الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / الطعن في احكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية العدد 1 / مدى توافق مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم مع المبادئ الدستورية في البحرين

  • الاسم

    مجلة جامعة الشارقة للعلوم القانونية العدد 1
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    817

التفاصيل طباعة نسخ

مدى توافق مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم مع المبادئ الدستورية في البحرين

ملخص البحث:

تعتمد الدول اليوم على التحكيم كوسيلة من وسائل فض منازعات التجارة الدولية، وقد واكب تبني التحكيم نهضة تشريعية في العديد من دول العالم أدت إلى ظهور تشريعات وطنية تعنى خصيصا بتنظيم التحكيم التجاري، ومنها المشرع البحريني؛ إذ أصدر قانون رقم 9 لسنة 2015 لتنظيم التحكيم التجاري. إضافة إلى ظهور العديد من مراكز التحكيم المؤسسي، ومنها مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون. ومن المعروف أن أحكام التحكيم تكون نهائية وتتمتع بخصائص الأحكام القضائية، وتحوز قوة الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ وفقا لما ينص عليه القانون، إلا أن ذلك لا يعنيانها تنأى عن الخضوع الرقابة القضاء

ولأن المبدأ في التحكيم يقضي بحصر حالات الطعن بالبطلان، فقد كان هذا سببا للطعن بعدم دستورية هذا المبدأ، ومدى توافق هذا المبدأ مع المبادئ الدستورية المعروفة كالحق بالتقاضي والحق بالمساواة. إن هذا الأمر قد تم تناوله من قبل المحكمة الدستورية في مملكة البحرين في حكمها الصادر بالدعوى رقم (د/ 1/ 2016) . وسنحاول في هذا البحث مناقشة مفهوم هذا المبدأ التحكيمي وكيفية تنظيمه في التشريع البحريني والمقارن، ومدی توافقه مع المبادئ الدستورية، وهل نجحت المحكمة الدستورية البحرينية في معالجة هذا الأمر وذلك في ضوء حكم المحكمة الدستورية

الكلمات الدالة: التحكيم، الطعن بحكم التحكيم، المحكمة الدستورية البحرينية، المساواة، الحق بالتقاضي، نزاعات التجارة الدولية.

 المقدمة:

إن نجاح التحكيم كوسيلة لفض منازعات التجارة الدولية واكبه نهضة تشريعية في العديد من دول العالم أدت إلى ظهور تشريعات وطنية تعنى خصيصا بتنظيم التحكيم التجاري ومنها المشرع البحريني بموجب مرسوم بقانون رقم 9 لسنة 2015 بإصدار قانون التحكيم وسبقه في ذلك المشرع الفرنسي حيث أعاد تنظیم قانون التحكيم في 13 يناير20112. إضافة إلى بروز دور العديد من مراكز التحكيم المؤسسي ومنها مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون.

على الرغم من أن أحكام التحكيم تتمتع بخصائص الأحكام القضائية، وتحوز قوة الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ وفقا لما ينص عليه القانون، إلا أنها لا تنأى عن الخضوع الرقابة القضاء.

إذ لا شك في أن رغبة أطراف التحكيم في أن يكون الحكم نهائيا تصحبها أيضا رغبتهم في وجود رقابة قضائية على قانونية سير إجراءات التحكيم حتى صدور الحكم وتنفيذه؛ وذلك بهدف التيقن من التزام المحكم بوظيفته المعهودة إليه واحترامه للقواعد القانونية المرتبطة باتفاق التحكيم وإجراءاته. لذلك، نظمت التشريعات الوطنية ومنها المشرع البحريني ومؤسسات التحكيم الدولية في لوائحها الداخلية الطعن بالبطلان كوسيلة وحيدة للطعن على حكم التحكيم.

ولأن المبدأ في التحكيم يقضي بأن الطعن بالبطلان هو الطريق الوحيد لمراجعة حكم التحكيم، فقد كان هذا سببا للطعن بعدم دستورية هذا المبدأ، والذي نصت عليه المادة 36 من لائحة إجراءات مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون والذي انضمت له مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2000، وتم نشره في الجريدة الرسمية.

وتناولت المحكمة الدستورية في مملكة البحرين مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية في حكمها الصادر بالدعوى رقم (د/ 1/ 2016). 

مشكلة البحث:

إن المشكلة الأساسية للبحث تقوم على مدى توافق مبدأ حصر حالات الطعن بحكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية مع مبدأي المساواة والحق بالتقاضي الذي تنص عليه الدساتير، فهذا المبدأ قد يخل بمبدأ المساواة كونه لا يساوي بين جميع المناقضين إذ يمنح المتاقضين أمام القضاء العادي إمكانية الطعن في حين يحرم من يلجأ للتحكيم من هذا الحق إلا في بعض الحالات، وفي ذات الوقت قد يتعارض هذا المبدأ مع الحق في التقاضي؛ لذا سيركز البحث على تحديد مفهوم هذا المبدأ، وكيف نظمته فرنسا مقارنة بالبحرين، ومن ثم دراسة مدى توافقة مع المبادئ الدستورية، وهل يعد النص عليه في قوانين التحكيم إخلال بالمبادئ الدستورية المعروفة أم أنه يتوافق معها! ! وكل ذلك سيكون في ضوء حكم المحكمة الدستورية البحرينية.

 منهجية البحث:

اعتمد البحث على المنهج الوصفي الاستنباطي القائم على وصف الحالة موضوع الدراسة وبيان خصائصها وتطبيقاتها، ومن ثم الاعتماد على المنهج الاستنباطي التحليلي القائم على تحليل النصوص القانونية والأحكام القضائية لأحكام المحكمة الدستورية وتطبيقها على القضية موضوع البحث لتحديد موقف المحكمة الدستورية من جهة، مع الأخذ بالمنهج المقارن في مجال تحديد مفهوم المبدأ وكيفية تنظيمه من قبل المشرع، من خلال المقارنة بين أحكام المشرع البحريني ونظيره الفرنسي

لذلك نرى أنه من المهم البحث حول هذا المبدأ التحكيمي الذي أكد عليه حكم المحكمة الدستورية سالف الذكر؛ حيث سنخصص المبحث الأول لتناول هذا المبدأ، وبيان الحالات التي يجوز فيها الطعن بالبطلان الواردة على سبيل الحصر وأسبابها وموقف المشرع البحريني منها بالمقارنة مع المشرع الفرنسي ومن ثم في المبحث الثاني سنتناول الجانب الدستوري حيث سنخصص المطلب الأول لأسلوب تحريك هذه الدعوى والأسانيد التي استند إليها الطاعن بعدم دستورية هذا المبدأ (نص المادة 36 من اللائحة) في حين سنخصص المطلب الثاني لمناقشة موقف المحكمة من الأسانيد التي استند إليها الطاعن. ويسبق كل ذلك مبحث تمهيدي لبيان مفهوم المبدأ وموقف الاتفاقيات الدولية والتشريع منه.

المبحث الأول: موقف الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية من مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان واسبابه:

 يعني مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية أن حكم التحكيم يعتبر نهائيا من حيث الموضوع، حيث لا يجوز طلب بطلانه أمام المحاكم الوطنية إلا لأوجه طعن شكلية حصرية - سنناقشها تفصيلا في المبحث الثاني من هذا البحث ومن ثم فإن دعوى بطلان حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية لا تعتبر طريقا لإعادة نظر النزاع مرة أخرى كما هو الحال بالنسبة إلى استئناف الأحكام القضائية والتي يحميها مبدأ التقاضي على درجتين؛ إذ إن الطعن بالبطلان (بالإلغاء كما سماه المشرع البحريني) هو الوسيلة الوحيدة التي سمحت بها غالبية قوانين التحكيم والاتفاقيات الدولية لإصلاح أخطاء حكم التحكيم.

وسنبين في هذا المبحث موقف الاتفاقيات الدولية والتشريعات من المبدأ وذلك في المطلب الأول، ومن ثم سنتناول أسباب الطعن في المطلب الثاني

المطلب الأول: موقف الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية من المبدأ :

تتباين وتتشابه مواقف الاتفاقيات الدولية والتشريعات الوطنية من مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطني، ونعرض بإيجاز لهذا التباين والتشابه

 الفرع الأول: موقف الاتفاقيات من المبدأ:

أوردت قواعد اليونسترال (UNCITRAL)(2) الصادر عام 1976 تنظيما متكاملا المعالجة المشكلات الناشئة عن عدم مناسبة التنظيمات الوطنية لما تقتضيه متطلبات التحكيم التجاري الدولي من سرعة وفعالية ويسر، واستكمالا لهذه المسيرة أعدت لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للأمم المتحدة عام 1985 القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، والمعدل في (2)2006 بهدف مراعاة الدول عند إعداد قوانينها المتعلقة بالتحكيم أو تعديلها القوانينها مسايرة ما تستقر عليه أحكام القانون التجاري الدولي. وقد أكد هذا القانون على الفعالية الدولية لأحكام التحكيم كأصل عام، ونظم طريق الطعن على أحكام التحكيم حيث نصت المادة 34 على كيفية الطعن وأسبابه، فأجازت إمكانية الطعن بالبطلان أمام محاكم الدولة التي صدر حكم التحكيم على إقليمها أو الدول التي تم تطبيق قانونها بناء على طلب أحد الأطراف شريطة تقديم الدليل أو أن تقوم به المحكمة المختصة من تلقاء نفسها.

يعتبر الطعن بالبطلان طريق الطعن الأوحد الذي سمح به قانون التحكيم التجاري الدولي النموذجي، والذي تبنته قوانين التحكيم الوطنية، ومنها القانون البحريني الذي تبناه حرفيا۔ لإصلاح أخطاء حكم التحكيم، وبموجبه يمكن تقسيم أسباب الطعن بالبطلان إلى نوعين: أولها أسباب البطلان التي يتعين إقامة الدليل عليها وأخرى تأخذ بها المحكمة المختصة من تلقاء نفسها، وهذه الأسباب تكاد تكون مطابقة مع الأسباب التي تضمنتها مدى توافق مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم مع المبادئ الدستورية في البحرين (817-862 ) المادة (5) من اتفاقية نيويورك 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية حيث إن القواعد التي تقرها بعض الاتفاقيات الدولية التي تحوز قبول عاما من قبل الدول في الانضمام إليها مثل نيويورك 1958 (116 دولة) تحظى بقبول دولي فيما يتعلق بنصوصها وخاصة تلك المتعلقة بتحديد أسباب بطلان حكم التحكيم على النحو السالف، والتي يتعين بناء عليه أن تكون أحكام البطلان الصادرة بشأن أحكام التحكيم نافذة ومرتبة الآثارها على الساحة الدولية، طالما استندت إلى أحد هذه الأسباب.

ويمكن أن نستخلص أن جميع الاتفاقيات الدولية المعنية بالتحكيم تعترف بإمكانية الطعن على حكم التحكيم بالبطلان أمام قضاء دولة مقر التحكيم، أو أمام محاكم الدولة التي صدر الحكم بموجب قانونها. ولكن الاتفاقيات الدولية لم تتعرض إلى طرق الطعن بالبطلان وإجراءاته، وإنما تركت ذلك إلى التشريعات الوطنية للدول. كما ويترتب على صدور حکم ببطلان حكم التحكيم من قضاء إحدى الدولتين ذات الاختصاص رفض الاعتراف ورفض تنفيذ حكم التحكيم في الدول الأخرى.

وجدير بالذكر، أن الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية نيويورك لسنة 1958 اعتمدت أسس ومعايير لتنفيذ أو عدم تنفيذ الحكم، بمعنى أنها تلزم الدول الأطراف فيها بتنفيذ أحكام التحكيم وهذا هو الأصل إلا إذا كان هناك من الأسباب ما يعد حائلا للتنفيذ، وهي ذاتها أسباب الطعن بالبطلان التي يمكن إدراجها في أربع أسباب:

1. بطلان اتفاق التحكيم.

