التنفيذ / دعوى البطلان / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40 / الرقابة القضائية على القرارات التحكيمية عبر مسار الصيغة التنفيذية ودعوى الإبطال
إنّ صدور القرار التحكيمي ليس كافياً بحد ذاته لتمكين الفريق الرابح من تحصيل حقوقه التي قضى بها هذا القرار، حتى وإن كان التحكيم مطلقاً، ولا يقبل القرار الصادر بنتيجته أي طعن، إذ يعود بعد ذلك الى القضاء التدخّل بناءً على طلب مقدّم إليه من صاحب المصلحة لمنح القرار التحكيمي الصيغة التنفيذية. فالمحكّم ليس قاضياً رسمياً، بل هو قاضٍ خاص يعيّنه مبدئياً الفرقاء، وبالتالي ليست لديه السلطة الأمرية التي يتمتّع بها القاضي الرسمي لذلك لا يأخذ القرار التحكيمي .
طريقه الى التنفيذ، ولا يمكن أن يكون قابلاً للتنفيذ، إذا لم ينفّذه طوعاً الخصم المحكوم عليه، إلاّ بعد إعطائه الصيغة التنفيذية من قبل قاضي الدولة وفق الأصول المحدّدة قانوناً ذلك أنّ القرار التحكيمي، بصفته صادراً عن فرد أو أفراد مكلفين فقط من الطرفين المتعاقدين بإصداره، لا تكون له قوة التنفيذ بذاته، كما للحكم الصادر عن قاضٍ متمتع بالسلطة العامة. بل له قوة ملزمة للخصوم فيه طبقاً لإرادتهم المتجلّية في اتفاق التحكيم، والتي تحتاج لكي ترقى الى درجة الإرغام على التنفيذ، أي التنفيذ الجبري، الى أمر صادر عن قاضي الدولة بهذا الخصوص، ما يُكسب القرار التحكيمي الذي له الطابع القضائي القوة التنفيذية، جاعلاً منه قراراً معادلاً للحكم القضائي. على أنّ تنفيذ هذا القرار يخضع بعد ذلك للقواعد والشروط التي يخضع لها الحكم القضائي بحد ذاته.
القسم الأول: الصيغة التنفيذية:
تنفيذ القرار التحكيمي الداخلي:
بحسب القانون اللبناني (م 795 أصول مدنية)، لا يكون القرار التحكيمي قابلاً للتنفيذ إلاّ بأمر على عريضة يصدره رئيس الغرفة الابتدائية التي أودع أصل القرار في قلمها، بناءً على طلب من ذوي العلاقة، وذلك بعد الاطلاع على القرار التحكيمي واتفاقية التحكيم...القاضي المختص مكانياً هو رئيس الغرفة الابتدائية الكائن في منطقتها مركز التحكيم، وبالتالي التي صدر ضمن نطاقها القرار التحكيمي .
وقد تصدر عن المحكم، قبل القرار النهائي الذي يفصل في أصل النزاع، قرارات متنوعة: كالقرار التمهيدي الذي يتناول أحد تدابير التحقيق أو الاثبات، والقرار المختلط الذي يفصل في نقطة من نقاط النزاع ويأمر في الوقت عينه بأحد تدابير التحقيق أو الاثبات، والقرار الوقتي الذي يتناول تدابير وقتية أو اجراءات احتياطية أو عاجلة تستدعيها ظروف القضية خلال النظر فيها. إنّ جميع هذه القرارات لا يؤدي صدورها عن المحكم الى رفع يده عن القضية إلاّ في حدود ما فصل فيه بصورة نهائية من نقاط أو مسائل منازع فيها أمامه، وبشرط أن تكون مهلة التحكيم لا تزال قائمة.
تقتضي الاشارة الى أنّ القرارات التي تخضع للصيغة التنفيذية، هي القرارات التحكيمية النهائية المشتملة على الزامات معيّنة يطلب تنفيذها من المحكوم عليه: كالإلزام بإداء مبلغ من المال، أو بالقيام بعمل معيّن أو بالامتناع عن عمل معيّن، بحيث تستبعد تبعاً لذلك القرارات التمهيدية والاعدادية الصادرة عن المحكمين من مجال إعطاء الصيغة التنفيذية، وكذلك التدابير المؤقتة والاحتياطية . فيما يرى البعض عكس ذلك، ويعتبر أنّ قرارات المحكمين كافة في حاجة الى اكسائها الصيغة التنفيذية كي تصبح نافذة .
أمّا إذا كان القرار لا يشتمل على الزامات تستدعي التنفيذ، فلا تكون ثمة حاجة لإعطائه الصيغة التنفيذية، كما في حال الاستناد الى هذا القرار للتذرع بالمقاصة القانونية مثلاً. إنّما بالمقابل تكون الصيغة التنفيذية لازمة من أجل سريان مهلة تنفيذ القرار التحكيمي: بحيث أنه مثلاً إذا أعطى القرار أحد الطرفين حق سحب البضاعة خلال مهلة معيّنة، حتى إذا انقضت، جاز اللجوء الى بيعها، فهذه المهلة تسري من تاريخ قرار الصيغة التنفيذية، وليس من تاريخ القرار التحكيمي عينه.
