التنفيذ / طبيعة دعوى البطلان والتفرقة بينهما وبين طرق الطعن / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / طبيعة دعوى بطلان حكم التحكيم
دعوى البطلان وعلى ما سبق أن أوضحنا دعوى موضوعية تقريرية الهدف منها قيام محكمة الدرجة الثانية للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع الذي سبق أن فصل فيه حكم التحكيم في غير التحكيم التجاري الدولي أو محكمة الإستئناف بحسب الأحوال، ببحث مدي توافر أي من أسباب البطلان التي ورد النص عليها بالمادة رقم 53 من قانون التحكيم، وهي أسباب حصرية لا تقبل دعوى البطلان بغيرها، فالمحكمة وهي تقوم بهذا الدور إنما تبحث تحقق أي من هذه الحالات في حكم التحكيم المطعون فيه.
وقد منح المشرع بموجب قانون التحكيم الحالي رقم ٢٧ لسنة 1994 أحكام التحكيم القوة التنفيذية الذاتية بمجرد صدورها فيما فصلت فيه ورتب لها حجية الأمر المقضي فيه ورفعها إلى مصاف الأحكام الباتة، وحظر الطعن عليها بأي من طرق الطعن العادية كالإستئناف أو غير العادية كالتماس إعادة النظر والنقض أو حتى إعتراض الخارج عن الخصومة في القضايا التجارية المتعلقة بشهر الإفلاس وفقاً المادة (88) من قانون تنظيم إعادة الهيكلة والصلح الواقي والافلاس الصادر بالقانون رقم 11 لسنة ٢٠١٨ .
فقد جاء نص الفقرة الأولي من المادة ٥٢ من قانون التحكيم قاطعاً في هذا الخصوص، حين قرر:"1. لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية".
إلا أن المشرع وبعد أن منح الحكم التحكيمي هذه الحجية وتلك القوة التنفيذية الذاتية بمجرد صدوره، أجاز رفع دعوى مبتدأة ببطلانه لأسباب حددها حصراً بنص المادة 53 من قانون التحكيم، خلال الميعاد الذي بينه بالمادة 54 منه، فلا تقبل الدعوى لغير تلك الأسباب.
ولا تعتبر دعوى البطلان جزءاً أو مرحلة من خصومة التحكيم بل هي دعوى موضوعية تقريرية بالبطلان دون أن تفصل في موضوع النزاع (الحق أو المركزالقانوني).
كما لا تعتبر طريقاً للطعن أمام محكمة أعلي من المحكمة التي أصدرت الحكم، بل هي وسيلة قانونية لمراجعة الأحكام المعيبة بأي من الأسباب التي ورد النص عليها حصراً بالمادة رقم 53 من قانون التحكيم الحالي .
ولعل ما يبرر ما قام به المشرع من السماح برفع دعوى مبتدأة ببطلان حكم التحكيم لأسباب حددها على سبيل الحصر، هي تلك الطبيعة الإتفاقية التي يقوم عليها النظام القانوني للتحكيم، الذي تلعب فيه إرادة الطرفين الدور الرئيس في نشأته وتحديد نطاقه وسلطة هيئة التحكيم بشأنه حتي صدور الحكم المنهي للخصومة التحكيمية.
وفي ضوء ذلك فإن دعوي بطلان حكم التحكيم تقتصر على ما تقوم به محكمة البطلان من مراقبة مدي اتفاق حكم التحكيم مع النموذج القانوني الذي قرره المشرع أو ذلك الذي إتفق عليه الطرفان، فلا يمتد إختصاصها إلى بحث موضوع النزاع الذي فصل فيه حكم التحكيم من جديد لأنها ليست طعناً على الحكم أو إستئناقاً لما فصل فيه .
فليس لقاضي دعوي البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملاءمة أو مراقبة حسن تقدير المحكمين، يستوي في ذلك أن يكون المحكمون قد أصابوا أو أخطأوا عندما إجتهدوا في تكييفهم للعقد، لأن خطأهم- على فرض وقوعه- لا ينهض سبباً لإبطال حكمهم لأن دعوي البطلان تختلف عن دعوي الإستئناف.