 2. مخالفة تشكيل هيئة التحكيم او إجراءات نظر التحكيم لما اتفق عليه الأطراف او للقانون.

3. تجاوز هيئة التحكيم حدود اختصاصها او مهمتها.

 4. مخالفة النظام العام.

ولذلك، فإن النص على الأسباب سالفة الذكر يعني اتجاه إرادة الدول الأطراف في الاتفاقية للسعي نحو تحقيق التناسق وتوحيد الحلول من خلال وضع معايير معترف بها دوليا لتكون أسبابا للطعن بالبطلان على أحكام التحكيم). ومما لا شك فيه انه عند ازدیاد عدد الدول الأعضاء في الاتفاقية، فإن ذلك يعني أن القواعد التي تحتويها هذه الاتفاقية تعبر عن توافق عام داخل الجماعة الدولية بشأن المسألة التي تنظمها هذه القاعدة. ويعبر عن انسب الحلول التي يأخذها الأطراف في عين الاعتبار يتوقعونها عند إبرام عقودهم في مجال التجارة الدولية. كما أنتواتر النص في الاتفاقيات الدولية أو الإقليمية المتعاقبة المعنية بمسائل التحكيم على تنظيم الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم او تحديد أسباب رفع دعوى بطلان هذه الأحكام على نحو متقارب وأحيانا متماثل، يقوي ويعضد القيمة القاعدية لهذه القواعد، والتي إذا صادفت كما يرى بعض الفقه رواجا متعاظما في التطبيق، فإنها تتحول إلى قواعد فورية التطبيق نظرا لكونها تترجم ارتباط الدول أطراف الاتفاقيات يقيم عليا ذات سمة عالمية وتستوجب الاحترام الكامل لها من الكافة .

 الفرع الثاني: موقف المشرع من مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان:

تفرض قوانين مختلف الدول نوعا من الرقابة المزدوجة على أحكام التحكيم من خلال وضع إجراءات تنظم كيفية الطعن بالبطلان على هذه الأحكام، هذا من ناحية، كما نلاحظ أن جميع الدول تضع تنظيمات، تتعلق بإجراءات الحصول على أمر لتنفيذ أحكام التحكيم.

وتختلف المصطلحات القانونية العربية من دولة لأخرى، ما بين دعوى البطلان او دعوى الإلغاء أو عدم الاعتداد بالحكم. وهذا الاختلاف موجود أيضا في اللغة الفرنسية؛ فالبعض يسميهاDeclaration de nullities، والبعض الآخر يطلق عليها recourse en annulations، والأمر في جميع الأحوال - كما اسلفنا في الهامش 5- يتعلق بنفس الغاية والمضمون: وهو الاعتراض على حكم التحكيم من جانب أحد الأطراف لمنع أي تنفيذ ملزم لحكم التحكيم. وتميز التشريعات الوطنية - إضافة للاتفاقيات الدولية - أحكام التحكيم وتسبغ عليها نوعا من الحصانة، وذلك بعدم جواز الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية المنصوص عليها في قوانين المرافعات المدنية والتجارية.

وهي بهذه المثابة تسمو على أحكام القضاء التي تخضع للمراجعة شكلا وموضوعافي مرحلة الاستئناف، فضلا عن إمكانية الطعن عليها بالنقض وكذلك التماس إعادة النظر ولكن ذلك لا يعني عدم وجود أخطاء في أحكام التحكيم. فأحكام التحكيم لا يمكن أن تكون بمعزل عن القضاء؛ لذلك كان طبيعيا أن يفتح الباب أمام المحكوم ضده لرفع دعوى لا يطلب فيها إعادة نظر موضوع النزاع، وإنما يطلب فقط الحكم ببطلان حكم التحكيم).

ومن الملاحظ إن هناك اتفاقا بين القوانين فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه فكرة الطعن على أحكام التحكيم عن طريق رفع دعوى البطلان، وان كانت هناك بعض الاختلافات التي تتعلق بتكيف البطلان كطريق عادي او غير عادي للطعن وفيما يتعلق بحصر حالاته.

فيما يتعلق بتكييف البطلان كطريق عادي او غير عادي للطعن:

في فرنسا، تعرض المرسوم الصادر 19 مايو 1980 للنقد؛ لكونه ادخل بابا رابعا بعنوان التحكيم بقانون الإجراءات المدنية؛ لأنه أبقى على مبدأ جواز استئناف حكم التحكيم في مجال التحكيم الداخلي، أما الطعن بالبطلان في حكم التحكيم فقد كان طريقا استثنائيا للطعن. وقد تبين عدم ملاءمة الإبقاء على هذا الوضع، إذ يتمتع قاضي الاستئناف بسلطة رقابة كاملة على دعوى التحكيم من ناحيتي الوقائع والقانون. وهكذا يبدو جليا أن الطعن بالاستئناف ليس مناسبا في نطاق التحكيم. فما جدوى اللجوء لقضاء التحكيم سوف يعاد نظرها بالكامل أمام قضاء الدولة! ولذا فقد أصبح شرط التنازل عن إمكانية الطعن بالاستئناف شرطا نمطيا في اتفاقيات التحكيم، بحيث لن يكون أمام الأطراف في هذه الحالة سوى الطعن بالبطلان كطريق للطعن في حكم التحكيم.

وقد عكس التعديل الأخير لقانون التحكيم الفرنسي في 13 يناير 2011، المبدأ السابق؛ حيث أصبح طريق الطعن بالبطلان هو طريق الطعن الوحيد في حكم التحكيم، إلا إذا اتفق الأطراف صراحة على عكس ذلك حيث نصت المادة 1489 على أن حكم التحكيم لا يقبل الاستئناف، مالم يتفق الأطراف على خلاف ذلك، ويمثل هذا التعديل تقدما ملموسا في نطاق التحكيم الداخلي حيث أن الطعن بالبطلان، هو طريق الطعن الأصلي أو الطريق العادي للطعن في حكم التحكيم.

كما نصت المادة 1491 على أنه: يجوز دائما الطعن بالبطلان في حكم التحكيم، مالم يتفق الأطراف على الطعن فيه بالاستئناف، ويبطل كل شرط يخالف ذلك. وبذلك فقد احتفظ القانون الفرنسي بطريق الطعن بالاستئناف كطريق استثنائي يتوقف إعماله على اتفاق  الأطراف إلى جوار الطعن بالبطلان.

ورغم اقتراب القانون الفرنسي في تعديله الأخير من قانون التحكيم البحريني، إلا أن الخلاف بينهما يظل واضحا عند مقارنة النصوص الخاصة بالطعن بالبطلان؛ حيث آن قانون التحكيم البحريني قد جعل من الطعن بالبطلان هو الطريق الوحيد في أحكام المحكمين، وذلك حسب قانون التحكيم البحريني رقم 9 لسنة 2015 الجديد حيث لم تجز المادة (34) منه أي طريقة للطعن سوى طلب الإلغاء ( البطلان) ، وان العيوب التي يجوز التمسك بها في هذه الدعوى يجب أن تكون مبنية على أخطاء في الإجراءات فقط، ولا يجوز رفع دعوى البطلان استنادا الى غير ذلك من العيوب فحكم التحكيم يعد عملا قضائيا حائزا لقوة الأمر المقضي ولا يجوز المساس بحجيته إلا في الأحوال التي نص عليها القانون تحديدا

ولكن بالرجوع للمذكرة الإيضاحية لقانون الاونستيرال نجد استطاعة الطرف صاحب المصلحة أن يقدم استئنافا إلى هيئة تحكيم من الدرجة الثانية إذا كان الطرفان قد اتفقا على هذه الإمكانية، الأمر الذي يفهم منها أن الأصل هو دعوى الإلغاء، إلا إذا اتفق الأطراف على الاستئناف، وهذا ما يجعله مطابقا لمسلك المشرع الفرنسي.

المطلب الثاني: أسباب الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية :

حددت المادة 1492 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد حالات الطعن بالبطلان حيث نصت على أنه لا يجوز اللجوء إلى الطعن بالبطلان إلا في الأحوال التالية :

1. إذا قررت محكمة التحكيم اختصاصها او عدم اختصاصها عن طريق الخطأ. 

2. إذا كان تشكيل محكمة التحكيم غير قانوني.

 3. إذا نظرت محكمة التحكيم منازعة بالمخالفة لمهمتها الموكلة اليها.

 4. إذا لم يتم احترام مبدأ المواجهة

 5. مخالفة الحكم للنظام العام.

 6. إذا لم يتم تسبيب الحكم أو لم يذكر تاريخ صدوره أو لم يذكر من هو المحكم أو المحكمين الذين أصدروه أو لم يتضمن الحكم توقيع المحكم او المحكمين او لم يصدر بغالبية الأصوات.

 والجدير بالذكر أن القضاء الفرنسي أكد على أن هذه الحالات ليس من واجب القاضي البحث عنها وإثارتها من تلقاء نفسه، إنما على الطرف صاحب المصلحة عند الطعن على حكم التحكيم واجب إثارتها.

وإما المشرع البحريني قد أورد القانون في المادة (34) منه هذه الحالات على سبيل الحصر والتي لو أمعنا النظر فيها فهي ذات الحالات الواردة أعلاه. 

وتوضح هذه الحالات اتجاه المشرع البحريني والفرنسي نحو التوسع في الفروض التي تعد سببا للطعن على أحكام التحكيم بالبطلان، وذلك على الرغم من تعددها على سبيل الحصر. وقد قنن المشرع البحريني النظام الداخلي الخاص بمركز الخليج للتحكيم من خلال إصداره المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2000 والخاص بالموافقة على نظام مركز التحكيم  التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. بهذا المرسوم بقانون أصبحت قواعد التحكيم ونظام مركز الخليج تشريعا نافذا في مملكة البحرين له قوته الملزمة للقوانين ويخضع للرقابة القضائية على التشريعات التي تتولاها المحكمة الدستورية البحرينية؛ ولذلك فان أحكام التحكيم الصادرة عن مركز التحكيم الخليجي لدول مجلس التعاون، يمكن الطعن عليها أمام المحاكم الوطنية، فقد حصرت أوجه الطعون في المادة 36 من المرسوم سالف الذكر.

ويمكن القول بصفة عامة حسب ما يظهر لنا من هذه الدراسة المقارنة ان حالات الطعن بالبطلان يمكن أن تندرج اما في الطعن بالبطلان بسبب انعدام الأساس الاتفاقي لاختصاص هيئة التحكيم او لأسباب تتعلق بعدم احترام المحكم لإرادة الأطراف او لأسباب تتعلق ببطلان إجراءات التحكيم او بطلان الحكم نفسه وأخيرا البطلان بسبب مخالفة حكم التحكيم للنظام العام؛ ولذلك سنتناول شرح هذه الاسباب في الفروع الآتيين.

 الفرع الأول: الطعن بالبطلان بسبب انعدام الأساس الاتفاقي لاختصاص هيئة التحكيم:

يثير الطعن بالبطلان بسبب انعدام الأساس الاتفاقي لاختصاص هيئة التحكيم أربع فرضیات مختلفة نستعرضها في الآتي:

 أولا- حالة عدم وجود اتفاق تحكيم: 

ولهذه الحالة في الواقع العملي العديد من الصور مثل تلك التي يثبت فيها عدم تحقق التراضي على التحكيم، كما لو صدر إيجاب من أحد الأطراف باللجوء الى التحكيم وقوبل بالرفض من الطرف الآخر، ففي هذا المثال نكون أمام حالة لم ينشأ فيها أصلا اتفاق التحكيم، وهذه الحالة واضحة ولا تثير أي إشكالية في القانون البحريني، ولا حتى الفرنسي، حيث أكد على عدم قبول ادعاء المدعى عليه بعدم صحة اتفاق التحكيم الذي تشكلت بناء عليه محكمة التحكيم إلا إذا قدم للقاضي ما يثبت عدم وجود شرط التحكيم.

