التنفيذ / الطعن في احكام التحكيم / الكتب / نطاق الرقابة القضائية على التحكيم فى منازعات العقود الإدارية / نطاق الرقابة القضائية على التحكيم "إشكالية البحث:
إذا كان الإجماع الفقهي يكاد ينعقد بشأن خضوع التحكيم لنوع من الرقابة القضائية لتدعيم فاعليته، فقد احتدم الجدل بشأن المدى الذي يتعين أن تقف عنده تلك الرقابة، حيث يثار التساؤل حول مدى رقابة القضاء على التحكيم سواء في المرحلة السابقة على صدور حكم التحكيم، أو بعد صدوره، وسواء أكان ذلك بمناسبة الطعن على حكم التحكيم بالبطلان أم لدى استصدار الأمر بتنفيذه من القاضي المختص... وإذا كان هذا التساؤل والإجابة عليـه أمرين ملحين في مجال التحكيم التجاري أو في مجال عقود القانون الخاص عموماً، فإنهما يبدوان أكثر إلحاحاً في مجال التحكيم في منازعات العقود الإدارية نظرا لما تخضع له تلك العقود من قواعد مغايرة لتلك المتعارف عليها في مجال القانون الخاص وأهمها ما تتمتع به جهة الإدارة من امتيازات تجاه المتعاقد معها طبقا لمقتضيات الصالح العام، وما تمثله تلك العقود من أهمية بالغة كوسيلة لضمان سير المرافق العامة بانتظام واطراد... وهو الأمر الذي قد يخل به التحكيم لا سيما في الحالات التي يطبق فيها على النزاع قواعد قانونية تجهل التفرقة - أولا تعترف بالتفرقة - بين العقود الإدارية والعقود المدنية... الأمر الذي يقتضى تحديد وبيان المدى الذي يمكن أن تمارس في إطاره تلك الرقابة بلا إفراط أو تفريط، وبما يوائم بين الاعتبارات التي يقوم عليها التحكيم وتلك التي يقتضيها الصالح العام خاصة في ظل وجود اعتراضات تقليدية من جانب فقه القانون العام وقضائه على امتداد التحكيم لمجال العقود الإدارية بما قد يؤدى لانتقاص ولاية القضاء الإداري في نظر تلك المنازعات، ومن ثم التضحية بما يكفله هذا القضاء من ضمانات وامتيازات للإدارة إزاء المتعاقدين معها استجابة لدواعي الصالح العام.
ولا ريب أن تحديد تلك الرقابة وبيان مداها على نحو دقيق من شأنه أن يهدئ من وطيس تلك الاعتراضات أو بالأخرى تلك التخوفات الحقيقية أو المتوهمة من امتداد التحكيم لمجال العقود الإدارية... هذا من ناحية، ومــن ناحية أخرى فإن قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤م ــ المعــــدل بالقانون رقم 9 لسنة ۱۹۹۷م - لم يفرد بين أحكامه نصوصاً خاصة بالتحكيم الإداري تتواءم مع طبيعة روابط القانون العام المتعلقة بالعقود الإدارية مما جعله قاصراً عن معالجة كثير من جوانب هذا الموضوع بشكل يستدعى تعديل عديد من نصوصه، بل وإصدار قانون خاص بالتحكيم الإداري... وهو ما حدا بنا إلى تخير هذا الموضوع لبحثه ودراسته للوقوف على أوجه الخلل والقصور التي تعتري التنظيم التشريعي القائم للتحكيم في مصر، ومحاولة اقتراح الحلول الملاءمة لها - مع مقارنة ذلك بالوضع في فرنسا علنا نسهم ولو بقدر يسير في معالجة بعض المشكلات التي يثيرها قانون التحكيم المصري بشكله الراهن فيما يتعلق بتطبيقه على التحكيم في منازعات العقود الإدارية.