أمّا القرارات التحكيمية النهائية التي تستلزم الصيغة التنفيذية فهي القرارات التي ينتهي بها النزاع أمام المحكم بصورة كلية أو جزئية، وبالتالي فهي التي تتمتّع بحجية القضية المحكوم بها. وعلى ذلك إذا فصل القرار التحكيمي في أحد الطلبات المعروضة على المحكم وقضى بإجراء تحقيق بالنسبة الى الطلبات الأخرى، وكان ما فصل فيه قابلاً للتنفيذ، فتعطى الصيغة التنفيذية هذا الجزء المفصول فيه من الطلبات. كذلك إذا فصل القرار التحكيمي مثلاً في مسألتين إحداهما قابلة للتحكيم والأخرى غير قابلة له، وإذا فصل في طلبين أحدهما منطبق على النظام العام والآخر مخالف له (كالقضاء بأصل الدين وبفوائد ربوية لهذا الدين)، فيمكن منح الصيغة التنفيذية لما قُضي به في المسألة الأولى أو الطلب الأول، ورفضها لما يتعلّق بالمسألة الثانية أو الطلب الثاني .
ولا يختلف الأمر إلاّ في حالة عدم التجزئة بين مختلف المسائل أو الطلبات المفصول بها في القرار، بحيث تُرفض الصيغة التنفيذية عندئذٍ للقرار بكامله.
لم يحدِّد قانون أصول المحاكمات المدنية، في الكتاب الثاني منه المتعلّق بالتحكيم، مفهوم القرار التحكيمي النهائي، بحيث يمكن العودة الى نص المادة 553 أ.م.م. التي اعتبرت أنّ الحكم النهائي هو الذي يفصل في أصل النزاع، كما هو محدّد في المادة 365 أ.م.م أو الذي يفصل في جهة من جهاته أو في دفع أو دفاع متعلّق به ويكون نهائياً بالنسبة لما فصل فيه، بحيث أنه يخرج القضية من يد المحكمة.
فيما أعطى الاجتهاد تعريفاً للقرار التحكيمي، معتبراً أنه تعتبر قرارات تحكيمية قرارات المحكمين التي تفصل النزاع بطريقة نهائية كلياً أو جزئياً، سواء كان هذا الفصل يتعلّق بالأساس أم بالاختصاص أو بأي دفع اجرائي أو بعدم القبول، ويكون من شأنه أن يؤدي الى وضع حد نهائي في المحاكمة للمسألة التي فصل فيها.
تقتضي الاشارة الى أنّ قاضي البطلان يبقى غير ملزم بالوصف المعطى للقرار التحكيمي من المحكمين الذين أصدروه. ينتج من ذلك أنه تكون للقاضي سلطة تكييف طبيعة القرار التحكيمي واعطائه الوصف القانوني الصحيح لناحية ما إذا كان قراراً تحكيمياً نهائياً أو أنه قرار مؤقت، بحيث إنّ القرارات ذات الطبيعة الوقتية أو الحفظية لا تتمتّع بصفة القرار التحكيمي النهائي كونها لا تفصل في النزاع الأصلي، بل في مسائل متفرعة عنه ليست أساسية بالنسبة الى موضوع هذا النزاع.
وعلى العكس من ذلك، فإنّ القرار الذي يضع حداً نهائياً للنزاع بفصله النقطة القانونية المطروحة بشكل نهائي، وإن تكن تتعلّق بمسألة اجرائية، فإنه يجب تكييفه بأنه قرار نهائي بما فصل فيه لهذه الناحية.
وقد اعتبر الاجتهاد الفرنسي أنه لا يمكن اعتبار القرار الصادر عن المحكم الذي قضى فيه بتعيين خبير قراراً تحكيمياً نهائياً، وكذلك فإنّ التدابير الطارئة أو الاحتياطية لا يمكن ان تكون موضوع مراجعة بصورة مستقلة عن القرار النهائي الذي يفصل في الأساس كونها نابعة من التحقيق في النزاع ولم تفصل نهائياً فيه .
وفي النتيجة يمكن القول إنّ ما يوجّه الى اعتماد الحل الذي يقضي بعدم اعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية التمهيدية والتدابير الاحتياطية هو ما يأتي:
عدم تمتّع القرارات التحقيقية والتدابير الاحتياطية بحجية القضية المحكوم بها التي يتمتّع بها القرار التحكيمي النهائي وفقاً للمادة 794 أ.م.م.، بحيث يمكن للمحكم الذي أصدرها أن يرجع عنها إذا استجدت ظروف تبرّر له ذلك.