ثانيا۔ حالة بطلان اتفاق التحكيم:

 وحيث يشترط لوجود الاتفاق على التحكيم وصحته أن تكون إرادة الأطراف سليمة وخالية من عيوب الرضا كالغلط والتدليس أو الإكراه، والتي تشترط لأي تصرف قانوني، وهنا جاء موقف القضاء الفرنسي مرن حيث أرسى مبدأ المرونة في تقديره لحالات بطلان اتفاق التحكيم من عدمه، فمثلا اعتبر عقد التحكيم باطلا إذا كان مناقضا ومضرا بحقوق الغير. كما يشترط أيضا قابلية المنازعة للفصل فيها عن طريق التحكيم وفقا للقانون الواجب التطبيق على النزاع، وفي هذه الحالة يتعين على هيئة التحكيم الحكم بعدم قبول المنازعة، وهذا لا ينفي الأخذ في الاعتبار قانون دولة مقر التحكيم، والتي من المحتمل أن يتم أمام قضائها رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار أيضا قانون الدولة المحتمل أن يطلب من محاكمها إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم.

ثالثا- حالة أحكام التحكيم الصادرة بناء على اتفاق تحكيم انقضى: 

يتفق القانون البحريني مع غيره من المشرعين بإعطاء الحق للمحكمة المختصة بنظر دعوى بطلان الحكم او ترتيبه لآثاره إذا كان الحكم قد صدر بعد انقضاء اتفاق التحكيم، أو سقوطه بانتهاء مدته وذلك إعمالا لنص المادة 32 من قانون التحكيم البحريني التي حددت الحالات التي تنتهي بموجبها إجراءات التحكيم بصدور الحكم المنهي للخصومة كلها أو صدور أمر  بإنهاء إجراء التحكيم سواء من المحكمين أو من المحكمة القضائية، وكذلك ينتهی التحكيم إذا لم يصدر الحكم في المهلة القضائية او التعاقدية إذا لم يتم تجديدها من المحكمين، أو من المحكمة القضائية، وكذلك تنتهي إجراءات التحكيم، إذا اتفق الطرفان على إنهائها أو إذا ترك المدعي خصومة التحكيم ولم تقرر محكمة التحكيم الاستمرار فيها بناء على طلب المدعي الوجود مصلحة جدية له في ذلك، أو إذا رأت محكمة التحكيم عدم جدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالتها للأسباب التي تقدرها. ولذلك لو صدر أي حكم تحكيمي مع وجود إحدى هذه الحالات فإن الحكم يكون باطل.

رابعا- الطعن ببطلان حكم التحكيم بسبب فقدان أو نقص أهلية أحد طرفي التحكيم:

 إضافة إلى الثلاث حالات سالفة الذكر والتي يجمع بينها فكرة انعدام الأساس الاتفاقي المحكمة هيئة التحكيم، فقد نصت المادة 34 / 2/ أ/1 من قانون التحكيم البحريني على حالة رابعة لقبول دعوى البطلان وهي إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقدا الأهلية وفقا للقانون الذي يحكم أهليته. كما أتاحت المادة 36 /1/ أ/ 1 للطرف المطلوب تنفيذ قرار التحكيم ضده رفض الاعتراف بهذا القرار أو رفض تنفيذه إذا قدم دليلا يثبت أن الطرف الآخر في اتفاق التحكيم المشار اليه في المادة 6 أعلاه يفتقر إلى الأهلية، وهي أهلية الأداء بالتصرف بحقوقه والتي هي 21 سنة ميلادية.

ومن المعروف أن المادة 4/ أمن القانون المدني البحريني تنص على خضوع أهلية الشخص الطبيعي لقانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته وقت التصرف، ومن ثم يعتبر اتفاق التحكيم سليما ومنتجا لآثاره إذا كان الشخص الذي أبرمه يعد وفقا لقانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسيته كامل الأهلية. وفي حالة كون الشخص فاقدا للأهلية أو ناقصها وفقا لقانون جنسيته، فإن حكم التحكيم الصادر بناء على هذا الاتفاق يكون قابلا للطعن فيه البطلان. إما بالنسبة للشخص الاعتباري، فإنه كقاعدة له أهلية التصرف بكافة حقوقه إلا ما استثني منها بنص قانوني، فلا يجوز للشخص الاعتباري الاتفاق على التحكيم بشأن أي نزاع يتعلق بذلك التصرف، وإلا كان الاتفاق باطلا. ويستوي في ذلك أن يكون الشخص الاعتباري شخصا عاما أو خاصا. ويكون اتفاق التحكيم الذي ابرمه هذا الأخير صحيح ومنتج لآثاره وبالتالي يكون الحكم الصادر بناء عليه غير قابل للطعن بالبطلان؛ إذا كان الشخص الاعتباري يمتلك حق التصرف فيه وفقا لقانون الدولة التي توجد بها مركز إدارته الرئيس الفعلي إذا لم يكن يباشر نشاطه في البحرين.

الفرع الثاني: حالات الطعن بالبطلان على حكم التحكيم بسبب عدم احترام المحكم لإرادة الأطراف:

يستمد المحكم سلطاته من إرادة الأفراد؛ ويجب عليه احترام هذه الإرادة، إلا أنه وقد يحدث أن تخالف هيئة التحكيم ما اتفق عليه بين الأفراد، فيتحقق عدم الاحترام في حالتين، هما استبعاد المحكم للقانون الذي اتفق الأطراف على إعماله على موضوع النزاع او القانون الذي يطبق على إجراءات التحكيم.

او تجاوز المحكم للمهمة المخولة إليه.

أولا- استبعاد المحكم للقانون الذي اتفق الأطراف على إعماله على موضوع النزاع أو القانون الذي يطبق على إجراءات التحكيم.

أخذ قانون التحكيم البحريني بمبدأ حرية الأطراف في اختيار القانون الذي يطبق على موضوع النزاع وعلى إجراءاته، وذلك حسب المادة 28 /1 من قانون الأونسترال النموذجي المطابق لها النص البحريني. ومن ثم يتعين على هيئة التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على اختياره.

ولكن القانون أعلاه خلا من الإشارة الصريحة إلى الحق في إقامة دعوى البطلان إذا استبعد حكم التحكيم القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع؛ إذ لم يرتب القانون البحريني على عدم احترام هذه الإرادة أو مخالفتها توافر السبب للطعن على حكمه بالبطلان واستبعاد المحكم للقانون الذي اتفق الأطراف على إعماله على موضوع النزاع كما فعل المشرع المصري مثلا بموجب نص المادة 53 / د من قانون التحكيم المصري ونظيره الفرنسي حسب الفقرة الثالثة من نص المادة 1492 من قانون المرافعات الواردة أعلاه.

أما بخصوص استبعاد المحكم للقانون الذي اتفق الأطراف على إعماله على إجراءات النزاع، فباستقراء النصوص في القانون البحريني وأيضا التشريعات الأخرى لم يرد فيها نص صريح يجعل الاستبعاد في هذه الحالة سببا للبطلان؛ لأن الإجراء لا يعتبر باطلا إلا إذا نص القانون على بطلانه، وذلك فيما عدا حالة تشكيل هيئة التحكيم، أو أن تعيين المحكمين جاء على وجه مخالف للقانون او لاتفاق الأطراف .

ونرى أن السكوت عن النص الصريح على بطلان الحكم في حالة إذا استبعد حكم التحكيم القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع أو إجراءاته، يعد قصورا تشريعيا؛ ذلك أن التحكيم يقوم أساس على احترام مبدأ سلطان إرادة الأطراف.

ثانيا۔ عدم احترام المحكم للمهمة الموكلة إليه من قبل الأطراف: أورد قانون التحكيم البحريني هذه الحالة في المادة

2/34/ أ/3، التي أفادت بإمكانية الطعن بالبطلان على حكم التحكيم إذا كان قرار التحكيم يتناول نزاعا لا يقصده الاتفاق، أو لا يدخل في مجال الغرض من التحكيم، أو انه اشتمل على قرارات في مسائل خارجه عن نطاق هذا الاتفاق، أي بمعنى آخر إذا فصل التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق.

فكما سبق وأسلفنا أن إرادة الأطراف تعد المصدر الأصلي الذي يشتق منه المحكم كل سلطاته؛ لذا كان منطقيا وجوب أن يتقيد المحكم عند فصله في المنازعة وإصدار الحكم فيها بحدود المهمة الموكلة إليه، فإذا تجاوزها يكون حكمه محلا للطعن فيه بالبطلان. ولضمان تحديد نطاق مهمة هيئة التحكيم، قرر المشرع وجوب تحديد موضوع النزاع وطلبات المدعي في بيان الدعوى الذي يرسله المدعي للمدعى عليه والى المحكمين. ولكي يتمكن الطرف في اتفاق التحكيم من التمسك بمخالفة الهيئة لحدود صلاحياتها، فانه يجب أن يكون قد أعلن اعتراضه أمامها، وإلا عد ذلك بمثابة قبول منه بتعديل اتفاق التحكيم، مما يمنع عليه بعد ذلك الطعن في حكم التحكيم. وملاحظ ان البطلان في هذه الحالة يشمل فقط المسائل غير المتفق عليها التي شملها حكم التحكيم ولم ينظمها اتفاق التحكيم. كما تجدر الإشارة أنه إذا تعلق الأمر بمشارطة تحكيم، فإنها تكون باطلة إذا لم تتضمن تحديد المسائل التي يشملها التحكيم.

 الفرع الثالث: حالات الطعن بالبطلان المستندة إلى مخالفات تتعلق بالتحكيم ذاته وبإجراءاته وبالحكم الصادر فيه:

وتتمثل حالات الطعن بالبطلان في ثلاث حالات نعرضها كالآتي: أولا- الطعن بالبطلان على حكم التحكيم احتراما لحقوق الدفاع: نظمت هذه الحالة المادة 2/34/ أ/2 من قانون التحكيم البحريني، التي أكدت على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلانا صحيحا بتعين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته. والحقيقة أن هذا النص مستمد من مبدأ أساسي يحكم الدعوى القضائية وهو مبدأ احترام حقوق الدفاع، والذي يعبر عنه بمبدأ المواجهة بالدليل: والذي يعني إلزام كل طرف بإعلام خصمه بكل ما يجري لكي يتمكن هذا الأخير من الدفاع عن حقوقه،  مع وجوب إعطائه وقت كاف لإعداد مذكرة الدفاع عن نفسه كما يلزم كل طرف أن يعلن للأخر عن طلباته ويمكنه من الاطلاع والرد على مستنداته وأوراقه التي يبرزها تأييدا الدعواه. هو مبدأ جوهري في القضاء الإسلامي، أرساه النبي (ص) بقوله (.... فإذا جلس بين يديك خصمان فلا تقضين حتى تسمع من الأخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء). وهو مبدأ عالمي نصت عليه غالبية التشريعات والمواثيق الدولية، وتؤكد المادة 1510 من قانون المرافعات الفرنسي على وجوب أن يحترم المحكم هذا المبدأ الأساسي والمتفق عليه عالميا والذي أكدت عليه أيضا الفقرة الأولى من المادة 6 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان.

ثانيا- إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين:

ونلاحظ أهمية إرادة الأطراف في اختيار هيئة التحكيم، حيث جعل قانون التحكيم الجديد اختيار هيئة التحكيم عن طريق اتفاق الأطراف هو الطريقة الأساسية، وقد أكدت محكمة التمييز الفرنسية في أكثر من حكم على مبدأ سلطان الإرادة في اتفاق التحكيم. في حين أجاز الاستعانة بالمحكمة أو بمركز التحكيم عند غياب الاتفاق. وتشير المادة 34 / 4 إلى جواز طلب بطلان حكم التحكيم إذا كان صادرا عن محكمين لم يعينوا طبقا للاتفاق أو للقانون.