وقد قضت محكمة النقض، في حكم حديث لها، بأن ما يثيره الطاعن بشأن بطلان الحكم لقضاء هيئة التحكيم بناء على علمها الشخصي، فإنه مردود عليه بأن المحكم يختاره الخصوم بالدرجة الأولي لوافر خبرته بالمسائل المماثلة لموضوع النزاع محل التحكيم ومن الطبيعي أن تنعكس تلك الخبرة على قراره ولا يصح أن يوصم قضاؤه بالبطلان لهذا السبب .
وفي تقديرنا، فإن قضاء محكمة النقض سالف البيان _محل نظر_ لأنه وإن كان قد أصاب كبد الحقيقة التي يقوم عليها التحكيم، كون المحكمين يتمتعون بالخبرة في مجال النزاع، وهو ما لا خلاف عليه، إلا أنه وفي جميع الأحوال لا يجب على الإطلاق أن يكون توافر الخبرة لدي المحكم في ذاته مبرراً لإهدار هيئة التحكيم المبادئ الأساسية للتقاضي وحق الخصوم في الدفاع، كونه من المبادئ الأساسية التي لا يجوز المساس بها أو التغول عليها وحرمان الخصم منها، بقالة توافر الخبرة لدي المحكم في موضوع النزاع .
حيث يتوجب على هيئة التحكيم تمكين الخصم من تقديم دفاعه وطلباته، فالحاله موضوع الحكم المشار إليه تتعلق بإلتفات هيئة التحكيم عن دفاع الخصم على الرغم من قيامها بقبول الإستماع إلى خبير الشركة المحتكمة وحضوره فالحالة أمامها في الوقت الذي رفضت السماح لخبير المحتكم ضده (الطاعن) بالحضور أمامها وسماع الشهود دون أن ترد على هذا الدفاع بحكمها المطعون فيه، وبالمخالفة لنص المادة ٢٦ من قانون التحكيم التي أوجبت أن يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة وتهيا لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه.
فنص المادة ٢٦ المشار إليه ترديداً لما ورد في المادة 18 من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985 .
ويعد هذا النص من النصوص الأمرة التي يقوم عليها التنظيم القانوني للعملية التحكيمية، لتعلقه بحق الخصم في الدفاع وإحترام مبدأ المساواة بين الخصوم، وهو من الحقوق الأساسية التي لا يقبل من المحكمة أو هيئة التحكيم التغول عليها أو المساس بها وحرمان الخصم من التمسك بها وممارستها خلال مراحل الخصومة حتي صدور الحكم المنهي لها.
وهو ما يكون معه مسلك هيئة التحكيم (في الحكم محل قضاء محكمة النقض المشار إليه) في هذا الخصوص مخالف لمبدأ أساسي، يدخله تحت طائلة الفقرة (ج) من المادة 53 من قانون التحكيم، ويصم حكمها من وجهة نظرنا بالبطلان، وتكون محكمة النقض فيما ذهبت إليه من إعتبار هذا السبب من قبيل تعييب القضاء ولا يعتبر سبباً يوصم حكم هيئة التحكيم بالبطلان، قد جانبها الصواب.
وكان يتعين عليها وهي المحكمة العليا التي ترد الأحكام إلى جادة الصواب بما تمتلكه من أدوات الرقابة عليها، أن تنتصر للمبادئ الأساسية لحق التقاضي التي لا وجود للأحكام بغير مراعاتها، خاصة مع كون التحكيم طريق إستثنائي للتقاضي، وأن قانون التحكيم لم يتضمن تنظيماً تشريعياً لآلية قانونية كالطعن بالإستئناف تضمن مراجعة حكم التحكيم على خلاف بعض التشريعات الأجنبية والعربية التي جمعت بين الإستئناف والطعن بالبطلان على حكم التحكيم، يمكن من خلالها مراجعة ما قضي به حكم التحكيم.
وحتي لا يكون الإلتفات عن حماية حق الخصم في الدفاع وتحقيق المعاملة المتكافئة بين طرفي التحكيم والمساواة في الدفع والدفاع نوعاً من العقاب لمن لجأ للتحكيم خاصة مع عدم وجود درجة ثانية للنظر في هذا الدفع أو لإعادة الفصل في الموضوع من جديد، لتبني المشرع المصري نظاماً إجرائياً خاصاً للطعن علي حكم التحكيم يخلو من إتاحة طريق الطعن بالاستئناف وما يرتبط به من آثار قانونية تتعلق برفع موضوع