نصّت المادة 805 أ.م.م. على أنّ القرار الصادر بإعطاء الصيغة التنفيذية لا يقبل أي طعن، وأنّ استئناف القرار التحكيمي أو الطعن بطريق إبطاله يفيد حكماً، في حدود الخصومة المنعقدة أمام محكمة الاستئناف، طعناً في قرار الصيغة التنفيذية (...). وكما سبقت الاشارة فإذا كان من غير الجائز الطعن في القرارات الاعدادية والتدابير الاحتياطية والطارئة على حدة، ففي حال اعطاء هذه القرارات الصيغة التنفيذية فإنّ الفريق المتضرِّر من صدور هكذا قرارات يكون أمام استحالة الطعن فيها أمام محكمة الاستئناف لعدم جوازه، عملاً بالمادة 614 أ.م.م.، وذلك سواء جرى الطعن عن طريق استئنافها، عملاً بالمادة 799 أ.م.م.، أم عن طريق طلب إبطالها وفقاً للمادة 800 أ.م.م.، الأمر الذي قد يلحق بهذا الفريق ضرراً كبيراً؛ مثلاً كأن يتّخذ المحكّم قراراً بوضع اشارة الدعوى على الصحيفة العينية لعقار عائد الى هذا الفريق دون استناد المحكم الى أساس قانوني يجيز له ذلك، وبالمقابل لا تكون هناك امكانية لقيام الفريق المذكور المتضرِّر من وضع هذه الاشارة بمراجعة القضاء في الوقت المناسب للطعن في هذا القرار الذي يكون قد اكتسب الصيغة التنفيذية، بحيث يضحي أمين السجل العقاري ملزماً بتنفيذه.
نعرض بعض حالات قرّر فيها القضاء منح الصيغة التنفيذية، وحالات أخرى قضى فيها بردّ طلب منح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي:
1- بعض حالات مُنحت فيها الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي:
هذه الحالات تتمثّل بقيام القضاء المختص بالتدقيق في القرار التحكيمي وفقاً لظاهر الأوراق والمستندات والتحقّق من عدم مخالفته أحكام المادة 800 أ.م.م.، إذ نصّت المادة 796 أ.م.م. فقرتها الثانية على أنّ القرار الذي يرفض الصيغة التنفيذية يجب أن يشتمل على بيان الأسباب، ولا يجوز رفض الصيغة التنفيذية إلاّ لأحد أسباب الإبطال المنصوص عليها في المادة 800. ففي قضية نزاع تحكيمي بالاستناد الى عقد عمل جماعي قضي بإعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الصادر عن هيئة تحكيمية معيّنة بالاستناد الى بند تحكيمي وارد في العقد المذكور.
كما قُضي بإعطاء الصيغة التنفيذية لقرار تحكيمي صادر بالاستناد الى المادة 791/2 أ.م.م. وذلك بتوقيع محكمين فقط بعد أن رفض المحكم الثالث التوقيع، فيما أشار المحكمان الآخران الى هذا الأمر من خلال محضر جرى تنظيمه من قبلهما بهذا الخصوص .
2- بعض حالات قضي فيها برد طلب إعطاء الصيغة التنفيذية:
- الحالة التي لم يكن فيها تعيين المحكم مستنداً الى أساس صحيح. ففي هذه القضية كان المحكم المعيّن بالاستناد الى بند تحكيمي وارد في عقد بيع قسمين من عقار مبني، قد أصدر قراره التحكيمي وقضى بإلزام البائع بتسليم هذين القسمين الى الشاري الذي هو الطرف الآخر في التحكيم، إلاّ أنّ البائع بقي ممتنعاً عن تنفيذ ما قضى به القرار التحكيمي الذي كان قد أعطي الصيغة التنفيذية، فعاد المحكم ووضع يده مجدداً على النزاع بالاستناد الى طلب جديد مقدّم اليه من الشاري الذي طلب هذه المرة إلغاء عقد البيع، وقد أصدر المحكم قراراً آخر اعتبر فيه أنه كان قد قضى في البند الخامس من قراره السابق بحفظ صلاحيته للفصل في كل نزاع مستقبلي بين الشخصين المذكورين ناتج من حرمان المدعي من قبل دائن أو دائنين أو أي شخص ثالث حقه في تملّك هذين القسمين أو التصرف بهما أو الافادة منهما بطريقة هادئة ومستقرة أو إنقاص أي حق من حقوق الفريقين...، إلاّ أنّ رئيس الغرفة الابتدائية قضى بردّ طلب اعطاء الصيغة التنفيذية بالاستناد الى التعليل الآتي الوارد في الهامش هنا تبقى الاشارة الى انه من الجائز الاستناد الى البند التحكيمي ذاته في حال حصول نزاع مستجد بعد انتهاء المهمة التحكيمية، ودون ان يتم عرض هذا النزاع على المحكم، وهذه مسألة أخرى تختلف عن الأولى، بحيث يبقى عندها الالتزام قائماً باللجوء الى التحكيم طالما ان العقد الأساسي المرتبط به البند التحكيمي لا يزال قائماً وان النزاعات المستجدة تتصل بصلة وثيقة بموضوع البند التحكيمي، ذلك ان موضوع البند التحكيمي يتعلق بنزاعات لم تكن ناشئة بعد عند تاريخ ابرامه، فإذا جرى تطبيقه والفصل في نزاعات نشأت بعد التاريخ المذكور، فإن لا شيء يحول دون عرض نزاعات اخرى تكون قد نشأت لاحقاً وهي متعلقة بالرابطة القانونية ذاتها ومتصلة بالنزاعات السابقة،
وهذا الأمر ناتج عن البيان العام والواسع لعناصر النزاع الذي يستخلص من مضمون البند التحكيمي .
