نصت على دعوى بطلان حكم التحكيم، قوانين كل من الإمارات والبحرين والعراق وقطر والكويت ولبنان وليبيا، في حين لم ينص عليها قانونا سوريا والسعودية. وهذه الدعوى خاصة بالتحكيم ولا تطبق إلا عليه، وبالتالي لا يوجد لها مكان في هذين القانونين)، لا في القواعد العامة، ولا في باب القواعد الخاصة بالتحكيم.
وفي هذا الصدد، تقضي المادة (216) من القانون الإماراتي بأنه:
1- يجوز للخصوم طلب بطلان حكم المحكمين عندما تنظر المحكمة في المصادقة عليه وذلك في الأحوال الآتية:
أ- إذا كان قد صدر بغير وثيقة تحكيم أو بناء على وثيقة باطلة أو سقطت بتجاوز الميعاد أو إذا خرج المحكم عن حدود الوثيقة.
ب- إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون أو صدر من بعضهم دون أن يكونوا مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين أو صدر بناءً على وثيقة تحكيم لم يحدد فيها موضوع النزاع أو صدر من شخص ليست له أهلية الاتفاق على التحكيم أو من محكم لا تتوفر فيه الشرائط القانونية.
ج- إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم.
2- ولا يمنع من قبول البطلان تنازل الخصم عن حقه فيه قبل صدور حكم المحكمين".
وتقضي المادة (243) من القانون البحريني بأنه:
يجوز لكل ذي شأن أن يطلب بطلان حكم المحكمين الصادر انتهائياً في الأحوال الآتية:
1- إذا صدر بناءً على اتفاق باطل على التحكيم أو خرج عن حدود اتفاق صحيح.
2- إذا صدر من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون.
3- إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها طلب إعادة النظر في المحاكمة.
4- إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم.
ويرفع طلب البطلان بالأوضاع المعتادة إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع بعد أداء الرسم المقرر.
ولا يمنع من قبول الطلب تنازل الخصم عن حقه قبل صدور حكم المحكمين.
ويترتب على رفع الدعوى ببطلان حكم المحكمين وقف تنفيذه ما لم تقض المحكمة باستمرار هذا التنفيذ".
وتقضي المادة (273) من القانون العراقي بأنه "يجوز للخصوم عندما يطرح قرار المحكمين على المحكمة المختصة أن يتمسكوا ببطلانه وللمحكمة من تلقاء نفسها أن تبطله في الأحوال الآتية:
1- إذا كان قد صدر بغير بينة تحريرية أو بناءً على اتفاق باطل أو إذا كان القرار قد خرج عن حدود الاتفاق.
2- إذا خالف القرار قاعدة من قواعد النظام العام أو الآداب أو قاعدة من قواعد التحكيم المبينة في هذا القانون.
3- إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها إعادة المحاكمة.
4- إذا وقع خطاً جوهري في القرار أو في الإجراءات التي تؤثر في صحة القرار".
والمادة (274) بأنه " يجوز للمحكمة أن تصدق قرار التحكيم أو تبطله كلاً أو بعضاً ويجوز لها في حالة الإبطال كلاً أو بعضاً أن تعيد القضية إلى المحكمين لإصلاح ما شاب قرار التحكيم أو تفصل في النزاع بنفسها إذا كانت القضية صالحة للفصل فيها".
وتقضي المادة (207) من القانون القطري بأنه " يجوز لكل ذي شأن طلب بطلان حكم المحكمين في الأحوال الآتية:
1- إذا كان قد صدر بغير وثيقة تحكيم. أو بناء على وثيقة باطلة أو سقطت بتجاوز الميعاد أو إذا كان الحكم قد خرج عن حدود الوثيقة، أو خالف قاعدة من قواعد النظام العام أو الآداب.
2 - إذا خولفت الفقرات الثالثة أو الرابعة أو الخامسة من المادة (190) أو الفقرة الأولى من المادة (193).
3- إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون، أو صدر من بعضهم دون أن يكونوا مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين.
