بصفة عامة ، تتعلق دعوى البطلان بالنظام العام . ومعنى ذلك أنه يمتنع على الأطراف النزول عنها بالاتفاق . بيد أن هذه النتيجة يعوزها التدقيق ، إذا ما اخذنا في الاعتبار أن تحريك هذه الدعوى يتوقف على إرادة الأطراف.
وبهذه المثابة ، يتعين التفرقة بين النزول عنها قبل ثبوت الحق فيها ، وبعد ثبوت هذا الحق .
فيمتنع على الأطراف النزول عنها مقدما قبل صدور الحكم التحكيمي أى قبل ثبوت الحق فيها . فالشروط التي قد يتضمنها اتفاق التحكيم أو أى إتفاق آخر وتقضى بأن يكون حكم التحكيم الذى سوف يصدر في الدعوى ، غير قابل للطعن عليه، تقع باطلة مطلقا ولا يعتد بها .
أما إذا تم هذا التنازل الاتفاقى بعد صدور الحكم التحكيمي ، فهو ينتج آثاره كاملة . بحيث لا يجوز للمحكوم ضده، استخدام دعوى البطلان ، بعد نزوله عن حقه فيها.
وقد جاء هذا المعنى على أوضح ما يكون في عجز المادة ٥٤/ تحكيم مصرى التي تنص فقرتها الأولى على أن "..... ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعى البطلان عن حقه فى رفعها قبل صدور حكم التحكيم ".
ويشترط لقبول دعوى البطلان ، أن لا يكون المدعى قد تنازل عن سبب البطلان سند الدعوى ، بصورة ضمنية قبل صدور حكم التحكيم .
آية هذه الحالة ، أنه أثناء العملية التحكيمية ، قد تظهر بعض المخالفات ويسكت الطرف المعنى بها عن إثارتها أمام هيئة التحكيم . فإذا ما صدر الحكم على غير ما يشتهى ، يلجأ إلى التمسك بهذه المخالفات من أجل الوصول إلى إلغاء هذا الحكم.
ولما كان هذا المسلك ، يكشف عن رغبه في التسويف واللدد في خصومة البطلان ، فلا مناص من اعتبار سكوته عن الاعتراض على هذه المخالفات بمثابة تنازل ضمني عن التمسك بها لاحقا أي بعد صدور الحكم.
ومن هنا ، أصبح من المقبول أن يتوقف قبول دعوى البطلان على ألا يكون المدعى سبق أن تنازل ضمنيا عن سبب البطلان الذي أقام عليه دعواه .
وقد حرص القانون النموذجي على تنظيم هذا الشرط في مادته الرابعة التي تنص على " يعتبر متنازلا عن حقه فى الاعتراض الطرف الذي يعلم بوقوع مخالفة لحكم من أحكام هذا القانون يجوز للطرفين مخالفته ، أو لشرط من شروط اتفاق التحكيم، ويستمر مع ذلك فى اجراءات التحكيم دون أن يبادر إلى الاعتراض على هذه المخالفة بلا إبطاء لا موجب له ، أو يستمر فيها في غضون المدة المحددة لذلك ، إن كان ثمة مثل لهذه المدة ".
وبناء على هذا النص نص المادة ٥٤٥ / ١ من قانون التحكيم يمكن التمييز بين مرحلتين فيما يتعلق بمدى الاعتداد بالتنازل عن الحق في رفع دعـــــوى البطلان
المرحلة الأولى : وهى المرحلة التي تسبق صدور حكم التحكيم وفي هـذه المرحلة لا يعتد بأى تنازل يصدر من الخصم " وإذا صدر هذا التنازل يعد كأن لم يكن ويكون للخصم الحق في رفع الدعوى .
المرحلة الثانية وهى المرحلة التى تلى صدور حكم التحكيم وهنا يكون للخصم الحق في التنازل عن رفع الدعوى لأن الأمر يتعلق بحق خــاص لــه ولا يجبر على إستعماله .
ويلاحظ أن المشرع لم يشترط لصحة التنازل عن الحق في رفع دعوى البطلان شكلا معينا وبالتالى يمكن أن يحدث الآتى :
(۱) يمكن أن يتم التنازل عن الحق في رفع الدعوى بموجب إتفاق كتابي بــين الخصوم بعد صدور الحكم .
(٢) يمكن أن يتم التنازل بموجب تعهد صريح بالإرادة المنفردة مــن قبــل المحكوم عليه (۳) يمكن أن يحدث التنازل بشكل ضمنى لا يدع مجالا للشك حول حقيقة المقصود من إرادة الخصم ومثال ذلك إذا قام المحكوم ضده بتنفيذ حكم التحكيم باختياره بمجرد صدور الحكم وهو يعلم أن من حقه رفع دعوى البطلان .