- الحالة التي لم تتم فيها المداولة بين أعضاء الهيئة التحكيمية وفقاً للأصول، وعدم تقيّد المحكمين بمبدأ الوجاهية الذي يتعلّق بالنظام العام: تتلخص هذه القضية بأنّ قراراً تحكيمياً صدر عن محكمين اثنين، وعندما عرض هذا القرار على رئيس الغرفة الابتدائية لإعطائه الصيغة التنفيذية قضى بردّه لوجوب صدور القرار عن محكمين بعدد وتر، وفقاً لما توجبه المادة 771 أ.م.م.، فقام المحكمان بالاستحصال على توقيع محكم ثالث، ومن ثم أُبرز القرار التحكيمي ذاته أمام رئيس الغرفة بموجب طلب جديد للحصول على الصيغة التنفيذية، فأصدر رئيس الغرفة قراراً كلّف بموجبه المستدعي بإبراز محاضر الجلسات التحكيمية، وبعد تنفيذ هذا القرار تبيّن أنّ المحاكمة جرت بحضور محكمين فقط، بحيث أضيف اسم المحكم الثالث على القرار التحكيمي دون أن يكون قد اشترك في المحاكمة ولا في المداولة، فقضي مجدداً بردّ طلب اعطاء الصيغة التنفيذية .
- الحالة التي لم يكن فيها القرار التحكيمي يتخذ شكل القرار من خلال عدم وجود فقرة حكمية توجب اعطاءها الصيغة التنفيذية، بل اقتصر على مجرد رأي أعطاه المحكم، بحيث جاء يشبه تقريراً فنياً مرفوعاً من قبل خبير، وبالتالي فهو ليس قراراً تحكيمياً .
- خروج القرار عن حدود المهمة المعيّنة للمحكم: إنّ القرار التحكيمي هو الذي بمقتضاه يفصل المحكم، في المسائل المتنازع عليها، والتي عرضت عليه من الخصوم بحسب السلطات المخوّلة له في اتفاق التحكيم، وهو يعتبر قراراً قضائياً، إذ يفصل المحكم فيه بمطالب مقدّمة إليه من شخص في مواجهة شخص آخر ينازعه في موضوعها، وبعد التدقيق في الأسباب والوسائل المقدمة من كل من الخصمين، فإذا لم يكن المستدعي الذي يطلب تنفيذ القرار التحكيمي الذي قضى له بمطالب محدّدة هو من الخصوم في المحاكمة التحكيمية كونه لم يكن طرفاً في الاتفاق المتضمِّن البند التحكيمي، فتكون الهيئة التحكيمية قد أصدرت قرارها خارج إطار الاتفاق التحكيمي، وبالتالي فإنّ القرار التحكيمي الذي يحكم بغير ما هو مطلوب من الفرقاء يكون عرضة للإبطال لخروجه عن حدود المهمة المعيّنة للمحكم. (تبقى ملاحظة تجب الاشارة اليها هي مسألة امتداد البند التحكيمي الى غير موقّعيه، وهي تخرج عن موضوع دراستنا وليس هناك وقت كافٍ لاستعراضها مفصلاً).
ب-تنفيذ القرار التحكيمي الدولي:
بحسب القانون اللبناني (المادتين 814 و815 أصول مدني)، جميع القرارات التحكيمية الدولية سواء أكانت صادرة في لبنان أم في الخارج، والقرارات التحكيمية الوطنية الصادرة في الخارج أي في بلدان أجنبية، أصبحت تعامل على قدم المساواة لناحية كيفية اعطائها الصيغة التنفيذية (باستثناء أمر واحد يتعلّق بطرق الطعن وهو اخضاع القرارات التحكيمية الدولية الصادرة في لبنان للطعن بطريق الابطال (م 819/1 أ.م.م).
وتشترط المادة 814/1 أصول مدنية لإعطاء القرارات التحكيمية المذكورة الصيغة التنفيذية ألاّ تكون مخالفة "بصورة واضحة" للنظام العام الدولي. ففي إطار المادة المذكورة يجب أن يقتصر القاضي الذي يقرِّر اعطاء الصيغة التنفيذية على التحقّق من الصفة الواضحة أو غير الواضحة لمخالفة القرار النظام العام الدولي دون أن ينساق الى فحص دقيق أو بحث موضوعي لتلك المشكلة، ولا سيما أنّ الأصول التي يتّبعها في ذلك هي أصول رجائية-غير قضائية نزاعية. وبالتالي هو لا يملك وسائل التحقّق اللازمة .
