المطلب الأول : يجب أن تتعلق دعوي البطلان بحكم تحكيم
دعوى بطلان حكم التحكيم تمثل نظاما قانونياً إجرائياً خاصاً ومستقلاً عن نظام بطلان الأحكام القضائية .
الفرع الأول أن يكون الحكم صادراً من هيئة تحكيم مشكلة وفق صحيح القانون
فالقرار الذي يكون محلاً لدعوي بطلان هو ذلك القرار الذي يصدر عن هيئة تحكيم بمفهومها الوارد بنص قانون التحكيم والتي توافرت لأعضائها الشروط اللازمة للفصل في موضوع النزاع، فتكون مشكلة على النحو الذي ورد بإتفاق التحكيم (شرط أو مشارطة)، وبالشكل الذي نص عليه قانون التحكيم.
قضت محكمة النقض بأنه إذا شكلت لجنة مهمتها مواصلة دراسة الأسس الشرعية والودية لتسوية الخلاف بين المصرف وأحد العملاء، وخلصت اللجنة إلى إقتراح تسوية معينة بين الطرفين تسدد المديونية بموجبها، فإن هذه اللجنة تكون لجنة ودية ينتفي عن قرارها طابع الإلزام ولا يعد قرارها "حكم تحكيم" صادر عن هيئة تحكيم بما لا يجوز طلب بطلانه إستناداً للمادة رقم ٥١٢ مرافعات(ملغي) المنطبقة علي الواقع في الدعوى.
وفي جميع الأحوال يجب أن يكون حكم التحكيم صادراً من هيئة تحكيم سواء أكان تحكيماً حراً (10 قانون التحكيم) أو مؤسسياً ( م 5، 6 من قانون التحكيم)، وسواء كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد أو أكثر (م 15 قانون التحكيم)، وسواء كان تحكيماً بالقضاء (بالقانون) أو بالصلح (وفقاً لقواعد العدالة)، وسواء كان البطلان الذي أصاب الحكم كلياً أو جزئياً.
الفرع الثاني : أن يكون حكما تحكيميا بالمعني الصحيح
العنصر الأول: أن يكون هذا القرار قطعيا ينحسم به النزاع المعروض على هيئة التحكيم
فإن القرارات التي تصدرها هيئة التحكيم وتتعلق بالفصل في مسألة الإختصاص إعمالاً لمبدأ الإختصاص بالإختصاص، وتقضي بموجبها في الدفوع المتعلقة بعدم إختصاصها أو الدفوع المبنية على عدم وجود إتفاق التحكيم سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله على موضوع النزاع (۱/۲۲ قانون التحكيم)، هي أحكام قطعية لأنها حسمت بموجبها جزء من النزاع المطروح عليها بصورة نهائية.
العنصر الثاني : ان يكون قرار هيئة التحكيم ملزما
فيجب أن يكون قرار هيئة التحكيم ملزماً للخصم الذي حكم ضده، فإذا كان حكم التحكيم المنهي للخصومة لم يتضمن إلزاماً على أي من الطرفين وكان نفاذ ما إنتهت إليه هيئة التحكيم بشأن النزاع يتوقف على إتفاق الطرفين فلا يعتبر قرارها حكماً تحكيمياً، ويكون قرار هيئة التحكيم حكماً تحكيمياً سواء أكان حكماً بإلزام أو حكماً مقررا أو حكماً منشئا .
الفرع الثالث : أن يكون الحكم صادرا في تحكيم يخضع لأحكام القانون المصري
يكون التحكيم مصرياً متي كان بين أطراف من أشخاص القانون الخاص أو القانون العام، أياً كانت طبيعة العلاقة التعاقدية التي يدور حولها النزاع، وكان هذا النزاع يجري في مصر، كما يكون التحكيم مصرياً إذا كان تحكيماً دولياً تجارياً يتم في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم المصري، وقد جاء نص المادة الأولي من قانون التحكيم قاطع الدلالة في هذا الخصوص.
ومن ثم فلا مجال للقول برفع دعوي بطلان حكم تحكيم أجنبي أمام المحاكم المصرية، طالما لم يتفق طرفا التحكيم على إخضاعه لأحكام القانون المصري، ويخضع الفصل في بطلان حكم التحكيم الأجنبي من حيث أسبابه أو المحكمة المختصة للقانون الأجنبي في الدولة التي صدر فيها حكم التحكيم لتعلق الفصل فيه بالولاية .