ومن جانب آخر تنص القوانين على الشروط الواجب توافرها في المحكم، فلو شكلت الهيئة خلافا لها فإن حكمها يكون معرض للبطلان. وهنا يجب التفرقة بين نوعين من  أسباب البطلان:

 أ. أسباب تتعلق بالنظام العام، وبالتالي لا يجوز الاتفاق على خلافها، كأن يكون

المحكم قاصر أو محجور عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب عقوبة جنائية، أو مفلسا مالم يرد اعتباره. ويضاف إلى ذلك وجوب أن يكون عدد المحكمين وترا، لإمكان ترجيح الآراء عند اختلافها مع بعضها. ويجيز القانون البحريني كما هو معلوم إمكانية أن تشكل هيئة التحكيم من محكم واحد، أو من أكثر من محكم، وذلك بحسب المادة (10) من قانون التحكيم البحريني رقم (9) لسنة 2015 التي نصت ((على حرية الأطراف على تحديد عدد المحكمين)) وتابع النص المادة قائلا ((فإن لم يفعلا ذلك كان عدد المحكمين ثلاثة)) . ولكن حبذا لو يكون النص صریح كما هو في معظم القوانين التي تنص صراحة على انه في حالة تعدد المحكمين أن يكون العدد فردي، وفي حالة اتفاق الأطراف على عدد أكبر من المحكمين يلزم أن يكون العدد وترا، وإلا بطل التشكيل، وبتالي يبطل التحكيم. 

ب. الأسباب غير المخالفة للنظام العام، والتي تمثل الشروط التي يتم الاتفاق على توافرها، كاختيار محكم من جنسية معينة، أو لديه مؤهل معين، ومن ثم أحال مركز التحكيم النزاع الى محكم لا تتوافر فيه هذه الشروط، دون أن يعترض أي منهما، مما يشكل التنازل عن هذه الشروط صراحة أو ضمنا، وهذا جائز حسب نص المادة 4 من قانون التحكيم البحريني ويعد ذلك بمثابة إعلان القبول الشرط الباطل. ولكن هي حال الاعتراض، فإن للطرف الذي له مصلحة التمسك ببطلان التحكيم على أساس أن هيئة التحكيم قد تم تشكيلها أو تعينها بشكل مخالف لإرادة الأفراد. وقد تبنى المشرع الفرنسي نفس الاتجاه .

 ثالثا- بطلان حكم التحكيم إذا وقع بطلان في الحكم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا اثر في الحكم:

تنص المادة 34 على انه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم.

ويتحقق بطلان الحكم إذا لم تتوافر الشروط الموضوعية أو الشكلية التي نص عليها قانون التحكيم واللازم توافرها لصحة الحكم. ومثال ذلك الحكم شفاهية أو دون توافر الأغلبية أو دون مداولة أو دون توقيع من الأغلبية، أو خلوه من بيان أسباب عدم توقيع الأقلية، او عدم تسبيب الحكم، رغم عدم وجود اتفاق على إعفاء المحكمين من التسبيب.

كما يتعرض حكم التحكيم الدعوى البطلان إذا لحق الإجراءات بطلان أثر في الحكم، كما لو بلغ أحد الأطراف على غير العنوان المحدد في اتفاق التحكيم فإذا ترتب على ذلك عدم علم المعلن إليه؛ فيعد هذا الإجراء مؤثرا في الحكم؛ لأنه حرم هذا الطرف من إمكانية الحضور أو الرد. أما لو علم الطرف رغم عدم صحة الإعلان، فإن بطلان الإجراء لا يعد مؤثرا في الحكم). 

الفرع الرابع: حالة مخالفة حكم التحكيم للنظام العام:

الجدير بالذكر أن المشرع البحريني كما أسلفنا قد تبنى حرفيا قانون الأونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي وذلك بموجب مرسوم رقم 9 لسنة 2015. وبموجب هذا القانون فقد ألغى المشرع البحريني الباب السابع من قانون المرافعات الخاص بالتحكيم. والذي كان قد عالج الباب الملغي في المادة (233) المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها، والذي نص على أنه ((ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح)) وهي المسائل المتعلقة بالنظام العام والحالة الشخصية وفقا للمادة (498) من القانون المدني البحريني؛ إذا فالقانون الجديد ألغى هذه المادة دون أن ينص في المقابل على حلول تعالج لهذه المسألة(3)؛ وأيضا اقر المشرع البحريني للمحاكم حق إلغاء حكم التحكيم ورفض  الاعتراف به وتنفيذه إذا كان موضوع النزاع لا يمكن التحكيم فيه. ولكن دون أن يحدد المشرع المواضيع التي لا يجوز فيها التحكيم. فهل يعني جواز التحكيم في جميع المسائل دون قيود!!؟ إذا السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يفهم من عمومية النص في القانون البحريني جواز التحكيم في مثل هذه المسائل أيضا؟؟!

الا؛ فبالرغم من إن قانون التحكيم البحريني لم يذكر عبارة مخالفة حكم التحكيم لقواعد النظام العام كسبب يعيب الحكم ويجيز المطالبة ببطلانه صراحة، إلا أن ذلك لا يقلل من أهميته هذا السبب باعتباره أحد الضوابط الأساسية لكافة التصرفات بما في ذلك أحكام التحكيم. ومن ثم فان مخالفة حكم التحكيم للنظام العام تعيب هذا الحكم دون حاجة لنص .

وأيضا فإن قانون التحكيم التجاري الدولي البحريني في مادته 34 /ب/2 قد جعل من اختصاص المحكمة الكبرى المدنية نظر الطعن في حكم التحكيم (إن كان ذلك القرار يتعارض مع السياسية العامة للمملكة فيكون من واجب المحكمة المختصة أن تقضي ببطلان حكم التحكيم من تلقاء نفسها.

كما انه لو بحثنا بشكل دقيق في مواد قانون الأونيسترال، فإننا نلاحظ أنها تتصف بالعمومية؛ لأنها يضع قواعد عامة فقط. فمن الطبيعي والمنطقي أن يترك واضعوا قواعد القانون النموذجي تحديد المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها للمشرع الوطني في كل الدول التي تتبنى هذه القواعد، لإدراكهم بأن الدول ستحدد مسائل معينة لتكون غير قابلة للتحكيم حسب خصوصية قواعد نظامها العام. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لو أمعنا النظر مرة أخرى في مواد قانون الأونيسترال فإننا يجب أن نأخذ بعين الاعتبار نص المادة أ/2 والتي نصت صراحة في الفقرة الثانية منها أن المسائل المتعلقة بالأمور التي يحكمها هذا القانون ولا يسويها صراحة، تسوى وفقا للمبادئ العامة التي يستند إليها هذا القانون، إذا فعلاج هذا القصور يكون بتطبيق هذا النص بالرجوع للمبادئ العامة التي تنظم قواعد التحكيم.

ولكن بالمقابل حسنا فعل المشرع الفرنسي الذي نص صراحة على حرية الأطراف في في تسوية حقوقهم في المسائل التي لهم حرية التصرف فيها أي يكن لهم التنازل عنها وذلك بموجب نص المادة 2059 من القانون المدني وأكدت على هذا المبدأ محكمة التمييز الفرنسية وأقرت بأن الأصل أن التحكيم جائز ولا يستثنى إلا بنص، وجاءت الفقرة الأولى  من نص المادة 2060 من نفس القانون بشكل واضح على المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم. وهي: الحقوق غير القابلة للتصرف فيها والمسائل التي تتعلق بالحالة الشخصية وأهليته ومسائل الأحوال الشخصية المتعلقة بالطلاق، وأيضا النزاعات التي تكون سلطات الدولة أو مؤسساتها طرف فيها أي بمعنى آخر كل المسائل التي تمس النظام العام في الدولة والتي يكون الهدف منها حماية المصلحة العامة للمجتمع وهنا أكدت محكمة التمييز الفرنسية أكثر من مرة على أن المسائل المتعلقة باختصاص المحاكم العمالية لا يجوز فيها اللجوء للتحكيم بأي حال من الأحوال وذلك تطبيقا نص الفقرة الرابعة من المادة 1411 -4 من قانون العمل الفرنسي، أما المسائل التي تهدف إلى حماية مصلحة الشخص الخاصة فيمكن فيها اللجوء للتحكيم وهذا المبدأ استحدثه القضاء الفرنسي منذ عام 2002. وقد استثنت الفقرة الثانية من هذه المادة صراحة عقود الدولة التي لها طبيعة تجارية وتبرمها الدولة بهدف تسيير المرفق العام أو أي عقد ينص القانون صراحة على إمكانية تسوية النزاع فيه بالوسائل الودية. كما تجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي أكد على وجوب أن تكون مخالفة المحكم لقواعد النظام العام يجب أن تكون مخالفة واضحة وصريحة.

المبحث الثاني: موقف المحكمة الدستورية من مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم:

تناولت المحكمة الدستورية في مملكة البحرين مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية في حكمها الصادر بالدعوى رقم (د/ 1/ 2016) . وذلك بمناسبة الطعن بعدم دستورية هذا المبدأ الذي نصت عليه المادة 36 من لائحة إجراءات مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون والذي انضمت له مملكة البحرين بموجب المرسوم بقانون رقم 6 لسنة 2000، وتم نشره في الجريدة الرسمية.

وسنقسم هذا المبحث إلى مطلبین، نخصص المطلب الأول لأسلوب تحريك هذه الدعوى والأسانيد التي استند إليها الطاعن بعدم دستورية هذا المبدأ (نص المادة 36 من اللائحة) في حين سنخصص المطلب الثاني لمناقشة موقف المحكمة من الأسانيد التي استند إليها الطاعن.

المطلب الأول: إجراءات تحريك الدعوى الدستورية وأسانيد المدعي بعدم دستورية مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم:

 تتلخص وقائع القضية أن المدعية في الدعوى الدستورية كانت قد أقامت دعوى أمام المحكمة الكبرى المدنية السادسة ضد المدعى عليها طالبة الحكم بإبطال حكم التحكيم (74 /13) الصادر عن مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إلا أن المحكمة قد حكمت برفض الدعوى وذلك بالجلسة المؤرخة في 29 / 9 / 2015. بما أن الحكم لم يلق قبولا من المدعية طعنت عليه بالاستئناف أمام محكمة الاستئناف العليا المدنية الرابعة طالبة مجددا ببطلان حكم التحكيم

وعند نظر الاستئناف دفعت المدعية بعدم دستورية المادة (36) من لائحة إجراءات مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون والتي تم الموافقة عليها بالمرسوم بقانون رقم (6 لسنة 2000)، والتي تنص على أن (1 - يكون الحكم الصادر من الهيئة وفقا لهذه الإجراءات ملزما ونهائيا، وتكون له قوة النفاذ في الدول الأعضاء في مجلس التعاون بعد الأمر بتنفيذه من قبل الجهة القضائية المختصة. 2- على الجهة القضائية المختصة الأمر بتنفيذ حكم المحكمين ما لم يتقدم أحد الخصوم بطلب لإبطال الحكم وفقا للحالات التالية حصرا: - أ. إذا كان قد صدر دون وجود اتفاق للتحكيم أو بناء على اتفاق باطل أو سقط بتجاوز الميعاد أو إذا خرج المحكم عن حدود الاتفاق. ب. إذا صدر الحكم من محكمين لم يعينوا طبقا للقانون أو صدر من بعضهم دون أن يكونوا مأذونين بالحكم في غيبة الآخرين أو صدر بناء على اتفاق تحكيم لم يحدد فيه موضوع النزاع أو صدر من شخص ليست له أهلية الاتفاق على التحكيم. وعند حدوث أي مما ذكر في الفقرتين أعلاه فإن على الجهة القضائية المختصة التحقق من صحة طلب الإبطال والحكم بعدم تنفيذ حكم المحكمين).

وقررت محكمة الاستئناف العليا المدنية الرابعة التصريح للمدعية برفع الدعوى الدستورية في جلسة 2016/2/12، وأرجنت الفصل في الاستئناف لحين الفصل في الطعن بعدم الدستورية نص المادة 36 من اللائحة، واستنادا لذلك قامت المدعية برفع الدعوى الدستورية بتاريخ 10 / 3 / 2016 طالبة الحكم بعدم دستورية نص المادة 36 من لائحة إجراءات مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وسنتناول في هذا المطلب أسلوب تحريك الرقابة على دستورية القوانين في الفرع الأول، بينما سنبحث في الفرع الثاني الأسانيد التي استند إليها الطاعن. في الطعن بعدم دستورية نص المادة (36) .

