الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / دعوى البطلان / الكتب / بطلان حكم التحكيم ومدى رقابة محكمة النقض عليه (دراسة مقارنة) /    دعوى بطلان حكم التحكيم

  • الاسم

    المحامي الدكتور/ أحمد بشير الشرايري
  • تاريخ النشر

    2011-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الثقافة للنشر والتوزيع
  • عدد الصفحات

    400
  • رقم الصفحة

    215

التفاصيل طباعة نسخ

    دعوى بطلان حكم التحكيم

     لاعتبارات الموازنة بين الصالح العام عن وضع حد للمنازعات، وبين مصلحة الخصوم في تدارك الأخطاء التي يقع فيها المحكم، أجاز المشرع المصري رفع دعوى مبتدأه لطلب بطلان حكم التحكيم، وفقاً لضوابط معينة، إذ نصت الفقرة الثانية من المادة (52) من قانون التحكيم على أنه: "يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقا للأحكام المبينة في المادتين التاليتين". وهما المادتين (53) و(54) من ذات القانون.

    وحرص المشرع المصري على التصريح بأن دعوى البطلان ليست طريقاً من طرق الطعن المقررة للطعن في الأحكام القضائية، ولا تشكل جزءا من هيكل خصومة التحكيم، أو مرحلة من مراحلها، وقد صرح بهذا المعنى في الفقرة الأولى من نص المادة (52) من قانون التحكيم، حيث جاء فيها إن أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً القانون التحكيم لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها قانون المرافعات المدنية والتجارية

 

    أصبحت دعوى البطلان في كل من القانون المصري، والقانون الأردني هي الوسيلة الوحيدة للطعن يحكم التحكيم، والتي يمكن بموجبها إبطال حكم التحكيم وحالات محددة ورد تعدادها على سبيل الحصر في المادة (53) من قانون سا التحكيم المصري، والتي يقابلها المادة (49) من قانون التحكيم الأردني - والتي سبق بيانهما تفصيلا في الباب الأول - بعد أن أغلق المشرعين كل طرق الطعن، سواء العادية أو غير العادية أمام مراجعة حكم التحكيم.

   ونلاحظ أن حتى بعض القوانين العربية التي أجازت الطعن بالاستئناف على حكم التحكيم، جعلت طريق دعوى البطلان، هو الأصل العام للطعن على هذا الحكم في بعض الحالات، بالإضافة إلى أنها لم تجز الطعن بالاستئناف إطلاقا في بعض الحالات، حتى لو تم الاتفاق بين الأطراف على ذلك، والمثال على هذا القول؛ قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي، إذ قرر في نص المادة (186) إن دعوی البطلان هي الطريق الأصلي للطعن بحكم التحكيم إذا كان المحكم ملزما بتطبيق قواعد القانون، وإن كان يجيز للأطراف الاتفاق على اتباع طريق الطعن بالاستئناف.

    بل إن التحكيم لو كان بالقانون فإن دعوى البطلان تكون هي الطريق الوحيد للطعن بحكم التحكيم، إذا كانت قيمة المنازعة المعروضة على التحكيم لا تتجاوز مبلغ ألف دينار كويتي، أو إذا كان التحكيم منصبا على قضية منظورة أمام محكمة الاستئناف، أو إذا كان الحكم صادرة من هيئة التحكيم المنصوص عليها في المادة (177).

   ونجد عند المشرع اللبناني، أنه قرر في قانون أصول المحاكمات المدنية وفقا النص المادة (799)، أن دعوى البطلان هي الطريق الأصلي للطعن بقرار التحكيم، حال إن كان قرار التحكيم صادرة من محكم مفوض بالحكم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، وأجاز استثناء للأصل اتفاق الأطراف على خلاف ذلك.

    ويمكن أن نلاحظ وجه الشبه والاختلاف بين ما قرره المشرع اللبناني، والمشرع الكويتي في هذا المضمار، إذ أن وجه الشبه هو أن المشرعين أجازا دعوى البطلان للطعن بحكم التحكيم في حال إن كان التحكيم بالقانون.

    أما وجه الاختلاف: إن دعوى البطلان وفقا للقانون الكويتي هي الطريق الأصلي للطعن بحكم المحكم المقيد بالقانون، أما وفقاً للقانون اللبناني فإنها لا تكون كذلك في هذه الحالة إلا بناء على اتفاق الأطراف.

   وفيما يتعلق بالقانون الفرنسي، فإن طريق دعوى البطلان هو الأصل للطعن بحكم التحكيم الداخلي الوطني.

