قبل الخوض في الأحكام المتعلقة بالطعن في الحكم التحكيمي نود الإشارة إلى بعض المبادئ المنظمة الحكم التحكيمي وهي
- إجازة الاتفاق على إعفاء محكمة التحكيم من تسبيب الحكم وكذا إعفائها من تعليل حكمها وهذا ما أسس له الفصل 327.23، ولكن إذا تعلق الحكم بأحد الأشخاص الخاضعين للقانون العام فإنه يلزم تعليل الحكم.
- من مستجدات قانون 05-08 التركيز على قاعدة اكتساب الحكم التحكيمي بمجرد صدوره حجية الشيء المقضي به بخصوص النزاع الذي تم الفصل فيه بناء على الفصل 327.26 ، و باكتسابه الحجة يمنع عرض موضوع الحكم على أي محكمة أو هيئة تحكيمية لإعادة النظر فيه، لكن لهذه القاعدة استثناء وذلك عندما يتعلق الأمر بتزاع يكون أحد الأشخاص المعنويين الخاضعين للقانون العام طرفا فيه، حيث لا يكتسي الحكم الحجية إلا بناء على أمر بتخويل صيغة التنفيذ.
- وتحريم نشر حكم التحكيم إلا بموافقة الطرفين طبقا للفصل 327.27 ، وهو تأكيد لمبدأ سرية التحكيم التي كثيرا ما يعلق عليها الطرفان أهمية خاصة حفاظا على العلاقات التجارية بينهم.
- إجازة طلب استصدار حكم تحكيم تكميلي في طلبات قدمت خلال الإجراءات وأغفلها حكم التحكيم وإصلاح كل خطأ في الحساب أو الكتابة ورد في الحكم طبقا للفصل 327.28، وتسري على حكم التحكيم التكميلي ذات الأحكام التي تسري على الحكم التحكيمي الأصلي.
وفيما يتعلق بالطعن في الحكم التحكيمي يمكن التمييز بين طريقين رئيسيين بحسب نوع الجهة التي أصدرت الحكم التحكيمي، بحيث إذا كان التحكيم مؤسسي مثل إذا أسند التحكيم للأحد مراكز التحكيم مثل إذا إختار أطراف العقد التجاري مثلا اللجوء إلى مركز الوساطة والتحكيم بالدار البيضاء فإن الطعن في الحكم التحكيمي يكون بناء على دليل هذا المركز.
أما إذا تعلق التحكيم بالتحكيم الحر فيمكن الطعن فيه بالطرق الآتية:
- الطعن بإعادة النظر يمكن أن يكون الحكم الصادر عن الهيئة التحكيمية موضوع الطعن بإعادة النظر طبقا للشروط المقررة في الفصل 402 من قانون المسطرة المدنية، وذلك أمام المحكمة التي تكون مختصة في غياب وجود اتفاق التحكيم بناء على منطوق الفصل 34-327 في فقرته الثانية من القانون رقم .3208-05.
- التعرض الخارج عن الخصومة: الأصل أن الحكم التحكيمي مثله مثل الحكم القضائي لا ينفع ولا يضر إلا من كان طرفا في النزاع الذي صدر فيه، وبتعبير أصح لا يكتسب هذا الحكم قوة الشيء المقضي به إلا بالنسبة للأطراف المتنازعة، أما الأغيار فلا يواجهون به ولو كان مذيلا بالصيغة التنفيذية، ولهم أن يعترضوا عليه تعرض الغير الخارج عن الخصومة أمام المحكمة التي ستنظر في النزاع ولو لم يبرم اتفاق التحكيم.
و نمثل لذلك بعقد الإئتمان الإيجاري بإعتباره عقد مركب، فعندما تبرم مؤسسة الإئتمان عقد الإئتمان الإيجاري مع الزبون وتضمينه شرط اللجوء إلى التحكيم في حالة نزاع، فإنه لا يمكن الإحتجاج بوجود شرط التحكيم في مواجهة المورد في حالة ظهور عيوب خفية ورجوع الزبون عليه، بإعتبار المورد من الغير بالنسبة للإتفاق التحكيم المبرم بين الزبون والمؤسسة، وحتى في حالة إستصدار حكم تحكيمي فللمورد التعرض عليه.
- دعوى بطلان الحكم التحكيمي: إذا كان حكم التحكيم لا يقبل الطعن بالاستئناف إلا أن أغلب التشريعات أجازت الطعن بالبطلان في الحكم التحكيمي بما فيها المشرع المغربي حيث أقر في الفصل 35-327 الطعن بالبطلان أمام محكمة الإستئناف التي صدر الحكم في دائرتها، ويكاد يجمع الفقه المقارن على أن البطلان ما هو إلا جزاء نتيجة مخالفة العمل القانوني أو الإجرائي القاعدة جوهرية، ويترتب على توافر عيب البطلان عدم إنتاج الآثار القانونية وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل العمل أو الإجراء الباطل.