فالمراقبة تحصل إذا وفقاً للظاهر prima facie)) دون إمكان إجراء أي تعديلات على مضمون القرار عن طريق إضافة أية الزامات جديدة لم يتضمّنها.
تطرح مسألة بشأن اتفاقية التحكيم الغير مكتوبة أو اذا كانت ناتجة من تبادل رسائل، باعتبار أنّ هذا أمر جائز في التحكيم الدولي، إذ يمكن للقاضي المختص بإعطاء الصيغة التنفيذية الذي يعرض عليه هكذا طلب (قرار تحكيمي مع اتفاقية تحكيم ناتجة من تبادل رسائل) الاكتفاء بوسيلة اثبات مقبولة حول وجود اتفاق بشأن التحكيم من خلال ربط القاعدة الاجرائية بالقاعدة التي تحكم الأساس، والتي بمقتضاها تكون العبرة للطابع الأكيد للقبول باللجوء الى التحكيم، وذلك مهما تكن الدلائل المثبتة لوجوده .
هناك مسألة تطرح أيضاً على صعيد تنفيذ القرارات التحكيمية الدولية بشأن مدى وجوب تطبيق اتفاقية نيويورك لعام 1958، ذلك أنّ السند القانوني لطلب تنفيذ القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج أو في تحكيم دولي هو المادة 814 أ.م.م.، أمّا بالنسبة للإجراءات الواجب اتباعها من أجل طلب الصيغة فقد أحالت المادة 815 أ.م.م. بشأنها الى المواد 793 لغاية 797 من القانون ذاته، مع الاشارة الى أنّ المادة 5 من اتفاقية نيويورك نصّت على حالات محدّدة يمكن فيها رفض الاعتراف بالقرار التحكيمي أو اعطاءه الصيغة التنفيذية، فيما أنّ الفقه والاجتهاد استقرا على اعتبار أنّ المادة السابعة فقرتها الأولى من الاتفاقية المذكورة تتيح للقاضي المطلوب منه اعطاء الصيغة التنفيذية لقرار تحكيمي دولي أن يستند من أجل ذلك الى قانونه الداخلي في حال كان ينص على شروط أكثر سهولة من تلك التي نصّت عليها اتفاقية نيويورك، وذلك من أجل الاعتراف بالقرار التحكيمي الدولي أو تنفيذه؛
وقد نصّت المادة الأولى فقرة 3 من الاتفاقية المذكورة على أنه: "عند توقيع هذه الاتفاقية أو تصديقها أو الانضمام اليها أو عند الابلاغ بتوسيع تطبيقها حسبما تنصّ المادة العاشرة، يمكن لكل دولة أن تعلن، على أساس المعاملة بالمثل، أنها لا تطبِّق الاتفاقية إلاّ بشأن الاعتراف بالقرارات الصادرة على أراضي دولة أخرى متعاقدة وتنفيذها، كما يمكنها أن تعلن أنها تطبّق الاتفاقية على النزاعات الناشئة عن علاقات قانونية فقط، سواء كانت تعاقدية أم غير تعاقدية، ويعتبرها تشريعها الوطني تجارية"؛
تقتضي الاشارة الى أنّ القانون رقم 629 تاريخ 23/4/1997 أجاز للحكومة اللبنانية الانضمام الى معاهدة نيويورك تاريخ 10/6/ 1958 المتعلقة بالاعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها، وهي أصبحت نافذة بتاريخ 9/11/1998.
وتحدِّد اتفاقية نيويورك الشروط التي بموجبها تتعهّد كل دولة متعاقدة بالاعتراف بأحكام التحكيم الصادرة في دولة أخرى، فهي تعطي اهتماماً كبيراً لشروط الاعتراف بالقرارات التحكيمية وتنفيذها في الدولة التي تستقبل هذا القرار، ذلك أنّ الشروط المتعلّقة بقابلية النزاع للتحكيم وبمطابقة القرار التحكيمي للنظام العام يجري تقديرها بالاستناد الى مفاهيم الدولة التي تستقبل القرار التحكيمي (م 5 فقرة 2)، بحيث تكون بذلك اتفاقية نيويورك قد ابتعدت صراحة عن النظرية التقليدية للتحكيم التي تبني الطابع القانوني لحكم التحكيم حصرياً على النظام القانوني لدولة المقرّ.
وأنه استناداً الى ما تقدّم، فإنّ تطبيق اتفاقية نيويورك لا يجري انطلاقاً من مبدأ سمو الاتفاقات الدولية على القانون الداخلي أو من المبدأ الكلي القائل بأنّ الخاص يلغي العام، ذلك أنّ هذه الاتفاقية قد وضعت قواعد تعتبرها حداً أدنى مقبولاً، أما إذا كان القانون الداخلي يضع مبادئ أكثر رعاية لصحة القرار التحكيمي، فإنّه يكون هو الواجب التطبيق انطلاقاً من مبدأ الفعالية القصوى principe de l’efficacité الذي يرعى تنازع القانون الوطني مع أحكام الاتفاقية المذكورة .
