الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / الطعن في احكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد19 / مرافعة الدكتور هشام صادق (مصر) خلال المحاكمة مستشار الامين العام الجامعة الدكتور نبيل العربي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد19
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    500

التفاصيل طباعة نسخ

السادة الكرام أعضاء الهيئة الموقرة، اسمحوا لي في ختام إجراءات هذه الدعوى التحكيمية، وبعد أن استمعنا إلى دفاع الـشركة الكويتية المحتكمة طوال الجلسات الممتدة التي عقدت أمس بمركز القـاهرة الإقليمـي للتحكـيم التجاري الدولي، ثم إلى دفاع الهيئات الليبية المحتكم ضدها على مدار جلسات اليوم، أن اختـتم الدفاع عن هذه الهيئات الأخيرة بكلمة أحاول فيها أن ابتغى مرضاة االله سبحانه وتعالى، والعدالـة التي نسعى إليها جميعاً، والحكمة التي أثق أن الجميع يتحلون بها، واالله وحده هو العادل الحكيم. سيدي الرئيس ، لا أخفي عليكم مشاعري في هذه اللحظات، فهي مشاعر بالسعادة الغـامرة التـي تخـتلط بإحساس دفين بالقلق لن أخفيه عنكم. أما عن مشاعر السعادة الغامرة فمصدرها الأساسي هو أن هذا النزاع التحكيمي كان فرصة لا تتكرر كثيراً، إذ أتاح لى أن ألتقي بنخبة من الأصدقاء القدامى من خيرة رجال القانون وقممـه المتميزة في العالم العربي. وعلى سبيل المثال فأنتم تدركون سيدي الرئيس أنني أعرفكم مـن خيـرة رجـال القـانون المتخصصين في شؤون التحكيم منذ عقود طويلة وتحديداً منذ عام 1978 حينما أوليـت شـرف عمادة كلية الحقوق بجامعة بيروت العربية. ولعلكم تعرفون أيضا قدر معرفتي بعضو اليسار في تشكيل هيئتكم التحكيمية المستشار محمد الحافي والتي تمتد منذ ثمانينات القرن الماضي حينما كان عضواً في هيئة قضايا الدولة الليبية وقبل أن يحتل موقعه الحالي الذي يستحقه قاضياً بالمحكمـة العليا الليبية لما عرف عنه من نزاهة واستقامة وعلم غزير . وحتى عضو اليمـين فـي هيئـتكم الموقرة الدكتور ابراهيم فوزي فإنه ورغم تشرفي بلقائه لأول مرة في هذا التحكيم، إلا أنني قـد سمعت عنه الكثير بوصفه متخصصاً في هذا المجال منذ أن كان وزيراً للصناعة في مصر. والأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة لهيئة دفاع الشركة الكويتية المحتكمة والتي يأتي على رأسها عالمين جليلين من أكبر علماء القانون في العالم العربي وهما الصديقين العزيزين العميد د . فتحى والي أستاذ قانون المرافعات الأشهر، والعميد د . سمير الشرقاوي زميل الدراسة الـذي يعـرف مكانته في قلبي حق المعرفة. بل أن على رأس الخبراء القانونيين الذين استعانت الشركة المحتكمة برأيهم القانوني الصديق العزيز المستشار برهان أمر االله الذي احتل مكانة رفيعة في القضاء المصري العتيـد وأسـهم، باجتهاداته المرموقة في مجال التحكيم، في بناء صرح قضاء محكمة استئناف القاهرة الحالي في هذا المجال . وإذا كانت ظروف عائلية قد اضطرت الصديق العزيز للا عتذار عن عدم حـضور هذه الجلسة لتواجده الحالى في باريس، فإننى ادعو االله أن يعيده إلينا في القريب العاجل مع عائلته الكريمة في أحسن صحة وعافية. أما عن زميلتي في هيئة الدفاع عن الهيئات الليبية المحتكم ضدها العميدة الدكتورة حفيظـة الحداد والتي حضرت خصيصاً من بير وت حيث مقر عملها الحالي، فلن اتحدث عـن مكانتهـا العلمية المرموقة، لأن شهادتي على ذلك هي شهادة "مجروحة"، لأنها شهادة الأسـتاذ فـي حـق تلميذته الأولى، وهي شهادة غير مقبولة لأنها أقرب إلى