لعل أبرز النظم القانونية الموسعة من نطاق البطلان القانون الإنجليزي للتحكيم والقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون المصرى والقانون السويدى وهى القوانين التي تلفظ فكرة عدم رقابة حكم التحكيم ، لذا فإنها تقيد الحكم بقانون معين من حيث الصحة أو البطلان ، سواء كان قانون المقر أم القانون الإجرائي ، كما أن الشريعة الإسلامية تلفظ فكرة عدم جواز مراقبة القضاء لحكم التحكيم ، لذا سنتناول كل ذلك على النحو الآتى :-
١ - القانون الإنجليزي :
يعد قانون التحكيم الإنجليزى الصادر سنة ١٩٩٦ من القوانين الموسعة لنطاق فكرة البطلان حيث أن فكرة خضوع التحكيم للإشراف القضائى من الأفكار المتأصلة داخل القانون الإنجليزى . وهذا واضح من نص المادة ١/٢ والتي تنص فى هذا المقام على أن «تطبق أحكام هذا الفصل - الفصل الأول - عندما يكون مكان التحكيم في إنجلترا» كما تنص الفقرة ٢ / ب على أن «يعتبر الحكم صادرا في مكان التحكيم أيا كان مكان توقيعه» .
ويتضح من كلا النصين أن القانون الإنجليزي ، يعمل على حسم مسألة كانت تثير الكثير من التعقيد فى القضاء البريطاني : الذي عمل على التفرقة بين مكان صدور الحكم ومكان توقيعه ، على اعتبار أن محاكم مكان التوقيع ، تختص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم . وذلك بخلاف القوانين الأخرى في أوربا حيث لم تقم أى تفرقة بينهما .
٢ - القانون الأمريكي :
يعد القانون الأمريكي للتحكيم الصادر سنة ١٩٢٥ من القوانين الموسعة لنطاق بطلان حكم التحكيم ، حيث ينص القانون الفيدرالي الأمريكي على أنه «يمكن تقديم الدعوى الخاضعة لصلاحية المحاكم الفيدرالية بموجب المادة ۲۰۳ من هذا الفصل أمام أية محكمة صالحة للنظر فى النزاع بين الأطراف فى غياب العقد التحكيمي أو أمام أية محكمة فيدرالية يقع فى نطاقها مكان التحكيم المحدد في العقد التحكيمي إذا وقع هذا المكان في الولايات المتحدة الأمريكية»
۳- موقف القانون الفرنسي :
كانت المحاكم الفرنسية قبل صدور قانون التحكيم الفرنسي المطبق حاليا تأخذ بضابط اختصاص المحاكم الفرنسية وفقا للقانون الواجب التطبيق على الإجراءات .
وهذا الضابط كان يثير الكثير من الصعوبات والتعقيدات وخاصة عندما يكون هناك حكم تحكيم صحيح ، وفقا لقانون دولة المقر ، وباطل وفقا لوجهة نظر المحاكم الفرنسية .
أما عن الوضع الآن فنجد أن المادة ١٥٠٤ من قانون المرافعات المدنية الجديد تنص فى الفقرة الأولى على أنه يمكن الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادرة فى فرنسا بشأن التحكيم الدولي في الأحوال المنصوص عليها في المادة ١٥٠٢» .
٤- موقف القانون المصرى :
تنص المادة الأولى من القانون المصرى للتحكيم بأنه «مـع عـدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها فى جمهورية مصر العربية ، تسرى أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص ، أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية ، التي يدور حولها النزاع ، إذا كان هذا التحكيم ، يجرى فى مصر ، أو كان تحكيمـــا تجاريا دوليا يجرى فى الخارج ، واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون .
وواضح هنا أن القانون المصرى الجديد للتحكيم رقم ١٧ لسنة ٩٤، خول القضاء المصرى الاختصاص بنظر دعاوى بطلان حكم التحكيم ، إذا كان التحكيم ، قد جرى فى مصر بصدد منازعة دولية ، أو كان قد جرى في الخارج ، وكان القانون المصرى هو المطبق على إجراءات التحكيم بناء على اتفاق الأطراف .
على أنه من الملاحظ هنا ، أن القانون المصري أخذ بمعيار مكان التحكيم وأضاف إلى جواره معيارا إضافيا ، وهو القانون المطبق على الإجراءات ، وذلك فى حالة اتفاق أطراف النزاع فى الخارج على إخضاع التحكيم للقانون المصرى ، وما قد يثير مسألة تنازع القوانين ، ، لأنه قد يحدث تعارض بين قانون دولة المقر والقانون المصرى ، فقد يكون شرط التحكيم صحيحا ، وفقا لقانون دولة المقر وباطلا وفقا للقانون المصرى خذ مثلا : التسبيب أو عدد المحكمين . كما يصعب وفقا لاتجاه قانون التحكيم المصرى تحديد المحكمة المختصة بتعيين المحكمين ، أو إصدار قرارات تحفظية.
٥- القانون السويدي :
يعد قانون التحكيم السويدى الصادر سنة ۱۹۸۲ من القوانين الموسعة لنطاق البطلان ، ويتضح ذلك من نص المواد من ٦:٥ من الجزء الخاص بأحكام التحكيم الأجنبية ، حيث لم تقيد المادة الخامسة الرجوع على أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة في السويد بأي قيد .
٦ - موقف الشريعة الإسلامية :
أعتقد أن قواعد الشريعة الإسلامية تأبى وجود حكم تحكيم غير خاضع لرقابة القضاء . وهذا واضح من نصوص القرآن والسنة المطهرة ورسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعرى والتي سبق القول فى مقدمة الرسالة أنه يعرف منها معرفة الشريعة الإسلامية الغراء لفكرة الطعن على حكم التحكيم .