الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / الطعن في احكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 24 / قرار تحكيمي داخلي حز - طلب إبطاله حالات الإبطال محددة حصراً - خرق النظام العام - مفهوم النظام العام - خوض هيئة التحكيم في مسائل لا اختصاص لها في الخوض فيها - مسائل توقيفية أثارها أحد طرفي النزاع - اختلال تركبية هيئة التحكيم لعدم التصريح عن الإستقلالية والحياد - تجريح في محكم - لايجوز لمحكمة البطلان النظر فيه - انتماء رئيس هيئة التحكيم ووكيل المطلوبة الى جهة ترابية واحدة ليس دليلا على عدم الحياد وعدم الإستقلالية - إخلال القرار التحكيمي بعدد من المبادي الأساسية للمرافعات المدنية - محكمة الإبطال لاتراقب محتو التعليل - تناقض التعليل - مفهومه - اقتصار دور محكمة ا

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 24
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    358

التفاصيل طباعة نسخ

تتمثل وقائع القضية في نشوب نزاع بين شركتين تونسيتين متخصصتين في إستخراج وبيع الملح يتمثل في قيام الطاعنة برفع قضية في التحكيم على أساس أن نشاطها شهد منافسة شديدة من طرف الشركة الضد التي عمدت إلى استغلال وضعية الهيمنة الاقتصادية التي تحتلها في السوق المحلية بصفة مفرطة، وذلك من خلال قيامها بممارسات مخلّة بالمنافسة أدت إلى خضوعها لها وإبرام عقد إجازة استغلال علامتها التجارية بموجب كتب (كتاب) معرف عليه بالإمضاء في 04 أكتوبر 2004 . وأضافت الطالبة بأن الشركة الضد أخلت بالالتزامات المنصوص عليها في العقد والناشئة عنه قانوناً، وعمدت إلى استهدافها بمجموعة ممارسات مخالفة للقانون المتعلق بالمنافسة والأسعار، إضافة إلى فرض بنود تعاقدية مجحفة تتعارض ومبدأ حسن النية في تكوين العقد وتنفيذه ومخالفة قواعد المنافسة النزيهة، محققة أن الشركة العامة للملاحات ماطلت في دفع معينات الكراء منذ شهر جويلية 2010 ،فتخلد بذمتها معينات كراء الفترة المتراوحة بين غرة جويلية 2010 إلى موفى ديسمبر 2010 وشهر جانفي 2011 ،كما ماطلت في مدها بما يفيد قيمة عملياتها التجارية لتحديد الزيادة السنوية في معينات كراء العلامة التجارية، وأشارت إلى أن معاقدتها أخلّت بواجب الحفظ المحمول عليها، رغم أن العقد المبرم بينهما ألزمها بعدم إلحاق أي ضرر بالعلامة التجارية. وقد صدر القرار التحكيمي في مادة التحكيم الداخلي الحر عن هيئة التحكيم المتكونة من 3 محكمين بتاريخ 10 ماي 2011 ،ووقع إكساؤه بالصيغة التنفيذية بموجب القرار الصادر عن الوكيل الأول لرئيس المحكمة الابتدائية بتونس تحت عدد 1596 بتاريخ 28 ماي 2011 لصالح الدعوى، فقامت المدعى عليها بطلب إبطاله على معنى الفصل 42 من مجلة التحكيم مؤسسة دفوعاتها على الفقرات الأولى والثانية والرابعة والخامسة والسادسة من الفصل 42 من مجلة التحكيم. اذاً تمحورت الطعون على أربعة محاور أساسية تتمثل في عدم قابلية النزاع للتحكيم (1 وب) طـلان الشرط التحكيمي لبطلان العقد الأصلي (2 (بالإضافة إلى الطعن المتعلق بالتجريح فـي المحكمـين أي عدم قانونية تركيبة الهيئة التحكيمية (3 (والطعن المتعلق بخرق الإجراءات الأساسية (4 ( 1 .