وتعمل الكثير من غرف ومراكز التحكيم، المنتشرة في ربوع العالم، على تعضيد تنفيذ حكم التحكيم بمجرد صدوره. وهناك العديد من الإجراءات القاسية، التي قد تمس سبلة الشخص الذي يتقاعس عن تنفيذه، والتي يلجا إليها خاصة في مجال التجارة الدولية، إذا لم ينفذ أحد الأطراف حكم التحكيم الصادر ضده، وقد تكون أشد مما يتعرض له المنفذ ضده في حالة ص دور حكم قضائي في بلده. وقد تتمثل هذه الإجراءات في نشر اسم الشخص الذي لم ينفذ حكم التحكيم، مما قد يصيبه باضرار فادحة، ذلك لأن الأشخاص الأخرى، سوف تحجم عن الدخول معه في أية تعاملات. وتتمثل فضلا عن ذلك في عدم استفادته من التسهيلات التي تعطيها المنظمات المهنية التابع لها، وقد يصل الأمر بهذه المنظمات إلى فصل الشخص غير المنفذ الحكم التحكيم.
وبناء على ذلك، إذا صدر حكم التحكيم، فيجوز هنا لمن له حق في التمسك ببطلانه النزول عنه صراحة، مثال ذلك أن يبعث خطابا يتضمن قبوله التحكيم .
على أنه يشترط، لكي يمكن القول بوجود تنازل عن رفع دعوی البطلان، سواء كان صريحا أم ضمنيا، أن يكون قبل صدور أمر التنفيذ، فإذا صدر أمر التنفيذ فلا نكون بصدد تنفيذ اختیاری ولو كان المنفذ لا يعلم بصدور أمر التنفيذ من الناحية الواقعية، ولما كان موضوع التنازل عن حق رفع دعوى البطلان ضد حكم التحكيم، سواء كان صريحا أم ضمنيا جزئيا أم كليا، يتسم بالخطورة، لذا يجب توافر أهلية التصرف في التنازل وخلو الإرادة من العيوب، وأن يكون دالا على ترك الحق في رفعها دلالة لا تحتمل الشك، وعلى ذلك فإنه إذا كان يمكن تأويله على أكثر من وجه، فلا يمكن القول بوجوده من الناحية القانونية، وألا يكون متعلقا بمسألة من النظام العام .
ومما تجدر ملاحظته أن دعوى البطلان، تقبل ولو نزل المحكوم عليه عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم ، لأنه ليس لأحد أن ينزل مطلقا عن حق قبل نشأته، وهو ما تنص عليه المادة ۹۰۰ من قانون الإجراءات المدنية اليوناني بقولها «ببطلان أي تنازل عن رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، إذا حدث هذا التنازل، قبل صدور حكم التحكيم»، وهذا بخلاف حق الطعن في الأحكام، والتي يجوز لصاحب المصلحة في الطعن الاتفاق على النزول عنه. وهنا يبدو واضحا أن دعوى البطلان، لا تعتبر طريقا من طرق الطعن على الأحكام، كما سبق أن نوهنا.
وهذا لا ينفي أن الطرق المحكوم ضده، في حكم التحكيم، قد يكون على صواب في امتناعه عن تنفيذ حكم التحكيم، لذا يتعين عدم استعمال وسائل الضغط المنتشرة في حقل التجارة الدولية، إلا إذا تم التأكد فعلا، أن الشخص غير المنفذ الحكم التحكيم، ليس لديه ما يستند إليه في هذا الصدد، ليعطل تنفيذ الحكم.
وهناك بعض الدول كما سبق أن أوضحنا في موضوع نطاق البطلان في الفصل التمهيدي-، ورغبة منها في جذب التحكيم إليها، فإن قوانينها تقضي بانه يجوز للأطراف، الذين ليس لهم موطن، أو محلا إقامة فيها، أو مؤسسة، أن يعلنوا صراحة في اتفاق التحكيم، أو في اتفاق لاحق، أنهم يستبعدون كل صور الرجوع على أحكام التحكيم، مثال ذلك المادة ۱۹۲ من القانون السويسري والمادة ۱۷۱۷ من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي.
والتنازل الحاصل من أحد الأطراف عن رفع دعوى البطلان، بعد صدور حكم التحكيم، لا يسرى إلا عليه وحده، فلا يسري في حق الأطراف ارب الآخرين.
