لعل أبرز النظم القانونية الموسعة من نطاق البطلان القانون الإنجليزي للتحكيم والقانون الفرنسي والقانون الأمريكي والقانون المصري والقانون السويدي وهي القوانين التي تلفظ فكرة عدم رقابة حكم التحكيم، لذا فإنها تقليد الحكم بقانون معين من حيث الصحة أو البطلان، سواء كان قانون المقر أم القانون الإجرائي، كما أن الشريعة الإسلامية تلفظ فكرة عدم جواز مراقبة القضاء الحكم التحكيم، لذا ستتناول كل ذلك على اللحو الآتي:
1- القانون الإنجليزي:
يعد قانون التحكيم الإنجليزي الصادر سنة ۱۹۹۹ من القوانين الموسعة النطاق فكرة البطلان حيث أن فكرة خضوع التحكيم للإشراف القضائي من الأفكار المتأصلة داخل القانون الإنجليزي. وهذا واضح من نص المادة ۱/۲ والتي تنص في هذا المقام على أن «تطبق أحكام هذا الفصل – الفصل الأول - عندما يكون مكان التحكيم في إنجلترا، كما تنص الفترة ۲/ب على أن يعتبر الحكم صادرا في مكان التحكيم أيا كان مكان توقيعه.
ويتضح من كلا النصين أن القانون الإنجليزي، يعمل على حمم مسألة كانت تثير الكثير من التعقيد في القضاء البريطاني، الذي عمل على التفرقة بين مكان صدور الحكم ومكان توقيعه، على اعتبار أن محاكم مكان التوقيع، تختص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم. وذلك بخلاف القوانين الأخرى في أوربا حيث لم تقم أي تفرقة بينهما ٢- القانون الأمريكي:
يعد القانون الأمريكي للتحكيم الصادر سنة ۱۹۲۰ من القوانين الموسعة النطاق بطلان حكم التحكيم، حيث ينص القانون الفيدرالي الأمريكي على أنه يمكن تقديم الدعوى الخاضعة لصلاحية المحاكم الفيدرالية بموجب المادة ۲۰۳ من هذا الفصل أمام أية محكمة صالحة للنظر في النزاع بين الأطراف في غياب العقد التحكيمي أو أمام أية محكمة فيدرالية يقع في نطاقها مكان التحكيم المحدد في العقد التحكيمي إذا وقع هذا المكان في الولايات المتحدة الأمريكية «.
3- موقف القانون الفرنسي:
كانت المحاكم الفرنسية قبل صدور قانون التحكيم الفرنسي المطبق حالياً تأخذ بضابط اختصاص المحاكم الفرنسية وفقاً للقانون الواجب التطبيق على الإجراءات.
وهذا الضابط كان يثير الكثير من الصعوبات والتعقيدات وخاصة عندما يكون هناك حكم تحكيم صحيح، وفقا لقانون دولة المقر، وباطل وفقاً الوجهة نظر المحاكم الفرنسية. أما عن الوضع الآن فنجد أن المادة 15.4 من قانون المرافعات المدنية الجديد تنص في الفقرة الأولى على أنه يمكن الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الصادرة في فرنسا بشأن التحكيم الدولي في الأحوال المنصوص عليها في المادة 1502».
وهكذا أخذ قانون التحكيم الفرنسي، بضابط اختصاص دولة المقر بنظر دعاوي البطلان وتلافي المثالب التي كانت موجودة قبل صدوره. وهو المعيار الذي يتمشى مع توقعات أطراف (النزاع) " ويقضى تماما على صعوبات الأخذ بالمعايير الأخرى، كما أنه المعيار الراجح والمعمول به في الكثير من النظم القانونية، بالإضافة إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
4 - موقف القانون المصري:
تنص المادة الأولى من القانون المصري للتحكيم بأنه سمع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية، تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص، أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية، التي بدور حولها النزاع، إذا كان هذا التحكيم، يجري في مصر أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج، واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام هذا القانون.
وواضح هنا أن القانون المصري الجديد للتحكيم رقم ۲۷ لسنة 94، خول القضاء المصري الاختصاص بنظر دعاوي بطلان حكم التحكيم، إذا كان التحكيم، قد جرى في مصر بصدد منازعة دولية، أو كان قد جرى في الخارج، وكان القانون المصري هو المطبق على إجراءات التحكيم بناء على اتفاق الأطراف.