وفي هذا السياق، فقد نصّت المادة 3 من اتفاقية نيويورك على أن تعترف كل من الدول المتعاقدة بسلطة القرار التحكيمي وتؤمِّن تنفيذ هذا القرار وفق قواعد أصول المحاكمة المتّبعة في الإقليم الذي تم فيه التذرع بالقرار طبق الشروط المنصوص عليها في المواد الآتية: لا تفرض، من أجل الاعتراف بالقرارات التحكيمية التي تنطبق عليها الاتفاقية الحالية وتنفيذها، شروط أقسى ومصاريف قضائية تفوق بشكل ملحوظ الشروط المفروضة للاعتراف بالقرارات التحكيمية الوطنية وتنفيذها"؛
وتبعا لذلك، فإنّ اتفاقية نيويورك لم تحجب دور القاضي في دولة الاستقبال بتطبيق قانونه الوطني، إذ يعود الى رئيس الغرفة الابتدائية المختصة أن ينظر في طلب منح الصيغة التنفيذية لقرار تحكيمي صادر في الخارج بالاستناد الى القواعد الواردة في القانون اللبناني، وبالتالي يمكن
لرئيس الغرفة الابتدائية ممارسة رقابته على طلب رجائي في معرض إعطائه الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي لناحية عدم تضمّنه أية مخالفة بصورة واضحة للنظام العام الدولي، وفقاً لظاهر الأوراق والمستندات، وذلك بالاستناد الى أحكام المادة 814 وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية.
وتجب الاشارة الى أنه لا يمكن للقاضي الذي يعطي الصيغة التنفيذية تعديل القرار التحكيمي من خلال إضافة فقرة عليه تقضي بإعطائه صيغة النفاذ المعجل.
تبقى مسألة هامة أيضاً في معرض التحكيم الدولي، وذلك حول مدى امكانية إعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التي يتخذها المحكم في معرض المحاكمة التحكيمية كالتدابير المؤقتة والحفظية:
كما هو الحال بالنسبة الى التحكيم الداخلي، فإنّ هناك استحالة تحول دون قيام المحكم مباشرة بتنفيذ التدابير التي يتخذها، إلاّ أنه في أغلب الأحيان يخضع الفرقاء طوعاً وبصورة تلقائية للتدابير الحفظية والاحتياطية المتّخذة من المحكم. وهذا التنفيذ الطوعي ينبع من حسن النية الواجب أن يتحلى به الفرقاء في المحاكمة التحكيمية، ومن خلال ارادتهم بتنفيذ أوامر المحكم وتسهيل مهمته بغية تسيير اجراءات المحاكمة التحكيمية على أفضل وجه ممكن، مخافة أن يتحمل هؤلاء نتائج معارضتهم وامتناعهم عن تنفيذ القرارات التي يتخذها المحكم، وما قد يستتبعه ذلك من عدم استجابة مطالبهم، وبالتالي خسارتها، مع امكان تحمّلهم تعويضاً يتمثّل بالعطل والضرر عن سوء النية في المداعاة .
وفي ضوء اتفاقية نيويورك المشار إليها آنفاً، يطرح السؤال حول معرفة ما إذا كان القرار الصادر عن هيئة تحكيمية والقاضي باتخاذ تدابير احتياطية يمكن اعتباره قراراً تحكيمياً بمفهوم الاتفاقية المذكورة؟
يقتضي من ناحية أولى معرفة ما إذا كان القرار المؤقت الصادر عن المحكم والقاضي بتدابير وقتية يشكِّل قراراً تحكيمياً وفقاً للمادة الأولى من اتفاقية نيويورك، ذلك أنّ هذه الاتفاقية لا تتضمّن أية أحكام بشأن التدابير المؤقتة الاحتياطية والحفظية، إذ اكتفت المادة الأولى من هذه الاتفاقية بالإشارة فقط الى القرارات التحكيمية دون تمييز بين طبيعتها لناحية ما إذا كانت وقتية أم نهائية.
ومن ناحية ثانية، يقتضي معرفة ما إذا كان الطابع النهائي للقرار التحكيمي هو شرط واجب تحقّقه كي يمكن الاعتراف به وفقاً للآلية المحدّدة في اتفاقية نيويورك.
وفقاً للرأي الغالب في الفقه، لا يمكن تطبيق أحكام اتفاقية نيويورك بالنسبة للاعتراف أو تنفيذ القرارات التحكيمية القاضية فقط بتدابير مؤقتة.
في الواقع إنّ مفهوم القرار التحكيمي وفقاً لاتفاقية نيويورك يعني بحسب عبارات المادة الخامسة منها أنّ القرار المقصود بأحكامها هو الذي يفصل بصورة كلية أو جزئية في أساس النزاع.
