التنفيذ / طبيعة دعوى البطلان والتفرقة بينهما وبين طرق الطعن / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / تمييز دعوى البطلان عن غيرها
تتميز دعوى بطلان حكم التحكيم كآلية قانونية للرقابة اللاحقة على حكم التحكيم، عن الطعن على الحكم القضائي ودعوي إنعدام الحكم، ونتناول ذلك على النحو التالي:
أولا: تمييز دعوى البطلان عن الطعن في الأحكام
وأياً كان العيب الذي يلحق بالحكم القضائي فإن وسيلة علاجه تكون بالطعن عليه بالطريق التي حدده القانون، والقاعدة أن دعوي البطلان لا تقبل للطعن على الحكم القضائي.
تتمثل أوجه الاختلاف فيما يلي:
_ أن حكم المحكم يعتبر نوع خاص من العدالة، فهو لا يتوائم مع طرق الطعن في الأحكام التي تهدف بالدرجة الأولي إلى إعادة فحص النزاع من قاضي الطعن بعد إلغاء الحكم المطعون فيه، والسبب الرئيسي في هذه الخصوصية هو تلك الطبيعة التعاقدية لإتفاق التحكيم وما يترتب عليها من إقصاء لقضاء الدولة عن الفصل في النزاع محل إتفاق التحكيم.
_ أن حالات الطعن بالبطلان على حكم تحكيم محددة على سبيل الحصر (م 53 قانون التحكيم)، أما حالات الطعن في الحكم بالطريق العادي -الاستئناف لیست محددة في القانون علي سبيل الحصر سواء ما تعلق منها بالخطأ في الوقائع أو الخطأ في القانون، علي عكس الطعن غير العادي في الحكم فأسبابه محددة علي سبيل الحصرفي القانون.
_ الهدف من دعوي البطلان هو تقرير بطلان حكم التحكيم فقط دون التصدي لموضوع النزاع أما الهدف من الطعن في الحكم هو إلغاؤه أو تعديله، أي المساس بموضوع النزاع.
ثانيا: تمييز دعـوي البطـلان عن دعوي انعدام الحـكم
من المسلم به أن دعوي بطلان حكم التحكيم تتعلق بعيوب تمس إتفاق أو خصومة التحكيم وهي محددة في المادة 53 من قانون التحكيم، وترفع خلال ميعاد معين وأمام محكمة معينة ولها أثر علي التنفيذ ولا تتصدي لموضوع النزاع، ويسقط حق المحكوم عليه في رفعها إذا أعلن بالحكم ولم يقم برفع دعوي ببطلانه خلال ميعاد التسعين يوماً التالية لتاريخ إعلانه، وهي بذلك تختلف عن دعوي إنعدام الحكم.
فإنعدام الحكم جزاء لا يحتاج إلي نص قانوني يقرره أو ينظمه .
وأهم نقاط التمييز بين دعوي البطلان ودعوي إنعدام الحكم تبدو جلية فيما استقر عليه قضاء محكمة النقض بشأن الأثر المترتب علي الحكم المنعدم والأداة التي يكون لصاحب المصلحة اللجوء إليها للتمسك بإنعدامه، وفي ذلك قضت محكمة النقض، أن الأصل في صحة إنعقاد الخصومة أن يكون طرفاها أهلاً للتقاضي وإلا قام مقامهم من يمثلهم قانوناً، وكان عدم إنعقاد الخصومة القضائية من الحكم محله ويجرده بالتالي من ركن لا قيام له بدونه. فإنه لا جناح على من يحتج عليه يمثل هذا الحكم أن يواجه ذلك بإقامة دعوى أصلية ببطلانه .
وقد قضي بأنه ولئن كان المشرع قد حصر طرق الطعن في الأحكام ووضع لها أجالا محددة وإجراءات معينة بحيث يمتنع بحث أسباب الحوار التي قد تلحق بالأحكام إلا عن طريق التظلم بطرق الطعن المناسبة لها، فإذا كان الطعن غير جائز أو كان قد إستغلق فلا سبيل لإهدار تلك الأحكام بدعوى بطلان أصلية وذلك تقديراً لحجية الأحكام بإعتبارها عنوان الحقيقة، إلا أنه يستثنى من هذا الأصل العام وعلي ما جري به قضاء هذه المحكمة حالة تجرد الحكم من أركانه الأصلية كما هو الحال في صدور الحكم من شخص ليس له ولاية القضاء، أو صدوره من قاضي يقوم به سبب من أسباب عدم الصلاحية أو إذا كان أحد طرفي الخصومة ليس له أي وجود قانوني قبل رفع الدعوى كصدور الحكم علي شخص متوفى قبل إختصامه، وكذلك صدور الحكم في خصومة لم تنعقد بين أطرافها .
ويتضح مما تقدم أن مجال إنعدام الحكم أوسع من مجال بطلانه بدعوي، فلا يتقيد بميعاد، كما أن إنعدام الحكم مسألة تتعلق بالنظام العام، وبالتالي يجوز لكل ذي شأن أن يتمسك به (سواء كان طرفاً فيه أو ليس طرفاً فيه) ويتمسك به عن طريق الدفع أو الطلب الأصلي أو العارض أو الطعن أو المنازعة في التنفيذ ويتمسك به في أي وقت ولو لأول مرة أمام محكمة النقض، كما أن للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها ولا يجوز الإتفاق علي مخالفته أو التنازل عنه ولا يقبل التصحيح بالإجازة، أما بطلان الحكم فهو يرتب آثاره حتي يتقرر إبطاله على عكس إنعدام الحكم لا يولد آثاره .
وهكذا فإن دعوي إنعدام الحكم تتميز عن دعوي بطلانه بعدة خصائص تجعلها أقوي وأكثر فعالية وأهمية من دعوى البطلان.