البطلان لغة فساد الشيء وسقوط حكمه، ولذلك فإن ما بني على باطل فهو باطل، وترجع فكرة البطلان في أساسها إلى علم المنطق، وهي نتيجة من نتائجه، إذ يقتضي التفكير المنطقي السليم، أن يكون أساسال التصرفات صحيحا حتى تنتج آثارها قانونا، والأساس هو القاعدة التي تبني عليها الأشياء، فإن شاب ذلك الأساس عيب أو عدم مشروعية، كان باطلا ومنعدم قانونا، ولا أثر له ولا يقيد حكما، ويقتضي منطق البطلان إعادة الحال إلى ما كانت عليه أصلا إن كان ذلك ممكنا.
إلا إن منطق البطلان اليوم يختلف عن أمسه البعيد بعد أن لحقه تحوير فرضته قيم العدالة وطبيعة الحياة المعاصرة.
ولما كان الهدف الرئيسي للتحكيم هو الإسراع في الفصل في النزاع، فهو ما يقتضي عدم تعريض حكم التحكيم بعد صدوره لطرق الطعن التقليدية التي يطعن بها على الأحكام الصادرة من القضاء، وإلا لما کانت هناك فائدة من اللجوء إلى التحكيم.
ونعتقد بأن الاتجاه الذي سلكه المشرع المصري يتفق تماما مع طبيعة التحكيم الخاصة، إذ اختزل سبل مراجعة حكم التحكيم في طريق ام توخيا لعدم إطالة أمد النزاع، الأمر الذي لا يناسب ما تقتضيه التجارة الدولية مثلا من سرعة استقرار الحقوق والمراكز القانونية، كما أن هيئة التحكيم ليست درجة من درجات التقاضي تعلوها أخرى، وإنما هي المحطة الأولى والأخيرة التي ينتهي عندها النزاع، وذلك لعله ما حدا بالأطراف اللجوء إلى التحكيم لفض النزاع بينهم، وإذا كان المشرع انسجاما مع طبيعة التحكيم حدد الآلية التي يمكن من خلالها إصلاح ما يصدر من هذا النظام، فإنه يتعين عدم مقارنة هذه الوسيلة بطرق إصلاح الخطأ الذي قد يلحق بالأحكام القضائية من حيث أداة الحكم ودور الإرادة والقانون الذي على أساسه تصدر الأحكام والهدف من إصلاحها.
ولعله من نافلة القول أن معاملة حكم التحكيم ذات المعاملة التي يلقاها الحكم القضائي يعصف تماما بالغاية من نظام التحكيم ومبررات اللجوء إليه، ذلك أن النظام القضائي يقوم على فكرة التقاضي على درجتين وعلى قمة الهرم محكمة النقض (التمييز)، ويلتزم القضاء نصوص التشريع الذي تسري على الكافة، وتسعى طرق الطعن إلى توحيد أحكام القضاء حيال تطبيق القانون وتفسيره، تحقيقا لمبدأ المساواة أمام القانون، أما في نظام التحكيم فلا وجود لدرجات التقاضي، وتطبق هيئة التحكيم القانون الذي اختاره الأطراف، ولذلك فإن حكم التحكيرن معزل عن طرق الطعن التقليدية المتبعة في النظام القضائي.
وفي المقابل لا يمكن القول بأن حكم التحكيم سوف يكون محصنا من أية وسيلة لمراجعته والرقابة عليه، وإلا أصبح في مرتبة أعلى من مرتبة أحكام القضاء ويملك حصانة مطلقة، فنحرم الخصوم من إصلاح ما قد يعتريه من خطأ، ولذلك فإن دعوى بطلان حكم التحكيم هي الحل الأمثل للإبقاء على غاية التحكيم من جهة وحق الخصوم في إصلاحه من جهة أخرى. وإذا كانت التشريعات الوطنية قد تباينت إزاء مسألة إصلاح حكم التحكيم، حيث أجازت بعضها الطعن في حكم التحكيم بالاستئناف - كالقانون الكويتي - أو بالتماس إعادة النظر، فضلا عن إمكانية رفع دعوى البطلان، فإننا نفضل الاقتصار على دعوى البطلان دون غيرها، لأنها أسلوب جامع لما يمكن أن تنطوي عليه أسباب الطعن ولمناسبتها لنظام التحكيم، والدليل على ذلك أن التشريعات التي مازالت تأخذ بنظام الطعن على حكم التحكيم بالاستئناف إلى جانب دعوى البطال فإنها حددت میعادا واحدا للطريقين، ووحدت المحكمة المختصة بل الاستئناف ودعوى البطلان، وتقرر عدم قبول دعوى البطلان إذا كان طريق الطعن بالاستئناف مازال مفتوحا ، أي أن دعوى البتال والاستئناف ليسا منفصلان وإنما يمكن دمجهما مراعاة لطبيعة التحام والاكتفاء بأسلوب واحد لإصلاح الخطأ.
ويتجه بعض الفقهاء، إلى تعريف البطلان تبعا لمظهره بأنه تكيي قانونی لعمل يخالف نموذجه القانوني مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الاثار التي يرتبها عليه القانون إذا كان كاملا، فيما يعرفه البعض الأخر نظرا
لوظيفته كجزاء إجرائي بأنه "وصف يلحق بالعمل الإجرائي الذي تخلفت ، أحد عناصره أو أحد شرائط صحته ويمنعه من ترتيب آثاره القانونية لو كان العمل صحيحا". وتؤيد الاتجاه الذي يرى دعوى البطلان دعوی موضوعية تقريرية يرفعها كل ذي شأن، سواء أكان طرفا في خصومة التحكيم - المحكوم عليه - أو الغير أمام محكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع - في غير التحكيم التجاري- أو أمام محكمة استئناف القاهرة، ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في مصر، يطلب فيها المدعي بالإجراءات المعتادة وفقا لقانون المرافعات توقيع جزاء بطلان حكم التحكيم كليا أو جزئيا إذا توافرت فيه حالة من الحالات المنصوص عليها على سبيل الحصر.
ومع التسليم بأن دعوى بطلان حكم التحكيم ترفع وفق قانون | المرافعات شأنها شأن الدعاوى الموضوعية، إلا أنها تتميز بوجود نظام جبرالي خاص تنفرد به تبعا للنظام الخاص الذي يتميز به التحكيم، الات التي حددها المشرع حصرا إنما هي نتاج نظرته لمبررات إلغاء م التحكيم، والدليل على ذلك تحديد المحكمة المختصة للنظر في دعوى دون قيامها بالتصدي لموضوع النزاع، فهي دعوى لتوقيع جزاء بطلان العيب موضوعي (يتعلق باتفاق التحكيم) أو لعيب إجرائي في الحكم، ولعل ذلك يتطابق مع التحكيم في حد ذاته الذي يبدأ باتفاق أو عقد بين طرفين وينتهي بحكم يصدره شخص من الأغيار يقوم بوظيفة القضاء وهو ليس قاضيا رسميا.