حكم التحكيم شأنه شأن الحكم القضائي معرض للخطأ فيه من قبل المحكم، وبالتالي يمكن القول أن حدوث الخطأ من المحكم يعد أمراً طبيعيا يجب توقعه.
وتحقيق العدالة يوجب تصحيح هذا الخطأ وإتاحة الفرصة والوسيلة المناسبة للصادر ضده الحكم لإصلاح هذا الخطأ، ولذلك جعل المشرع النظام القضائي يقوم على درجتين، بحيث تقوم محكمة الدرجة الثانية بإصلاح ما شاب الحكم من أخطاء، ثم أوجد على قمة النظام القضائي محكمة النقض التي تراقب صحة تطبيق القانون، فيحدث توحيداً للفهم القانوني بين جميع القضاة، وجميع رجال القانون .
والمحكم يختلف عن القاضي في أمور عديدة ، فالقاضي يشترط فيه التخصص في علم القانون، بينما المحكم يمكن أن يكون أي إنسان، فهو شخص اختاره أطراف النزاع، ووثقوا به، ليحسم الخلاف أو النزاع القائم بينهم، ولذلك فالعدالة المطلوبة من المحكم لا يشترط أن تكون كاملة نظرًا لتشابك مصالح الأطراف، ورغبتهم في استمرار العلاقات الودية قائمة بينهما، وخاصة العلاقات التجارية.
وقد اختلفت التشريعات المقارنة في تحديدها لطرق الطعن التي تخضع لها أحكام التحكيم.
ويلاحظ أن الدول التي تسمح بالطعن في أحكام التحكيم بالاستئناف أوالتماس إعادة النظر تنظر إلى هذا الحكم على أنه خصومة أول درجة وكأنه صادر من قضاء الدولة، وبالتالي تكون وظيفة محكمة الاستئناف أو محكمة الالتماس هي وظيفة إصلاحية تمنح المحكمة المختصة سلطة إصلاح ما شاب حكم التحكيم من عيوب إجرائية أو موضوعية سواء تعلقت بالواقع أو القانون، أي أنها تفحص النزاع للمرة الثانية لتكملة حل النزاع وإصلاح ما شاب حكم التحكيم من عيوب .
وذلك على خلاف الدول التي لا تسمح بالطعن في أحكام التحكيم إلا بالبطلان، حيث تنحصر سلطة محكمة البطلان في القيام بوظيفة رقابية فقط وليست وظيفة إصلاحية، فالمحكمة لا تقوم بإصلاح ما شاب الحكم من عيوب، ولا تفصل في موضوع النزاع مرة ثانية، ولا علاقة لها بالخطأ في الوقائع أو الخطأ في تطبيق القانون، وإنما تنحصر سلطتها في الجانب الإجرائي فقط، للتأكد من صحة الشروط الشكلية والإجرائية لصدور حكم التحكيم، ويكون ذلك وفقا لشروط محددة قانونا على سبيل الحصر.
ويلاحظ أنه لا يوجد اتفاق دولي على طرق الطعن المقررة ضد أحكام التحكيم الدولية أو الأجنبية، وإنما تركت هذه الأمور للتشريع الداخلي لكل دولة، مثل إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية التي تركت لقانون بلد التنفيذ .
وقد تعرفنا في القسم الأول على ماهية حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، ثم حددنا بعد ذلك الشروط التي يتعين علي الصادر لصالحه حكم التحكيم استيفائها، والإجراءات التي يتعين عليه اتخاذها، حتى يتمكن من الحصول على أمر بوضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم، وذلك لكي يتمكن من تنفيذه جبريا .
وتتمثل طرق الطعن في أحكام التحكيم في طرق طعن عادية كالطعن بالإستئناف، والطعن بالمعارضة، وطرق طعن غير عادية كالطعن بالنقض والطعن بالتماس إعادة النظر، ويضاف إلي ذلك دعوى أصلية ببطلان حكم التحكيم ترفع بالطريق العادي لرفع الدعوى، فهل تأخذ التشريعات المقارنة بكل هذه الطرق ؟ أم أن الموقف يختلف من تشريع لاخر ؟ وهل يوجد طريقة طعن واحدة - تناسب جميع أوصاف أحكام التحكيم ؟ أم أن كل وصف من أحكام التحكيم يناسبه طريقة طعن معينة؟
وبعد حصول المحكوم لصالحه في حكم التحكيم على أمر التنفيذ، ووضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم ، تبدأ إجراءات التنفيذ الجبرية، ويبدأ معها ما يسمى بإشكاليات التنفيذ ، فهي مرحلة تبدأ مع ميلاد السند التنفيذي، الذي يمكن تنفيذه بالقوة الجبرية، فما هي هذه الإشكاليات، وما هو أثرها علي التنفيذ، وسوف نتعرف أولا على طرق الطعن في أحكام التحكيم في الباب الأول، ثم نتعرف على إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم جبريا في الباب الثاني .