الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / دعوى البطلان / الكتب / طرق وأسباب الطعن في حكم التحكيم دراسة قانونية مقارنة / تعريف البطلان

  • الاسم

    محمد علي فرح
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    104

التفاصيل طباعة نسخ

تعريف البطلان

1 - تعريف البطلان في اللغة: أصلها بطل، والباطل ضد الحق وهو ما لا ثبات له عند الفحص، وقد يقال ذلك في الاعتبار إلى المقال والفعال ومنه قوله تعالى( لم تلبسون الحق بالْبَاطِل) والجمع أباطيل على غير قياس كأنهم جمعوا إبطيلا، ويقال بطل بطلا وبطولا وبطلانا بمعنى فسد أو سقط حكمه أو ذهب خسرا وضياعا ومنه قوله تعالى ﴿وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

  يقال ذهب دمه بطلا أو بطل دمه أي هدرا إذا قتل ولم يحصل له ثأر أو ديه، والبطل الشجاع وبطالة وبطولة صار شجاعا وقيل إنما سمى بطلا لأنه يبطل العظائم بسيفه فيبهرجها وقيل سمى بطلا لأن الاشداء يبطلون عنده وقيل هو الذي تبطل عنده دماء الاقران فلا يدرك عنده ثأر، وبطله وتبطيلا صيره بدون عمل، والتبطل فعل البطالة وهو إتباع اللهو والجهالة وقالوا بينهم أبطوله يتبطلون بها أي يقولنها ويتداولونها.

  أبطلت الشيء جعلته باطلا، وأبطل فلان جاء بكذب وادعى باطلا، وقوله تعالى ﴿وَمَا يُبْدِى الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ قيل الباطل هنا إبليس أراد ذو الباطل أو صاحب الباطل وهو إبليس وفي حديث الأسود بن سريع كنت أشعر النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عمر قال أسكت أن عمر لا يحب الباطل، قال بن الأثير أداء الباطل صناعة الشعر واتخاذه كسبا بالمدح والذم، فأما ما كان ينشده النبي (صلى الله عليه وسلم) فليس من ذلك ولكنه خاف أن لا يفرق الأسود بينه وبين سائره فأعلمه ذلك.

  الإبطال يقال في إفساد الشيء وإزالته حقا كان ذلك الشيء أو باطلا ومنه قوله تعالى ويحق الحق ويبطل الباطل".

2 - البطلان في الاصطلاح

    يختلف تبعا للعبادات والمعاملات ، ففي العبادات عدم اعتبار العبادة من كأنها لم تكن كما لو صلى بغير وضوء وفي المعاملات مختلف في تعريفه، فعند الحنفية " أن يقع على غير مشروع بأصله لا بوصفه"، ويترتب على البطلان تخلف الأحكام كلها عن التصرفات وخروجها عن كونها أسبابا مفيدة لتلك الأحكام التي تترتب عليها فبطلان المعاملة لا يوصل إلى المقصود الدنيوي أصلا لأن آثارها لا تترتب عليها .

  تعريف البطلان عند غير الحنفية هو تعريف الفساد بعينه وهو أن تقع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله أو بوصفه أو بهما، والسبب في هذا الاختلاف بين الجمهور والحنفية يرجع إلى اختلاف الفقهاء في أثر النهي إذا توجه إلى وصف من أوصاف العمل اللازمة له كالنهي عن البيع المشتمل على الربا أو شرط فاسد، فالجمهور يقولون أنه يقتضي بطلان كل من الوصف والأصل كأثر النهي المتوجه إلى ذات الفعل وحقيقته ويطلقون عن الفعل المنهي عنه لوصف لازم له اسم الفاسد أو الباطل ولا يرتبون عليه أي أثر من الآثار المقصودة منه ولهذا كان البيع المشتمل على الربا أو على شرط فاسد أو نحو هذا من قبيل الباطل عندهم أو الفاسد والحنفية يقولون أنه يقتضي بطلان الوصف فقط أما أصل العمل فهو باقي على مشروعيته بخلاف النهي المتوجه إلى ذات الفعل وحقيقته، ويطلقون على الفعل المنهي عنه لوصف لازم له اسم الفاسد لا الباطل ويرتبون عليه بعض الآثار دون البعض ولذلك كان البيع المشتمل على الربا أو على شرط فاسد ونحوهما من قبيل الفاسد عندهم لا من قبيل الباطل، وأهم ما استدل به كلا الفريقين: الجمهور استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد عليه .

  أما الحنفية استدلوا على أن الشارع قد وضع العبادات والمعاملات أسبابا لأحكام تترتب عليها، فإذا نهى الشارع عن شيء منها لوصف من الأوصاف اللازمة كان النهي مقتضيا بطلان الوصف فقط لأن النهي متوجه إليه فيقتصر أثره عليه، فإذا لم يكن وجود هذا الوصف مخلا بحقيقة التصرف الموصوف به بقيت حقيقته قائمة، وحينئذ يجب أن تثبت لكل منهما مقتضاه فإذا كان المنهي عنه بيعا مثلا ووجدت حقيقته بوجود ركنه ومحله ثبت الملك به نظرا لوجود حقيقته ووجب فسخه نظرا لوجود الوصف المنهي عنه وبذلك يمكن مراعاة الجانبين وإعطاء لكل منهما حكمه اللائق به .

