من الطبيعي أن يفرض القانون الذي أجاز التحكيم، وأجاز الطعن بالقرارات التحكيمية شروطا شكلية وموضوعية لممارسة حق الطعن.
وهذه الشروط ليست خاصة بالطعن ببطلان القرار التحكيمي، فهي ترد عند الطعن به عن طريق الاستئناف وهي معروفة لدى الطعن بأحكام وقرارات القضاء الرسمي، ولكن طبيعة هذه الشروط تختلف من طعن إلى آخر.
وما يزيد أهمية دراسة شروط الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، إضافة إلى كونها ضرورية لممارسة الحق بالطعن من قبل المتضرر أو المتظلم أنها ليست ذاتها لناحية التحكيم الداخلي في غالبية التشريعات.
ولذلك فإننا في هذا القسم سوف نتناول ضمن بابين منفصلين الشروط الشكلية والموضوعية للطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي.
المنازعة وإلزام الخصوم بقراره. فالعبرة دائما بطبيعة النشاط الذي يباشره المحكم، وعلى أساس هذه المصادر يمكن التمييز بين التحكيم وغيره التصرفات القانونية والتي سبق وأشرنا إلى أكثر مظاهرها أهمية وتعاملاً. وبالتالى لا يعتمد بالتسمية التي يطلقها الأفراد على الاتفاق فيما بينهم، إذ أن ولاية التكييف في هذا المجال محصورة بالقضاء وبه وحده.
وبالنتيجة، فإن المحكم ليس وكيلاً وليس خبيراً ولا يباشر مهمة الوساطة والتوفيق فحسب وإنما يمكن اعتباره شبه قاض» وهذا الطرح مازال يثير خلافاً في الفقه حول طبيعة التحكيم.
وبختام هذا الفصل التمهيدي، فإننا ننتقل إلى القسم الأول من هذه الكتاب والذي يحمل كعنوان شروط الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي».
لقبول الطعن شكلاً، يجب أن فعلاً يوجه ضد قرار تحكيمي تجاري دولي، وأن يرد ضمن المهلة القانونية، وأن يقدم للمحكمة المختصة.
يشترط لأعمال الأحكام الخاصة ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، أن يكون موضوع الطعن قراراً في تحكيم تجاري دولي، وهذا الأمر يستدعي التفرقة بين نقاط مختلفة رتبت عليها التشريعات المقارنة نتائج قانونية مهمة.
ففي البدء يقتضي تحديد ما هو المقصود بالقرار أو الحكم التحكيمي، لأن هذا الوصف له آثار متعددة كون الحكم التحكيمي وحده دون غيره من القرارات التي تصدر عن الحكم، يكون قابلا للطعن عليه بالطرق المقررة قانوناً، وأهمها الطعن بالبطلان، وهو وحده الذي يخضع للمدة المقررة قانوناً لممارسة هذا الحق في الطعن.
كما أن هناك نقطة أخرى ترتبط بأهمية تحديد ما هو المقصود بحكم التحكيم التجاري الدولي وهذا الأمر يتطلب التفرقة بين التحكيم الوطني أو الداخلي والتحكيم الدولي، وهي تفرقة تنعكس بدورها على تحديد طبيعة حكم التحكيم. وتبدو أهمية هذه التفرقة الأخيرة في أن حكم التحكيم الدولي وحده دون التحكيم الوطني أو الداخلي هو الذي يثير جميع المشاكل المعروفة تفرض أي إلزام ،شكلي بصدد القرار التحكيمي في مادة التحكيم الدولي. وهكذا فإن المادة 817 من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1983، التي تحدد حالات استئناف أوامر الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة في خارج لبنان، أو إلغاء القرارات الصادرة في لبنان في مادة التحكيم الدولي، أن هذه المادة لا تشير إلى شكل القرار التحكيمي.
ينتج عن ذلك أن غياب التعليل في القرار مثلاً، أو غياب ذكر اسم المحكمين وتاريخ القرار التحكيمي بموجب القانون الداخلي إن غياب كل ذلك يسبب بطلان القرار الصادر في مادة التحكيم الدولي.