في خصوص الطعن المتعلق بعدم قابلية النزاع للتحكيم: أثارت طالبة الإبطال في هذا الموضوع مطعنين يتمثل الأول في عدم جواز التحكيم لوجود كتب (كتاب) صلح أ( ) والثاني في عدم جواز التحكيم لمساس المسألة بالنظام العام ب( ). أ. عدم قابلية النزاع للتحكيم لوجود كتب (كتاب) صلح: تمسكت طالبة الإبطال بأن الهيئة التحكيمية غير مختصة بالنظر في النزاع، وذلك لسابقية إبرام 4 كتب صلح، وبالتالي وعملاً بأحكام الفصل 1458 من مجلة الإلتزامات والعقود ، فإن الصلح ينهي 5 الخصومة ولا يمكن التمادي في التقاضي . وهذا الموقف سبق وان ذكّرت به محكمة التعقيب في قرارها عدد 44831 المؤرخ في 26/11/1996 ،حيث أقّرت أنه "رتّب الفصل 1467 من مجلة الإلتزامات والعقود على وقوع الصلح لثبوت الأشياء والحقوق التي وقع تسليمها من طرف لآخر، وأنه لا رجوع في الصلح، فالصلح شأنه أن يقضي النزاع وينهي الخصومة بين المتصالحين." محكمة الإستئناف سايرت الهيئة التحكيمية في موقفها، وأقرت بأن موضوع كتب الصلح ليس هو نفسه موضوع النزاع التحكيمي. "بالرجوع إلى عقد الصلح المؤرخ في 23/06/2009 والمحتج به من طرف طالبة الإبطال يتبين أنه أبرم بين الطرفين في إطار نزاع تحكيمي آخر جدبين الطرفين لا علاقة له بالنزاع موضوع الطعن الحالي، وأنه كان يرمي إلى تسوية الخلاف القائم بينهما في إطار ذلك النزاع التحكيمي الذي لم يقتصر على عقد استغلال العلامة التجارية المؤرخ في 04 أكتوبر 2004 ،بل تعداه ليشمل نزاعاً آخر يتعلق بالتسوية القضائية والإفلاس التي تقدمت بها شركة "كوتوزال" أمام المحكمة الابتدائية ببن عروس، كما أنه شمل ديوناً تتعلق بطرف أجنبي تمثل في شركة "ولكوم". إذاً يمكن القول انه في وجود نزاع مختلف عن النزاع موضوع القرار التحكيمي، فإنه لا مجال للتمسك بعدم جواز التحكيم لسابقية الصلح. والملاحظ هنا أن المحكمة لم تذكِّر صراحة بمقتضيات الفصل 1469 من مجلة الإلتزامات والعقود الذي ينص على أنه: "يقصر الصلح على الحقوق والدعاوى المتصالح فيها ولو أطلقت عبارته." رغماً عن أن موقفها واضح في إعتمادها ذلك المنهج. ب. عدم قابلية النزاع للتحكيم لمساسه بالنظام العام: تمسكت طالبة الإبطال بأن قانون سنة 1991 المتعلق بالمنافسة والأسعار يمس بجوهر النظام العام بصفة لا تترك مجالاً لاختصاص هيئات التحكيم، خصوصاً أن المطلوبة تقدمت بشكاية لمجلس المنافسة، الذي يتمتع باختصاص إقصائي في هذا المجال، وإن هيئة التحكيم رغم تأكيدها على ذلك ورغم أن طلبات طرفي النزاع كانت منحصرة في إطار قانون 1991 ،فقد ناقضت نفسها ونظرت في مسائل تدخل في إطار قانون المنافسة والأسعار، رغم أنه كان من المنطقي أن تعلن عن عدم قابلية النزاع للفض بواسطة التحكيم، وطلبت إبطال الحكم التحكيمي على أساس مقتضيات الفقرة 4 من الفصل 42 من م.