الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / دعوى البطلان / الكتب / الموجز فى النظرية العامة للتحكيم التجاري الدولي / نطاق البطلان

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

    2010-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    529
  • رقم الصفحة

    325

التفاصيل طباعة نسخ

 نطاق البطلان

 

       تختلف الأنظمة القانونية المعاصرة بشأن تحديد حكم التحكيم الخاضع للبطلان. ويمكن التفرقة في هذا الصدد بين اتجاهين: الاتجاه الأول ووفقاً له يخضع أي حكم تحكيمي دولي للبطلان وذلك بغض النظر عن مکان صدوره سواء كان صدر في إقليم الدولة المرفوع أمام قضائها الطعن بالبطلان أو كان قد صدر في الخارج بالتطبيق لقانونها. بينما تذهب أنظمة قانونية أخرى تدرج أيضاً في إطار هذا الاتجاه الموسع للقضاء ببطلان حكم التحكيم، إلى عدم الاختصاص بنظر دعاوى البطلان إلا تلك المقامة ضد أحكام تحكيم صدرت في إقليم الدولة التي التمس من قضائها الحكم بالبطلان.

        ويعتبر القانون المصري من الأنظمة القانونية التي تدخل في إطار الطائفة الأولى المندرجة في إطار هذا الاتجاه الموسع للقضاء ببطلان حكم التحكيم بينما بعد القانون الفرنسي من الأنظمة القانونية الداخلة في إطار الطائفة الثانية من هذا الاتجاه.

     وإلى جانب هذا الاتجاه الموسع للقضاء ببطلان حكم التحكيم فإن هناك أنظمة قانونية أخرى تضيق من نطاق اختصاص القضاء الوطني بالبطلان وتجعله لا يختص إلا بحالات معينة تمس النظام الوطني وبالتالي لا يختص هذا القضاء بنظر دعاوى البطلان الأخرى، حتى لو كانت أحكام التحكيم قد صدرت على إقليم هذه الدولة.

      ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الرجوع على حكم التحكيم في دولة مقر التحكيم على الرغم من أنها لا توجد بين الأطراف فيها وهذه الدولة أية صلة يشكل العقبة الكبرى ضد تطور التحكيم الدولي. وتزداد هذه الخطورة بالنظر إلى أن معاهدة نيويورك الموقعة عام ۱۹5۸ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إذ تجعل من بين الأسباب التي تنص عليها من أجل رفض تنفيذ حكم التحكيم، أن يكون حكم التحكيم قد تم إبطاله في الدولة التي صدر فيها، وبالتالي فإنها تعترف بقيمة دولية للاختلافات القائمة الأنظمة الوطنية. إذ أنه من الممكن أن حكم التحكيم الصحيح في دولة كل من طرفيه، لا يمكن تنفيذها بالتطبيق لأعمال معاهدة نيويورك، لمجرد أنه تم إبطاله في دولة مقر التحكيم، وهو أمر خطير للغاية.

ولذلك يرى جانب من الفقه أن اختيار دولة ما كمقر للتحكيم مبعثه ما يتمتع به قضاء هذه الدولة من حياد كما هو شائع عن سويسرا ولكن أيضاً بسبب وسائل الاتصال الجيدة، وبالتالي فإنه يكون من المؤسف أن يكون هذا الاختيار للأسباب المتقدمة لدولة مقر التحكيم سبباً في إمكانية الطعن على الحكم بالبطلان من عدمه ولذلك فإنه من الأفضل من وجهة نظر هذا الفقه، أن تتركز جميع وسائل الرقابة على حكم التحكيم في الدولة المطلوب تنفيذه فيها، وبناء على ذلك فإنه لا مانع من السماح للأطراف بأن تتنازل عن طريق الرجوع ومن بينها طريق المطعن بالبطلان في دولة مقر التحكيم.

وأياً كان الرأي في هذا الموضوع فإن الذي يتعين معالجته في، هذا المقام هو التفرقة بين الأنظمة القانونية الموسعة لنطاق البطلان والأنظمة المضبطة لهذا النطاق.

