيئاً واحداً، فهما فكرتان متشابهتان في غايتهما ولكنهما لا تختلطان في مضمونها، والاستقلال بشكل عام يدفع مظنة التأثير على القاضي، وهو أمر يدعم ويوفر الحيدة المطلوبة. وينظر إلى استقلال القاضي عن الخصوم بحسبانه صفة لصيقة بقضاء الدولة، تمتزج بطبيعته ورسالته، بل أن القانون يتجرد من كل قيمة إذا لم يقم على حمايته قضاء محايد مستقل.

 

في مجال التحكيم قد يختلف الحال ولو قليلاً، ذلك أن أمر استقلال المحكـم عـن أطراف التحكيم غير ضروري وليس لازماً دائماً، كما قد يكون للاستقلال في التحكيم معنى مختلف عنـه في القضاء، فرغم أن عمل المحكم يحاكي في جوهره الوظيفة المنوط بها قاضي الدولة، ومع ذلك فأنه لا يمكن اعتبار المحكم، من الناحية الفنية والواقعية قاضياً، حتى بالنسبة للنـزاع التحكيمـي المعروض عليه، ومن ثم لا تنطبق على المحكم قواعد قضاء الدولة.

 

القضاة ولأن المحكم غير القاضي ولأن التحكيم غير القضاء؛ فقد غابر المشرع المصري بـين والمحكمين فيما أورده من أسباب رد او عدم صلاحية كل منهما. وبالنسبة للقاضي الـذي يباشر وظيفة القضاء في محاكم الدولة، الذي يعد مفروضاً على الخصوم، سلك المشرع طريـق التفصيل في إيراد أسباب عدم صلاحيته لنظر الدعوى على سبيل الحصر (المادة 146 مرافعات)، وكذلك عندما فعل بالنسبة لأسباب رده (المادة 148 مرافعات)، في حين أنه بالنسبة للمحكمين، فقد سلك المشرع طريق الإجمال والعمومية، فنص في المادة 18 من قانون التحكيم علـى أنـه: "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير الشك حول حيدته واستقلاله. ولا يجوز لأي مـن طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين". من الواضح، إذاً، أن رد المحكمين وعدم صلاحيتهم في قانون التحكيم يختلف عن رد وعـدم صلاحية القضاة الوارد في قانون المرافعات ذلك إن ما يفقد المحكم صلاحيته لنظر الدعوى التحكيمية يختلف بالضرورة عن أسباب عدم الصلاحية الواردة في شأن القضاة، وعلـي سـبيل المثال فإن قانون المرافعات يجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعة، بحسبانه يكون في هذا الفرض غيـر مـستقل عن الخصم، هذا الحظر لا يعرفه قانون التحكيم وليس محتمـا ولا تستلزمه طبيعـة العمليـة التحكيمية، فلم يضع القانون أي شروط أو قيود تحول دون تعيين الأقارب والأصهار كمحكمـين في دعاوى تحكيمية طالما قبل ذلك الأطراف الأخرون في الدعوى التحكيمية، بينما يضع القانون قيودا صارمة تتعلق بعدم صلاحية القضـاة إذا عرضت عليهم أي منازعات تتعلق بأقارب لهم من درجات معينة.

 

نزاهته ومن ناحية أخرى، وكغيره من النظم القانونية واللوائح المؤسسية، يتطلب المشرع المصري (المادة 16/ 3تحكيم) من المحكم عند قبوله التحكيم ضرورة الكشف عن أية اعتبارات تتصل بالعلاقة بينه وكل من أطراف النزاع أو أي علاقة له بموضوع النزاع قد تثير الشكوك حـول واستقلاله، ويلاحظ أن الهدف من هذا الكشف أو الإفصاح هو إتاحة الفرصة للأطـراف الموقوف على أسباب قد تثير مظهر التحيز دون أن ترتب بالضرورة تحيزاً حقيقياً من جانبه. بيد أنه إذا حصل التصريح من المحكم عن النحو السابق، فقد لا يمنعه ذلك من أن يكون محكماً فـي النزاع ذاته موضوع الإفصاح، وذلك إذا ما ارتضى الأطراف مباشرته لمهمته بعد علمهـم بمـا صرح به. فالخصوم قد يثقوا في عدالة المحكم وحياده رغم الإقضاء لهم عن أموراً أو اعتبارات قد تثير الشكوك في هذه الحيدة. وأيا ما كان الأمر فإنه إذا قام المحكم، عند ترشيحه أو عند قبوله التحكيم، بالإفصاح عن الاعتبارات التي تربطه بأحد الأطراف أو الكشف عن الظروف التي مـن شأنها أن تثير ظنون مبررة حول عدم حيدته أو انتفاء استقلاله. ولم يعترض الطرف الآخر، لـم يعد من الجائز مستقبلا إعادة إثارة الأمر بالنسبة لصلاحية المحكم، أمر استقلال المحكم يخضع في الكثير من الأحوال لإرادة أطراف النزاع، فقد يتغاضون عن مثل هذا الاستقلال أو عن بعض المظاهر الخارجية التي قد تشير ظاهريا- إلى عدم الحيدة أو عدم النزاهة. هذا التغاضي ينفرد به نظام التحكيم، لا يسمح به قانون المرافعات بحسبانه قانون القضاة، وهو أمر غير مستساغ، ولا يمكن هضمه أو القبول به في العمل القضائي،

 

لما كان ذلك وكان الثابت من أوراق التحكيم الطعين وبجلسة التحكيم المنعقدة فـي 4/24/ 2007 أن الطاعن إبراهيم مهدي وافق على تعيين المحكم الثالث المرجح الذي قبـل مهمتـه التحكيمية مع إفصاحه كتابة على أنه زوج للمحكمة إيناس محيي الدين المختارة من قبل الطـاعن أيضاً، ولم يعترض الأخير على ذلك وإنما ارتضى السير في التحكيم رغم درايته بتلـك الـصلة المثيرة للشكوك ومن ثم فليس له أن يتعلل بعد ذلك بالزعم بعدم حيدة هيئة التحكيم أو بعدم صحة تشكيلها توصلا للقضاء ببطلان حكمها.