ويخضع حكم التحكيم الأجنبي الصادر خارج مصر ولم يتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكيم المصري، عند طلب تنفيذه لقواعد التنفيذ المقررة في قانون التحكيم .
تغليب إرادة الأطراف في إخضاع التحكيم للقانون المصري، بما يستتبعه من إخضاع حكم التحكيم لدعوي البطلان التي ينظمها القانون المصري بما في ذلك منح الإختصاص بها للقضاء المصري إعمالاً لتلك الإرادة.
الإختصاص الإقليمي للمحاكم والتي بموجبها تختص محكمة الدولة التي يصدر فيها حكم التحكيم بدعوى بطلانه.
ويرى أن الحل الواجب الأخذ به في القانون المصري، هو عدم إختصاص القضاء المصري بنظر دعوي بطلان حكم التحكيم الذي يصدر في الخارج حتي ولو إتفق على إخضاعه للقانون المصري، مستدلاً في ذلك بما إنتهي إليه الفقه والقضاء في فرنسا بعد صدور لائحة ١٢ مایو ۱۹۸۱ حيث نصت المادة رقم 1/1504 مرافعات فرنسي على إختصاص القضاء الفرنسي بدعوى بطلان حكم التحكيم الدولي الصادر في فرنسا، حيث أسس الفقه والقضاء رأيه علي أن النتيجة السلبية لهذا النص تقضي بعدم إختصاص القضاء الفرنسي بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم الدولي ولو إتفق على إخضاع إجراءاته لقانون التحكيم الفرنسي، واستدل تأييداً لهذا الرأي بمفهوم المخالفة لما قررته محكمة إستئناف القاهرة ، من أن إتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام الأجنبية التي إنضمت اليها مصر، قد ربطت أحكام المحكمين الأجنبية بالنظام القانوني للدولة التي صدرت فيها، عندما نصت المادة الخامسة منها على وجوب الإعتراف أو الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إلا إذا ألغته أو أوقفته السلطة المختصة في الدولة التي صدر فيها، وقررت قاعدة إختصاص محاكم هذه الدولة وحدها دون غيرها بدعاوي بطلان تلك الأحكام.
رأى الباحث في المسألة :
من جانبنا نري بإختصاص القضاء المصري بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم الصادر في كل تحكيم تجاري دولي أجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم المصري، وذلك للأسباب التالية:
1. أن نص المادة الأولي من قانون التحكيم الحالي، أوضحت نطاق سريان هذا القانون، وبينت أحكام التحكيم الخاضعة لأحكامه، ومايزت بين نوعين:
النوع الأول: التحكيم الذي يجري في مصر، وهو معيار مكاني يرتبط بإقليمية القاعدة القانونية التي يترتب عليها تحديد المحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً لأحكام هذا القانون.
النوع الثاني: التحكيم التجاري الدولي الذي يجري في الخارج ويتفق أطرافه على خضوعه لأحكام قانون التحكيم المصري.ومن ثم فلا يقبل القول بأن يكون حكم التحكيم الذي يصدر في النوع الأول فقط دون الثاني هو الذي يدخل في إختصاص المحاكم المصرية بنظر دعوي بطلانه، لمخالفة ذلك لصريح نص المادة الأولي، وإلا لما كان المشرع في حاجه إلى التمييز بين نوعي التحكيم على النحو الموضح بتلك المادة.
٢. أن نطاق سريان قانون التحكيم المصري الحالي على نوعي التحكيم المشار إليهما يمتد ليشمل الإجراءات والأحكام الخاصة بالطعن عليه بدعوي البطلان وتنفيذه وفقاً للأحكام الواردة في قانون التحكيم، وعلي وجه الخصوص النوع الثاني، فيخضع عند تنفيذه للأحكام الواردة بالباب السابع بالمواد أرقام (55، 56، 57، 58) من قانون التحكيم وليس لأحكام المواد أرقام (٢٩٦، ٢٩٧) من قانون المرافعات بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية.وتختص محكمة الإستئناف المحددة بالمادة التاسعة من قانون التحكيم بنظر دعوى البطلان في الأحكام الصادرة في النوع الثاني المشار اليه.