الانظمة القانونية الموسعة لنطاق البطلان

ا - موقف القانون المصري:

 يعد القانون المصري الجديد بشأن التحكيم من قبل هذه الأنظمة القانونية الموسعة النطاق البطلان، إذ منح المشرع المصري للقضاء المصري الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم إذا كان التحكيم قد جرى في مصر بصدد منازعة دولية أو كان قد جرى في الخارج وكان القانون المصري هو المطبق على إجراءات التحكيم بناءً على اتفاق الأطراف.

ب - موقف القانون الفرنسي:

           حدد قانون التحكيم الفرنسي الصادر سنة ۱۹۸۱ بشكل واضح دعوى الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم التي يمكن رفعها أمام المحاكم الفرنسية. فنصت المادة ۱۵۰٤ من قانون المرافعات المدنية الجديد في الفقرة الأولى منها على أنه" يمكن الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادرة في فرنسا بشأن التحكيم الدولي في الأحوال المنصوص عليها المادة ١٥٠٢." ويرى الأستاذ Gaillard. أن هناك نتيجتين، الأولى إيجابية والأخرى سلبية تترتب على هذه الصياغة. والنتيجة الأولى الإيجابية تفيد أن قانون التحكيم الصادر في ١٢ مايو ۱۹۸۱ قد قطع كل صلة بالقضاء السابق لمحكمة استئناف باريس والذي كان يقرر عدم قبول الطعن بالبطلان الموجه ضد أحكام التحكيم غير الفرنسية، والتي يمكن تعريفها بأنها أحكام التحكيم الصادرة وفقاً لقانون إجرائي آخر غير القانون الفرنسي ولا تتصل بأي شكل من الأشكال ر بالنظام القانوني الفرنسي، وذلك على الرغم من انعقاد التحكيم في فرنسا.

       ولقد طبقت محكمة استئناف باريس هذا النظر على حكم تحكيمي صادر وفقاً لقواعد التحكيم المتبعة في غرفة التجارة الدولية بباريس وتم في فرنسا بين شركة ليبية وشركة سويدية للفصل في منازعة ناشئة عن تنفيذ عقود بشأن بناء وتسليم سفن في السويد.

          إلا أنه منذ صدور القانون الجديد فإن مجرد صدور حكم التحكيم في فرنسا يكفي في حد ذاته لانعقاد الاختصاص للمحاكم الفرنسية بنظر دعوى الطعن بالبطلان المرفوعة ضد هذا الحكم، وذلك حتى إذا كان الحكم قد صدر في منازعة دولية لا تتصل بالنظام القانوني الفرنسي بأي عامل من العوامل اللهم إلا مجرد وجود مقر التحكيم في فرنسا.

والحل الذي أتى به القانون الفرنسي الجديد بشأن التحكيم جدير بالتأييد على نحو ما يذهب إليه جانب من الفقه الفرنسي.

        إذ يتحقق في هذا الحل الذي أتى به القانون الفرنسي مجموعة من المزايا بعضها تابع من هذا الضابط في حد ذاته، وبعضها مرجعه عدم ملاءمة الضوابط الأخرى كأساس لتقرير اختصاص القضاء الوطني والفصل في دعاوى بطلان أحكام التحكيم، لا سيما لما يترتب عليها من آثار سلبية.

        إذا ينطلق هذا الحل من مبدأ توزيع الاختصاص بين الدول المختلفة المعنية بالحكم التحكيمي، وهو مبدأ متبع في الأنظمة القانونية للعديد من الدول، بل ويسيطر على المعاهدات الدولية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم. ووفقاً له تختص دولة مقر التحكيم اختصاصاً قاصراً عليها بنظر دعاوى البطلان المقامة ضد الحكم التحكيمي، وبالتالي لا تملك الدول الأخرى المطلوب تنفيذ الحكم التحكيمي فيها أو الاعتراف به على إقليمها إلا قبول أو رفض ترتيب هذا الحكم لآثاره في نظامها القانوني.