 

     ونجده أيضاً قد أجاز الطعن في حكم التحكيم بدعوى البطلان، إذا كان المحكم مقيدا بالقانون، واتفق الأطراف على ذلك، وهذا ما أكدته الفقرة الأولى من المادة (1484) من قانون المرافعات، والتي جاء فيها بأنه: "وفقا للتفريق المنصوص عليه في المادة 1482 إذا تنازل الأطراف عن الاستئناف، أو لم يحتفظوا صراحة بحق الاستئناف في العقد التحكيمي فإنه يمكن الطعن بالحكم التحكيمي الصادر عن المحكمين بطريق الإبطال وذلك بالرغم من أي اتفاق مخالف ".

    وتتميز دعوى البطلان بأنه لا يوجد طريق طعن ضد أحكام القضاء يمكن رد هذه الدعوى إليه بشكل كامل، وذلك نظرا للطبيعة المختلطة لهذا الطعن، فهو يتمتع ببعض خصائص طرق الطعن العادية، كما يتمتع ببعض خصائص طرق الطعن غير العادية، مما يجعله وسيلة مختلفة عن طرق الطعن، وأوجه الرجوع الأخرى التي توجه ضد أحكام القضاء.

   ولهذا فإن دعوى البطلان لها طبيعة خاصة، تختلف عن دعاوي بطلان التصرفات القانونية، وتختلف – أيضاً – عن طرق الطعن العادية وغير العادية في الحكم القضائي.

    وعليه فإن الذاتية الخاصة لدعوى البطلان، والتي تمنع من اندماجها في نطاق طرق الطعن في الأحكام، عادية كانت أم غير عادية، تجعلها طريقا خاصا للمساس بأحكام المحكمين بطريقة تتسق والنشأة الاتفاقية للتحكيم، للتأكد من صحة حكم المحكم أو بطلانه ولأسباب محددة حصرا نص عليها القانون، قبل أن يدخل حيز التنفيذ باعتباره أحد السندات التنفيذية التي أقرها المشرع.

سريان أحكام دعوى بطلان حكم التحكيم

   تختلف القوانين - محل الدراسية - بشأن تحديد حكم التحكيم الذي تسري عليه أحكام دعوى البطلان، وذلك لأن بعضها يمنح قضاءه الاختصاص بنظر دعوى البطلان، إذا كان التحكيم قد جرى على إقليمه، وفي ذات الوقت يمنح قضاءه الاختصاص بنظرها، إذا جرى التحكيم في الخارج واتفق الأطراف على إخضاعه لقانونه، وذلك إذا تعلق الأمر بتحكيم تجاري دولي، والمثال على ذلك القانون المصري.

   والبعض الآخر يأخذ بعدم اختصاص قضاءه بنظر دعوى البطلان، إلا بالنسبة الأحكام التحكيم التي تصدر في نطاق إقليمه: ومثال ذلك القانون الأردني، والكويتي، واللبناني، والفرنسي.

موقف القانون المصري

    بما أن نص المادة (52) من قانون التحكيم المصري، والتي منعت الطعن في حكم التحكيم، بجميع طرق الطعن العادية، وغير العادية، المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية، وأجازت رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، قد أشارت إلى سريان هذا الحكم على أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون، فإنه يتعين علينا أن نتعرف على أحكام التحكيم التي يسري عليها قانون التحكيم المصري، وبالتالي تسري عليها أحكام دعوى بطلان حكم المحكمين.

    وبهذا النص يكون المشرع المصري قد منح القضاء المصري سلطة نظر دعوى البطلان في حالتين:

الأولى: إذا كان التحكيم قد جرى في مصر بشأن منازعة وطنية أو دولية ودون التفرقة بين كون التحكيم مدني أو تجاري.

الثانية: إذا كان التحكيم قد جرى خارج إقليم الجمهورية المصرية، وكان القانون المصري هو المطبق على إجراء التحكيم بناء على اتفاق الأطراف، مع أن يكون التحكيم تجاري دولي.

    وبما أن قانون التحكيم المصري قد اعتمد معيارين لسريان أحكامه: معیار مقر التحكيم، ومعيار القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، فإن أحكام دعوى بطلان حكم التحكيم تسري على كل حكم تحكيم، يصدر في تحكيم جرى على الإقليم المصري، وكذلك تسري أحكامها على كل حكم تحكيم تجاري دولي.