 الفرع الأول: إجراءات تحريك الدعوى الدستورية رقم (1/3 / 2016)

حدد المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2002 الجهات التي يحق لها تحريك الرقابة على دستورية القوانين، إذ نصت المادة 18 من المرسوم بقانون على أن ترفع المنازعات الخاصة بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:

أ. بطلب من رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس مجلس النواب.

 ب. إذا تراءى لإحدى المحاكم أثناء نظر إحدى الدعاوی عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت المحكمة الدعوى، وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية للفصل في المسألة الدستورية.

 ج. إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ورأت هذه المحكمة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى، وحددت لمن أثار الدفع ميعادا لا يجاوز شهرا واحدا لرفع دعوى بذلك أمام المحكمة

الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد المحدد اعتبر الدفع كأن لم يكن)) .

 وواضح من هذا النص أن من الجهات التي يحق لها تحريك الرقابة على دستورية القوانين هم الخصوم أثناء نظر دعواهم أمام القضاء العادي، فإذا دفع أحد الخصوم بعدم دستورية النص القانوني أو اللائحي اللازم للفصل في الدعوى، واقتنع قاضي محكمة الموضوع بجدية الدفع المقدم، وبوجود مصلحة للطرف الذي تقدم به، يقوم قاضي محكمة الموضوع بمنح الطرف الذي تقدم بالدفع مهلة شهر لرفع دعوى أمام المحكمة الدستورية للبت في الأمر. ويشترط لتفعيل هذه الوسيلة ما يأتي:

 1. يجب أن ترفع الدعوى الدستورية استنادا إلى دفع من أحد الخصوم بمناسبة نظر الدعوى، ومن ثم يتم قبول الدفع من قبل قاضي محكمة الموضوع، فلا يجوز للأفراد اللجوء إلى القضاء الدستوري مباشرة.

 2. يجب ان ترفع الدعوى الدستورية خلال المهلة الزمنية المحددة والتي لا تتجاوز الشهر.

3. أن يكون النص المشكوك بعدم دستوريته في قانون أو لائحة لازم للفصل في الدعوى المنظورة أمام محكمة الموضوع.

 4. يجب أن يدفع رافع الدعوى الدستورية الرسم المحدد مقداره 500 دینار. إضافة إلى أن لائحة الدعوى الدستورية يجب أن تكون موقعة من محامي مقبول للترافع أمام محكمة التمييز.

 5. يجب أن يتضمن الدفع المقدم من أحد الخصوم تحديد النص التشريعي المشكوك بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعى مخالفته، ووجه المخالفة، وذلك استنادا النص المادة 19 من قانون المحكمة الدستورية، والذي نص على أن «يجب أن يتضمن القرار الصادر بالإحالة إلى المحكمة أو صحيفة الدعوى المرفوعة إليها، وفقا لحكم المادة السابقة، بيان النص المطعون بعدم دستوريته، والنص الدستوري المدعي بمخالفته وأوجه المخالفة » 

إن الدعوى الدستورية رقم (1 /1/ 2016) قد تم تحريكها بناء على دفع تقدم به أحد أطراف الدعوى المنظورة أمام محكمة الاستئناف العليا المدنية الرابعة، وقبلت المحكمة بالدفع المقدم وأجازت لمقدمه برفع الدعوى الدستورية خلال المدة المحددة.

إن مقدم الدفع أمام محكمة الموضوع هو الطرف المتضرر من حكم مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون. لذلك فقد لجأ إلى رفع دعوى أمام القضاء العادي طالبا فيها الطعن بحكم التحكيم، ولكن القضاء العادي رفض هذا الأمر مستندا لنص المادة 36 من لائحة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون والتي حددت على سبيل الحصر حالات الطعن بحكم التحكيم الصادرة عن المركز، وبما أن أي من الحالات الطعن المحددة في نص المادة 36 غير متحققة في حكم التحكيم موضوع الدعوى؛ لذا فإنه لا يحق للمتضرر من حكم التحكيم الطعن به، واستنادا لذلك فقد لجأ رافع الدعوى المدعي) إلى الدفع بعدم دستورية نص المادة 36 من لائحة مركز التحكيم التجاري بهدف إلغائها ومن ثم إتاحة المجال له للطعن بحكم التحكيم أمام القضاء العادي.

إن محكمة الموضوع قد وجدت الدفع المقدم مستوفية للشروط التي حددها القانون الخاص بالمحكمة الدستورية، إذ إن هناك دعوی منظورة أمام القضاء العادي، والنص  المدفوع بعدم دستوريته هو النص اللازم للفصل في الدعوى إضافة إلى أن لمقدم الدفع مصلحة حقيقية وجدية بهذا الدفع، كذلك فإن الدفع المقدم قد حدد النص القانوني أو اللائحي المشكوك بعدم دستوريته، والنص الدستوري الذي تم مخالفته، ووجه المخالفة. واستنادا لذلك فقد قبل قاضي محكمة الموضوع الدفع المقدم، ومنح مقدمه مهلة شهر لرفع الدعوى الدستورية.

وفعلا فإن المدعي (مقدم الدفع) قام برفع الدعوى الدستورية خلال المدة الزمنية المحددة، واستوفي جميع الشروط الشكلية اللازمة لقبول الدعوى من دفع الرسم القانوني المحدد ومقداره 500 دينار، وتوقيع محام مقبول للترافع أمام محكمة التمييز.

إن مقدم الدفع قد دفع بعدم دستورية مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية والذي نصت عليه المادة 36 من لائحة مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون وهي المادة التي يستند إليها قاضي محكمة الموضوع لرد الدعوى ورفض الطعن بحكم التحكيم. 

الفرع الثاني: أسانيد المدعي بعدم دستورية مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم.

استند المدعي بأن النص المشكوك بعدم دستوريته هو نص المادة 36 من لائحة إجراءات مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون والتي تضمنت النص على مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية.

وقد استند المدعي بعدم دستورية هذا النص والمبدأ الذي تضمنه على أساسين، هما:

 1. مخالفة نص المادة 36 من لائحة مركز التحكيم التجاري لمبدأ المساواة وهو من المبادئ الدستورية الأساسية التي نص عليها دستور مملكة البحرين .

2. مساس نص المادة 36 من لائحة مركز التحكيم للحق بالتقاضي والتي أشار إليها الدستور بنص المادة (20 / و) من الدستور. 

أما بخصوص السند الأول فقد بين المدعي بأن مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية والذي أشارت إليه المادة (36) يخلق نوعا من التمييز بين الأفراد الذين يلجؤون إلى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات، والأفراد الذين يلجؤون إلى القضاء كوسيلة لفض المنازعات؛ إذ إن هذا المبدأ يحرم الأفراد الذين يلجؤون إلى التحكيم في الطعن بأحكام التحكيم في الوقت الذي يتاح للأفراد الذين توجهوا إلى القضاء من الطعن بأحكام المحاكم بالاستئناف والتمييز، وأن هذا الأمر يعد صورة من صور التمييز بين الأفراد.

وأضاف المدعي بأنه يجب أن يتاح لجميع المتقاضين ذات السبل للطعن بالأحكام من أجل تحقيق المساواة التي نص عليها الدستور.

أما بخصوص السند الثاني الذي استند إليه المدعي فهو أن مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية يتعارض مع الحق بالتقاضي الذي نص عليه الدستور في المادة (20 / و).

إذ إن تبني هذا المبدأ يخالف نص المادة (20 / و) من الدستور والمتعلقة بحق التقاضي والتي جاء فيها «حق التقاضي مكفول وفقا للقانون». إذ أن هذا المبدأ يحول دون عرض النزاع أمام أي جهة قضائية أخرى أو الطعن عليها في حكم التحكيم إلا في حالات محددة على سبيل الحصر، فمنع الأفراد من إقامة دعوى ببطلان حكم التحكيم وفقا لنص المادة (36) المطعون بها، هو صورة من صور مصادرة لحق التقاضي، ويعد قيدا على هذا الحق وانتقاصا منه، وذلك من خلال الحد من حالات الطعن ببطلان حكم التحكيم.

فحق التقاضي يقضي بإتاحة المجال للمتقاضين في الوصول للمحاكم من أجل تحقيق الترضية القضائية، وحصر حالات الطعن بحكم التحكيم يعد صورة من صور إعاقة وصول المتقاضين إلى القضاء لتحقيق الترضية القضائية المنشودة، علما أن المشرع عندما ينظم أي حق من الحقوق الواردة في الدستور فإنه مقيد بأن لا يمس جوهر هذا الحق أو ينتقص منه وفقا لنص المادة (31) من الدستور وحصر حالات الطعن يشكل انتقاصا من جوهر هذا الحق حسب وجهة نظر المدعي. 

المطلب الثاني: مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان في حكم التحكيم ومبدأ المساواة والحق بالتقاضي.

ناقشت المحكمة الدستورية الأسانيد التي أستند إليها المدعي في دعواه بعدم دستورية مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية؛ حيث استند المدعي الى مخالفته لمبدأ المساواة والحق بالتقاضي؛ ولذا فإن المحكمة الدستورية من أجل بحث مدى توافق مبدأ حصر حالات الطعن مع المبادئ الدستورية قد قامت ببيان معنى مبدأ المساواة والحق بالتقاضي، ومن ثم مناقشة إن كان مبدأ الحصر يتوافق أو لا يتوافق مع هذه المبادئ الدستورية وسنتناول في هذا المطلب بیان موقف المحكمة في فرعين خصصنا الفرع الأول لبحث مدى تعارض مبدأ حصر

حالات الطعن في حكم التحكيم مع مبدأ المساواة، في حين سنتناول في الفرع الثاني بحث مدى مساس مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم بحق التقاضي وسنتناول في هذا المطلب أسلوب تحريك الرقابة على دستورية القوانين في الفرع الأول، بينما سنبحث في الفرع الثاني الأسانيد التي استند إليها الطاعن. في الطعن بعدم دستورية نص المادة (36) . 

الفرع الأول: إجراءات تحريك الدعوى الدستورية رقم (1/3 / 2016)

حدد المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2002 الجهات التي يحق لها تحريك الرقابة على دستورية القوانين، إذ نصت المادة 18 من المرسوم بقانون على أن ترفع المنازعات الخاصة بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح على الوجه التالي:

أ. بطلب من رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس مجلس النواب.

 ب. إذا تراءى لإحدى المحاكم أثناء نظر إحدى الدعاوی عدم دستورية نص في قانون أو لائحة لازم للفصل في النزاع، أوقفت المحكمة الدعوى، وأحالت الأوراق بغير رسوم إلى المحكمة الدستورية للفصل في المسألة الدستورية.

 ج. إذا دفع أحد الخصوم أثناء نظر دعوى أمام إحدى المحاكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة، ورأت هذه المحكمة أن الدفع جدي أجلت نظر الدعوى، وحددت لمن أثار الدفع ميعادا لا يجاوز شهرا واحدا لرفع دعوى بذلك أمام المحكمة الدستورية، فإذا لم ترفع الدعوى في الميعاد المحدد اعتبر الدفع كأن لم يكن)) . 

وواضح من هذا النص أن من الجهات التي يحق لها تحريك الرقابة على دستورية القوانين هم الخصوم أثناء نظر دعواهم أمام القضاء العادي، فإذا دفع أحد الخصوم بعدم دستورية النص القانوني أو اللائحي اللازم للفصل في الدعوى، واقتنع قاضي محكمة الموضوع بجدية الدفع المقدم، وبوجود مصلحة للطرف الذي تقدم به، يقوم قاضي محكمة الموضوع بمنح الطرف الذي تقدم بالدفع مهلة شهر لرفع دعوى أمام المحكمة الدستورية للبت في الأمر. ويشترط لتفعيل هذه الوسيلة ما يأتي:  1. يجب أن ترفع الدعوى الدستورية استنادا إلى دفع من أحد الخصوم بمناسبة نظر الدعوى، ومن ثم يتم قبول الدفع من قبل قاضي محكمة الموضوع، فلا يجوز للأفراد اللجوء إلى القضاء الدستوري مباشرة.