         كما أن الحل المتقدم يتحاشى ظاهرة أحكام التحكيم غير المتصلة بأي نظام قانوني sentences flottantes والتي يمكن أن تكون معيبة بعيب جسيم، وقد لا توجد أية دولة مختصة بتوقيع الجزاء المترتب على ما لحق بها من عيب.

         ولعل النتيجة السابقة تعد أحد عوامل الضعف الكامنة في المعيار الذي يعتمد على القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم كمعيار لتحديد الاختصاص بنظر دعوى البطلان، إذ يحدث في العديد من الحالات أنه لا يوجد هناك أي قانون يتم اختياره من قبل الأطراف ولا من قبل المحكمين لحكم الإجراءات. وقد يكتفي المحكمون بتطبيق نصوص لائحة التحكيم المختارة من قبل الأطراف وحل المسائل المتعلقة بالإجراءات دون الإشارة إلى قانون محدّد.

       والواقع أن معيار القانون الواجب التطبيق على الإجراءات سواء كانت الأطراف قامت باختيار هذا القانون صراحة أو من خلال الإشارة إلى لائحة تحكيم محددة أو كان إعمال هذا القانون بناءً على مبادرة من المحكم نفسه، وهو المعيار الذي سارت عليه محكمة استئناف باريس في فترات سابقة، يبدو من الفقه الفرنسي وبحق معياراً سطحياً artificiel ، فالأطراف لا تعني إلا فيما ندر بتحديد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات والذي يبدو من وجهة نظرهم أقل أهمية من موضوع تحديد مقر انعقاد جلسات التحكيم.

         كذلك فإن ضابط الاختصاص القائم على مقر التحكيم يتمشى مع توقعات الأطراف التي اختارت هذا المقر ليس نزولاً على اعتبارات السهولة والحياد، ولكن أيضاً، بل قد يكون ذلك هو الدافع الرئيسي لاختبارها، بالنظر لما يترتب على هذا الاختيار من تطبيق نظام قانوني معين على التحكيم بما يتضمنه ذلك من معرفة طرق الرجوع المقررة والمسموح بها ضد حكم التحكيم الصادر في دولة المقر وفقاً للقانون المطبق فيها.

          أما الأثر الثاني المترتب على صياغة المادة ١٥٠٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد فهو يتعلق بعدم الاعتراف بالاختصاص للقضاء الفرنسي بنظر دعاوى البطلان إلا بصدد أحكام التحكيم الصادرة في فرنسا.

         وهذا يعني أن اختيار القانون الفرنسي سواء من قبل الأطراف أو من قبل المحكمين ليحكم إجراءات التحكيم غير قادر على جذب الحكم التحكيمي لإخضاعه لسلطات النظام القانوني الفرنسي ولا سيما فيما يتعلق بدعاوى البطلان.

          وهذا الحل يتعارض مع ذلك الذي أخذ به المشرع الفرنسي بصدد إمكانية لجوء الأطراف إلى القضاء الوطني من أجل الحصول على مساعدة هذا القضاء في تشكيل محكمة التحكيم إذا كان القانون الفرنسي يطبق على إجراءات التحكيم التي تجري في الخارج فرئيس المحكمة الجزئية في باريس يمكنه أن يفصل في المنازعات المتعلقة بتشكيل محكمة التحكيم ليس فقط بشأن التحكيم الذي تعقد إجراءاته في فرنسا ولكن أيضاً بشأن المشاكل الناجمة بشأن التحكيم التي اتفقت الأطراف على خضوعه بقانون الإجراءات الفرنسي.

        كذلك فإن الحل المتقدم يقطع الصلة بالحل الذي استخلصته محكمة استئناف باريس إلى تفضيل معيار القانون الواجب التطبيق على الإجراءات على معيار مقر التحكيم من أجل رفض دعاوى بطلان احكام التحكيم غير الفرنسية الصادرة في فرنسا، وقبلت في نفس الوقت الاعتراف بالاختصاص للقضاء الفرنسي بنظر صحة أحكام التحكيم الصادرة في الخارج والتي طبقت القانون الفرنسي على الإجراءات.