ولكن المادة 817 من قانون 1983 تمكن من استئناف قرارات إعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة خارج لبنان، أو إبطال القرارات الصادرة في لبنان في مادة التحكيم الدولي وذلك:
1- إذا كان المحكم قد أصدر قراره التحكيمي بموجب اتفاقية انقضت مدتها، الأمر الذي يدفع إلى اعتبار أن القرار التحكيمي يقتضي أن يتضمن التاريخ الذي صدر فيه، وذلك بهدف التأكد من أن المهل قد تم احترامها من قبل المحكمين.
2 - إذا أصدر المحكم قراره دون التقيد بحدود المهمة التي عهد بها إليه الفرقاء، فإذا كان هؤلاء قد عهدوا إلى المحكم بمهمة إصدار حكمه ضمن شكليات معينة، أو وفقاً لقانون أصول محاكمات مدنية عائد لبلد ما، فإن امتناع الحكام عن احترام إرادة الفرقاء، يمكن ان يكون سبباً من البطلان أو الاستئناف.
ومن هنا فإن إرادة الفرقاء في النزاع هي التي ترسم حدود مهمة المحكم، في ما يتعلق بالشكل الذي يقتضي أن يتخذه القرار التحكيمي، وهؤلاء الفرقاء أنفسهم هم الذين يقررون ما إذا كان يقتضي أن يكون القرار معللاً أو دون تعليل، وما إذا كان يقتضي أن يتضمن تاريخاً ولا التحكيمي يتضمن، وما وإذا كان يقتضي ذكر الوقائع أم لا .
في إطار القانون الدولي الخاص، وخاصة تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ذاته وتحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، فضلا عن تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة محل اتفاق التحكيم إضافة إلى أن طرق ووسائل الطعن على حكم التحكيم الداخلي تختلف في بعض الأنظمة عن حكم التحكيم الدولي، فهناك أوجه للطعن يقتصر حكم التحكيم الداخلي على الخضوع لها دون التحكيم الدولي.
ولذلك فإننا في هذا الفصل سوف نتناول ضمن مبحثين مستقلين تحديد ما هو المقصود بالقرار التحكيمي، ومن ثم تحديد ما هو المقصود بالقرار التحكيمي التجاري الدولي، وأخيراً تحديد أنواع القرارات التحكيمية القابلة للطعن بالبطلان
الملاحظ أن قانون التحكيم اللبناني لسنة 1993 لم يختلف عن قانون التحكيم الفرنسي في شيء فيما يتعلق بالحكم التحكيمي، سيما وان الصفة القضائية التي يتسم بها القرار التحكيمي تبرز بشكل واضح في هذا القانون، فالقرار التحكيمي يجب أن يصدر بنتيجة مداولة، وأن يكون معللاً، وأن يصدر بالأكثرية، وله قوة القضية المقضية بمجرد إصداره، وبالإمكان الطعن به أمام المراجع القضائية.
على الرغم من أهمية التفرقة بين التحكيم الوطني والتحكيم الدولي نظراً للنتائج الخطيرة التي أشرنا إليها، فإن الوقوف على دولية التحكيم من المسائل الشائكة والتي أثارت جدلا في الفقه ترددت أصدائه، كما سوف نرى في جنبات القضاء وأحكام التحكيم، بل وحرصت المعاهدات الدولية والتشريعات الوطنية على الإدلاء بدلوها من أجل وضع حد للجدل المثار بشأنها.
ولعل من الأسباب الأساسية الكامنة وراء صعوبة تحديد دولية التحكيم تعدد وتداخل بعض المصطلحات المستخدمة في إطار التحكيم، هذا من هو جهة، وأيضاً تعدد المعايير التي يمكن استخدامها لتحديد دولية التحكيم. روأيضاً الخلط بين مفهوم دولية التحكيم وأجنبية حكم التحكيم.
ذلك أن التحكيم الأجنبي هو مسألة استرعت انتباه الحقوقيين، وفيها يتم توقيع عقد تحكيمي ثم تكون هناك دعوى تحكيمية، فيصدر قرار تحكيمي وفقا لقانون وطني، وإذا طلب من السلطات في بلد آخر التعاون في هذا التحكيم باستبعاد صلاحية محاكمها للنظر في النزاع المنصوص عليه في الاتفاقية التحكيمية، إن بتعيين محكم أو بالأمر باستحضار الشهود أو تقديم مستندات، أو بإعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الذي صدر أو بإبطال أو تعديل هذا القرار التحكيمي، إذ ذاك تطرح في هذا الصدد عدة أسئلة على الحقوقيين بدءا بمعرفة المعيار الذي يجب اعتماده لمعرفة ما إذا ركان التحكيم أجنبياً.
ويمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار وقائع مختلفة جنسية الفرقاء أو المحكمين مكان التحكيم إحالة النزاع من الفرقاء إلى قانون أجنبي، صلاحية أو عدم صلاحية المحاكم للنظر في النزاعات المحالة إلى المحكمين.
وإذا كان الأمر يتعلق أكثر ما يتعلق بتعليل القرارات التحكيمية، فإن محكمة التمييز الفرنسية قد سبق أن ذهبت إلى ما يلي:
إذا كان الأمر يتعلق بتحكيم دولي يرعى إجراءاته التحكيمية قانون أجنبي، فإن محكمة الاستئناف قد قررت أن الافتقار إلى التعليل، ليس بحد ذاته مخالفا للنظام العام بالمفهوم المعتمد في قانون التحكيم الدولي الفرنسي. طالما أن إغفال التعليل في القرار التحكيمي، لا يخفي حلا في الأساس غير متوافق مع النظام العام، أو نيلا من في حقوق الدفاع» .
إن هذا الاجتهاد قد اعتمد إذن أن تكون القرارات التحكيمية في التحكيم الدولي غير واجبة التعليل وقانون التحكيم الدولي اللبناني لسنة 1983 سار على هذا الدرب، إلا إذا كان الفرقاء قد عمدوا بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى اعتماد أن يكون القرار التحكيمي معللاً هكذا تكون الحال عندما يشار إلى تطبيق أصول المحاكمات اللبنانية التي تفرض هذا التعليل. ويمكن الملاحظة أن الامتناع عن التعليل هو في طريق الزوال في مادة التحكيم الدولي، ففي إنكلترا نفسها، وبسبب المصاعب التي يلاقيها تنفيذ القرارات التحكيمية غير المعللة في المجال الدولي، فإن قانون 1979 التحكيمي الإنكليزي قد خطا خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، إذ نص بأن الفرقاء أو المحكمة العليا يمكنهم أن يطلبوا من المحكمين أن يعللوا قراراتهم التحكيمية، بحسب ما نصت المادة 1 فقرتها الخامسة في قانون التحكيم الإنكليزي الصادر عام 1979.
أما فيما يتعلق بسرية المداولات أو بمبدأ الأغلبية فإن قانون التحكيم لسنة 1983 يربط القواعد التي يجب أن تتقيد بها القرارات التحكيمية بإرادة الفرقاء، سواء عبر عنها الفرقاء بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وفي الحالة التي لا يعبرون فيها عن إرادتهم، فإن للمحكمين أن يضعوا بحرية أصولاً للمحاكمة، على أن يكونوا ملزمين في مطلق الأحوال، بالتقيد بالنظام العام الدولي.