ت الذي ينص على أنه: " يجوز طلب إبطال حكم هيئة التحكيم الصادر نهائياً- ولو اشترط الأطراف خلاف ذلك- في الأحوال التالية : ... رابعاً- إذا خرق قاعدة من قواعد النظام العام. (...)" في حقيقة الأمر، هذه الفقرة تحيل إلى قراءتين. الأولى قراءة ضيقة تتمثل في كون جميـع النزاعات الماسة بالنظام العام من حيث الموضوع، وتلك التي يتطلب ال فصل فيها تأويل أو تطبيق قواعد النظام العام غير قابلة للتحكيم . ذه ه القراءة تنم عن تخوف من التحكيم وعدم ثقة في المحكم لفصل النزاعات الماسة بالنظام العام. كما أن هاته القراءة لا تشجع على التحكيم، بل على العكس تعيق تطوره. فبالنظر إلى تطور المسائل الماسة بالنظام العام الحمائي أو التوجيهي، فإن ذلك يمثّل عائقاً أمام قابلية كل هذه المسائل للتحكيم. اما القراءة الثانية فهي تلك التي تترك الحرية للمحكمين للنظر في بعض المسائل التي تهم النظام العام وبالتحديد في الجوانب المتعلقة بالتعويض. هيئة التحكيم وبعد أن ذكّرت بصعوبة الوقوف على معنى النظام العام وعلى مبدأ جواز التحكيم في جميع النزاعات، وان الإستثناءات الواردة في مجلة التحكيم يجب أن تؤول بطريقة ضيقة، استخلصت أن النزاع لا يتعلق بتطبيق أحكام قانون المنافسة والأسعار الذي اعتبرته قانوناً يهم النظام العام، بل يتعلق بتأويل فصول عقد ومستندة بالتحديد إلى مقتضيات مجلة الإلتزامات والعقود، واعتبرت بالتالي الفصل تعسفياً دون إبطال العقد برمته. ثم وبالنظر إلى تعليل القرار التحكيمي استخلصت محكمة الإستئناف أن "الهيئة التحكيمية قد خاضت في مسائل تتعلق بالمنافسة النزيهة والممارسات المخالفة لها، وهي المسائل التي تعرض لها قانون المنافسة والأسعار -الذي لم تنازع بدورها في مساس أحكامه بالنظام العام وبعدم اختصاصها في الخوض فيه- ورتّبت على هذه المسائل نتائج قانونية صرحت بها صلب حيثيات ومنطوق حكمها، فإن الدفع بطلب إبطال الحكم التحكيمي بناء على خرقه أحكام الفقرة الرابعة من الفصل 42 م ت يكون دفعاً وجيهاً وحرياً بالقبول." إذاً محكمة الإستئناف بتونس إعتمدت التأويل الضيق المتمثل في عدم جواز التحكيم. هذا الموقف يذكِّرنا بموقف فقه القضاء الفرنسي الذي كان ينحو هذا المنحى، ولكنه منذ قرار محكمة 6 التعقيب بتاريخ 29 نوفمبر 1950" قرار تيسو" غيرت موقفها "المعادي" للتحكيم، وذلك بالتنصيص صراحة على أن الشرط التحكيمي ليس بالضرورة باطلاً لمساس العقد الأصلي بقوانين تهم النظام العام، وأن النزاع يكون غير قابل للتحكيم فقط في صورة ما إذا كان مخالفاً وماساً مباشرة بقاعدة تهم النظام العام. فقه القضاء الفرنسي تطور بعد هذا الموقف نحو الإعتراف بصلاحيات المحكّم للنظر في مسائل تهم النظام العام من حيث الأصل، وذلك في التحكيم الدولي في مرحلة أولى، ثم في 7 التحكيم الداخلي في مرحلة ثانية . ثل هذا التمشي ممكن في القانون التونسي، إذ أن مجلة التحكيم لا تستثني قانوناً معيناً من التحكيم بحجة تعلّقه بالنظام العام، بل تستثني فقط المسائل المتعلقة به، إذ ينص الفصل السابع من .م ت على أنه " لا يجوز التحكيم: أولاً في المسائل المتعلقة بالنظام العام ... "، مما يعني أنه على المحكّم في مرحلة أولى، ثم على قاضي الإبطال في مرحلة ثانية، التثبت لا من تعلق موضوع القانون بالنظام العام وإنما فقط تعلّق المسائل المطروحة، به. ويمكن القول هنا بأنه وإن كان قانون المنافسة والأسعار قانوناً يتعلق بدون شك بالنظام العام، فإن المسألة المطروحة على التحكيم لا تمس بمبادئ النظام العام، بل هي فقط مسألة تمس بحقوق الأفراد وعلاقاتهم الإقتصادية، وهو ما يتماشى وتعريف النظام العام حسب المحاكم التونسية، إذ سبق وأن أقرت محكمة الاستئناف بتونس صلب قرارها عدد 24841 الصادر بتاريخ 25 أكتوبر 2005 أن "المقصود بقواعد النظام الداخلي هي جملة القواعد القانونية التي تمثل الأهداف التشريعية العامة ومقاصدها، وهي تهدف إلى ضمان العدالة والأمن ومن ضمن هذه القواعد تلك المنظمة للسلطة وللعلاقات بين السلط والقواعد الدستورية المحددة للنظام السياسي وقواعد القانون الجزائي والتنظيم القضائي، وكذلك قوانين العملة والقوانين المنظمة للأسرة ورعاية القُصر ." 