 2. يجب ان ترفع الدعوى الدستورية خلال المهلة الزمنية المحددة والتي لا تتجاوز .

الفرع الأول: مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم ومبدأ المساواة

استند المدعي في دعواه بعدم دستورية مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم يتعارضه مع مبدأ المساواة المطلقة، وقد ناقشت المحكمة الدستورية هذا الأمر، إذ بينت المحكمة الدستورية أن مبدأ المساواة لا يعني المساواة المطلقة بين جميع المواطنين مع اختلاف مراكزهم القانونية، وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء، إذ عرف الفقه مبدأ المساواة بأنه «خضوع كافة المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة، على نحو يتناسب بطريقة منطقية وفقا للهدف الذي توخاه القانون، ويتحقق المبدأ بتقرير معاملة قانونية مختلفة للمراكز القانونية المختلفة، أو بسبب يستند إلى المصلحة العامة إذا كان ذلك كله متفقة مع الهدف الذي توخاه القانون». ويقصد به ايضا عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية. وعلى ذلك، فإن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة.

وهذا الأمر أكد عليه القضاء المقارن في مصر إذ جاء في أحد أحكام المحكمة الدستورية في مصر أن المقصود من مبدأ المساواة هو عدم التمييز بين أفراد الطائفة الواحدة إذا تماثلت مراكزهم القانونية . و «أن مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة وأنه كلما كان القانون مغايرا بين أوضاع أو مراكز أو أشخاص لا تتحد واقعا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائمة على أسس موضوعية، مستلهما أهداف مشروعة، فإن ما تضمنه القانون من تمييز يكون مبررا ولا ينال من شرعيته الدستورية»

بمعنى آخر أن المساواة أمام القانون ليست مساواة حسابية، ولا تعني التطابق في التعامل مع المراكز القانونية المتماثلة، فالمساواة القانونية لا يجوز فهمها بمعنى ضيق، لأنها لا تعني سوى عدم التمييز في المعاملة، وهو ما استقر عليه قضاء المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا، على أن المساواة كضمان دستوري ليست مساواة حسابية، بل يملك المشرع بسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام، وضع شروط موضوعية تتحدد بها المراكز القانونية التي يتساوی بها الأفراد أمام القانون. فالمساواة تعني اشتراط التناسب في المعاملة القانونية.

إن موقف المحكمة الدستورية في مملكة البحرين قد سایر الموقف الذي تبناه الفقه والقضاء، إذ جاء في رد المحكمة الدستورية على السند الذي يستند إليه المدعي في دعواه ما نصه ((وحيث إنه عن الوجه الثاني للطعن بأن عدم جواز إقامة دعوى مبتدأة ببطلان حكم التحكيم، وفقا للنص المطعون مؤداه مصادرة الحق في التقاضي كما أن حصر حالات البطلان والتضييق منها يخل بحق التقاضي ويهدر مبدأ المساوة بين من يلجؤون إلى التحكيم وبين غيرهم أمام القضاء العادي عند عرض منازعاتهم فإن هذا النعي مردود، من وجوير عديدة: أولها: إن مبدأ المساواة أمام القانون لا يعني أن تعامل فئات المواطنين على ما بينها من تمايز في المراكز القانونية معاملة مكافئة، فإذا كان ذلك، وكان المتحاكمون أخذا بالأصل في التحكيم- يتجهون بملء إرادتهم ومحض اختيارهم إلى اعتماد نظام خاص لفض ما بينهم من نزاعات خارج دائرة المحاكم، وفقا لشروط تكون محلا لاتفاقهم، فإن مركزهم القانوني يضحي بالتالي مختلفا عمن يلجؤون إلى المحاكم لفض منازعاتهم طبقا للقواعد العامة، وخارج دائرة التحكيم. وفي ظل وجود هذا الاختلاف في المراكز القانونية، فإن المماثلة في المعاملة بين المتحاكمين، وغيرهم من المتقاضين لا تعد ضرورة لازمة، ولا يشكل عدم الالتزام بها في حد ذاته إخلا بمبدأ المساواة أمام القانون)). وواضح من ذلك أن المحكمة الدستورية قد سايرت القضاء والفقه في تحديد مفهوم المساواة، فالمساواة أمام القانون تعني أن من حق كل مواطن أن يحصل على ذات المعاملة إذا استوفي الشروط المقررة، ومن ثم فإن المساواة في المعاملة مشروطة بالمساواة في توافر الشروط، وأن من حق المشرع أن يقيد التمتع بحق معين بتوافر شروط معينة، فلا يمكن إلزام المشرع بأن يساوي بين الناس جميعا مهما اختلفت العناصر القانونية والواقعية المحيطة بهم، فلا يمكن مثلا أن يساوي في الالتحاق بالجامعة بين الحاصلين على الثانوية العامة والذين لم يحصلوا عليها، ولا أن يساوي في الالتحاق بالوظائف العامة بين الذي أدين في جريمة مخلة بالشرف وبين الذي لم يرتكب مثل هذه الجريمة، فمبدأ المساواة لا يؤدي إلى تطابق المعاملة لجميع الأفراد، بل يعني معاملة الأفراد الذين يوجدون في مركز قانوني واحد بالطريقة نفسها.

إن الدستور البحريني قد نص في المادة (18) من الدستور على أن: ((الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة)) . وهذا الأمر قد يثير تساؤل ما إذا كانت صور التمييز التي حظرها الدستور، قد وردت على سبيل الحصر أم على سبيل المثال باعتبارها من الصور الشائعة للتمييز، وللإجابة على هذا التساؤل، تتطلب استعراض بعض التطبيقات الدستورية التي تناولت هذا الشأن، إذ ناقش المجلس الدستوري الفرنسي هذا الموضوع، حيث تضمن التشريع المالي نصا في تحديد وعاء الضريبة العامة على الإيراد، وفرق التشريع بين نوعين من الممولين، الذين لا يزيد إيرادهم العام على حد معين، وكبار الممولين الذين يتجاوز إيرادهم هذا الحد، وأجاز للنوع الأول فقط أن يقدموا الدليل على عدم صحة الضرائب، وعندما عرض أمر هذا التشريع على المجلس الدستوري، رأى المجلس أن هذا النص قد تضمن إخلالا بمبدأ المساواة، على الرغم من أن ما جاء به من تمييز لم يقم على أساس الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة.

وقد قررت المحكمة الدستورية العليا المصرية أن صور التمييز المحظورة والمنصوص عليها في الدستور، ليست واردة على سبيل الحصر، فهناك صور أخرى من التمييز لها خطرها، مما يحتم إخضاعها لرقابة المحكمة الدستورية، فقد ذهبت المحكمة إلى  أن «الدساتير المصرية بدءا بدستور 1923، وانتهاء بالدستور القائم، رددت جميعها مبدأ المساواة أمام القانون وكفلت تطبيقه على المواطنين كافة باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ في جوهره وسيلة لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر تطبيقها على الحقوق والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل ينسحب مجال أعمالها كذلك إلى الحقوق التي يكفلها المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية وعلى ضوء السياسة التشريعية التي يراها محققة للمصلحة العامة، وأن صور التمييز التي أوردتها المادة (40) من الدستور التي تقوم على أساس من الأصل أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة لم ترد على سبيل الحصر، فهناك صور أخرى من التمييز لها خطرها، مما يحتم إخضاعها لما تتولاه هذه المحكمة من رقابة قضائية تطبيقا لمبدأ المساواة أمام القانون ولضمان احترامه في جميع مجالات تطبيقه».

واتجهت المحكمة الدستورية البحرينية ذات الاتجاه، فقررت أن «مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في دستور مملكة البحرين، والذي تردده الدساتير المعاصرة، بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسا للعدل والسلام الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة كافة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، سواء كان ذلك -حسبما نص عليه الدستور- بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، أو بسبب أي صور أخرى من صور التمييز التي لم يذكرها، على اعتبار أن مبدأ المساواة وسيلة لتقرير الحماية المتكافئة التي لا تمييز فيها بين المراكز القانونية المتماثلة، فلا يقتصر مجال إعماله على ما كفله الدستور من حقوق أو على ما ذكره من صور التمييز، وإنما يمتد كذلك إلى جميع الحقوق وجميع صور التمييز التي يقررها القانون»(2). ويتضح من خلال هذا الحكم بان المحكمة الدستورية في مملكة البحرين قد تبنت الاتجاه الذي سارت عليه أغلب الدول في أن صور التمييز المذكورة في الدستور قد وردت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وبالتالي فان للمحكمة أن تلغي أي تشريع يتضمن تمييزا بين الأفراد على أي أساس حتى وان لم ينص عليه الدستور.

وموقف المحكمة الدستورية من تحديد مفهوم المساواة ليس موقفا جديدا وإنما سبق أن تبنته في أحكام أخرى صدرت قبل الحكم الخاص بموضوع البحث، فقد جاء في أحد  أحكامها أن «مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون » الذي نص عليه الدستور في المادتين (4) و (18) منه، لا يعني أن تعامل فئاتهم على ما بينها من تفاوت في مراكزها القانونية معاملة قانونية متكافئة، كما لا يقوم هذا المبدأ على معارضة صور التمييز جميعها، ذلك أن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي من ثم على مخالفة لنص المادتين السالف ذكرهما. بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبهما هو ذلك الذي يكون تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم مليا لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع البلوغها، متخذا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها». وأشارت في حكم آخر إلى مبدأ المساواة والذي جاء فيه ((... مبدأ مساواة المواطنين أمام القانون المنصوص عليه في المادتين (4) و (18) من الدستور، بحسبانه الركيزة الأساسية للحقوق والحريات على اختلافها أساسا للعدل والسلم الاجتماعي، غايته صون الحقوق والحريات في مواجهة صور التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها. إلا أن الحماية المتكافئة أمام القانون التي اعتد بها الدستور، لا تتناول القانون من مفهوم مجرد، وإنما بالنظر إلى أن القانون تعبير عن سياسة محددة أنشأتها أوضاع لها مشكلاتها. وأنه تغيرا بالنصوص التي تضمنها تحقيق أغراض بذاتها من خلال الوسائل التي حددها، وكلما كان القانون مغايرا بين أوضاع أو مراكز قانونية أو أشخاص لا تتحد واقعا فيما بينها، وكان تقديره في ذلك قائما على أسس موضوعية، مستهدفا غايات لا نزاع في مشروعيتها، وكافلا لوحدة القاعدة القانونية في شأن أشخاص تتماثل ظروفهم بما لا يجاوز متطلبات تلك الغايات، وكان واقعا في إطار السلطة التقديرية التي يملكها المشرع...))(2). ونلاحظ أن حكم المحكمة الدستورية هنا قد وسع من نطاق أساس مبدأ المساواة بأن جعله يتضمن نصي المادة (4) و (18) من الدستور وذلك بخلاف الحكم السابق الذي قصره على المادة (5) (ب) من الدستور، كما أزاحت المحكمة في حكمها هذا أي خلاف يتعلق بمفهوم المساواة من خلال توضيحها بأن شرط المساواة في الحماية لا يعني معاملة كل الأفراد بطريقة متماثلة، بل يعني في المبدأ العام أن الأشخاص ذوي المراكز القانونية المتماثلة ينبغي معاملتهم معاملة متماثلة

والمطلع على أحكام المحكمة الدستورية يجد أنها قد تبنت ذات المفهوم لمبدأ المساواة منذ نشأتها وحتى الآن وبالتالي فإن موقفها في رد هذا السند الذي استند إليه المدعي يعتبر أمرا بديهية لأن المحكمة الدستورية ظلت متمسكة بمفهوم مبدأ المساواة ولم تتراجع عنه، وهذا ما أكدته في حكمها الخاص بمبدأ حصر حالات الطعن؛ إذ إن المحكمة لم تجد في  تبني هذا المبدأ (مبدأ حصر حالات الطعن) إخلالا بمبدأ المساواة بين الأفراد؛ ولذا فقد ردت هذا السند.