       وبهذه المثابة رفضت محكمة استئناف باريس قبول دعوى البطلان ضد حكم تحكيمي صادر في منازعة بين شركتين أحدهما فرنسية والأخرى تركية نظراً لأن الإجراءات المتبعة في إصدار هذا الحكم ليست هي تلك التي ينص عليها القانون الفرنسي.

    وقانون التحكيم الجديد الصادر في فرنسا لا يكرس هذا القضاء المتقدم كما أنه أيضاً لا يقر القضاء الذي يرفض الاعتراف بدعاوى البطلان ضد جانب من أحكام التحكيم الصادرة في فرنسا.

    ويرى جانب من الفقه الفرنسي أن الحل الذي أتى به القانون الجديد جدير بالتأييد، فمعيار القانون الواجب التطبيق على الإجراءات لا يتمشى عادة مع أية نية للاعتراف فيما يتعلق بنطاق الرقابة التي يتعين فرضها على المحكم التحكيمي، إذ لا تفصح الأطراف عادة عن القانون الواجب التطبيق على هذه المسألة.

     كذلك فإن اعتماد القانون الواجب التطبيق على الإجراءات بوصفه معياراً يحدد اختصاص المحاكم الفرنسية من شأنه أن يخلق تنازعاً في الاختصاص بين القضاء الفرنسي والأجنبي، ذلك أن معيار المقر هو المعيار الراجح في إطار القانون المقارن والمعاهدات الدولية المبرمة في شأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم.

     والواقع أن تمسك المحاكم الفرنسية بمعيار القانون الواجب التطبيق على الإجراءات كمعيار يرجع إليه لتحديد اختصاص المحاكم الفرنسية بنظر دعاوى البطلان، يؤدي بها إلى القضاء ببطلان حكم تحكيمي بعد صحيحاً من وجهة نظر قضاء دولة مقر التحكيم.

    ولهذا فإن ترجيح ضابط عالمي للاختصاص لتقرير اختصاص القضاء الوطني ينظر دعاوى البطلان كما هو الشأن بالنسبة لضابط مقر التحكيم من شأنه أن يتفادى مثل هذه المشاكل.

     وقاعدة عدم اختصاص القضاء الفرنسي بالفصل في دعاوى البطلان المرفوعة ضد حكم تحكيمي صادر في الخارج من الوضوح بمكان على نحو أصبح معه إغفال مثل هذه القاعدة من قبل الأطراف من شأنه أن يؤدي إلى إدانته بالتعسف في استعمال حقه الإجرائي.

       ولقد قضت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر في ۲۸ فبراير ٠ ١٩٨٦ في دعوى البطلان المقامة في فرنسا ضد حكم تحكيمي صادر في إنجلترا، وذلك بعد أن أشارت إلى طريق الطعن بالبطلان المنصوص عليه في المادة ١٥٠٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد محجوز وقاصر فقط على أحكام التحكيم الصادرة في فرنسا بشأن التحكيم الدولي، بأن المدعى عليه على حق فيما يذهب إليه من سوء نية المدعي بعرضه للانتقادات الموجهة منه إلى الحكم التحكيمي أمام قضاء غير مختص وبذلك سمح بالمناقشة العلنية الوقائع الأصل أن تظل غير علنية وسرية.

والمعيار الذي تبنته المادة ١٥٠٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد، يعطي أهمية قصوى للمكان الذي تم إصدار حكم التحكيم فيه.

      ومع ذلك فإن الطابع البسيط والواضح الذي يميز هذا المعيار لا يعني المشاكل التي قد تصادف تحديده في ظروف معينة قد تم إنجازها.

        فإذا حدث لاعتبارات مشابهة أن الحكم التحكيمي تم التوقيع عليه في مكان آخر غير ذلك المختار كمقر للتحكيم من قبل الأطراف أو لهيئة التحكيم أو المحكمين أنفسهم، فإن تحديد المكان الذي صدر فيه الحكم التحكيمي وفقاً لنص المادة ١٥٠٤ يمكن أن يثير بعض المشاكل.