شهادة الإنسان على نفسه . ولهذا فـإنني اترك أمرها لكم يا سيدي الرئيس، اكتفاء بم ا قررتموه بعد الاستماع إلى دفاعهـا مـن أن هـذا التحكيم قد جمع بين قمم القانون في العالم العربي. سيدي الرئيس، إذا كان ما تقدم هو مصدر مشاعري الغامرة بالسعادة في هذا التحكيم، فقد قلت لكـم مـن البداية أن هذه المشاعر تختلط بإحساس دفين بالقلق لن أخفيه عنكم. ومصدر هذا القلق هو ذلك التناقض الذي شهدته بنفسي بين الأمل الذي راودني طوال حياتي في أن أرى عالما عربيا يسعى للتعاون الاقتصادي المشترك ليواجه تحديات عصر العولمة الذي  نعيش أيامه، وبين واقع عملي مؤلم يسير نحو تعميق الخلاف بين الأطراف العربية وكأنه يريـد اغتيال هذا الأمل بقصد أو غير قصد. وقد تصادف أن لمست هذا التناقض بين الأمل المنشود والواقع المؤسف متمثلاً في واقعتين محددتين خلال الشهور القليلة الماضية. الواقعة الأولى: التي يتمثل فيها الأمل المنشود، وتتلخص في دعوة تلقيتها من عدة شـهور من الأمانة العامة لجامعة الدو ل العربية ممثلة في أمينها العام الأستاذ الدكتور نبيل العربى الـذي يعلم الجميع مواقفه القومية التي يشهد بها تاريخه المـشرف . فقـد دعـى الرجـل نخبـة مـن المتخصصين في العالم العربي لدراسة كافة الاتفاقيات العربية الدولية السابق إبرامها تحت مظلة الجامعة العربية، وخاصة الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي العربي في كافـة المجـالات، لمراجعتها ودراستها والنظر في كيفية تفعيلها على نحو أفضل، وما إذا كانت هناك معوقات تحول دون إدراك هدفها الرئيسي في تعميق التعاون الاقتصادي العربي الإقليمي بكافة صـوره (إقامـة سوق عربية مشتركة - مشروعات عربية مشتركة - تيسير انتقـال رؤوس الأمـوال العربيـة للاستثمار فيما بين الدول العربية.... الخ) حتى يمكن مواجهة منافسة الشركات الأجنبية العملاقة على نحو ما فعلت أوروبا التي واجهت العولمة ببناء الاتحاد الأوروبـي، وكـذلك دول أمريكـا اللاتينية وبعض الدول الاسيوية من خلال التكتلات الإقليمية المماثلة. وقد اجتمعت هذه اللجنة المتخصصة، التي أشرف بعضويتها مع أساتذة من جامعة القـاهرة وكذلك من الجامعات التونسية وغيرها من دول الشمال الأفريقي بالإضافة إلى خبراء متخصصين من الأردن الشقيق ودول الخليج العربي، ووضعت تقريرها ا لنهائي من خلال مقررهـا الزميـل الدكتور أحمد أبو الوفا أستاذ القانون الدولي بجامعة القاهرة متضمناً التعديلات المقترحـة علـى ميثاق جامعة الدول العربية نفسه بما يمكن الجامعة من تفعيل دورهـا الـسياسي والاقتـصادي المنشود للحاق بركب العصر قبل أن يفوت الأوان . وإذا تمت م وافقة الأمانة العامة علـى هـذا التقرير فستأتي الخطوة الأخيرة وهى أن يتولى الأمين العام السفير الدكتور نبيل العربي عرضـه على مؤتمر القمة القادم بعد أن يضيف إليه لمساته الأخيرة. وإذا كانت هذه الواقعة الأولى قد أحيت عندي أملا قديماً في الدور المنشود لجامعة الـدول العربية في تفعيل التعاون الاقتصادي العربي للحاق بركب العصر الذي نعـيش تحدياتـه، فـإن الواقعة الثانية التي تصادف وقوعها في نفس التوقيت قد صدمتني بواقع أليم. الواقعة الثانية : فقد تصادف خلال الأشهر القليلة الماضية أن اتصل بـي بعـض الأخـوالليبيين من هيئة قضايا الدولة الليبية يطلبون منى الدفاع عن المحتكم ضدها الثالثة فـي النـزاع التحكيمي الماثل بينها وبين الشركة الكويتية المحتكمة . وكانت صدمتي بالواقع العربي الأليم كبيرة بعد أن قرأت ملف الدعوى ورأيت بنفسي لدد الخصومة بين طرفين عربيين سبق لها