4- إذا وقع بطلان في الحكم أو في الإجراءات أثر في الحكم" . والمادة (208) بأنه " يرفع طلب البطلان بالأوضاع المعتادة إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع. ولا يمنع من قبول هذا الطلب تنازل الخصم عن حقه فيه قبل صدور حكم المحكمين. ويترتب على رفع الدعوى ببطلان حكم المحكمين وقف تنفيذه، ما لم تقض المحكمة باستمرار التنفيذ".
والمادة (209) بأنه " يجوز للمحكمة التي يرفع إليها طلب بطلان حكم التحكيم أن تؤيد هذا الحكم أو أن تحكم ببطلانه كله أو بعضه. ويجوز لها في حالة الحكم ببطلان حكم التحكيم كله أو بعضه أن تعيد القضية إلى المحكمين لإصلاح ما شاب حكمهم، أو أن تفصل في النزاع بنفسها إذا وجدت أنه صالح للفصل فيه. ويكون الحكم الذي تصدره غير قابل للطعن فيه بالمعارضة. ولكن يجوز استئنافه طبقاً للأوضاع المقررة في القانون".
وتقضي المادة (186) من القانون الكويتي بأنه " يجوز لكل ذي شأن أن يطلب بطلان حكم المحكم الصادر نهائياً وذلك في الأحوال الآتية ولو اتفق قبل صدوره على خلاف ذلك:
أ - إذا صدر بغير اتفاق تحكيم أو بناءً على اتفاق تحكيم باطل أو سقط بتجاوز الميعاد أو إذا كان الحكم قد خرج عن حدود الاتفاق على التحكيم.
ب- إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها التماس إعادة النظر.
ج - إذا وقع بطلان في الحكم أو بطلان في الإجراءات أثر في الحكم".
والمادة (187) بأنه " ترفع دعوى البطلان إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى وذلك خلال ثلاثين يوماً من إعلان الحكم، ويبدأ هذا الميعاد وفقاً لأحكام المادة (149) في الحالات التي يتحقق فيها سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها التماس إعادة النظر وإذا حكمت المحكمة ببطلان حكم المحكمين تعرضت لموضوع النزاع وقضت به".
وتقضي المادة (800) من القانون اللبناني بأنه " إذا كان الخصوم قد عدلوا عن الاستئناف أو لم يحتفظوا صراحة بحق الاستئناف كما هو مبين في المادة السابقة، يبقى ممكناً لهم الطعن في القرار الصادر عن المحكمين بطريق الإبطال بالرغم من أي اتفاق مخالف.
لا يكون الطعن بطريق الإبطال جائزاً إلا في الحالات الآتية:
1- صدور القرار بدون اتفاق تحكيمي أو بناءً على اتفاق تحكيمي باطل أو ساقط بانقضاء المهلة.
2- صدور القرار عن محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون.
3- خروج القرار عن حدود المهمة المعينة للمحكم أو المحكمين.
4- صدور القرار بدون مراعاة حق الدفاع للخصوم.
5- عدم اشتمال القرار على جميع بياناته الإلزامية المتعلقة بمطالب الخصوم والأسباب والوسائل المؤيدة لها، وأسماء المحكمين وأسباب القرار ومنطوقه وتاريخه وتوقيع المحكمين عليه. مخالفة القرار لقاعدة تتعلق بالنظام العام".
والمادة (801) بأنه إذا أبطلت المحكمة المقدم إليها الطعن بطريق الإبطال القرار التحكيمي فإنها تنظر في الموضوع في حدود المهمة المعينة للمحكم، ما لم يتفق الخصوم على خلاف ذلك".
والمادة (802) بأنه "الاستئناف والطعن بطريق الإبطال يقدمان إلى محكمة الاستئناف الصادر في نطاقها القرار التحكيمي".
والمادة (804) بأنه القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في الأحوال المبينة في الفقرة الأولى يقبل الطعن بطريق الاعتراض والتمييز طبقاً للقواعد العامة".
وتقضي المادة (769) من القانون الليبي بأنه يجوز طلب بطلان حكم المحكمين الصادر نهائياً ولو اشترط الخصوم خلاف ذلك، في الأحوال الآتية :
1- إذا كان قد صدر بغير مشارطة تحكيم أو بناء على طلب مشارطة باطلة أو سقطت بتجاوز الميعاد .
2- إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقاً للقانون أو صدر من بعضهم دون أن يكون مأذوناً في الحكم في غيبة الآخرين.
3- إذا صدر من قاصر أو محجور عليه أو محروم من حقوقه المدنية أو كان الخصوم أو أحدهم ممن لا يجوز له التصرف أو كان النزاع خاصاً بالأحوال التي لا يجوز فيها التحكيم أو المسائل التي لا يجوز فيها الصلح.
4- إذا صدر حكم المحكمين خارج نطاق الموضوع المحدد في مشارطة التحكيم أو خرج عن حدود المشارطة أو تضمن تناقضاً صريحاً.
5- إذا لم يشتمل الحكم على البيانات المطلوبة في تحريره حسب أحكام المادة 760.
6- إذا صدر بعد الموعد المحدد ما لم يكن صاحب الشأن قد رضي وسكت عن إعلان الطرف الآخر إلى حين صدور الحكم.
7- إذا لم يراع المحكمون قواعد المرافعات التي التزموا مراعاتها والتي ينص القانون على أن مخالفتها توجب البطلان".
والمادة (770) بأنه " يرفع طلب البطلان بالأوضاع المعتادة إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع وذلك خلال ثلاثين يوماً من تبليغ الحكم. ولا يقبل الطعن إذا انقضى عام على صدور الأمر بتنفيذه. ولا يمنع من قبول هذا الطلب تنازل الخصم عن حقه فيه قبل صدور حكم المحكمين".
والمادة (771) بأنه " إذا قبل الطعن قررت المحكمة المختصة بحكم تصدره بطلان الحكم وإجراءات التحكيم ولها أن تحكم في موضوع النزاع إذا وجدت أن القضية صالحة للحكم. فإذا رأت أن موضوع النزاع لا زال في حاجة إلى التحقيق أحالته بأمر تصدره إلى أحد قضاتها ، وإذا كان موضوع النزاع مرتبطاً بنزاع آخر منظور أمام جهة قضائية أخرى أمرت بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه".
وباستعراض هذه النصوص والتطبيقات القضائية بشأنها ، يمكن القول بأن حالات البطلان، متشابهة في القوانين محل البحث بالنسبة لكثير من حالات البطلان، وإن اختلفت الصياغة في ذلك. إلا أن بعض القوانين انفردت بإضافة حالة أخرى لها وهي توفر أحد أسباب إعادة المحاكمة في الحكم التحكيمي. أي أن أسباب إعادة المحاكمة في هذه القوانين، هي أيضاً من أسباب إبطال حكم التحكيم، وهذا بخلاف قوانين أخرى التي أخذت بهذه الأسباب لإعادة المحاكمة قضائياً في موضوع النزاع، وليس لإبطال الحكم.
فإذا نجحت دعوى إعادة المحاكمة، فإنه يترتب على ذلك نقض حكــ التحكيم، وحلول الحكم القضائي محله حكماً .
والبحث في بطلان حكم التحكيم، لا يشمل قانوني سوريا والسعودية، اللذين لا يعرفان هذه الدعوى كما تقدم. وفيما يتعلق بالبحرين والعراق، نستبعد أسباب إعادة المحاكمة من نطاق هذه الدراسة، والتي تخضع من كافة جوانبها للقواعد العامة ولا جديد فيها.
وقبل التطرق لحالات البطلان، تجدر الإشارة إلى العديد من الأمور الأولية المتعلقة ببطلان الحكم.
حالات البطلان محددة حصراً
يمكن القول أن حالات إبطال حكم التحكيم في القانون محددة حصراً، فلا يجوز إضافة حالة إليها لا بالقياس ولا بغيره، وهـو مـا ذهبت إليه العديد من الأحكام القضائية .وصياغة القانون اللبناني كانت أكثر وضوحاً من غيره من القوانين حول ذلك، حيث استهلت المادة (800) النص بقولها ، أنه لا يكون الطعن بطريق الإبطال جائزاً، إلا في الحالات التالية ثم قامت بتعداد هذه الحالات، مما يعني أنها محددة حصراً . ومع ذلك، يمكن للمحكمة، تحت باب تفسير النصوص القانونية، التوسع في تفسير النص، بحيث تستوعب حالات بطلان أخرى لا يستوعبها التفسير الحرفي. وعلى العكس من ذلك، يمكن التضييق في التفسير وقصره حرفياً على الحالات كما وردت دون أي محاولة لاستيعاب أي وضع، مهما كان منطقياً ومعقولاً حسب الظروف .