ولذا كان لا بد من تحديد صفة الحكم بادئ ذي بدء من حيث كونه وطنياً أو أجنبيا، ويرى البعض أن القضاء الكويتي قد كفانا مؤونة الخلاف الفقهي في هذا الشأن، فقرر بأن ضابط التفرقة بين أحكام المحكمين الوطنية وأحكام المحكمين الأجنبية هو بالبلد الذي صدر فيه المحكم دون غيره، وعلى ذلك فأحكام المحكمين تكون وطنية إذا صدرت في الكويت وتلحق بالأحكام الأجنبية إذا صدرت في بلد أجنبي بغض النظر عن القانون التي خضعت له إجراءات التحكيم أو تقدير المحكمين أو إرادة الخصوم وبناء على ذلك فإن الحكم التحكيمي الأجنبي إذا كان صادراً في بلد أجنبي عضو في اتفاقية نيويورك فإن المحاكم الوطنية الكويتية تطبق قواعد هذه الاتفاقية عليه. وإلا فإنها تطبق عليه الإجراءات الواردة في المادتين 199 و 200 من قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي
وإذا كانت بعض الأحكام القانونية قد توقفت أمام معيار أجنبية التحكيم، وإلا أن معيار دولية التحكيم، والذي يعنينا أساساً في هذه الدراسة. قد أخذ الحيز الأشمل على صعيد مختلف الأنظمة القانونية، وعليه بنيت دراسات التحكيم التجاري الدولي وانطلاقاً من ذلك فرق المشرع اللبناني بين التحكيم الداخلي المرتبط بالتجارة الداخلية اللبنانية والتحكيم الدولي المرتبط بالتجارة الخارجية بقوله في المادة 813 فقرتها الأولى من قانون أصول المحاكمات المدنية على أنه يعتبر دولياً» التحكيم الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية فأعطى للمكان الذي يحصل فيه التحكيم أهميته، كونه يخضع لقانون المكان الذي يجري فيه، وبالتالي فإن التحكيم الحاصل في الخارج والمتعلق بمصالح خارجية، أو بالتجارة الدولية، ليس مثيلاً للتحكيم الحاصل في الداخل والمتعلق بالتجارة الداخلية، وهذا التمييز يعود للاجتهاد الفرنسي الفضل في إيجاد ولفت النظر إليه، كل ذلك من أجل أن يحلل في التحكيم الدولي، ما كان المشترع قد حرمه في التحكيم الداخلي، بعد أن أصبح طريق التحكيم الدولي آمناً وآخذا بالاتساع، بينما لبث طريق التحكيم الداخلي مثقلاً بالعوائق بعض الأحيان، وأدى التفريق بين التحكيم الدولي والتحكيم علماً أن النظام القانوني المطبق على التحكيم الأجنبي قد أثار نقاشات عدة، وهو يبقى في بلدان عديدة غير دقيق في غياب حلول واضحة من المشرع، وفي غياب الاجتهاد، ونظراً لانقسام الفقه، وقد انصبت الجهود لتوضيح هذا الوضع بواسطة اتفاقيات دولية.
الفقه المصري أنه إذا تم التحكيم في الخارج في منازعة تتصل ویری بمصالح التجارة الدولية وطبق عليه قانون غير القانون المصري اعتبر تحكيماً دولياً أجنبياً، وبالتالي فإن النظر في مدى صحة حكم التحكيم لا تخضع لذات القواعد التي يخضع لها التحكيم الداخلي وإنما تسري عليه الاتفاقيات الدولية التي يخضع حكم التحكيم لنطاق تطبيقها، ولا سيما معاهدة نيويورك. فلقد حددت المادة الأولى من اتفاقية نيويورك نطاق إعمال أحكامها على أنه: تطبق الاتفاقية الحالية للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الصادرة في إقليم دولة غير تلك التي إليها الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين على إقليمها وتكون ناشئة عن منازعات أشخاص طبيعية أو معنوية، كما تطبق أيضاً على أحكام المحكمين التي لا تعتبر وطنية في الدولة المطلوب إليها الاعتراف أو . تنفيذ هذه الأحكام». ويضيف هذا الفقه بأن اعتبار حكم التحكيم في الفرض الماثل حكماً أجنبياً، وفقاً لمفهوم معاهدة نيويورك، يفيد أن تقتصر سلطة القاضي المصري على بحث الأسباب التي تدعو إلى رفض الأمر بتنفيذه أو إلغاء الأمر الصادر من قبل بتنفيذه ولكنه ليس للقاضي المصري أية سلطة لبحث هذا الحكم من حيث صحته وبطلانه، إذ أن معاهدة نيويورك نصت على الاختصاص بنظر هذه المسالة لمحاكم الدولة التي جرى فيها التحكيم أو لمحاكم الدولة التي طبق قانونها على إجراء التحكيم على نحو قاصر عليهما.
وفي دولة الكويت، فإنه عندما يطلب تنفيذ حكم تحكيمي، فإن أول ما يثور هو بيان صفة الحكم الأجنبية أو المحلية، لأنه يتوقف على بيان ذلك اختلاف القانون والإجراءات التي تطبق في مجال تنفيذ ذلك الحكم، كذلك فإن القانون الفيدرالي السويسري الصادر في 18 أيلول 1987 يتضمن في الفصل 12 منه المكرس للتحكيم الدولي مجموعة من القواعد الخاصة بهذا النوع من التحكيم إذا تم إجراءه في سويسرا. فوفقاً للمادة 176 من هذا القانون والتي تعرف التحكيم بشكل غير مباشر، تطبق هذه القواعد فقط إذا كان أحد طرفي التحكيم على الأقل وقت إبرام اتفاق التحكيم، ليس له موطن ولا محل إقامة في سويسرا .