القسم الثاني: دعوى الإبطال:
أ- مفهوم دعوى الابطال:
إنّ أسباب الإبطال معدّدة حصراً في المادة 800 أ.م.م. بالنسبة الى التحكيم الداخلي، فيما نصّت المادة 819 أ.م.م. على أنّ القرار التحكيمي الدولي الصادر في لبنان يقبل الطعن بطريق الإبطال في الحالات المنصوص عليها في المادة 817 أ.م.م.
الطعن عن طريق الإبطال يشكّل طريق مراجعة خاصاً بالتحكيم، وهو لا يختلط مع الاستئناف. فالإبطال لا يهدف مبدئياً الى تصحيح القرار التحكيمي ولا حتى الى مراجعة مضمونه. إنه يسمح فقط بمراقبة مدى قانونية القرار التحكيمي أي توافقه مع أحكام المادة 800 أ.م.م. وبالتالي فهو يرمي الى إبطاله في حال مخالفته أحد بنود المادة المذكورة.
إنّ طريق الطعن بالإبطال يتعلّق بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز التنازل عنه مسبقاً قبل نشوء الحق فيه.
من هم الأشخاص الذين يحق لهم التقدّم بطعن الإبطال: بالطبع هو كل فريق الذي لم تستجب الهيئة التحكيمية مطالبه. بالإضافة الى الفرقاء المحدّدين في اتفاقية التحكيم، فيبقى الطعن جائزاً أيضاً لمن تدخل في المحاكمة التحكيمية على أن يكون هذا التدخل حاصلاً بموافقة الفرقاء.
وفي هذا الإطار، قضت محكمة استئناف باريس في قضية تحكيم دولي بأنّه وإن يكن الطابع العقدي للتحكيم لا يجيز التدخّل من قبل شخص ثالث في المحاكمة التحكيمية باعتبار أنّ البند التحكيمي لا يسري بوجهه، إلاّ أنّ ذلك لا يحول دون التدخل في إطار دعوى إبطال، حيث يجد هذا التدخل مصادره في نصوص قانون أصول المحاكمات، وليس في إرادة الفرقاء شرط توافر المصلحة الشخصية للمتدخل.
بالطبع هذا القرار صدر في قضية تحكيم دولي ولا يمكن اعتماد الحل نفسه في التحكيم الداخلي، طالما أنّ اعتراض الغير يبقى جائزاً في التحكيم الداخلي، عملاً بالمادة 808 أ.م.م.
ما هي القرارات التي تقبل الطعن عن طريق الإبطال؟ هي القرارات التي تنتج من اجراءات تحكيمية (أي نتيجة محاكمة) تكون خاضعة لقانون أصول المحاكمات المدنية. فإذا كان عمل من أعمال الولاية القضائية ملتبساً يستوجب ضرورة تفسيره لإزالة الغموض الذي يشوبه من قبل المحكمة، بحيث تبيّن أنّ القرار موضوع الطعن لا يتّصف بالطابع القضائي كونه عبارة عن مصالحة، أو إذا كان القرار المطعون في هو عبارة عن ملاحظة موجّهة من قبل رئيس الهيئة التحكيمية الى الفرقاء دون أن تفصل في أي نقطة من النزاع المعروض على الهيئة، أو أنه مجرد رسالة موجّهة الى الطرفين تتضمّن تحليلاً للمستندات المبرزة في الملف، فإنّ هكذا إجراءات أو قرارات متخذة لا تقبل الطعن عن طريق الإبطال كون هذا الطعن لا يصح إلاّ بالنسبة الى القرارات التحكيمية التي تفصل النزاع بصورة نهائية سواء أكان فصلها كلياً أو جزئياً، أو أنه كان متعلقاً بالأساس أم بالاختصاص، كأن يعلن المحكم عدم اختصاصه بحيث ينصبّ الطعن الفقرة 3 من المادة 800 لجهة خروج المحكم عن حدود المهمة وعدم تقيّده بها، أو إذا كان يتعلّق بدفع اجرائي من شأنه أن يضع حداً للمحاكمة، وبالتالي القرارات التي لها طبيعة قضائية تكون فاصلة نهائياً بنقطة معينة من النزاع بعد مناقشتها من قبل الطرفين فهي تقبل الطعن بطريق الإبطال.
وبالمقابل فإنّ الأوامر والقرارات الاجرائية التي تصدرها الهيئة التحكيمية لا يمكن أن تكون موضوعاً لطلب إبطال على حدة بمعزل عن القرار التحكيمي النهائي الذي يفصل في أساس النزاع.
إنّ موضوع الأوامر الاجرائية هو تنظيم المحاكمة التحكيمية والتحقيق في النزاع كتحديد مكان التحكيم، ومواقيت المحاكمة، أو تعيين خبير، أو القرار الذي قضي بالاستماع الى إفادة شاهد (...). مبدئياً هذه القرارات لا يمكن أن تشكِّل قرارات تحكيمية نهائية، ولذلك فهي غير قابلة للطعن عن طريق الإبطال بصورة مستقلة عن القرار التحكيمي النهائي الذي يفصل في أساس النزاع.
ب- باب خاص يتعلّق باستعراض آراء الفقه والاجتهاد الحديثين حول التخفيف من أسباب البطلان.