الاتفاق على أن تتولى الشر كة الكويتية المحتكمة إقامة مشروع سياحي استثماري ضخم في الإقليم الليبي بمـا يعود بالنفع على كل من الطرفين في إطار تعاون اقتصادي عربي مشترك تنتقل بمقتضاه رؤوس أموال كويتية للاستثمار في الدولة الليبية. وبصرف النظر عن الحجج القانونية التي تمسك بها كل من الطرفين دفاعاً عن موقفه فإنـه تكفي الإشارة إلى أن الشركة المحتكمة قد بدأت هذا النزاع التحكيمي بطلب تعويض من الهيئـات المحتكم ضدها يقدر بحوالي خمسة ملايين دولار أمريك ي تم رفعها إلى 55 مليون دولار حينمـا طلب مني الدفاع عن الهيئات الليبية المحتكم ضدها، ثم عدلت الشركة المحتكمة طلباتها لتـصل إلى حوالى مليار و 144 مليون دولار، لتنتهى في طلباتها النهائية إلى ما يزيد على2 مليار و55 1 مليون دولار أمريكي على سند من القول بأن هذا هو القدر المعقول للتعويض في مقابل ما لحق بها من خسارة وما فاتها من كسب خلال فترة الاستثمار المتعاقد عليها. وإذا كانت الهيئات الليبية المحتكم ضدها قد رفضت في دفاعها دعوى التعـويض لانعـدام أساسها القانوني والواقعي، فإن قراءة واقع الحال كما نراه أمامنا يكشف دون أدنى شك عن لـدد في الخصومة بين طرفين : أحدهما شركة كويتية محترفة في مجال تخصصه ا لا تنقصها الخبـرة والاحترافية عالية المستوى، وثانيهما هيئات عامة ليبية لا تنقصها حسن النوايا والرغبة المؤكـدة في التواصل لإنجاح المشروع على نحو ما كشف عنه دفاعها بأدلة منطقية واضحة، وإن لم يتسم أدائها بالاحترافية العالية في مجال الاستثمار أسوة بغيرها من ال هيئات الحكومية في غالبية العالم العربي بل والعالم الثالث بصفة عامة. وإذا كنت واثقاً بأن عدالة هيئة التحكيم ستدفعها إلى الفصل في هذا النزاع بما تـراه متفقـا وصحيح القانون واعتبارات العدالة فتعط ي لكل ذي حق حقه، فإنني أرجو أن تتقبل مني الهيئـة الموقرة الملاحظات الختامية الآتية1 (أن الشركة المدعية، الطرف الأول في هذا النزاع، هي شركة عربية رائدة مـن أقـدم 1 - مجلة التحكيم العالمية: كما هو وارد في الحكم التحكيمي هذا المبلغ يستند الى تقارير أربعة خبراء مدققي حسابات عالميين ضو عوا اربعة تقارير تحدد الضرر المؤكد عن الفرص الضائعة بهذا المبلغ ولم تقدم الجهة المدعى عليها اي تقرير ولا حتى ناقشت الارقام الواردة في هذه التقارير .  الشركات العربية وأكثرها قدرة على التصدي لإنشاء المشروعات الاستثمارية الكبـرى في العالم العربي التي تعود بالنفع على دول هذه المنطقة، وهو نفع مشترك تفوق أهميته في تقديري ما يمكن أن تحققه الشركة المدعية لنفسها من أرباح كبيـرة إذا تـم تنفيـذ المشروع الاستثماري محل النزاع في هذه الدعوى . فدورها في الاسهام الحقيقـي فـي التنمية العربية لا ينكره أحد، ومن مصلحتها، والمصلحة العربية المشتركة أيـضاً، أن يستمر دورها على هذا النحو في المستقبل حتى يمكن لها منافسة الـشركات الأجنبيـة العالمية غير العربية التي يعرف الجميع اطماعها في هذه المنطقة. وليس من مصلحة الشركة المحتكمة، والحال كذلك، أن يشاع عنها أن خطأ أو صـواباً، أنها تنفذ تعهداتها في الدول العربية الأخرى على غير مقتضى قواعد حسن الني ة التـي تفرض عليها التعاون مع سلطات القطر المضيف للاستثمار في إزالة أي عقبـات فـي طريق تنفيذ مثل المشروع محل التعاقد، أو أنها تسهم، وهي الشركة المحترفة، فـي أي اخطاء تؤدي إلى تفاقم الأضرار المرتبطة بهذا التنفيذ لمجرد الحصول على تعويـضات كبيرة من الأطراف الأخرى المتعاقدة، أو للاستفادة مـن فـروق أسـعار الأراضـي المخصصة للمشروع الذي