تجدر الإشارة هنا إلى تمييز البطلان عن العديد من المصطلحات الأخرى، كالفسخ فالبطلان هو جزاء رتبه القانون وقرره جزاء لعدم احترام القواعد التي تحكم إبرام العقد، بمعنى أن البطلان ينتج عن عدم توافر ركن من أركان تكون العقد أو شرط من شروط صحته، وبالتالي يكون سبب البطلان هو عيب معاصر لتكوين العقد.
أولا: البطلان والفسخ:
الفسخ في القانون هو "جزاء عدم تنفيذ أحد العاقدين لما رتبه العقد في ذمته من التزامات"، وكذلك يعرف الفسخ بأنه "جزاء إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته" ويختلف الفسخ في سببه عن البطلان، حيث يفترض أن هناك عقدا ملزما للجانبين، توافرت فيه أركان وشروط صحة العقد وبالتالي انعقد صحيحا، إلا أنه أثناء سريان العقد أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته أو لم يقم بتنفيذ التزاماته المقررة والمتفق عليها بموجب العقد، مما حدا بالطرف الآخر طلب فسخ العقد. وعليه؛ إذا تقرر الفسخ زالت كل آثار العقد بأثر رجعي.
ويعود بطلان العقد إلى عيب في ركن من أركان العقد، على عكس الفسخ الذي تكون أركان العقد سليمة مستوفية للشروط مما يكون معه العقد صحيحاً، ولكن يخل أحد المتعاقدين بالتزاماته مما يؤدي للفسخ، لذلك يكون الفسخ محصوراً في العقود الملزمة للجانبين على عكس بطلان العقد، فقد يتعلق بعقد ملزم لجانبين أو عقد ملزم لجانب واحد.
ثانياً: البطلان وعدم النفاذ:
يختلف البطلان عن عدم النفاذ، فالعقد الباطل هو الذي يتخلف به ركن من أركانه أو شرط من شروط صحته اللازمة لاكتماله، ولكن سواء كان العقد باطلاً أو صحيحاً فإنه لا يعد نافذاً إلا في مواجهة أطراف العقد، ولا يكون نافذاً في مواجهة الغير، وعلى هذا الأساس لا يرتب أثراً بالنسبة له، ويقصد بالغير كل من لم يكن طرفاً في العقد ولم يشترك فيه ولكن يتعلق حقه بالتصرف في موضوع العقد، وبالرغم من أن عدم النفاذ في مواجهة الغير لا يؤثر على صحة العقد، إلا أن لهذا الغير أن يتجاهل وجود العقد ويرتب أموره على أساس أنه لا يتأثر بما يرتبه من نتائج.
ثالثاً: البطلان وإيقاف العقد :
هذا ويختلف البطلان عن العقد الموقوف، ذلك أن العقد قد ينشأ صحيحاً في ذاته، ولكنه لا ينتج أثراً بين طرفيه، كما أنه لا يسري في مواجهة الغير فيسمى حينئذ بالعقد الموقوف.
على سبيل المثال؛ إذا أبرم الوكيل عقداً تجاوز فيه حدود وكالته، فإن العقد في هذه الحالة لا ينتج أثراً بين الطرفين وهما الوكيل ومن تعاقد معه - رغم نشوء العقد صحيحاً، كما لا ينتج أثراً قبل الأصيل، وبالتالي لا يكون نافذا في حقه، ولا يرتب هذا العقد أثراً إلا إذا أجازه الأصل.
ولكن ثمة فارق جوهري بين العقد الباطل والعقد الموقوف، فالعقد القابل للإبطال، أو الباطل بطلاناً نسبياً هو عقد يرتب آثاره لحين القضاء ببطلانه. وفي حالة إذا ما أجازه من له الحق في طلب البطلان، تأيد نهائياً وثبتت الآثار التي رتبها، أما العقد الموقوف فإنه وإن كان صحيحاً، إلا أنه لا يرتب آثاره إلى أن يجيزه من له الحق في إجازته.
رابعا: تمييز البطلان عن الانعدام:
ترجع أصداء التفرقة بين البطلان والانعدام إلى الفقه الكنسي، حيث سعى الفقهاء إلى إظهار تفرقة بين درجات البطلان تتسم بالعمق والشدة، وقد ظهر الانعدام نتيجة وجود حالات يفتقر فيها الفعل لعنصر لا يمكن تصوره بغير وجوده، وذلك في مقابل البطلان المطلق بمعناه الفني.
والانعدام يعد أكثر أنواع البطلان شدة، لأن هذا العقد قد ولد ميتاً، فينعدم وجوده القانوني والمادي لتخلف ركن من أركانه لذا لايترتب عليه أي أثر. أما العقد الباطل بطلانا مطلقاً فهو عقد توافرت جميع أركانه، ولكنه قد خالف الشروط التي تطلبها القانون في هذه الأركان، كتخلف شروط المحل أو تخلف شروط السبب، أما العقد الباطل بطلاناً نسبياً فإنه عقد قد تخلف فيه شرط من شروط صحة التراضي، وهذا العقد أقل شدة من النوعين السابقين، وهو عقد صحيح حتى يطلب بطلانه ممن تقرر البطلان لمصلحته.
وقد وجهت عدة انتقادات لهذه التفرقة من قبل الفقه الفرنسي، فمن جهة أولى أنها لا تقدم معياراً محدداً لإظهار التفرقة، وهذا ما دفع مناصيرها للقول إن المعيار هو مخالفة الشروط الطبيعية للعقد، كشرط الرضا، إلا أن هذا المعيار لم يزل الغموض.
ومن ناحية أخرى أن التفرقة بين الانعدام والبطلان المطلق لا تجد أصداء أو فائدة عملية لها، إذ إن القول إن الانعدام لا يحتاج إلى إعلان لهو أمر يخالف الواقع، إذ إن المقرر واقعياً أن الشخص لاقتضاء حقه يلجأ إلى القضاء، وذلك سواء كان هناك انعدام أم بطلان، ومن جهة ثالثة فإن كليهما يخضعان لذات نظام التقادم، ومن ثم فإن هذه التفرقة بين البطلان والانعدام لم تعد قائمة في الوقت الحاضر فقها أو قضاء .