آثار البطلان

   بطلان العبادات يترتب عليه عدة آثار منها استمرار انشغال الذمة بالعبادة (1) إلا أن تؤدى أن كانت العبادة لها وقت محدد كالزكاة وعبر بعض الفقهاء عنها بالإعادة أو تقضى أن كانت العبادة لا يتسع وقتها لمثلها كرمضان أو تعاد أن كان وقتها يتسع لغيرها معها، كالصلاة أن خرج وقتها كان قضاء ، أو يؤتى بالبدل كالظهر عمن بطلت جمعته والكفارة عمن تعمد الإفطار .

  يأخذ جانب من الفقه على التعريفات التي تبنت فكرة أن البطلان وصف مخالف للنموذج القانوني تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار القانونية بأنها تقصر حالات البطلان على الحالات التي يكون فيها البطلان منصوصا عليه في القانون ولقد تجاوز الفقه الإجرائي ذلك وكذلك العديد من قوانين المرافعات .

   في رأيي أن هذا الاتجاه يخلط بين إلزامية أن يكون للعمل القانوني شكل نموذجي على قانوني وبين مجرد العيب أو المخالفة فالأعمال الإجرائية هي أشكال ولها نماذج قانونية أو مقتضيات لازمة لها وبدونها لا نتصور تلك الأعمال، فهذا النموذج القانوني يجب توفره في حالة أن يكون البطلان منصوص عليه أو غير منصوص عليه إذ بلا شكل معين أو نموذج قانوني معين لا نتصور أصلا وقوع مخالفة، فلا بد من وجود النموذج ابتدأ ثم مخالفة العمل لهذا النموذج .

أما كون مخالفة العمل لهذا النموذج القانوني يرتب بطلان العمل أم لا فهذا أمر آخر لا يفيد لزوم النص على البطلان بل وعلى العكس تماما فإنه ومن خلال التأمل في هذا التعريف يتضح أنه لا يستلزم أن يكون البطلان منصوص عليه ونستخلص ذلك من عبارة مخالفة تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يرتبها عليه القانون، فليس كل مخالفة للنموذج ترتب البطلان وإنما يجب أن تكون المخالفة من النوع التي تؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يقررها عليها القانون فكل مخالفة لا تؤدي إلى ذلك فهي لا تدخل في مفهوم البطلان.

   البطلان أصلها في اللغة بطل، وباطل يمكن أن تكون وصفا للإجراء الذي لم يستوفي مقتضياته الشكلية أو الموضوعية أما البطلان فإنه جزاء يرتبه القانون على مخالفة العمل لنموذجه القانوني ويؤدي إلى عدم ترتيب الآثار التي يتربها عليه القانون ، والجزاء كعقوبة تستهدف في الأصل الفاعل لا الفعل ذاته وعدم ترتيب الآثار على التصرف الباطل تعني حرمان من قام بالتصرف من الانتفاع بآثاره وهذا الحرمان لا يخرج عن كونه جزاء لمخالفة التصرف للنموذج القانوني المفترض توافره به إلا انه جزاء معنوي وليس بمادي وما يجعله معنوي أو مادي طبيعة المخالفة المرتكبة فلا شك أن المخالفة الإجرائية تختلف عن المخالفة الجنائية وبالتالي فإن ذلك يرتب اختلاف في الجزاء الذي يطال الفاعل.

وجه المناسبة بين تعريفات البطلان

  في اللغة تعني فسد أو سقط حكمه أو ذهب خسرا وضياعا، وفي الاصطلاح الشرعي تعني وقوع المعاملة على وجه غير مشروع بأصله أو بوصفه ويقتضي عدم ترتيب الأثر، وفي الاصطلاح القانوني البطلان وصف يلحق بالعمل القانوني نتيجة مخالفته لنموذجه القانوني ويؤدي إلى عدم إنتاج الآثار التي يترتبها عليه القانون لو كان صحيحا.

   نجد أن هناك وجه مناسبة قوي ما بين تعريفات البطلان في اللغة والاصطلاح الفقهي والقانوني، فمن معنى البطلان اللغوي اشتق كل من الاصطلاح الفقهي والمعني القانوني فوقوع المعاملة من الناحية الشرعية على وجه غير مشروع بأصله أو وصفه عند جمهور الفقهاء أو بأصله عند الحنفية تعني أن هناك وجه في المعاملة قد وقع فاسدا وكذلك فإن عدم ترتيب الأثر من الناحية الشرعية تعني أن المعاملة قد سقط حكها.

   في المعنى القانوني فإن مخالفة العمل لنموذجه القانوني بما يؤدي إلى عدم إنتاج الآثار القانونية المترتبة عليه تعني أيضا الفساد وسقوط الحكم، وبالتالي فإن هناك ارتباط قوي ما بين التعريف اللغوي والقانوني، فالواضح أن المشرع استعار المعنى اللغوي للبطلان كوصف للأعمال القانونية الفاسدة التي لا ترتب آثارها القانونية.

107