 

ولأن استقلال المحكم يقوم في الغالب على مظاهر خارجية، مثل عدم ارتباطه بالخصوم بأي طريقة تؤثر في استقلاله، ومن ثم كان من السهل إثبات وتقرير وجود الاستقلال لدى المحكـم أو عدم وجوده بالرجوع إلى هذه المظاهر، ومع ذلك فإن عدم استقلال المحكم، ورغم الكشف عنه أو إثباته، قد يتم للأطراف التغاضي عنه أو إقراره ولو ضمناً، وعلى ذلك فلا يصح الاحتجاج علـى حكم التحكيم بأن وكيل المحكتم يعمل بمكتب المحكم المرجح، ذلك أن الواضح من أوراق التحكيم أن الطاعن كان على علم بما بهذه الصلة ولم يعترض عليها حتى صدور الحكم التحكيمي.

 

ومن حيث إن هيئة التحكيم ملزمة بأثر اتفاق التحكيم فيما يتعلق بتحديد أطراف الخصومة التحكيمية وعلى هذا فليس هناك محل لما ينعاه الطاعن على التحكيم الطعين لأنه لم يشمل شخصاً ثالثا طرفاً في العقد موضوع النزاع المتضمن شرط التحكيم. ذلك أن طرفا التحكيم الطعـيـن لـم يحتجا بوجود ذلك الطرف الثالث ووجوب اختصامه كما لم توجه إليه ثمة طلبات تحكيميـة ولـم يلزمه الحكم بشيء ولا يعد ذلك الحكم في جميع الأحوال حجة عليه، بل أن الطاعن لم ينكر أن هذا الطرف الثالث كان طرفاً في نزاع تحكيمي آخر بخصوص العقد ذاته المـدرج بـه شـرط التحكيم.

 

ومن حيث إن البين من الأوراق أن مسألة تعويض المحكتم ضده عن الأضرار التي أصابته من جراء منعه من الانتفاع بملكه الشائع نتيجة أخطاء نسبها للطاعن المحكتم ضده منها مخالفته لأعمال البناء ووقف هذه الأعمال فضلا عن فروق أسعار مع وجـود شـرط جزائـي - كانـت مطروحة أمام هيئة التحكيم للفصل فيها دون اعتراض وهو ما يكفي لاعتبار هذه المسألة داخلـة في نطاق التحكيم الذي يتحدد نهائيا بالطلبات المتبادلة بين طرفي النزاع أمام هيئة التحكيم وعليه فلا صحة إذن لما قاله الطاعن أن طلب التعويض لم يشمله النزاع التحكيمي أو بأن هيئة التحكيم فصلت في مسألة لا يشملها اتفاق التحكيم.

 

أما من حيث ما ينعاه الطاعن من مخالفة الحكم التحكيمي المطعون فيه للقانون والخطأ في تكييف ماديات النزاع ومن ثم الخطأ في تطبيق القانون وكذلك عـدم انتظار صدور أحكـام جنائية متعلقة بالعقار موضوع عقد البند التحكيمي، فمردود بأن المشرع حدد أسباب إيطـال حكم التحكيم على سبيل الحصر (في المادة 53 تحكيم) بحيث لا يقبـل فـي الطعـن بدعوى البطلان الطعون المؤسسة على سبب غير منصوص عليه. ومن ثم لا تملك المحكمة وبحسب تلك المادة التعرض بشكل مباشر للموضوع الذي تناوله حكم التحكيم أو مناقشة مدى صـواب أو خطأ ما ذهب إليه الحكم في تصديه لفهم أو تكييفه أو تفسير القانون أو تطبيقـه أو كفايـة أسباب الحكم أو قصورها طالما كان كشف التعليل الوارد بالحكم عن الطريـق الـذي اتبعـه المحكم لتكوين رأيه.

 

ومن حيث لكل ما تقدم تقضي المحكمة برفض الطعنين مع إلزام المدعون بالمصروفات.

 

فلهذه الأسباب

 

حكمت المحكمة:

 

أولاً- في الطعن رقم 65 لسنة 124 ق: بقبوله شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت رافعه بالمصاريف القضائية ومائة جنية أتعاب

 

محاماة.

 

ثانيا- في الطعن رقم 71 لسنة 125 ق: بعدم قبوله بالنسبة للطاعن الثاني هشام إبراهيم الدسوقي وقبوله شكلاً بالنسبة للطـاعن

 

إبراهيم محمود مهدي، وفي الموضوع برفضه وألزمت الطاعنين بالمصاريف القضائية ومائـة

 

جنية أتعاب محاماة.

 

أمين السر

 

رئيس المحكمة إسماعيل إبراهيم الزيادي