8 كما أقرت المحاكم التونسية مبدأ الرقابة الضيقة على أصل الموضوع . مما يترك الحرية للمحكمين. بصرف النظر عن موقف فقه القضاء المقارن، فإن محكمة الإستئناف بتونس كان يمكن لها أن تستخلص قابلية النزاع للتحكيم بالرجوع إلى مجلة التحكيم نفسها، إذ أن صياغة الفصل 7 منه لا تقصي القوانين التي تهم النظام العام، وإنما فقط المسائل المتعلقة به، فخلافاً لموقف محكمة الإستئناف فإن المشرع التونسي لم يستثنِ من التحكيمية قوانين برمتها لمساسها بالنظام العام. 9 وتأييداً لقولنا يكفي التذكير بما نصت عليه أحكام الفقرة الثالثة من الفصل ال7 من م ت. ، من أن إستثناء النزاعات المتعلقة بالحالة الشخصية من التحكيم لا ينطبق على النزاعات المالية، مما يؤيد الفكرة القائلة بأن النزاعات والمسائل التي تهم النظام العام هي فقط المستثناة، وأن النزاعات المالية غير مستثناة. كما أن المحكمة لم تفرق بين اختصاص الهيئة التحكيمية واختصاص مجلس المنافسة مستخلصة أن لكل منهما إختصاصاً مطلقاً: "يقتصر نظر المجلس على الدعاوى المتعلقة بالممارسات المخلّة بالمنافسة والتي تمس بالنظام العام الاقتصادي كالبيوعات التمييزية وفرض أسعار دنيا، وهي المواد التي تعد من الاختصاص المطلق لمجلس المنافسة ولا تخضع للتحكيم، وقد أُحدث المجلس لحماية السوق والاقتصاد ولا يمكنه مطلقاً بتّ المصالح الخاصة بالأطراف التي تبقى من أنظار المحاكم العدلية أو المحكم في وجود شرط تحكيمي، كما في قضية الحال، وأن الهيئة التحكيمية تكون وحدها المختصة لبيان مسؤولية المدعية وتقدير الغرم الراجع للمطلوبة طبقاً لقواعد المسؤولية التعاقدية في القانون العام طالما أن الأطراف عهدوا لها بتلك المهمة القضائية، فضلاً عن أن اختصاصها يوازي اختصاص المحاكم العدلية . ... وحيث يتجلى من خلال هذه المقتطفات من موقف الهيئة التحكيمية أنها ولئن لم تشر صراحة إلى أنها استندت عند تعليل قرارها إلى أحكام القانون عدد 64 لسنة 1991 المؤرخ في 29-07-1991 المتعلق بالمنافسة والأسعار، فإنها تعرضت لا محالة إلى أحكام هذا القانون باعتبار أن تصريحها بالصبغة التعسفية لبعض البنود المضمنة بعقد استغلال العلامة التجارية وترتيبها لآثار قانونية على ذلك، يحيل بالضرورة إلى التطرق إلى مقتضيات القانون المذكور باعتباره القانون الخاص الوحيد الذي تعرض إلى المسألة المتعلقة بالمنافسة والممارسات المخالفة لها ورتّب البطلان المطلق لكل التزام أو شرط تعاقدي يتعلق بهذه الممارسات، وعهد الى هيئة خاصة تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلال المالي تسمى "مجلس المنافسة" الاختصاص المطلق للنظر في الدعاوى المتعلقة بالممارسات المخلّة بالمنافسة". والجدير بالتذكير هو أن المحكمة ذكرت في قرارها بمبدأ التأويل الضيق للإستثناءات المتعلقة بالنظام العام، من ذلك تذكيرها بقرارها عدد 31-32 الصادر بتاريخ 12 جانفي 1999 أن "الفصل 7 من مجلة التحكيم جاء ليكرس استثناءات لمبدأ جواز التحكيم في كل الميادين والاستثناء يجب تأويله بصورة ضيقة وحصرية ولا يصح التوسع في فهمه حتى لا ينقلب المبدأ إلى استثناء والعكس بالعكس تطبيقاً لأحكام الفصل 540 من م ع.