    وفي الواقع العملي، إن حكم المشرع المصري في اعتماد معيارين لسريان. أحكامه قد يؤدي إلى ازدواجية في طرق الطعن على حكم التحكيم، فمن المتصور أن يصدر حكم تحكيم تجاري دولي في دولة أجنبية، ويكون التحكيم قد تم طبقا لأحكام القانون المصري، فيكون هذا الحكم قابلا للطعن في الدولة التي صدر فيها بأي طريق من طرق الطعن الذي تنتهجه تلك الدولة، وفي نفس الوقت يكون هذا الحكم قابلا للطعن فيه بطريق دعوى البطلان وفقا لأحكام القانون المصري، فنكون هنا أمام ازدواجية في طرق الطعن (تنازع اختصاص إیجابي).

موقف القانون الأردني

    جاء حكم قانون التحكيم الأردني خلاف حكم قانون التحكيم المصري في هذا المضمار، إذ اعتمد معیار مقر التحكيم كضابط يعتد به لسريان أحكامه، وهذا يعني أنه بمجرد صدور حكم التحكيم على الإقليم الأردني، يعطي القضاء الأردني الاختصاص بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم.

 

موقف القانون الكويتي

   اتجه قانون المرافعات الكويتي إلى اعتماد معیار مقر التحكيم كضابط يعتد به لسريان أحكامه، وهذا يعني بأن جميع أحكام التحكيم التي تصدر على إقليم دولة الكويت تون خاضعة لأحكام قانونه، وقد جاء هذا الحكم صراحة في الفقرة الرابعة من نص المادة (182) من قانون المرافعات.

 

   وبناء عليه، يعتبر كل حكم تحكيم يصدر على الإقليم الكويتي قابلا للطعن فيه بطرق الطعن - التي سبق التطرق إليها - دون التفرقة بين كون النزاع في تحكيم وطني أو دولي، وهذا يعني أن سريان أحكام دعوى البطلان لا تنطبق إلا على حكم التحكيم الذي يصدر عن دولة الكويت.

 موقف القانون اللبناني

   اعتمد قانون أصول المحاكمات المدنية المعيار الإقليمي لتحديد هوية قرار التحكيم، لذا يعتبر قرار التحكيم الداخلي الوطني خاضع للأحكام المتعلقة بدعوى البطلان، والتي تم بيانها.

   وفيما يتعلق بالقرارات التحكيمية الدولية الصادرة في البنان، فقد أجيز الطعن بها بطريق دعوى البطلان شأنها في ذلك شأن القرارات التحكيمية الداخلية الوطنية.

إلا أنه يلاحظ - ومن خلال الاطلاع على القانون اللبناني - أنه قد فرق بين حالات إبطال حكم التحكيم الداخلي الوطني، والمنصوص عليها في نص المادة (800)، وبين حالات إبطال حكم التحكيم الداخلي الدولي، والمنصوص عليها في نص المادة (817) في نقطتين هما:

1. اعتبر عدم اشتمال القرار على جميع بياناته الإلزامية المتعلقة بمطالب

الخصوم، والأسباب والوسائل المؤيدة لها، وأسماء المحكمين، وأسباب القرار ومنطوقه وتاريخه، وتوقيع المحكمين، إحدى حالات البطلان بالنسبة الحكم التحكيم الداخلي، بينما لم ينص على هذه الحالة فيما يتعلق بحكم التحكيم الدولي.

 

 2. فرق القانون بين النظام العام الداخلي والنظام العام الدولي، فاعتبر مخالفة

الحكم لقاعدة تتعلق بالنظام العام الدولي إحدى حالات الطعن بالبطلان على أحكام التحكيم الدولية، وهذا يعني إمكانية مخالفة حكم التحكيم الدولي لقاعدة من قواعد النظام العام المتبع في لبنان، ومع هذا لا يمكن إبطاله لعدم مخالفته النظام العام الدولي.

    أما فيما يتعلق بالقرار التحكيمي الأجنبي، أو الدولي الصادر في الخارج، فلم يجز المشرع الطعن بهذه القرارات، بأي طريق من طرق الطعن، إذ اعتبر هذه القرارات محمية - بحد ذاتها - من الطعن أمام القضاء اللبناني، حتى لو تم الاتفاق بين الأطراف على إخضاع التحكيم للقانون اللبناني.

موقف القانون الفرنسي

    وفيما يتعلق بقانون المرافعات الفرنسي، فقد فرق في إجازة اتباع طرق الطعن بين حكم التحكيم الوطني من جهة، وحكم التحكيم الدولي الذي يصدر على إقليمه من جهة أخرى، وفي ذات الوقت، فرق بين حكم التحكيم الدولي الذي يصدر على إقليمه، وبين حكم التحكيم الدولي الذي يصدر في الخارج.