وبالعودة إلى قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد، يتبين من المادة 1492 منه أن دولية التحكيم ترتبط بموضوع المنازعة وعلى وجه الدقة بالعملية الاقتصادية أساس المنازعة ولا يوجد أدنى تأثير، لأي عنصر من العناصر القانونية أياً ما كانت طبيعته على تكييف التحكيم بأنه تحكيم دولي. فعلى سبيل المثال لا تؤدي أجنبية جنسية الخصوم أو المحكمين أو محل إقامتهم أو مكان إبرام العقد أو المكان الذي تتم فيه إجراءات التحكيم إلى التأثير على الطابع الدولي للتحكيم من عدمه، فكل هذه العناصر القانونية تم استبعادها، ويقتصر تكييف إضفاء الطابع الدولي على التحكيم بالإشارة إلى معيار اقتصادي فقط. فدولية التحكيم يقصد بها تلك الدولية الناشئة عن منازعة تتصل باقتصاد أكثر من دولة.
أما في القانون المصري، فإنه إذا جرى التحكيم في مصر، في منازعة تتصل بمصالح التجارة الدولية، فإن حكم التحكيم يعد حكماً دولياً وأيضاً يعد كذلك إذا كان التحكيم الدولي يجري في الخارج واتفق أطرافه على إخضاعه لأحكام القانون المصري. ففي هاتين الحالتين يخضع حكم التحكيم الدولي، مع عدم الإخلال بالمعاهدات التي تكون مصر طرفاً فيها لأحكام القانون المصري بشأن تحديد صحة حكم التحكيم ولقواعد البطلان المنصوص عليها في هذا القانون وهذا هو المستفاد من نص المادة الأولى، ونص المادة 52 من قانون التحكيم المصري.
إذ تنص المادة الأولى على أنه مع عدم الإخلال بأحكام الاتفاقيات الداخلي ومرونة التحكيم الدولي إلى تمكين الدول التي تتبنى قوانينها هذه المرونة من استضافة التحكيم الدولي في إطار يضمن له السلامة ويترك له الحريات ولا يعرض حكم التحكيم الذي يصدر للمخاطر عند التنفيذ، وقد أخذ المشرعون في العالم يتنافسون فيما بينهم بهدف تسهيل مجيء التحكيم الدولي إليهم، ويكفي إلقاء نظرة على التشريعات العربية فنجد أن المشرع في مصر والبحرين وتونس والجزائر قد لحق بقطار التحكيم الدولي وسن قوانين للتحكيم الدولي مستقلة عن قوانين التحكيم الداخلي وهكذا حصل في أوروبا من فرنسا إلى سويسرا إلى بلجيكا إلى هولندا.
وتظهر الدراسة المقارنة أن المشرع في بعض الدول يميل إلى منح نطاقاً خاصاً به ويتم التمييز بين التحكيم الدولي والتحكيم التحكيم الدولي الداخلي من خلال الإشارة إلى وجود عناصر أجنبية تتطرق إلى التحكيم وتدمغه بالطابع الأجنبي وأيضا من خلال التركيز على مجموعة من الشروط تؤكد على أن المنازعة محل التحكيم هي منازعة دولية بطبيعتها. فعلى سبيل القانون الإنكليزي للتحكيم الصادر عام 1979 باتفاق الأطراف على استبعاد العديد من طرق الطعن أمام المحكمة العليا إذا كان هذا الاتفاق مدرجاً في اتفاق تحكيم غير وطني، ويعرف الاتفاق التحكيمي غير الوطني بشكل سلبي، بأنه ذلك الاتفاق الذي لا يبرمه أي شخص طبيعي ينتمي بجنسيته أو بمحل إقامته إلى المملكة المتحدة، ولا شركة تم تشكيلها أو إدارتها في هذه الدولة.