إضافة لما سبق فقد بينت المحكمة الدستورية في إطار ردها على سند المدعي بعدم دستورية نص المادة 36 قد بينت بان التمييز على أسس موضوعية جائز إذا كان يستهدف تحقيق مصلحة أو لتحقيق غاية معينة، فجاء في حكم المحكم موضوع البحث ما نصه (بأن مبدأ المساواة أمام القانون، ليس مبدأ تلقينها جامدا منافيا للضرورة العملية، ولا يقوم على معارضة جميع صور التمييز بين الموطنين؛ إذ إن من بينها ما يستند إلى أسس موضوعية، ولا ينطوي من ثم على مخالفة لنص المادتين (4) و (18) من الدستور؛ بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه بموجبها هو ما يكون تحكميا، لك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها. وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة التي يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم سبيلا إليها) . إن المحكمة الدستورية قد أشارت بصورة ضمنية أن تبني هذا المبدأ فرضه ضرورات عملية ويحقق المصلحة العامة، وذلك أن الغاية الأساسية من التحكيم هو سرعة الفصل في النزاعات وتجنب الإجراءات القضائية الطويلة والمملة والتي قد تؤدي إلى ضياع الحقوق، ولذا فإن المحكمة من تبني التحكيم كطرف ثاني لفض النزاعات هو تجنب هذه الإجراءات الطويلة والمقدرة في التقاضي أمام القضاء العادي.

ولذا فإن القول بجواز الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية سيؤدي إلى انتفاء الغاية من تبني التحكيم كطريق ثاني وسريع لفض المنازعات خاصة المنازعات ذات الطابع التجاري والاستثماري. أما التمييز التحكمي المنهي عنه والذي أشار إليه حكم المحكمة يتضح بصورة جليه في حكم آخر أشارت اليه المحكمة الدستورية، إذ بينت المحكمة ضرورة تمتع الأفراد بالحقوق على قدم المساواة دون تمييز بينهم، إذ تتلخص وقائع القضية بأن موظف في أحد البنوك أقام دعوى ضد البنك الذي يعمل به، وضد البنك المركزي الذي يتولى الإشراف على هذا البنك، مطالبة بحقوقه المالية، إلا أن البنك طالب برد الدعوى على أساس أن قانون البنك المركزي لا يجيز رفع دعوى من أحد الموظفين ضد البنك الذي يعمل به إلا بموافقة مدير البنك، فدفع الموظف بعدم دستورية هذا النص، وقد حكمت المحكمة الدستورية بعدم دستورية هذا النص وذلك لإخلاله بمبدأ المساواة في حق التقاضي من جهة، إذ يجيز لدائني البنك إقامة دعوى ضده دون موافقة أحد، بينما إذا كان الدائن أحد العاملين به فلا يجوز له ذلك إلا بموافقة المدير، ولإخلاله بحق التقاضي من جهة أخرى لأنه يضع عوائق إجرائية تحول بين الشخص واللجوء للقضاء، إذ جاء في نص الحكم: «... لأن الدستور قد كفل للناس جميعا حقهم في اللجوء إلى القضاء، لا يتمايزون في ذلك فيما بينهم، فلا ينحسر عن فئة منهم، سواء من خلال إنكاره، أو عن طريق العوائق الإجرائية، أو المالية التي يحاط بها، ليكون عبئا عليهم، حائلا دون الحقوق التي يدعونها، ليتمخض ذلك عدوانا على حق التقاضي، وينحل إنكارا للعدالة. وحيث إن الدستور قد جعل مبدأ المساواة بين المواطنين أساسا من أسس المجتمع التي تكفلها الدولة، طبقا للمادتين (4) و (18) منه، وذلك بحسبانه ركيزة أساسية للحقوق والحريات على اختلافها، وأساسا للعدل والسلام الاجتماعي، وألا يكون التمييز بين المواطنين تحكميا، وإنما يتعين أن يستند إن وجد- إلى أسس موضوعية. ولما كان وقف إجراءات التقاضي، واشتراط موافقة المدير المعين على إقامة أية دعوى ضد البنك، على النحو الذي جرى به النص، هو تمييز غير مبرر، ولا يقوم على أسس موضوعية ضد دائني هذا البنك، ويخل بالمساواة بينهم وبين سائر الدائنين لمختلف الجهات، ولا يقوم على أسباب سائغة، فإنه يعد إخلالا بمبدأ المساواة».

واستنادا لكل ما سبق فقد ردت المحكمة السند الذي استند إليه المدعي بإخلال مبدأ حصر حالات الطعن بحكم التحكيم بمبدأ المساواة، وبينت أن تبني هذا المبدأ لا يعد اخلالا بمبدأ المساواة.

 الفرع الثاني: مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم والحق التقاضي:

 استند المدعي في دعواه بعدم دستورية مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم بمساسه بحق الأفراد بالتقاضي، أما رد المحكمة حول هذا الادعاء قد جاء فيه ((ثالثها بأنه وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة، فإن التنظيم التشريعي لحق التقاضي وكلما كان لا يناقض وجود هذا الحق أو يحل بمحتواه يفترض فيه أن ألا يتقيد بأشكال جامدة لا يريم المشرع عنها لتفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق عملا في نطاقها، ليظل هذا التنظيم مرنة، لا يطلق الحقوق محله من عقالها، انحراف بها عن أهدافها، ولا يعتبر كذلك تفريطا مجافية لمتطلباتها بل بين هذين الأمرين قوامة، حتى تظل الحماية القضائية للحقوق في صورتها الأكثر اعتدالا. وتبعا لذلك، فإنه فيجوز للمشرع أن يغاير في تنظيمه لحق التقاضي، وتبني ما يراه مناسبا من تنظیمات بالنسبة إلى صنوف بعينها من المنازعات، وفقا لما تتطلبه طبيعتها، من دون أن يكون ذلك إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون، طالما الزم المشرع بالضوابط الدستورية المباشرة الحق في التقاضي)) .

إن المحكمة الدستورية قد حددت مفهوم هذا الحق بالتقاضي في أحكام عديدة وسابقة، فقد عرفت الحق التقاضي بأنه: «... مبدأ الحق في التقاضي تتمثل في الترضية القضائية التي يسعى الى تحقيقها المتقاضون وصولا إلى جبر الأضرار التي لحقتهم من جراء العدوان على الحقوق التي يدعونها، وإن إنكار أو تقييد الحق في الترضية القضائية، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أو من خلال إحاطتها بقواعد إجرائية تكون معيبة في ذاتها عیب جوهريا، إنما يعد إهدارا لا يستقيم مع ما أكده الدستور المعدل من حماية لحقوق الأفراد، بما لا ينال من جوهر الترضية القضائية، ولا يدفعها لكامل مداها، ليتمخض ذلك عدوانا على حق التقاضي، وينحل إلى إنكار للعدالة في أخص مقوماتها... »، والواضح بأن المحكمة قد عرفت هذا الحق بالغاية التي يتوخى تحقيقها ألا وهي الترضية القضائية، وقد أكدت المحكمة على أن تقييد هذا الحق أو حجبه عمن يطلبه يعد عیب دستوريا جوهريا، ويخالف نصوص الدستور، وإنكارا للعدالة، وهذا الأمر يتفق مع نص المادة (31) من الدستور البحريني.

و في حكم آخر أشارت المحكمة الدستورية إلى مفهوم الحق في التقاضي، والذي نص على أن: «... حق التقاضي مكفول وفقا للقانون، الذي يفترض ابتداء وبداهة، أن يكون لكل شخص الحق في النفاذ إلى المحاكم، بصورة ميسرة، لا تحول دونه عوائق إجرائية، وألا تمنع المحاكم من نظر أية منازعة، وألا توصد أبواب أي منها في وجه أي من المتقاضين، في إطار من الفرص المتكافئة بينهم، وصولا إلى حل منصف، يمثل التسوية التي يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها، بوصفها الترضية القضائية، لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها، باعتبار أن هذه الترضية تندمج بالحق في التقاضي، وتشكل الحلقة الأخيرة فيه».

إن المحكمة الدستورية في هذا الحكم كانت أكثر وضوحا في تحديد مفهوم الحق في التقاضي، إذ أكدت المحكمة في هذا الحكم على أن الترضية القضائية هي الحلقة الأخيرة من هذا الحق، وجزء منه وليس كل الحق، فالحق بالتقاضي يشمل سهولة الوصول إلى المحاكم والهيئات القضائية على اختلاف أنواعها ودرجاتها ولجميع المتقاضين، والفصل بالخصومة المعروضة أمام القضاء، وذلك لتحقيق الغاية وهي الترضية القضائية، فالحق بالتقاضي يتمثل في جانبين أساسيين هما سهولة الوصول إلى الهيئات القضائية والمحاكم الجميع المتقاضين من جهة، والفصل بالخصومة المعروضة على هذه الهيئات من جهة ثانية من أجل الوصول للترضية القضائية.

وفي حكم آخر أوضحت المحكمة مفهوم هذا الحق بصورة تفصيلية إذ جاء في حكم على أنه: «وحيث إن دستور مملكة البحرين قد كفل حق التقاضي، وذلك في الفقرة (و) من المادة (20) التي تنص على أن: «حق التقاضي مكفول وفقا للقانون»، الذي يفترض ابتداء، وبداهة، أن يكون لكل شخص النفاذ إلى من المحاكم بصورة ميسرة، لا تحول دونه عوائق إجرائية، وألا تمنع المحاكم من نظر أية منازعة، وألا توصد أبواب أي منها في وجه أي من المتقاضين، في إطار من الفرص المتكافئة بينهم، وصولا إلى حل منصف، يمثل التسوية التي يعمد من يطلبها إلى الحصول عليها، بوصفها الترضية القضائية، لمواجهة الإخلال بالحقوق التي يدعيها، باعتبار أن هذه الترضية تندمج بالحق في التقاضي، و تشكل الحلقة الأخيرة منه.

ولما كانت الغاية التي يتوخاها مبدأ الحق في التقاضي، تتمثل في الترضية القضائية، التي يسعى إلى تحقيقها المتقاضون، وصولا إلى جبر الأضرار التي لحقت بهم، من جراء العدوان على الحقوق التي يدعونها، وأن إنكار أو تقييد الحق في الترضية القضائية، سواء بحجبها عمن يطلبها ابتداء، أو من خلال إحاطتها بقواعد إجرائية، تكون معيبة في ذاتها، بما ينال من جوهر الترضية القضائية، ولا يدفعها إلى كامل مداها، إنما يعد إهدارا لما أكده الدستور من كفالة لحق التقاضي».

إن المحكمة الدستورية في هذا الحكم قد حددت مفهوم الحق بالتقاضي وبينت بأن الترضية القضائية هي الحلقة الأخيرة منه، أو الغاية التي يسعى إليها الأشخاص، أما جوهر هذا الحق فهو سهولة الوصول إلى المحاكم دون أية عوائق مالية أو إجرائية أو قيود تمس بجوهر الحق، ودون تمييز بين المتقاضين. والواضح مماسبق بان المحكمة الدستورية بعد أن حددت مفهوم الحق بالتقاضي لم تجد في تبني مبدأ حصر حالات الطعن بحكم التحكيم إخلالا بهذا الحق، لأنه للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم الحقوق والحريات وان تنظيمه لهذه الحقوق والحريات مقيد بعدم الانتقاص منها، وتبني هذا المبدأ لا يعد انتقاصا لهذا الحق.

