ومما لا شك فيه أن دور المحكمة يقتصر على إبطال حكم التحكيم إذا انطوى على أحد الأسباب الموجبة لذلك أو رفض الدعوى لعدم جدوى السبب المبرر للطعن. وأياً كانت المحكمة التي تنظر دعوى البطلان سواء أكانت محكمة الدرجة الثانية التي تتبعها المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع إذا كان في غير التحكيم التجاري الدولي أم محكمة الاستئناف في التحكيم التجاري الدولي عند تصديها للفصل في هذه الدعوى، فإن سلطتها تتوقف على الفصل في المسألة المتعلقة بطبيعة دعوى البطلان وأسبابه .
تنتهي مهمة هذه المحكمة عند القضاء ببطلان الحكم دون الفصل في موضوع المنازعة، وبالتالي يكون للأطراف حرية الاتفاق، فإما أن يلجؤوا إلى عرض النزاع على هيئة جديدة أو رفع دعوى أمام المحاكم المختصة، كما يحق للأطراف أن يطلبوا من المحكمة المختصة التي تنظر دعوى البطلان أن تفصل دعواهم الموضوعية بصفة تبعية عند فصلها في دعوى البطلان حفظا للوقت والمال من أن يضيعا سدى في حالة قضاء الأخيرة ببطلان.
كما أن تصدي المحكمة المختصة بنظر البطلان تعني حرمان الأطراف من تعدد درجات التقاضي إذ لن يتسنى لهم استئناف القرار فيما إذا كانت المحكمة التي تنظر الدعوى محكمة الاستئناف .
أما في حالة تعلق البطلان بالاتفاق ذاته، فإن الأمر يختلف، فإذا كان الاتفاق باطلاً أو منعدماً أو سقط بانتهاء مدته فإن الاختصاص للمحاكم القضائية يعود ما لم تفق الأطراف على خلاف ذلك، وهذا يعني أنه باستطاعة المحكمة المختصة التصدي نزاع لوسمحت قواعده بذلك.
وهذا ما نصت عليه المادة (32) من قانون المرافعات المصري بقولها "تختص محاكم الجمهورية بالفصل في الدعوى وإن لم تكن داخلة في اختصاصها طبقاً للمواد السابقة إذا قبل الخصم ولايتها صراحة أو ضمناً". وبذلك لن يكون هناك أي مانع إذا جرى تحكيم في مصر وقضت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم فإن القضاء المصري لا يمانع في نظر الدعوى فيما لو اتفق الأطراف على ذلك.
إلا أن المشكلة التي تواجهنا في الفرض السابق تتعلق بتنازع الاختصاص بين القضاء الأجنبي الذي انعقد له الاختصاص بموجب إرادة الأطراف، وبين القضاء المصري المختص أصلاً بنظر النزاع، فمن الممكن أن تثار فيما لو بادر أحد الأطراف إلى اللجوء إلى القضاء المصري عارضاً دعواه، ودفع الطرف الآخر بعدم جواز نظر هذه المحكمة للدعوى استناداً إلى اتفاق على الخضوع للقضاء الأجنبي. فهنا موقف القاضي المصري رهين بمدى ارتباط النزاع ارتباط لزوم بالإقليم المصري ارتباطاً يبرر استئثار قضائه بالتصدي له.