ا. ". اذاً محكمة الإستئناف بتونس لم تنتهج حسب رأينا القراءة المتمثلة في توسيع مجال التحكـيم مكرسة بذلك تمشياً شبه قار يتمثل في تضييق مجال التحكيم. طالبة الإبطال أثارت كذلك مسألة عدم إيقاف الهيئة التحكيمية للنظر، وذلك في وجود قضية لدى مجلس المنافسة. محكمة الإبطال لم تسايرهذا التمشي فبالنسبة للمحكمة فإن طالبة الإبطال لم تثر المسألة التوقيفية خلال النزاع التحكيمي، وبالتالي لا يمكن لها التمسك بأحكام الفصل 27 من .م ت الذي ينص على أنه "إذا أثيرت مسألة توقيفية تخرج عن اختصاص هيئة التحكيم ولها علاقة بالتحكيم أوقفت هيئة التحكيم النظر إلى أن تقضي المحكمة في الموضوع، ويتوقف بموجب ذلك الأجل المحدّد للحكم إلى أن يقع إعلام هيئة التحكيم بصدور الحكم البات في المسألة التوقيفية المثارة." موقف المحكمة من إعتبار أن المسألة التوقيفية يجب أن تثار من الأطراف يتماشى مع النص 10 وهو ما دأب فقه القضاء التونسي في التذكير به. المحكمة لم تحسم بالتالي مسألة كون وجود نزاع لدى مجلس المنافسة يعتبر أم لا مسألة توقيفية ولا يمكن أن نستشف من حيثيات الحكم أن موقف المحكمة يتجه نحو إعتبار هذا النزاع مسألة توقيفية من عدمه، إذ جاء تعليلها عاماً، وأقرت بأن المسائل التوقيفية لم يعرفها المشرع وان الفقهاء يقسمون هذه المسائل إلى نوعين: مسائل عامة وأخرى خاصة، وبأنهم حذروا "من عدم استعمال المسألة التوقيفية إذا كان القصد منها مجرد المماطلة، ولم يكن لها تأثير خاص ومباشر على التتبع، وذلك حتى لا يفقد التحكيم خاصية الاستقلالية التي يتميز بها." هذا التعليل لا يفيد أي اتجاه للمحكمة، ولكنه ينيرنا بأن الإتجاه سوف يكون نحو إعتبار المسألة توقيفية لو كان لها تأثير مباشر وخاص على النزاع ولم يكن القصد منه هو المماطلة. 2 .في خصوص مسألة بطلان العقد في مادة التحكيم الداخلي، وهل يترتب عليه بالضرورة بطلان الشرط التحكيمي؟ عابت الطاعنة على القرار التحكيمي عدم استخلاص النتائج القانونية عند إبطاله العقد الأصلي، والمتمثلة في بطلان الشرط التحكيمي. الطاعنة تمسكت بأن الفصول المتعلقة بالتحكيم الداخلي وخلافاً للتحكيم الدولي لم تنص على مبدأ إستقلالية الشرط التحكيمي. رغماً عن أهمية المسألة المطروحة، فإن محكمة الإستئناف بتونس لم تحسم المسألة ولم تبين موقفها من هذا الدفع. بالنسبة للمحكمة فإن العقد الرابط بين الطرفين لم يتم إبطاله، وإنما "اقتصرت على القضاء بجملة من التعويضات" ، وبالتالي فإنه لا مجال للحديث عن بطلان 11 الشرط التحكيمي. لكن التساؤل مشروع، فلو كان العقد الأصلي باطلاً، فهل أن الشرط التحكيمي يبقى قائماً عملاً بمبدأ استقلالية الشرط التحكيمي؟ هذا التساؤل يجد جدواه في وجود نص صريح بالنسبة إلى 6 ينص على إستقلالية الشرط التحكيمي، وفي غياب نص مماثل منطبق على 12 التحكيم الدولي التحكيم الداخلي فقد استخلصت الطاعنة أن هذا المبدأ غير منطبق. هذا الفراغ التشريعي بالنسبة للتحكيم الداخلي مثير للتساؤل. في الواقع فإن مبدأ إستقلالية الشرط التحكيمي في التحكيم الدولي هو مبدأ أقره عديد التشاريع المقارنة وأنظمة التحكيم الدولية حتى أصبح بمثابة المبادئ العامة للقانون. ولكن هذا المبدأ لم يرقَ إلى هذا المستوى بالنسبة إلى التحكيم الداخلي، بل أن تكريسه جاء متأخراً في عديد التشاريع والقوانين المقارنة. ففي فرنسا مثلاً لم تخصص مجلة المرافعات هذا المبدأ إلاّ أخيراً، ولم يقره فقه القضاء إلاّ منذ سنة 2002 بإقرار محكمة التعقيب له في قراري 13 باربو وتولسي. هذا التوجه الفقه قضائي تم تكريسه في التشريع الفرنسي بعد تنقيح مجلة المرافعات المدنية والتجارية في 13 جانفي 2011 ،وذلك بالتنصيص صراحة على مبدأ إستقلالية الشرط التحكيمي 14 بالنسبة للتحكيم الداخلي. إذاً كان يمكن لمحكمة الإستئناف بتونس في هذا النزاع مواكبة التطورات المعاصرة في مجال التحكيم والتذكير، ولو بصفة عرضية على أن مبدأ إستقلالية الشرط  لتحكيمي ينطبق على التحكيم الداخلي. يبقى الآن على الساهرين على إعداد مشاريع القوانين وبالتحديد مشروع تنقيح مجلة التحكيم الحرص على إضافة فقرة تنص صراحة على هذا المبدأ على غرار التشريع الفرنسي وغيره. 3 .في خصوص المطعن المتعلق بعدم قانونية تركيبة الهيئة التحكيمية: تعيب طالبة الإبطال على المحكمين عدم الحياد، وذلك لأن رئيس الهيئة أصيل نفس الجهة التي تنشط فيها الشركة، ولكون أحد المحكمين تربطه علاقة قرابة مع شخص كان عاملاً لدى الضد، كما أن لهذا الشخص علاقات عمل مع الشركاء. المحكمة، وبعد أن ذكّرت بأن المحكم مثل القاضي، وبالتالي تُطلب فيه نفس شروط الحياد والإستقلالية لضمان تحقيق العدالة بين الأفراد والنزاهة في إصدار الأحكام. ذكّرت بمواقفها السابقة والقاضية بإشتراط الحياد: "محكمة الاستئناف بتونس صلب قرارها عدد 86-87-88 الصادر بتاريخ 24/04/2001 أن "الاستقلالية مفادها أن لا يكون للمحكم أية علاقة أو رابطة سواء كانت مادية أو أدبية بأحد أطراف الخصومة التحكيمية، وأن كل رابطة من هذا القبيل توجد بين المحكم وأحد طرفي النزاع التحكيمي تشكل خطراً على الطرف الآخر وتفقد المحكم استقلاليته". كما اعتبرت نفس المحكمة صلب قرارها عدد 42 الصادر بتاريخ 06/07/1999 أن: "الحياد بمعناه الأخلاقي يقصد به عدم التحيز لأحد الأطراف على حساب الطرف الآخر". محكمة الإستئناف وبخصوص كون رئيس الهيئة التحكيمية أصيل نفس الجهة التي تنشط فيها الشركة أقرت بأن يتجه الإلتفات عن هذ المطعن "وحيث علاوة على ما تقدم فإن الانتماء إلى جهة ترابية معينة لا يعد سبباً لنفي الاستقلالية أو الحياد عن المحكم باعتبار أن هذا القول يؤول إلى تكريس النزعة القبلية، وهي مفاهيم بالية تجاوزها الزمن"، إلاّ أنّها أقرت في نفس الوقت تأويلاً واسعاً لمبدأ الحياد والإستقلالية، إذ جاء في المطعن أن إحدى المحكمين لم تصرح بعلاقتها بأحد الأطراف، وهاته العلاقة تتمثل في كون خالها كان موظفاً سابقاً لدى الشركة، وهو شريك كذلك في شركة محدودة المسؤولية صحبة وكيلي الشركة. بالنسبة لمحكمة الإستئناف "قامت شكوك لها ما يبررها حول انتفاء الاستقلالية في جانب