- التخفيف من أسباب البطلان:
1. تحصين قرارات المحكمة الابتدائية (أو رئيسها بحسب ما تنص عليه القوانين المختصة بهذا الصدد).
إنّ رئيس الغرفة الابتدائية يتولى وظيفة تقوم على مساعدة أطراف التحكيم ومؤازرة مؤسسة التحكيم ومساعدتها على الانتظام والقيام بتحقيق مهماتها، إذ هو يزيل العقبات التي تحول دون تعيين المحكم وتكوين الهيئة التحكيمية، وقد أقرّ الاجتهاد مبدأً مهماً هو أنّ القرارات الصادرة عن رئيس الغرفة الابتدائية والتي لا تقبل الطعن أصلاً، إلاّ إذا تجاوز حدود سلطته، هذه القرارات تكون لها حجية الشيء المحكوم به تجاه قضاء البطلان فلا يمكن استعادة أسباب تتعلّق بتشكيل هيئة التحكيم أو انصرام مدّته، وهذا ما يؤدي الى تحصين المرحلة الأولية من التحكيم بشكل نهائي في حالة التحكيم الفردي الحر Ad Hok كما هو الحال بالنسبة للتحكيم موضوع هذه الدعوى.
2. قاعدة لا بطلان دون ضرر: إنّ المخالفات والعيوب التي ترتكب في نطاق التحقيق أو المحاكمة لا تؤثر في صحة القرار التحكيمي، إلاّ إذا أصاب المدّعي ضرر من جرائها أثّر في النتيجة ولا رقابة للقضاء على صحة التعليل .
3. استقلال البند التحكيمي: إنّ من المتفق عليه فقهاً واجتهاداً وما استقر عليه اجتهاد هذه المحكمة، أنّ البند التحكيمي يعتبر كاتفاق تحكيمي مكتمل بذاته ومستقل عن العقد الذي يضمهما في صك واحد، إذ أنه في أغلب الأحيان قد يثبت الصك ذاته الاتفاق على موجبات الطرفين، وهي جوهره (Instrumentum)، والاتفاق الآخر على البند التحكيمي أي العقد الاجرائي (convention de procédure) وهو الذي عيّنه الطرفان بشكل مستقل عن العقد الأصلي لينظّم إجراءات التقاضي بينهما عند إخلال أحدهما بموجباته. إنّ التوجه المذكور أعلاه الذي يعتبر أنّ البند التحكيمي مستقل عن العقد الأساسي المدرج فيه، يستتبع اذن نتيجتين تتمثلان بما يأتي: من جهة إذا تم فسخ هذا العقد باتفاق الطرفين أو بإرادة منفردة، فإنّ البند التحكيمي يبقى قائماً وصحيحاً ما دام أنّ البطلان أو الفسخ أو أي سبب آخر من أسباب انقضاء العقد لم يلحقه بحد ذاته، ومن جهة أخرى، حق المحكم في الفصل بأمر ولايته لنظر النزاع المعروض عليه عند المنازعة فيها نتيجة لادعاء بطلان العقد المذكور أو انقضائه نتيجة فسخه من قبل أحد الطرفين، وذلك عملاً بالمادة 785 أ.م.م، إذ أضحى بإمكان المحكم عند التذرع بعدم صحة العقد الأساسي أن ينظر بالاستناد الى البند التحكيمي في المنازعة المثارة حول ولايته أي في وجود أو في صحة اتفاق التحكيم الذي يستمد منه هذه الولاية .
4. التعامل مع أسباب البطلان وفقاً لمبدأ حسن النية .
5. انطلق الاجتهاد الفرنسي من فكرة العدول المفترض ليفرض على الفريق الذي يشكو من عيب يطال التحكيم في موضوعه أو شكله ليفرض عليه واجب التذرع به أثناء المحاكمة التحكيمية، ولكي يرتّب على سكوته المقرون بالعلم دليل تنازل، له صفة ملزمة، ويلاحظ أنّ الاجتهاد الفرنسي يرتكز في هذا المجال على مبدأ التنازل الضمني عن التذرع بالعيوب التي شابت المحاكمة التحكيمية ، ولم يذهب الى القول بوجود مبدأ يفرض على المتحاكمين التذرع بأسباب البطلان أمام هيئة التحكيم تحت طائلة سقوط حقهم حتماً في ذلك.
يجب الادلاء بالعيب الاجرائي أمام المحكمين تحت طائلة رفض الدفع به إلاّ إذا لم يكن معلوماً ممن تذرّع به قبل النطق بالقرار أو في حال عدم استجابة الهيئة التحكيمية وتصحيح العيب الحاصل .
6. إنّ الاجتهاد اللبناني كذلك قد خطا خطوة واسعة، إذ عمد الى فرض عدم التناقض كمبدأ ملزم انطلاقاً من القاعدة الكلية الواردة في المجلة القائلة بأنه لا يسع المرء أن ينقض ما تم من جهته (L’Estoppel).