التحكيم كما هو معروف نظام مركب ذو طبيعة مزدوجة: عمل اتفاقي في مصدره. إذ يستمد المحكم سلطانه وسلطاته من إرادة الأطراف قضائي في وظيفته. فالمحكم على الرغم من ليس أنه يقوم المنوط بالقاضي القيام بها ألا المنازعة المعروضة عليه بإصدار حكم فيها.
وتكييف بعض القرارات الصادرة عن المحكم بأنها أحكام يعني قابلية هذه القرارات للطعن عليها بطرق الطعن القانونية شأنها في ذلك شأن الأحكام الصادرة عن محاكم الدولة. فحكم التحكيم الصادر عن المحكم والمستند إلى مجرد الاتفاق الخاص بين الأطراف على تخويل شخص عادي سلطة الفصل في المنازعة بحكم له طبيعة وأوصاف الحكم القضائي، لا يمكن أن يظل بمعزل عن رقابة قضاء الدولة.
وعلى الرغم من حتمية خضوع حكم التحكيم إلى رقابة قضاء الدولة، إلا أن الطبيعة الخاصة للعدالة التي يقوم بها المحكم، والمستندة في أساسها إلى إرادة الأطراف، تضفي على أوجه الرجوع وطرق الطعن على الحكم التحكيمي ذاتية مستمدة من الهدف من طرق الطعن ومن كيفية تنظيمها من الناحية الفنية.
فمن المعروف أن طرق الطعن ضد الأحكام الصادرة عن القضاء تهدف إلى تدارك ما وقع فيه الحكم الصادر عن المحاكم الدنيا من خطأ، سواء كان هذا خطأ قد وقع في القانون أو الواقع، وذلك من خلال الطعن على هذا الحكم أمام المحاكم الأعلى درجة والتي يطلب منها الطرف ذو المصلحة في الطعن إصدار حكم يحل محل الحكم المطعون عليه.
والواقع أن هذه الوظيفة الإصلاحية أو التعديلية، والتي تتحقق برقابة المحكمة الأعلى درجة على المحاكم الأدنى درجة، تكون محلاً للشك والتساؤل بشأن التحكيم.
فقضاء التحكيم بطبيعته هو قضاء خاص يستبعد ويستنكف الخضوع لقضاء الدولة خاصة وأن المنازعات اللاحقة على صدور حكم التحكيم تلتهم كل محاسن التحكيم، بل إن البعض ذهب إلى القول بأن نظام التحكيم يفقد سبب وجوده وقيمته إذا أعقب إجراءات التحكيم إجراءات لاحقة أمام قضاء الدولة.
وعلى الرغم من أهمية الملحوظة السابقة، فإنه يظل من غير المقبول ولا المعقول الاعتراف بحكم تحكيمي مشوب بالخطأ، ومن ثم فإنه لا مفر والحال كذلك من تقرير إمكانية الطعن على حكم التحكيم كل ما هنالك هو أن طرق الطعن التي يخضع لها الحكم التحكيمي تتراجع فيها الوظيفة الإصلاحية أو التعديلية تاركة المجال للإفصاح عن وظائف وأهداف أخرى لهذه الطرق.
وأول هذه الوظائف والأهداف التي تسعى إليها طرق الطعن الموجهة إلى الحكم التحكيمي تتعلق بالثبت من وظيفة المحكم والمهمة المناط به القيام بها، وهذه المشكلة التي لا يمكن أن تثور بالنسبة لقضاء الدولة، تتخذ بشأن التحكيم أهمية خاصة، فحكم التحكيم لا يمكن اعتباره عملاً من أعمال العدالة أو عملاً قضائياً إلا إذا كان مصدر السلطة القضائية التي يتمتع بها المحكم صحيحاً لا محل للتشكيك فيه أو النيل منه.
كذلك فإن طرق الطعن الموجهة إلى الحكم التحكيمي تهدف إلى التيقن من الشروط التي وفقاً لها قام المحكم بأداء مهمته وإصدار الحكم التحكيمي. صحيح أن مثل هذه الأوجه وجه من الطعون هناك محل لإعمالها بشأن المنازعات التي يفصل فيها قضاء الدولة، ولكنها تحتل مكاناً ثانوياً وعرضياً على عكس الحال بالنسبة للتحكيم حيث تحتل هذه المسألة أهمية بالغة، نظراً لأن حكم التحكيم يصدر من أشخاص قد لا يتوافر فيهم الشعور الكامن بضرورة احترام المقتضيات الإجرائية القضائية.
مجمل القول، إن طرق الطعن على الحكم التحكيمي تنحصر غايتها ليس في تعديل هذا الحكم وإنما تعد بمثابة منازعة ببطلانه.
تلك ولا تختلف أوجه الطعن الموجهة ضد الحكم التحكيمي عن : الموجهة ضد الأحكام الصادرة عن المحاكم من حيث الأهداف التي تسعى إلى بلوغها وإنما تختلف أيضاً من حيث الأشكال التي تتخذها هذه الأوجه.
فهناك طرق طعن لا يمكن إعمالها بشأن حكم ا التحكيم، فعدالة التحكيم هي يندمج في أي نظام قضائي دائم إلى الحد الذي ذهب معه جانب من الفقه إلى وصف هذا القضاء بأنه يشبه النباتات الاستوائية التي تتلاشى بمجرد أن تؤتي ثمارها سواء كانت ثماراً طبيبة أو نكدة، وفي ضوء ذلك الأمر فإن أوجه الطعن المستخدمة ضد الأحكام الصادرة عن القضاء، لا يمكن استخدامها ضد حكم التحكيم إلا بتعديلات خاصة تتلاءم مع هذا القضاء القائم على إرادة الأطراف، وهنا مكمن التحكيم بسبب ذاتية عدالة قضاء لا عدالة صادرة عن الصعوبة.
ومن الملاحظ أن جميع الأنظمة القانونية حاولت مجابهة هذه الصعوبة بأساليب مختلفة أخذة بعین الاعتبار الطبيعة غير المتجانسة للتحكيم بوصفه عملاً اتفاقياً مصدره وقضائيا في آثاره، تلك الطبيعة التي تؤثر على طبيعة حكم التحكيم ذاته وتنعكس دون أدنى شك على طرق الطعن ضده.
ومن الأمور المثيرة للدهشة أن هناك اتفاقاً ملحوظاً بين القوانين الوضعية فيما يتعلق بالمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه فكرة الرجوع على أحكام التحكيم إذ تعرف القوانين الوضعية المختلفة، على اختلاف في التفاصيل سوف نعرض له في حينه، دعوى بطلان الحكم التحكيمي أو الطعن بالبطلان على حكم التحكيم.