ومن أهم التشريعات التي تبنت الطعن بالبطلان ضد الحكم التحكيمي في قوانينها المتعلقة بالتحكيم نجد
/ التشريع الفرنسي، بمقتضی مرسوم رقم 2011/48 بتاريخ 11 يناير 2011 حيث ثم التنصيص على إمكانية الطعن بطلان الحكم التحكيمي في الفصول 1489 و 1518 و 1519 و1520./ التشريع المصري للتحكيم رقم 1994/27 في المواد 52 و 53 و .34.54
الفقرة الثانية: تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية
بعد أن يتحصن الحكم التحكيمي في مادة العقود التجارية من طرق الطعن ويصير نهائيا ويحوز الحمية والقوة مها ويصير باتا يكون قابلا للتنفيذ، وهنا تنتقل المهمة إلى القضاء عن طريق تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية.
حيث يلجأ طالب التنفيذ إلى القضاء الوطني طالبا إصدار أمر بتنفيذ الحكم عن طريق إكسائه بالصيغة التنفيذية، وذلك بأمر من رئيس المحكمة التجارية فيما يتعلق بتذييل حكم تحكيمي صدر في نزاع مرتبط بالعقود التجارية. حيث جاء في قرار المحكمة النقض "ينعقد الإختصاص لرئيس المحكمة التجارية بمنح الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي إذا كانت طبيعة النزاع تجارية وإلى رئيس المحكمة الابتدائية إذا كان النزاع مدنيا.
ويرفق طلب تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية بأصل الحكم التحكيمي وإتفاق التحكيم الذي إستند عليه، وبعد ما يقوم رئيس المحكمة التجارية بفحص مدى إحترام الحكم التحكيمي لجميع الإجراءات المتطلب وكونه صدر في نزاع لا يحضر فيه التحكيم وغير مخالف للنظام العام، كما جاء في قرار صادر عن محكمة النقض.
والمشرع المغربي في قانون 05-08 لم يعد يستلزم لتنفيذ الحكم تذييله بالصيغة التنفيذية إلا إذا تعنت أحد الأطراف في تنفيذه، أو إذا كان شخص من أشخاص القانون العام طرف في الحكم التحكيمي. أما فيما يخص العقود التجارية الدولية فإن المشرع المغربي إستلزم من أجل تنفيذها في المغرب تذييلها بالصيغة التنفيذية.
ومن بين الأسباب التي قد إعتبرها القضاء المغربي من الدفوع التي قد تأدي إن صحت إلى عدم تذييل الحكم التحكيمي بالصيغة التنفيذية هو عدم إحترام حقوق الدفاع، حيث جاء في أحد قرارات محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء أنه: "بخصوص الدفع الذي مفاده أنه تم خرق حقوق الدفاع، فإنه دفع غير صحيح ذلك أن الطاعنة كانت حاضرة بواسطة ممثلها وبواسطة محام ينوب عنها وقدمت أوجه دفاعها.
وفيما يتعلق بنطاق مراقبة القضاء الحكم التحكيمي محل التذييل بالصيغة التنفيذية، فإن دور رئيس المحكمة يقتصر فقط على مراقبة صحة إتفاق التحكيم وحدود إختصاص الهيئة التحكيمية وكون الحكم التحكيمي المراد تذييله بالصيغة التنفيذية غير مخالف للقانون أو النظام العام، وهذا ما جاء في قرار المحكمة النقض والذي جاء فيه: " إن دور القاضي المانخ للصيغة التنفيذية يقتصر على مراقبته للحكم التحكيمي والتأكد من كون أطراف إتفاق التحكيم غير عديمي الأهلية، وأن اتفاقهم صحيح قانونا، وأن المطلوب تنفيذ الحكم عليه بلغ بتعيين المحكم وبإجراءات التحكيم، وأن التحكيم لم ينصب على نزاع غير وارد في اتفاق التحكيم، وأن تشكيل الهيئة التحكيمية لم يكن مخالفا للاتفاق، وأن التحكيم ليس فيه ما يخالف النظام العام، وهذه المراقبة لا تمتد إلى ما بت فيه المحكم من نقط خلافية بين الطرفين ولا تمتد رقابتها إلى ما بت فيه المحكم، وبذلك لم يخرق قرارها أي مقتضى وأتى معللا بشكل سليم.
وفي نفس الموضوع جاء قرار صادر عن محكمة النقض جاء فيه: " إن محكمة الاستئناف لما إعتبرت القرار التحكيمي المطلوب تذييله بالصيغة التنفيذية مخالفا للنظام العام لمجرد تفسيره لبنود العقد تكون قد خرقت القانون وعرضت قرارها للنقض.