5- القانون السويدي:
يعد قانون التحكيم السويدي الصادر سنة ۱۹۸۲ من القوانين الموسعة لنطاق البطلان، ويتضح ذلك من نص المواد من
6:5 من الجزء الخاص بأحكام التحكيم الأجنبية، حيث لم تفيد المادة الخامسة الرجوع على أحكام التحكيم الأجنبية الصادرة في السويد بأي قيد.
٦- موقف الشريعة الإسلامية:
أعتقد أن قواعد الشريعة الإسلامية تأبى وجود حكم تحكيم غير خاضع لرقابة القضاء. وهذا واضح من نصوص القرآن والسنة المطهرة ورسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري والتي سبق القول في مقدمة الرسالة أنه يعرف منها معرفة الشريعة الإسلامية الغراء الفكرة الطعن على حكم التحكيم.
ثانياً: النظم القانونية الضيقة لفكرة بطلان حكم التحكيم:
1- القانون البلجيكي:
يعد قانون الإجراءات المدنية البلجيكي الصادر في ۲۷ مارس 1985 من القوانين المضيقة لنطاق البطلان حيث تنص المادة 1717 فقرة 4 منه على أنه «لا تختص المحاكم البلجيكية بنظر دعوى البطلان إلا إذا كان أحد الأطراف في المنازعة التي فصل فيها الحكم التحكيمي شخص طبيعي يتمتع بالجنسية البلجيكية أو له موطن في بلجيكا أو شخص اعتباري تم تكوينه في بلجيكا أو له فرع أو مقرات للأعمال فيها أيا ما كانت طبيعته.
2 - القانون السويسري:
يعد القانون السويسري أيضا من القوانين المضيقة لنطاق البطلان حيث تنص المادة ۱۹۲ من القانون الدولي الخاص
السويسري الصادر في ۱۸ ديسمبر ۱۹۸۷ على أنه «إذا لم يكن للطرفين لا موطن ولا محل إقامة معتادة ولا مؤسسة في سويسرا، فإنهم يمكنهم من خلال إعلان رغبتهم الصريحة في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مكتوب لاحق، استبعاد كل طريق الطعن على الحكم التحكيمي الصادر عن محكمة التحكيم كما يمكنهم أيضاً عدم استبعاد الطعن بالبطلان إلا بالنسبة لبعض الأسباب المحددة في المادة ۱۹۰ فقرة ۲».
وأعتقد أن الذي دعى القانون السويسري إلى تضييق نطاق البطلان، هو نفس ما دعى المشرع البلجيكي، وهي الرغبة في جنب التحكيم إلى سويسرا.
وإذا عقدنا مقارنة بين نص المادة ۱۹۲ من القانون السويسري والمادة ۱۷۱۷ من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي، وجدنا أن المادة ۱۷۱۷ من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي، لا تشترط سوى أن يكون أحد الأطراف في المنازعة شخص طبيعي يتمتع بالجنسية البلجيكية. أما الرجوع على حكم التحكيم بالبطلان، عندما لا يكون للطرفين لموطن ولا محل إقامة معتاد ولا مؤسسة في سويسرا. وبالنسبة للشخص الاعتباري فإن المادة ۱۷۱۷ من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي، تشترط أن يتم تكوينه في بلجيكا، بينما المادة ۱۹۲ من القانون السويسري لا تشترط أن يكون الشخص المعنوي، قد تم تكوينه في سويسرا، كما أن المادة ۱۹۲ سويسري تخول الأطراف أيضاً عدم استبعاد الطعن بالبطلان، إلا بالنسبة البعض الأسباب المحددة في المادة ۱۹۰ فقرة، وهذا ما لم تنص عليه المادة ۱۷۱۷ من قانون الإجراءات المدنية البلجيكي.
ومما تجدر الإشارة إليه أن قانون الإجراءات المدنية البلجيكي عیل عن ذلك الاتجاه، نظرا لعزوف الكثير من الأشخاص عن اختيار بلجيكا كمقر للتحكيم للأسباب المشار إليها آنفا، لذا نص على استبعاد رقابة القضاء البلجيكي على أحكام التحكيم فقط في حالة ما إذا اتفق الأطراف على ذلك. كما أن القانون السويسري عدل عن اتجاهه أيضا بمقتضى المادة ۱۹۲.
بقيت كلمة أخيرة وهي أنه ينبغي الحرص عند اختيار مكان ما ليجري فيه التحكيم إذ قد لا يسمح قانونه بالرجوع على حكم التحكيم الصادر بالبطلان، إلا إذا كان أحد أطرافه مقيما في ذلك المكان، ما يعرض الأطراف المفاجأة لم ترد بخلدهم.