۲- أن يكون حكم التحكيم المرفوع ضده دعوى البطلان أجنبيا :
: وأخيرا، يشترط لقبول دعوى البطلان، أمام القاضي الوطني، ألا يكون حكم التحكيم أجنبيا). - وقد أكد ذلك، حكم محكمة استئناف القاهرة بقولها بعدم اختصاص المحاكم المصرية دوليا بدعاوی بطلان حكم التحكيم التجارى الدولى التي تصدر خارج إقليم جمهورية مصر العربية، مادام أطراف التحكيم لم يتفقوا على إخضاعه لقانون التحكيم المصرى رقم ۲۷ لسنة 14. وقد أقامت المحكمة قضاءها على الأسباب الآتية:
1- نص المشرع في المادة الأولى من قانون التحكيم على أنه سمع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في مصر تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم يجري في مصر أو كان تحكيما تجاريا دوليا في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لهذا القانون. ومفاد هذا النص قصر أحكام القانون المذكور على التحكيم الذي يجري في مصر، والمشرع في ذلك قد التزم نطاق سلطانه الإقليمي في التشريع من ناحية ، كما راعی- في نفس الوقت التزام مصر بالاعتراف باحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها في إقليمها طبقا لاتفاقية نيويورك سنة 58، كما يتفق حكم المادة الأولى المذكورة، كذلك مع نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة القانون التجارة الدولية سنة ۸۵. ومؤدى ذلك كله عدم سريان أحكام قانون التحكيم المصرى على كل تحكيم يجری خارج مصر. بيد أن المشرع استثنى من ذلك التحكيم التجاري الدولي، إذا اتفق أطرفه على إخضاعه الأحكام القانون المذكور، وفي هذه الحالة يجري تطبيق هذا القانون باعتباره قانون إرادة الأطراف، وتطبيقا لذلك جرى نص المادة ۲/۵۲ من قانون التحكيم، على قصر نطاق تطبيق قواعد الباب المعاني منه (الخاصة ببطلان حكم التحكيم)، على أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكامه .
2- إذا اتفق الأطراف على إجراء التحكيم، خارج مصر، دون أن يتفقوا على إخضاعه لقانون التحكيم المصرى، فإن مؤدى ذلك اتفاقهم على إخراج النزاع من دائرة الاختصاص القضائي، لأية محكمة وطنية وإخضاعه التحكيم في إقليم دولة أخرى، طبقا للإجراءات المقررة في ذلك إقليم أو المتفق عليها، وبذلك يكونوا بالطبع قد أخرجوا النزاع وإجراءات الفصل فيه من دائرة الاختصاص القضائي للمحاكم المصرية .
٣- إن المادة الثالثة من اتفاقية نيويورك سنة 58، قد ألزمت الدول الموقعة عليها بالاعتراف بحجية حكم التحكيم، الذي يصدر خارج إقليمها وأوجبت عليها تنفيذه طيقا لقواعد المرافعات المعمول بها في إقليميا. وفي نفس الوقت حظرت (المادة 5 فقرة 5/1)، على تلك الدول رفض الاعتراف بحكم التحكيم المذكور أو رفض تنفيذه، إلا إذا قدم الخصم الذي يحتج به عليه الدليل على أن الحكم المطلوب الاعتراف به وتنفيذه، لم يصبح ملزما للخصوم، أو ألغته، أو أوقفته السلطة المختصة في الدولة، التي صدر فی اقليمها، أو طبقا لقوانينها. وهكذا فقد ربطت هذه الاتفاقية أحكام التحكيم الأجنبية بالنظام القانوني للدولة التي صدرت فيها، وقررت قاعدة اختصاص محاكم هذه الدولة وحدها بدعاوی بطلان تلك الأحكام. أما محاكم الدول الأخرى، فليس لها أن تعيد النظر في ذلك الحكم ، سواء من ناحية صحته أم بطلانه، وكل ما لها إن طلب إليها الاعتراف بحكم تحكيم أجنبي، أو تنفيذه أن ترفض ذلك استنادا إلى أحد الأسباب التي تجيز لها ذلك في القانون المعمول به في إقليمها، أو للأسباب الواردة في اتفاقية نيويورك، ودون أن يكون لمثل هذا الرفض أي أثر على حجية التحكيم. ومن المعلوم أن مصر قد انضمت للاتفاقية بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم ۱۷۱ لسنة 59، وبذلك فإن الدفع بعدم اختصاص المحاكم المصرية بدعاوی بطلان احكام التحكيم الأجنبية، هي قاعدة تتعلق بالولاية ومن ثم تقضى بها المحكمة من تلقاء نفسها وفقا لنص المادة ۱۰۹ مرافعات .
4 - إن مبدأ عدم اختصاص محاكم الدولة بدعاوی بطلان أحكام التحكيم الأجنبية، قد أضحت من المبادئ المسلم بها عموما، إذ تجرى عليه غالبية تشريعات التحكيم .
۵- جرى قضاء الاستئناف في مصر وفرنسا، على ذلك، بل به اعتبر ذلك من الوضوح، بحيث أن التنكر لذلك، يعتبر دليلا على س وء النية والتعسف، الذي يوجب المسئولية على رفع دعوى بطلان حكم التحكيم الأجنبي.