3. أن المشرع المصري أكد في قانون التحكيم الحالي على إعلاء مبدأ سلطان الإرادة الذي يقوم عليه التحكيم كنظام لتسوية المنازعات، وإحترم إرادة الطرفين بشأن إختيارهما خضوع التحكيم التجاري الدولي الذي يجري بينهما خارج مصر لأحكام قانون التحكيم المصري، وإستخدم للتعبير عن ذلك عبارة عامة، دونما تمييز بين أي من الأحكام القانونية التي تضمنها هذا القانون بين دفتيه عند خضوع التحكيم المشار إليه لأحكامه.
4. الأصل أن المشرع المصري قد أخذ في قانون التحكيم بما قرره المشرع الدولي بإحترام الإتفاقيات الدولية التي إنضمت إليها مصر، وكان حريصاً على تأكيد ذلك بالفقرة الأولي من المادة الأولي من قانون التحكيم الحالي .
ه. أن إعمال مبدأ سلطان الإرادة الذي يحكم نظام التحكيم يستوجب إحترام ارادة أطراف التحكيم وما إنتهت إليه، طالما لم تكن مخالفة للنظام العام والآداب في مصر، حتي لو خالفت ما ورد في قانون التحكيم ذاته، بإعتباره النص الواجب التطبيق علي العملية التحكيمية بكاملها ويرجع له عندما تمارس المحكمة المختصة بالبطلان سلطتها في مراجعة مدي إتفاق حكم التحكيم مع ما إتجهت إليه إرادة طرفي التحكيم.
ومن ثم فإن القضاء المصري - في تقديرنا- يختص بنظر دعوي بطلان حكم التحكيم الصادر في كل تحكيم تجاري دولي أجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام قانون التحكيم المصري، إعمالاً لنص قانون التحكيم والإتفاقيات
المطلب الثاني : مدي جواز الطعن بالبطلان على الأحكام الصادرة من هيئة التحكيم قبل الفصل في الموضوع
قد تصدر هيئة التحكيم أثناء سير الخصومة التحكيمية أحكاماً متعلقة بالإثبات أو بالإجراءات أو منح الحماية الوقتية لأى من طرفي التحكيم، كما أنها قد تصدر وإعمالاً لنص المادة (٤٢) من قانون التحكيم أحكاماً قطعية، تحسم بموجبها بعض أوجه النزاع بين الطرفين، كالفصل في بعض الطلبات المقدمة إليها مع إرجاء الفصل في باقي الطلبات ليتم الفصل فيها مع الحكم المنهي للخصومة .
وعلي الرغم من غياب مثل هذا النص العام الذي يحكم هذه المسألة، فإن المشرع قد تعرض لها في قانون التحكيم في موضعين، وأعطى لكل منهما حكماً مختلفاً.
الأول:عندما أجاز في المادة (3/19) لمن قدم طلب برد المحكم وصدر حكم برفضه أن يطعن في هذا الحكم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلانه به أمام المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون، وذلك طعناً على حكم هيئة التحكيم برفض طلب الرد، إعمالاً للفقرة الأولى قبل تعديلها ، وقد تم تعديل إختصاص هيئة التحكيم بالفصل في طلب الرد، ليصبح من إختصاص المحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم بموجب القانون رقم 8 لسنة ٢٠٠٠، ومن ثم فإن ما يتعلق بهذا الموضع في المادة (۱/۱٩) قبل تعديلها لم يعد قائماً.
أما الثاني: نص المادة (۳/۲۲) والمتعلق بما تصدره هيئة التحكيم من أحكام تتعلق بالفصل بعدم إختصاصها، ولو كان الدفع مبنياً على عدم وجود إتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع، ووفقاً لهذا النص، إذا قضت هيئة التحكيم برفض الدفع فلا يجوز التمسك به إلا بطريق دعوى البطلان على حكم التحكيم المنهى للخصومة كلها في ضوء الأسباب التي نص عليها في المادة (53) من القانون .
أما الأحكام الأخرى التي لم يرد النص عليها في المادة (٣/٢٢) التي تصدرها هيئة التحكيم قبل الفصل في الموضوع، فلم ينص القانون على حكم يتعلق بجواز رفع دعوى بطلان مباشرة عليها فور صدورها، أو الإنتظار والطعن فيها مع الحكم المنهى للخصومة في دعوى بطلان واحدة.