المحكّمة هدى قطيط العشّ التي كانت على علم بكلّ العلاقات الرابطة بين خالها وبين طالبة الإبطال من جهة أولى، وبينه وبين وكيلي الشركة المطلوبة من جهة أخرى، وتعمدت رغم ذلك عدم التصريح طبقاً للفصل 22 من مجلّة التحكيم، رغم أنه يحمل عليها واجب التصريح بكل ما من شأنه المس باستقلاليتها وحيادها إزاء طرفي النزاع التحكيمي وانتظار موقف الطاعنة وموافقتها الصريحة على تعيينها كمحكّمة بعد إعلامها بكل الأسباب التي يمكن أن تثير شكوكاً حولها." "وحيث يتحصحص مما تقدم بسطه أن الطاعنة أدلت بجملة من القرائن التي من شأنها الدلالة  على أنه لم يتوافر في إحدى أعضاء هيئة التحكيم، وهي المحكّمة هدى قطيط العشّ، شرط الاستقلالية المنصوص عليه بالفصل 10 من مجلّة التحكيم، والذي يعد شرطاً أساسياً، ومن الحتمي توافره في شخص المحكم، وفي هذا السياق أوجب المشرع بالفصل 22 من نفس المجلّة على الشخص –حين يعرض عليه احتمال تعيينه محكّما– أن يصرح بكل الأسباب التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررها حول استقلاليته، كما أوجب عليه منذ تعيينه وما دامت إجراءات التحكيم سارية، ألاّ يتأخر عن إعلام أطراف النزاع بوجود أي سبب من هذا القبيل إلاّ إذا كان قد سبق له أن أحاطهم علماً به، ويضرب لهم أجلاً للرد مع إشعارهم بأنه لا يقبل المهمة أو يتمادى فيها إلاّ بعد موافقتهم الصريحة." إذاً بالنسبة للمحكمة فإنها أخفت معلومات عن الأطراف، مما جعلها تستخلص من ذلك بأن 15 الإخفاء يمس بالإستقلالية، مذكِّرة بموقف محكمة التعقيب التونسية في هذا الصدد . موقف محكمة الإستئناف أصبح شبه مستقر، إذ تؤول هذه الأخيرة مبدأ الحياد تأويلاً واسعاً يفضي حسب رأينا إلى إفراغ التحكيم من محتواه. فالقول بأن علاقة القرابة لا مع طرف، بل مع عامل سابق لدى أحد الأطراف، تكون سبباً لعدم الحياد هو قول فيه تعسف على التحكيم. محكمة الإستئناف بتونس صرحت في قضية إبطال قرار تحكيم دولي بنفس الموقف تقريباً، حيث استخلصت بأن العلاقة بين محامي أحد الأطراف والمحكمين المتأتية من نشاطهم بنفس "الأكاديمية الدولية للتحكيم تؤثر في النزاع، من ذلك أنها توحي الشك في إستقلالية الهيئة . وأن 16 17 غياب التصريح بهاته العلاقة من شأنه أن يؤدي إلى إبطال التحكيمه النظرة للتحكيم ولواجب الحياد تشكِّل، حسب رأينا خطراً على التحكيم، إذ أن عديد العلاقات ستصبح مشبوهة وسيصبح واجب الإعلام مطاطياً ينطبق على عديد المعلومات التي لا يمكن أن تتبادر إلى الأذهن. 4 .في خصوص خرق الإجراءات الأساسية: تطرقت المحكمة كذلك إلى الدفع المتعلق بخرق الإجراءات الأساسية وبالتحديد خرق مبدأ المواجهة، إذ أن أحد الأطراف استند إلى تقرير إختبار غير مأذون (بمعنى أن القضاء أو الهيئة التحكيمية لم تأذن باللجوء إليه). ورغماً عن أن الهيئة التحكيمية ذكرت بأنه تم فقط الإستئناس بهذا الإختبار، وبأنه تم حسب قواعد علمية وموضوعية تمكِّن من الإستئناس بأعماله، إلاّ أن المحكمة رأت أن اللجوء إلى إختبار غير مأذون لا يمس في حد ذاته بمبدأ المواجهة لواقتصر نظر الهيئة التحكيمية على الإستئناس به فقط، إلاّ أنه في قضية الحال تبين للمحكمة أن "اعتمدت هذا التقرير من حيث محتواه وما تضمنه من جزم بتراجع حالة