تسعى إلى تنفيذه. (2 (ومن جهة أخرى فإن الدولة العربية المضيفة للاستثمار، مثل الدولة الليبية التي تتبعهـا الهيئات المدعى عليها، لم تعد الآن الجماهيرية الليبية التي كنا نعرفهـا قبـل الثـورة الأخيرة، وإنما أصبحت ليبيا الفتية التي عادت بقوة بعد هذه الثورة إلى عالمها العربـي وارتبطت بمصالحه على نحو غدت فيه مصالحها الوطنية تفرض عليهـا مزيـداً مـن التعاون الاقتصادي والاستثماري مع أشقائها العرب في المستقبل. وبهذه المثابة يمكنني الزعم، دون أية مغالاة، انه لم يعد من مصلحة طرفي هذا النـزاع أن يصنعوا بأيديهم اية عقبات من شأنها أن تحول دون استمرار تعاونهم المنـشود فـي المستقبل، وهو تعاون أراه أكثر استجابة إلى مصالحهم الحقيقية مـن ايـة تعويـضات مستحقة، أو مغالى فيها، قد يطلبها هذا الطرف أو ذاك في خصوص هذه الدعوى. (3 (وليس معنى ذلك أنني اتحدث عن مشروع صلح بين الطرفين لا أخفي أنني كنت اتمنـاه من البداية، وأن اصبح واضحاً أن أوانه قد فات بكل أسف . فمثل هذا الحـديث لا أملـك صلاحياته لأن من وكلوني بالدفاع عنهم لم يكلفوني بمثل هذه المهمة، كما أننـي لـست وكيلاً عن الشركة المحتكمة و لا أملك صلاحيات التحدث باسمها . فمن يملك ذلك هو هيئة دفاعها شديدة الاحترام والتي لم تطلب صلحاً، وإنما طلبت مزيداً من التعويضات.  ومن جهة أخرى فليس فيما قلته ما يتعارض مع قناعتي الكاملة بكافة الأسانيد القانونيـة التي ساقتها زميلتي العميدة حفيظة الحداد في مرا فعتها أمام عدالتكم للانتهاء إلى طلـب رفض دعوى التعويض التي أقامتها الشركة المحتكمة على الهيئـات المحـتكم ضـدها لانعدام أساسها القانوني والواقعي. وإنما ما أردت إيضاحه لعدالتكم انه وأيا ما كان وجه الرأي الذي ستنتهون إليه في شأن هذه الدعوى فإنني أزعم انه ليس من مصلحة أي من طرفي النزاع أن يكون قـراركم الفاصل في هذا الشأن عقبة في سبيل تعاونهما المشترك فـي المـستقبل . وهـذه هـي ملاحظتي الرابعة والأخيرة التي أضعها بكل احترام تحت نظركم. (4 (وأساس هذه الملاحظة الختامية والأخيرة يا سيدي الرئيس أنكم لا تتولون رئاسة محكمة عادية من محاكم القضاء الداخلي لهذه الدولة أو تلك حتى تفصلون في موضوع النزاع الدولي الماثل أمامكم بمقتضى مجرد نصوص القانون الواجب التطبيق في شأنه، وإنمـا أنتم قد عهد إليكم برئاسة هذه الهيئة القضائية الدولية الخاصة من قبل أطراف النـزاع وفقاً للإجراءات التحكيمية ا لمنصوص عليها في اتفاقية عربية لتشجيع الاستثمار وانتقال رؤوس الأموال فيما بين الدول العربية . وإذا كان هذا الاعتبار لا يمنعكم بطبيعة الحـال من ضرورة الفصل في النزاع أيضاً وفقاً لنصوص القانون الواجب التطبيق وفي ضوء اعتبارات العدالة كما ترونها، وهو ما يقتضي أنيعطي لكـل ذي حـق حقـه، إلا أن نصوص القانون في هذه الحالة لا تكفي، وإنما عليكم في نفس الوقت إدراك مقاصد هذه النصوص كما يفهمها هذا القضاء الخاص. وتسعى مقاصد النصوص فيما نحن بصدده إلى إفساح الطريق لمزيـد مـن التعـاون الاقتصادي العربي المشترك في المستقبل لا اغتيال هذا التعاون في مهده بحيث يكـون حكمكم لا قدر االله عقبة تحول دون استمرار التعاون المنشود مرة أخرى، وهو ما ينال من الهدف الأسمى الذي يتعين أن نسعى إليه جميعاً ، إذا كنا ما زلنا حقاً نتمسك بالأمـل العربي في اللحاق بركب العصر. سيدي الرئيس، لعلي أدين لكم في النه اية باعتذارين واجبين، وبشكر أراه ضروريا للجميع . اعتذار أن كنت قد أطلت، وآخر أن كنت قد تجاوزت، بالإضافة إلى شكر لجميع الزملاء على حسن الاستماع.