وإذا استنفذ الأطراف طريق الطعن أو كان الحكم غير قابل للطعن فيه، فإن ذلك يترتب عليه زوال خصومة الطعن وحدها، دون المساس بالخصومة القضائية السابقة عليها. ويترتب على ذلك نتيجة هامة وهى عدم الرجوع على الحكم بدعوى ببطلانه - إعمالا لمبدأ لا دعاوى بطلان ضد الأحكام نظرا لأن السماح بهذه الدعوى من شأنه مخالفة التنظيم القانوني لطرق الطعن.
الرأى الجدير بالتأييد :
ولعل ما أراه جديرا بالتأييد فى هذا المقام هو النظر إلى دعوى بطلان حكم التحكيم على أنها تستند على الطبيعة التعاقدية لاتفاق التحكيم الذي هو مصدر سلطة المحكمين، لذلك فبعد أن نصت المادة ١/٥٢ من قانون التحكيم المصرى على عدم قابلية أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، أضافت بالفقرة الثانية أنه «يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقا للأحكام المبينة في المادتين التاليتين» .
ويجوز التنازل عن الطعن فى الحكم ، بينما إذا اتفق الأطراف على عدم رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم قبل صدوره، فإنه يجوز للطرف الخاسر، أن يرفع دعوى البطلان ذلك أن الحق فى دعوى البطلان.
وبناء على ذلك إذا تنازل عن اللجوء إلى هذا الطريق بعد صدور حكم التحكيم، فإن هذا التنازل يعتد به إلا إذا كان مشوبا بالغش أو التدليس .
وبعبارة أخرى أن المحكمة المنظور أمامها دعوى بطلان حكـم التحكيم لا تنتقل إليها خصومة التحكيم بحالتها بحيث يتاح لها سلطة إعادة تقدير الوقائع وإبداء رأيها القانونى فى هذا الموضوع على ضوء ما قدم أمام هيئة التحكيم، والقول بعكس ذلك لا يتفق مع الفلسفة التي يقوم عليها نظام التحكيم.
وهذا ما حرصت محكمة استئناف القاهرة على تأكيده بعبارات تتسم بالسهولة والوضوح حيث تقول :
«فإنه لما كان من المقرر طبقا لنص المادتين ٥٢، ٥٣ من قانون التحكيم لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأن المشرع قد فتح الباب أمام المحكوم ضده لإقامة دعوى بطلان حكم التحكيم لأسباب حددها على سبيل الحصر. ومؤدى ذلك أن هذه الدعوى لا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع أو تعييب مــا قضى به حكم التحكيم في شأنه، فلا تمتد سلطة القاضى فيها إلى مراجعة الحكم المذكور وتقدير ملاءمته أو مراقبة حسن تقدير المحكمين وصواب أو خطأ اجتهادهم سواء فى فهم الواقع وتكييفه أو فى تفسير القانون وتطبيقه ، لأن ذلك كله مما يختص به قاضى الاستئناف لا قاضي البطلان، ولا نزاع في أن دعوى البطلان ليست طعنا بالاستئناف على حكم التحكيم - وفضلا عما سبق، فإن مؤدى تحديد حالات بطلان حكم التحكيم في المادة ٥٣ مــن القانون على سبيل الحصر أنه لا يجوز الطعن بالبطلان لأى سبب آخــــر خلافا لما أورده نص هذه المادة، فلا يجوز الطعن بالبطلان لخطأ الحكم في تفسير شروط العقد أو نصوص القانون أو الخطأ في فهم الواقع .
وهناك أيضا أمثلة أخرى على هذا الخلط بين الخطأ في الواقع والخطأ فى الإجراء مثل النعى على حكم التحكيم بأنه إنحاز بوضوح إلى جانب الشركة المحتكمة (المدعى عليه ) إذ حدد تاريخ إتمام تنفيذ الأعمال الفعلي لصالح المحتكمة مخالفا اتفاق الطرفين على تاريخ ۹۹/۳/۱۸ وبالمخالفة للثابت بالمستندات وقضى بتحميل المحتكم ضدها (المدعية) غالبية مدة التأخير فى إتمام تنفيذ الأعمال. فالمقصود بمبدأ المساواة هو المساواه الإجرائية أى منح الخصوم فرصا متساوية لإبداء دفاعهم وطلباتهم، لذا لا يصح النعى على حكم التحكيم بحجة أن هيئة التحكيم لم تستجب لأحد الخصوم الذى طلب ترجمة مستند ما.
كما لا يصح النعى على الحكم الطعين بالخطأ في تفسير القانون وتطبيقه فى مسألة التقادم المسقط والتي هي من الدفوع المتعلقة بموضوع الدعوى والتي لا يمكن للمحكمة المنظور أمامها دعوى البطلان التطرق إليها لأنها ليست من أسباب بطلان حكم التحكيم والواردة على سبيل الحصر .
وقد أكدت ذلك أيضاً بقولها بأن الدفع بالتقادم المقسط من الدفوع المتعلقة بموضوع الدعوى مما يخرج عن نطاق أحوال البطلان المنصوص عليها في المادة ٥٣ من قانون التحكيم على سبيل الحصر .
وبالرغم من ذلك، إلا أنه فى الواقع العملي، يقع العديد من طالبي رفع دعوى البطلان في خطأ عدم معرفة الفارق الدقيق بين الخطأ المتعلق بخصومة التحكيم والخطأ فى التوجيه الذهنى للمحكم. وهو ما يؤدى بالتأكيد إلى رفض دعوى بطلان حكم التحكيم في كثير من الحالات .