      فمثلاً إذا تم توقيع الحكم التحكيمي في فرنسا بينما كان مقر التحكيم قد تم تحديده في دولة أخرى، فإنه يمكن لأحد الأطراف أن يتمسك بأن الحكم التحكيمي قد صدر في فرنسا ويستند على ذلك من أجل الدفاع عن اختصاص المحاكم الفرنسية بنظر دعوى البطلان ضد هذا الحكم. وهذا الخطر الناجم بسبب الانفصال بین المقر القانوني للتحكيم والمكان الذي صدر فيه الحكم التحكيمي يخفف في بعض الحالات أن يكون التحكيم قد تم تحت مظلة غرفة التجارة الدولية بباريس والتي تنص المادة ٢٢ الخاصة بهذه الغرفة على أن" حكم التحكيم يفترض أنه صدر في دولة مقر حدته من لائحة التحكيم".

 

     ويمكن القول في هذه الحالة إن الشروط التي اتفقت عليها الأطراف، أو أن لائحة التحكيم التي تستمد كل قيمة لها من إرادة الأطراف، تظل غير قادرة على تعديل التنظيم الخاص بطرق الطعن بالبطلان والذي يعد من النظام العام.

     المحتملة يجب يتم في والواقع أن حل هذه الصعوبات والمشاكل ضوء تفسير فكرة صدور الحكم التحكيمي الذي حددته المادة ١٥٠٤

      ویری الأستاذ E. Gaillard أن التفرقة بين الأحكام التحكيمية الصادرة في المجال الدولي، والأحكام التحكيمية الصادرة في الخارج، أراد فرنا في المشرع الفرنسي من خلالها عدم اتخاذ معيار عرضي يتوقف على الاختيار الذي يقوم به المحكمون لأسباب تتعلق بالسهولة وقت التوقيع على الحكم التحكيمي.

فاختيار القانون الفرنسي لدولة مقر التحكيم كأساس لثبوت الاختصاص للقاضي الفرنسي بنظر دعوى البطلان المقامة ضد الحكم التحكيمي الصادر في فرنسا وعدم اختصاصه بدعاوى البطلان الخاصة بالحكم التحكيمي الصادر في الخارج يستند أساساً على الاعتراف بحرية الأطراف الاختيار سواء بطريق الاختيار إلى منظمة تحكيمية أو المحكمين أنفسهم للمكان الذي تجري فيه إجراءات التحكيم وبالتالي اختيار الوسط القانوني للتحكيم والذي يختلف من دولة إلى أخرى ولا سيما فيما يتعلق بطرق الطعن.

 في مباشر أو من خلال تفويض هذه السلطة في فمن وجهة نظر المشرع الفرنسي، انعقاد الاختصاص للمحاكم الفرنسية بنظر دعاوى البطلان ضد أحكام التحكيم الصادرة في فرنسا في المنازعات الدولية يتعلق دون أدنى شك بالرغبة في منح المتعاملين على صعيد التجارة الدولية مكاناً للتحكيم يتلاءم مع مفهوم معين للرقابة التي يجب للقضاء الوطني أن يمارسه على أحكام التحكيم، وبالتالي فإنه لا يتمشى مع هذه المسألة أن يتوقف اختصاص المحاكم الفرنسية بشأن دعاوى البطلان على محض الصدفة المتمثلة في المكان الذي قام المحكمون بالتوقيع فيه على الحكم التحكيمي بينما اختارت الأطراف مكاناً آخر بوصفه مقراً للتحكيم، وبهذه المثابة فإنه يتعين تفسير المادة ۱٥۰٤ من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي الجديد بأنها تقصد بالمكان الذي صدر فيه الحكم التحكيمي أي المكان الذي انعقدت فيه جلسات التحكيم، وهو التفسير الذي يميل القضاء الفرنسي إلى اعتناقه. فعلى سبيل المثال ذهبت محكمة استئناف فرساي في حكمها الصادر في ١٤ يناير ۱۹۸۷ وهو حكم غير منشور إلى اعتبار حكم التحكيم محل الطعن المرفوع أمامها على اعتبار أنه بمثابة حكم صادر في فرنسا، على الرغم من أنه تم توقيعه في بروكسل، وذلك لأن الأطراف كانت اختارت باريس كمقر للتحكيم.

119