العلامة التجارية الدلفين، وكذلك من حيث قيمة التقديرات الواردة فيه والتي اعتبرتها تقديرات مشطة وأدخلت عليها تعديلاً من تلقاء نفسها دون تبرير ذلك ودون الاستناد إلى أي معطيات قانونية، والحال أنه كان يتعين على هيئة التحكيم حتى تتفادى خرق مبدأي حق الدفاع والمواجهة بين الخصوم، إذا ما رأت ضرورة اللجوء إلى أهل الخبرة أن تأذن بإجراء اختبار، وتطلع طرفي النزاع على فحوى حكمها التحضيري الذي تصدره في الغرض وتمكنهم من حق مناقشة هذا الحكم التحضيري، ومن حضور أعمال الاختبار وتقديم ما لديهم من دفوعات ومؤيدات متعلقة بمأمورية الاختبار كمناقشة أعمال الخبير المنتدب بعد تمكينهما من الوقت الكافي للاطلاع عليها، الأمر الذي حاد عنه القرار التحكيمي محل الطعن بالإبطال ولم يسر على منواله." موقف المحكمة يستحق التعليق، إذ ان الإستئناس بتقرير إختبار يمكن أن يتم بالوقوف على الوضعية موضوع النزاع من منظور تقني، ثم الإعتماد على طريقة الحساب وتعديل النتيجة. كل هذا لا يمكن أن يشكِّل تضارباً في الأقوال، فالإستئناس يتم: بمراعاة الطريقة الحسابية، وجود الضرر من عدمه، إعتماد قاعدة للحساب. ثم ان الهيئة التحكيمية راجعت المبالغ الواردة في الإختبار.  كما أن التضارب شاب موقف المحكمة، إذ في نفس الوقت الذي تنص فيه على خرق مبدأ المواجهة بالرجوع إلى إختبار غير مأذون ومراجعة المبالغ المضمنة به، مما يدل على الأخذ بالتقرير، فإن المحكمة تنص على أن "يتضح بالاطلاع على القرار المطعون فيه أن الهيئة التحكيمية أشارت بدقة إلى كافة المعايير والمقاييس التي اعتمدتها عند احتساب قيمة هذا الضرر وتعرضت إليها بالتفصيل بالصفحتين 50 و51 من قرارها فورد هذا الفرع من قرارها معلّلاً بالكيفية المطلوبة". الملاحظ هنا هو أن محكمة الإستئناف لم تبطل القرار لخرق الإجراءات الأساسية المتمثلة في مبدأ المواجهة، وإنما أبطلته لضعف التعليل: "وحيث علاوة على ما تقدم وعلى فرض أن تقرير الاختبار المذكور كان مأذوناً بإجرائه من طرف الهيئة التحكيمية، فإن تولّيها إدخال تعديل على قيمة الأضرار المقدرة بواسطة أهل الخبرة سواء بالحط منها أو الترفيع فيها دون تبرير ذلك ودون بيان الطريقة التي توختها عند إجراء هذا التعديل والمقاييس التي اعتمدتها للحط من قيمة التعويض، يجعل تعليلها لهذا الفرع من الدعوى تعليلاً ناقصاً إن لم يكن معدوماً." محكمة الإستئناف بتونس أبطلت القرار التحكيمي مؤسسة حكمها على جملة من الخروقات او بالأحرى على تأويلها لها. فبالنسبة للمساس بالنظام العام، فإن العبرة بمساس موضوع النزاع بالنظام العام لا بمساس القانون المنظم للعلاقة. فلا شيء يمنع التحكيم في مسائل لا تهم النظام العام، رغماً عن مساس القانون بالنظام العام، وقد كان يمكن للمحكمة مسايرة التوجهات الحديثة لفقه القضاء والتشاريع المقارنة والتي تقر صراحة تحكيمية بعض النزاعات رغماً عن مساس الموضوع بالنظام العام. كما أن تأويل المحكمة لمبدأ الحياد تأويل واسع يفضي إلى إقصاء عديـد الأشـخاص مـن التحكيم لمجرد وجود علاقات استثمار مثلاً تجمع أفراد عائلتهم، أما عن خرق مبـدأ المواجهـة وحقوق الدفاع فقد بدا موقف المحكمة متذبذباً وغير واضح المعالم حتى يمكن لنا الوقوف علـى أبعاده.