وكذلك فإن قانون التحكيم البلجيكي الصادر في 27 آذار 1985 يستبعد الطعن بالبطلان على جميع أحكام التحكيم الصادرة في بلجيكا إذا لم يكن أحد طرفي التحكيم شخص طبيعي بلجيكي أو مقيم في بلجيكا، أو شركة تم تكوينها في بلجيكا أو يوجد لها فيها مقر للأعمال .
التعرض لصحة حكم التحكيم أو بطلانه.
ولعل هذا الحل يتماشى مع ما صاغته معاهدة نيويورك، والتي تقرر اختصاص كل من محاكم الدولة التي صدر حكم التحكيم على أرضها وأيضا محاكم الدولة التي طبق قانونها على إجراءات التحكيم بنظر دعاوى بطلان حكم التحكيم.
أنواع القرارات التحكيمية القابلة للطعن بالبطلان
أصبح واضحاً أن عملية التحكيم تبدأ باتفاق بين الأطراف المتخاصمة على اللجوء إلى التحكيم في المنازعات التي تنشأ بينهما إذا كان الاتفاق سابقاً على النزاع أو في المنازعات التي تسبق الاتفاق على الإحالة للتحكيم، وفي الحالة الأولى قد يكون الاتفاق بشكل شرط في العقد المبرم بينهما أو اتفاق مستقل، أما في الحالة الثانية فلا يكون الاتفاق إلا مستقلا عن العقد المبرم بين الأطراف المعنية والذي كان السبب في إثارة النزاع بينهما، والنص على اللجوء إلى التحكيم لحل النزاع (كتابة) أمر منطقي ويسهل العملية التحكيمية، إلا أن انتفاء النص صراحة على ذلك لا يعني إمكانية إثبات الاتفاق بقرائن وأدلة يعود إلى الطرف صاحب المصلحة بذلك العودة إليها لإلزام خصمه اعتماد التحكيم وسيلة لحل النزاع.
فإذا ما ثار الخلاف وتوفرت الأهلية القانونية اللازمة في طرفي التحكيم، فإنه يتم تعيين المحكم أو المحكمين بحسب الشروط الاتفاقية في اتفاق التحكيم ومن ثم تشكل ما يسمى بالمحكمة أو الهيئة التحكيمية، ويمارس المحكمين عملية
التحكيم وفق الإجراءات المتفق عليها بين أطراف الخصومة، ومن ثم تصدر المحكمة المذكورة حكماً تحكيمياً، حلا للخصومة موضوع التحكيم.
الدولية المعمول بها في جمهورية مصر العربية تسري أحكام هذا القانون على كل تحكيم بين أطراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع، إذا كان هذا التحكيم يجري في مصر، أو كان تحكيماً تجارياً دولياً يجري في الخارج واتفق أطرفه على إخضاعه لأحكام هذا القانون بينما تنص المادة 52 الواردة في الباب السادس بشأن بطلان أحكام التحكيم على أنه:
. 1 - لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية
2 – يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين.
وإذا كان وصف حكم التحكيم الصادر في مصر في منازعة دولية. بالطابع الدولي، وخضوعه بالتالي لإمكانية الطعن عليه بالبطلان وفقاً للقواعد المنصوص عليها في قانون التحكيم الجديد من الحلول المقررة في بعض الأنظمة القانونية الأخرى، كالقانون الفرنسي والذي يعتد بمكان صدور حكم التحكيم الدولي لإمكانية تقرير الاختصاص للقضاء الفرنسي بنظر الطعن بالبطلان عليه فإن سريان القانون المصري الجديد للتحكيم على حكم التحكيم الدولي والأجنبي في ذات الوقت الذي يصدر في الخارج والذي اتبع في إصداره القانون المصري، وإخضاع هذا الحكم لإمكانية الطعن عليه بالبطلان من شأنه في ذلك شأن حكم التحكيم الدولي الصادر في مصر، حل غير مألوف في الكثير من الأنظمة القانونية المعاصرة ومن بينها القانون الفرنسي. إذ أن المحاكم المختصة بنظر دعاوى البطلان ضد حكم التحكيم الذي يصدر في الخارج هي محاكم الدولة التي جرى التحكيم فيها ولا يكون للقضاء الوطني الفرنسي أو المصري في حالتنا سوى إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي ذو الطابع الدولي أو رفضها إصدار هذا الأمر.