    ففي ما يتعلق بحكم التحكيم الداخلي الوطني، فتسري عليه الأحكام التي تم بيانها. ومنعا للتكرار نحيل الأمر لما سبق في هذا الشأن.

    وفيما يتعلق بحكم التحكيم الداخلي الدولي - أي حكم التحكيم الدولي الذي صدر على الإقليم الفرنسي - فقد أجاز المشرع الفرنسي الطعن على هذا الحكم بطريق دعوى البطلان فقط على سبيل الحصر، حتى لو لم يطبق القانون الفرنسي على النزاع، إذا اعتبر مجرد صدور الحكم الدولي على الإقليم الفرنسي.

   وجدير بالملاحظة أن الحالات التي جاءت في الفقرة الثانية من المادة (1502)، والتي تبرر رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، ضد حكم التحكيم الدولي الصادر على الإقليم الفرنسي، وفقا لما أجازته نص المادة (1054) - تكاد تتطابق - مع الحالات التي تبرر رفع دعوى البطلان ضد حكم التحكيم الداخلي الوطني، إذ إنها لم تختلف إلا فيما يتعلق بما إضافة المشرع الفرنسي في حالات التحكيم الوطني في البند الخامس من الفقرة الثانية من المادة (1484) من قانون المرافعات، وهي التي تحيل هذه الحالة من حالات البطلان للمادة (1480) من ذات القانون، وهي التي تبطل الحكم إذا لم يكن مسببا، وفقا للمادة (1471)، أو إذا لم يكن يشتمل على أسماء المحكمين وتاريخه، وفقا للمادة (1472)، أو إذا لم يوقع من المحكمين وفقا للمادة (1473) من ذات

القانون.

    أما فيما يتعلق بحكم التحكيم الدولي الصادر خارج الإقليم الفرنسي، وحكم التحكيم الأجنبي، فلا يجوز الطعن بأي منهما، بأي طريق من طرق الطعن، التي يجوز اتباعها للطعن على حكم التحكيم الوطني، أو الدولي الصادر على الإقليم الفرنسي، حتى لو تم الاتفاق بين الأطراف على إخضاع إجراءاتهما للقانون الفرنسي، إذ اعتبر حكم التحكيم الدولي الصادر في الخارج - محمي بحد ذاته - من اتباع الأطراف الطعن به"، وإنما يقتصر الأمر على الطعن بطريق الاستئناف بالحكم الصادر بمنحه الصيغة التنفيذية، أو رفض منحه هذه الصيغة.

   والجدير بالملاحظة أن - الحالات التي تجيز الطعن بطريق دعوى البطلان في حكم التحكيم الدولي الصادر فرنسا، هي ذاتها التي حددها القانون؛ لاستئناف قرار منح حكم التحكيم الدولي الصادر في الخارج، أو الأجنبي، الصيغة التنفيذ أو رفض منحه هذه الصيغة، والتي ورد ذكرها بنص المادة (1502) من قانون المرافعات، إلا إن المشرع قد ذكرها كحالات لإبطال القرار التحكيمي الدولي الصادر في الداخل، وكحالات لاستئناف القرار القاضي برفض الاعتراف ومنح الصيغة التنفيذية في القرارات التحكيمية الدولية الصادرة في الخارج والأجنبية.

   وعلى ضوء ما سبق يتضح بأن فرنسا تعتبر من الأنظمة القانونية التي تدخل في أطار الطائفة التي لا تنظر دعوى البطلان، إلا إذا صدر الحكم على إقليمها، حتى لو كانت الإجراءات قد تمت في الخارج ما دام أن الحكم قد صدر في إقليمه.

    ويرى البعض أن اختلاف التعامل بين حكم التحكيم الدولي الصادر عن

فرنسا، وذلك الصادر في الخارج، يقوم على أساس إن الأول يندمج ويصبح جزءا من النظام القانوني الفرنسي، مما يحتم الجواز بطلب بطلانه لاستبعاده.

    ويؤيد البعض ما ذهب إليه المشرع الفرنسي في هذا المشوار، على أساس إنه يحقق عدة مزايا، منها توزيع الاختصاص بين الدول المختلفة، حيث لا تختص بنظر الطعن بحكم التحكيم إلا الدولة التي صدر فيها الحكم، أما الدولة التي يقدم طلب الاعتراف أو التنفيذ إليها، فلا تملك إلا تنفيذ الحكم أو رفضه.