هيئة التحكيم توقف الفصل في خصومة التحكيم إذا كان سبب دعوى البطلان يمتد
إلى أي حكم يمكن أن يصدر بعد ذلك في خصومة التحكيم. -
رأي الباحث في المسألة
وفي تقديرنا أنه لا يجوز الطعن بالبطلان على الأحكام التي تصدر قبل الفصل في الخصومة التحكيمية، وذلك للأسباب التالية:
1) أن القول بجواز الطعن المباشر بالبطلان على الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم قبل الفصل في الخصومة التحكيمية، من شأنه أن يؤدى إلى تفريغ نظام الرقابة اللاحقة من مضمونه، بحيث لا يبقى لقاضي البطلان ما يفصل فيه عند رفع دعوى البطلان على حكم التحكيم النهائي الذي حسم النزاع، فضلا أن الطعن المباشر على تلك الأحكام قبل صدور حكم التحكيم النهائي، يمثل وبطريق غير مباشر نوع من الرقابة السابقة على حكم التحكيم المنهي للخصومة، بحيث تؤدى – وكما يري بعض الفقه – إلى نوع من التطهير لتلك الأحكام من العيوب التي تشوبها.
٢) أن القاعدة المقررة بالمادة(٢١٢) من قانون المرافعات، التي تقررمبدأ عدم جواز الطعن في الأحكام التي تصدر أثناء سير الخصومة ولا تنتهى بها إلا بعد صدور الحكم المنهى لها، لا مجال لإعمالها في مجال التحكيم، فالطبيعة التعاقدية التي يقوم عليها نظام التحكيم من ناحية، وكونه قضاء إستثنائياً من ناحية أخرى، يقتضى عدم التوسع فيما لم يرد به نص في القانون ينظمه، وينبغي أن يترك الأمر إلى إتفاق الطرفين لأن الآثار المترتبة على جواز الطعن بالبطلان على هذا النوع من الأحكام إنما ترتد على طرفي التحكيم دون غيرهما، فإن أجازاه كان بها ونعمت، وإن لم يتفقا عليه فلا يجوز الطعن عليها مباشرة إلا مع الحكم المنهى للخصومة.
3) أن المشرع لو كان يرغب في إجازة الطعن بالبطلان في تلك الأحكام مباشرة دون إنتظار للحكم المنهى للخصومة لكان نص عليه صراحة، مثل ما أعلن عن إرادته عندما نص في المادة (٢٢) من قانون التحكيم، بعدم جواز الطعن في حكم هيئة التحكيم الصادر برفض الدفع بعدم الإختصاص حتى ولو كان مبنياً على عدم وجود إتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع، ولو رأى غير ذلك لكان قد قرر إستثناء بالنسبة للأحكام التي تصدر قبل الفصل في الخصومة، ولا يجوز قانوناً أن يفسر سكوت المشرع بأنه رضاء بجواز الطعن بالبطلان فيه قبل إنتهاء الخصومة.
4) أن من شأن القول بجواز الطعن بالبطلان مباشرة في الأحكام التي تصدر قبل صدور الحكم المنهي للخصومة التعارض مع الأهداف الأساسية التي يقوم عليها نظام التحكيم، والتي تقتضى أن يتم الفصل في الخصومة بالسرعة اللازمة خلال المدة المتفق عليها بين طرفي التحكيم، لأنه عند الطعن في هذه الأحكام، سوف تضطر هيئة التحكيم إلى وقف الخصومة، وهو ما يتعارض مع تحقيق هذه الأهداف، فضلاً عن تعارضه مع مبدأ سلطان إرادة طرفي التحكيم الذي يقوم هذا النظام على إحترامه.
وعلى ذلك ننتهى إلى أنه لا يجوز الطعن مباشرة على الأحكام التي تصدرها هيئة التحكيم قبل الفصل في الخصومة التحكيمية، ويتعين الإنتظار حتى صدور الحكم المنهي للخصومة ويتم الطعن فيها جميعاً بالبطلان بدعوى واحدة، حتى لا يترتب على ذلك تقطيع أواصر الخصومة وتعطيل الفصل في النزاع، أسوة بما قرره المشرع في المادة (۳/۲۲) من قانون التحكيم.