وفي جميع الأحوال التي يجوز فيها استئناف الحكم، يمكن الطعن بالاستئناف استناداً لأي سبب لا يكون مقبولاً كسبب للبطلان، باعتبار أن محكمة الاستئناف تبسط يدها على القضية كاملة بما فيها من وقائع وبينات. ومثال ذلك عدم صواب تعليل حكم التحكيم أو خطئه في التعليل.
البطلان والإستئناف
يمكن أن تشكل حالات بطلان حكم التحكيم، أسباباً للطعن بالحكم استئنافاً في القانون السوري الذي لا يعرف، كما تقدم الطعن بالبطلان، وكذلك في القوانين الأخرى التي أجازت كلا الطعنين: الاستئناف والبطلان. كما أنها قد تشكل سبباً للاعتراض على الحكم في القانون السعودي. ويبدو أنه يجوز الطعن بالبطلان حتى لو كان الحكم قابلا للاستئناف ولم يستنفذ هذا الطريق بعد ، بالنسبة لقوانين الدول التي تعرف هذين الطريقين للطعن في الحكم. بل يمكن أن يكون هناك دعويان معاً : أحدهما الطعن بالاستئناف والثانية الطعن بالبطلان. وقد يكون المدعي في كل من الدعويين مختلفاً عن الآخر. فالمحكوم له جزئياً (أ) في حكم التحكيم، قد يطعـن بـه عن طريق الاستئناف. أما المحكوم عليه جزئياً (ب)، قـد يطعن بـه عن طريق البطلان. ويمكن أن يكون المدعي واحداً في كلا الدعويين. وقد يلجأ لاحدهما، حتى إذا خسرها يلجأ للأخرى، ما دامت شروطها لا زالت متوفرة وخاصة من حيث مدة الطعن ويطبق ذلك بوجه خاص على دعوى البطلان في الأحوال التي لم يحدد القانون مدة لرفعها تحت طائلة الرد شكلاً ، ولكن يصعب، إن لم يكن يستحيل تطبيقها على دعوى الاستئناف، حيث أن مدة الطعن بالإستئناف في القوانين العربية هي دوماً محددة، وغالباً لا تتجاوز ثلاثين يوماً من تبليغ الحكم.
وأبعد من ذلك، قد يكون هناك، ولو نظرياً، دعويان في الاستئناف، وأخريان في البطلان. ففي مثالنا السابق، قد يرفع كل من (أ) و (ب) دعوى استئناف بالنسبة للشق الذي خسره، ويرفع كل منهما في الوقت ذاته دعوى بطلان جزئي للحكم، لأسباب غير واردة في الاستئناف. وفي الأحوال التي يكون هناك أكثر من دعوى من هذا القبيل يمكن ضمها لبعض أو وقف بعض منها إلى حين البت في البعض الأخر، حسب ما تقضي به القواعد العامة، ووفقاً للأحكام والشروط الواردة بها. وعلى الأرجح أن المحكوم عليه سيلجأ لدعوى واحدة هي الاستئناف إذا كان الحكم قابلاً للاستئناف، لأن محكمة الاستئناف، هي محكمة قانون وموضوع في آن واحد كما تقدم. وبالتالي، يمكن للمستأنف أن يبسط أمامها كل أسباب استئنافه، بما في ذلك أسباب بطلان الحكم. ولكن إذا كان حكم التحكيم غير قابل للاستئناف لأي سبب، مثل تنازل الطرفين مسبقاً عن الاستئناف، أو مضت مدة الطعن دون استئناف، فلا يبقى للمحكوم عليه سوى اللجوء لدعوى البطلان .