إضافة إلى ذلك فان للمشرع أن يغاير في تنظيمه للحق في التقاضي باختلاف المنازعات ووفقا لما تقتضيه طبيعتها، طالما المشرع متقيد بالقيود الدستورية التي حددها الدستور، وكذلك أن تكون هذه المغايرة تقتضيها طبيعة المنازعات، فلا يخفى على أحد أن تبني طريق خاص لفض المنازعات عن طريق التحكيم وبشكل خاص للمنازعات ذات الطابع التجاري والاستثماري يهدف لسرعة البت فيها من جهة، ولخصوصية هذه المنازعات كونها تتعلق بأمور مالية واستثمارية وتجارية من جهة أخرى. أما القول بخلاف ذلك فيؤدي إلى انتفاء الحاجة إلى وجود التحكيم كوسيلة بديلة لفض المنازعات التجارية، لأنه إذا كان بالإمكان الطعن بأحكام التحكيم أمام القضاء، ومن ثم الدخول بمتاهات المحاكم والإجراءات القضائية الطويلة والمملة، فان ذلك سيؤدي الى فقدان التحكيم الغاية التي وجد من اجلها.

إن الحق في التقاضي حقا غير مطلق، حيث تنص الدساتير على هذا الحق فتقيده بقيود يجب أن لا تتنافى مع طبيعة هذا الحق، وتقوم الدساتير والقوانين بتنظيمه حدا من إساءة استعماله ومراعاة للصالح العام لتنظيم القضاء كأن يقيد استعمال الدعوى بشروط القبول، أو ما يجعل هذا الاستعمال بطريق الطلب أو الدفع، أو يجعل المطالبة بعريضة تقدم إلى القاضي وليس بطريق الدعوي، فطبيعية هذا الحق لا تعني جعله مطلقا و دون ضوابط أو قيود، ومن أهمها: أن يرتبط هذا الحق بتحقيق مصلحة جدية ومشروعة فلا يجوز استعماله بهدف النكاية بالخصم أو مضايقته أو الإساءة إلى سمعته، وأن لا يكون استخدام هذا الحق بما يسيء إلي قيمة الحق) نفسه، كأن يعطل حكمة أو يستهدف جارة أو خصما أو يلاحق كاتبا أو مفكرا أو صحفيا، لذلك فهذا الحق ليس حقا مطلقا بل مقيد بما يضمن عدم إساءة استعماله، ودون المساس بأصل الحق نفسه

وهذا ما أشارت إليه المحكمة الدستورية في العديد من أحكامها، ففي أحد أحكامها أكدت على أن: «سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي هي سلطة تقديرية جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم، لاختيار أنسبها لفحواه، وأخراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، و أكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزن، حده في ذلك أن يكفل للخصومة القضائية عدالتها بما يصون مبادئها ضامنا ألا يكون الفصل فيها بعيدا عن أدلتها أو نابذا الحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأدلة، فلا يكون بنيان الخصومة متحيفا حقوق أحد من الخصوم بل مكافئا بين فرصهم في مجال إثباتها أو دحضها استظهار الحقائقها واتصالا بكل عناصرها، وصولا إلى ترضية قضائية منصفة هي -بافتراض اتساقها مع أحكام الدستور والقانون تشكل رکنا ركينا من حق التقاضي، وترتبط بالأغراض النهائية التي يعمل لبلوغها».

ويضح من خلال هذا الحكم بأن المحكمة الدستورية تؤكد على أن سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي هي سلطة تقديرية مقيدة بأن لا تنتقص من جوهره، أو تخل بمضمونه، وأن تحقق الهدف المتوخاة من هذا الحق. أما إذا نظم المشرع هذا الحق بشكل لا يحقق الغاية المتوخاة منه عد هذا التنظيم غير دستوري.

وفي ذات السياق أكدت المحكمة الدستورية على حق المشرع في تنظيم حق التقاضي بشرط ألا يتخذ المشرع من هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره، فقد جاء في أحد أحكامها على أنه: «ليس ثمة تناقض بين الحق في التقاضي كحق دستوري أصيل و بين تنظيمه تشريعية بشرط ألا يتخذ المشرع هذا التنظيم وسيلة إلى حظر هذا الحق أو إهداره، و نتيجة لذلك فان المشرع - في مجال ضمانة حق اللجوء إلى القضاء - لا يتقيد بأشكال محددة تمثل أنماط جامدة لا تقبل التغيير أو التبديل، بل يجوز أن يختار من الصور و الإجراءات – لنفاذ هذا الحق - ما يكون في تقديره الموضوعي أكثر اتفاقا مع طبيعة المنازعة التي يعهد بالفصل فيها إلى محكمة أو هيئة ذات اختصاص قضائي دون ما إخلال بضماناتها الرئيسية التي تكفل إيصال الحقوق لأصحابها وفق قواعد محددة تكون منصفة وغير متحنيفة بالتالي». وهذا الحكم أشار بصورة واضحة إلى قدرة المشرع أن يختار صورة معينة وإجراءات خاصة لنفاذ هذا الحق لمنازعات معينة دون أن يخل بجوهره، إضافة إلى أن تخصيص محكمة لنظر قضايا معينة لا يعد إخلالا بحق التقاضي.

وتأكيدا لما سبق فقد بينت المحكمة في أحد أحكامها بأن جعل التقاضي على درجة واحدة لا يعد إخلالا بهذا الحق و إنما هي مسألة تقديرية متروكة للمشرع، فلا يوجد إلزام أن يكون التقاضي على أكثر من درجة، لكي يفعل هذا الحق إذ جاء في هذا الحكم: «إت الدستور وإن كان قد نص في المادة ( 20 / و) منه على أن حق التقاضي مكفول طبقا للقانون، إلا أنه لم يتطلب أن يكون التقاضي على أكثر من درجة واحدة في جميع أنواع المنازعات و إنما ترك ذلك للسلطة التقديرية للمشرع و على ما يبين من نص المادة (105/أ) من الدستور و التي تنص على أن يرتب القانون المحاكم على اختلاف أنواعها و درجاتها، و يبين وظائفها و اختصاصاتها. ومن ثم فليس صحيحا ما ذهب إليه المدعي من وجوب أن يكون التقاضي على أكثر من درجة في جميع المنازعات. فالمادة (105/أ) من الدستور قد أفصحت عن سلطة المشرع التقديرية في تحديد اختصاص المحاكم وتحديد أنواعها وبيان عدد درجات كل نوع منها، ولا ينحل التقاضي على درجة واحدة - في ذاته خروجا على مبادئ الدستور باعتبار أنه يعد تنظيما لحق التقاضي الذي يندرج في إطار السلطة التقديرية للمشرع مراعاة لطبيعة المنازعات التي تختلف فيما بينها في مداها».

فالمحكمة الدستورية تؤكد في هذا الحكم على أن للمشرع سلطة تقديرية في تنظيم هذا الحق بشرط عدم المساس بجوهره، أو الانتقاص من مضمونه، كما نص على ذلك الدستور في المادة (31) ، فتنظيم المحاكم من حيث درجاتها وأنواعها هو من اختصاص المشرع، وأن تنظيمه لهذا الأمر لا يعد إخلالا بحق التقاضي أو مساسا بجوهره.

 الخاتمة:

تناولنا في هذا البحث مدى توافق مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم امام المحاكم الوطنية مع مبدأ المساواة والحق بالتقاضي في ضوء حكم المحكمة الدستورية البحرينية، وقد توصلنا إلى أن مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية، والذي يعني أن حكم التحكيم يعتبر نهائيا من حيث الموضوع، حيث لا يجوز طلب بطلانه أمام المحاكم الوطنية إلا لأوجه طعن شكلية حصرية من أهم مبادئ التحكيم، والذي اعتمدته وتبنته اغلب الاتفاقيات والتشريعات الدولية والمحلية الحديثة الخاصة بتنظيم التحكيم كطريق بديل لحل المنازعات. وقد رأينا كيف أن طريق الطعن بالبطلان أصبح هو طريق الطعن الوحيد في حكم التحكيم وليس طريق غير عادي أو استثنائي كما كان سابقا. ويرجع رسوخ هذا المبدأ فقها وقانونا إلى رغبة المشرع الدولي والمحلي إلى سرعة تصفية النزاعات التجارية المحلية والدولية التي يتفق فيها الأطراف على اللجوء إلى التحكيم لحلها؛ لأن إطالة أمد النزاع في التحكيم عن طريق السماح بالطعن فيه وفقا للطرق التقليدية للطعن لا يصب في النهاية في مصلحة التجارة بشقيها المحلي والدولي والتي يلعب فيها التحكيم دورا أساسيا كوسيلة فعالة لحل النزاعات تلبي فيه حاجة التجار ورغبة المشرع في تدفق الأعمال التجارية من خلال توفير بيئة صديقة للتحكيم). 

وتوصلنا إلى النتائج الآتية:

أولا- أن أبرز الحالات التي يجوز فيها الطعن بحكم التحكيم هي:

 1. الطعن بالبطلان بسبب انعدام الأساس الاتفاقي لاختصاص هيئة التحكيم وتشمل أربع حالات هي: 

. حالة عدم وجود اتفاق تحكيم

 . حالة بطلان اتفاق التحكيم

 . حالة أحكام التحكيم الصادرة بناء على اتفاق تحكيم انقضى

. الطعن ببطلان حكم التحكيم بسبب فقدان أو نقص أهلية أحد طرفي التحكيم. 

2. حالات الطعن بالبطلان على حكم التحكيم بسبب عدم احترام المحكم لإرادة الأطراف وتشمل حالتين:

 . استبعاد المحكم للقانون الذي اتفق الأطراف على إعماله على موضوع النزاع أو القانون الذي يطبق على إجراءات التحكيم.

 . إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو لاتفاق الطرفين: 

 3. حالات الطعن بالبطلان المستندة إلى مخالفات تتعلق بالتحكيم ذاته وبإجراءاته وتشمل أربع حالات:

 . وبالحكم الصادر فيه 

. الطعن بالبطلان على حكم التحكيم احتراما لحقوق الدفاع

 . إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف للقانون أو الاتفاق الطرفين

 . بطلان حكم التحكيم إذا وقع بطلان في الحكم أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم

 4. حالة مخالفة حكم التحكيم للنظام العام

ثانيا- إن المحكمة الدستورية البحرينية قد حكمت بدستورية مبدأ حصر حالات الطعن بالبطلان وعدم مخالفته لمبادئ الدستورية التي نص عليها دستور مملكة البحرين وقد استندت المحكمة في ذلك إلى ما يأتي

 1. أن مفهوم مبدأ المساواة لا يعني معارضة جميع صور التمييز بين المواطنين إذا كان التمييز مستندا على أسس موضوعية، أما التمييز المنهي عنه فهو التمييز التحكمي الذي لا يستند لأي أساس. فالتمييز على أسس موضوعية جائز إذا كان يستهدف تحقيق مصلحة أو لتحقيق غاية معينة  2. أوضحت المحكمة بأن المقصود بالحق بالتقاضي فهو سهولة الوصول إلى المحاكم دون أية عوائق مالية أو إجرائية أو قيود تمس بجوهر الحق، ودون تمييز بين المتقاضين.

 3. أن سلطة المشرع في تنظيم حق التقاضي هي سلطة تقديرية مقيدة بأن لا تنتقص من جوهره، أو تخل بمضمونه، وللمشرع أن يغاير في تنظيمه لهذا الحق باختلاف المنازعات ووفقا لما تقتضيه طبيعتها، طالما المشرع متقيد بالقيود الدستورية التي حددها الدستور، إذا كانت هذه المغايرة تقتضيها طبيعة المنازعات؛ ولذا راعی المشرع خصوصية المنازعات ذات الطابع التجاري والاستثماري.

 4. وجدت المحكمة أن مبدأ حصر حالات الطعن في حكم التحكيم أمام المحاكم الوطنية البحرينية لا يتعارض مع المبدأ الدستوري الخاص بحق التقاضي الذي نظمته المادة (20 - و) من دستور مملكة البحرين، ولا يخل بمبدأ المساواة.