القول باستقلال التحكيم عن القضاء لا يعني أنه بعيد عنه تماما، لا لا يوجد فصل تام بينهما، فعلاوة على الدور المعاون أو المساعد للقضاء للتحكيم فأحكام التحكيم تخضع للرقابة الفضائية في الفترة التالية لصدورها، وإن اختلف شكل هذه الرقابة ومداها من دولة إلى أخرى ولأن الحكم التحكيمي حكما متميزا من الحكام المحاكم، يصدره محكم لا ،قاضي فقد كان من الضروري أن قسم صور الرقابة القضائية التي يخضع لها هي الأخرى بطبيعة ذاتية غير تلك المعمول بها بشأن الأحكام القضائية.
وإذا كان القضاء دورا رقابيا محدوداً عند نظر الأمر بتنفيذ الحكم التحكيمي كما قدمنا، فإنه يبقى الدور الأهم هو الدور الرقابي القضاء على حكم التحكيم عند الطعن فيه، إذ تجيز التشريعات المتعلقة بالتحكيم لصاحب المصلحة من الخصوم التظلم من الحكم التحكيمي أي الطعن فيه .
استبعاد المشرع الطرق الطعن المتبعة بالنسبة للأحكام القضائية
٤٣ - من المعروف أن طرق الطعن ضد الأحكام التي تصدرها محاكم الدولة إنما تهدف إلى تدارك ما وقع في الحكم القضائي من خطاء سواء كان هذا الخطأ قد وقع في القانون الإجرائي أو الموضوعي أو في الواقع وعادة ما يتحقق ذلك عن طريق رقابة المحكمة الأعلى درجة على أحكام المحاكم الأدنى درجة. وقد وضع المشرع المصري نظاماً للطعن في الأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم وذكر طرق الطعن هذه على سبيل الحصر ويقسمها الفقه إلى طرق طعين عادية هي المعارضة والاستئناف، وطرق طعن غير عادية هي النا إعادة النظر والطعن على الحكم بالنقض وطريق الطعن العادي هو الطريق الذي يمكن الطعن به في جميع الأحكام دون استنادها إلى أسباب خاصة الفسيول الطعن ويكفي ألا يوجد نص في القانون يمنع الطعن في الحكم ليكون الطعن فيه بالطرق العادية جائزاً. أما طريق الطعن غير العادي، فهو طريق لا يمكن سلوكه الا بالنسبة لبعض الأحكام، وفي الأحوال التي يذكرها القانون ولاسباب محددة ينبني عليها الطعن، ليكون مقبولا. هذه الطرق للملعن لا تنطبق الا بالنسبة للأحكام القضائية التي تصدرها المحاكم المصرية بما لها من سلطة فسانية. أما المشرع التحكيمي فلم يعامل حكم التحكيم، في هذا الخصوص. المعاملة التي يعامل قانون المرافعات بها الحكم القضائي .
فقد استبعد المشرع المصري الطعن بالاستئناف (أو المعارضة) كطريق عنادي لاعادة النظر في أحكام التحكيم لعدم توافق هذا الطريق مع طبيعة نظام التحكيم والغرض منه .
طريق متميز للطعن في حكم التحكيم
11- يحبان أن التحكيم خصوصياته ودقائقه التي من أبرزها أنه يستكن الخضوع لقضاء الدولة، ذلك أن مجرد الاتفاق على التحكيم يعني رغبة الأطراف في تعد قانون الدولة أو قضائها، وغالبا ما تكون الرغبة في المستبعد الأمرين معا، ولأن حكم التحكيم لا يصدر من محكمة بل من هيئة تحكيم، ولا يصدر في دعوى قضائية بل في قضية تحكيمية، فإن قانون التحكيم المصري لا يعرف سوى طريق وحيد للطعن في حكم التحكيم هو دعوى البطلان أو الطعن ببطلان حكم التحكيم بطريق الدعوى المبتدئة، سواء كان تحكيماً دوليا لم تحكيما داخليا، وسواء كان تحكيما بالقانون أم بالصلح وترفع .
وى الطلال أو الطعن بالبطلان في الحكم التحكيم أمام القضاء المختص، من الصفة وصاحب المصلحة وفق القواعد العامة في قانون المرافعات .
فالمشرع المصري كالحال في التشريعات الحديثة لم يخضع أحكام التحكيم طرق الطمن الحاصلة في الأحكام القضائية، وإنما وضع نظاما مستقلا و متميزا للطعن في الحكم التحكيمي مستهديا في ذلك بالقانون النموذجي للتحكيم وقانون اليونسترال) - فلم يجز إلا دعوى البطلان كطريق أصلي، وحيد للطعن في أحكام التحكيم واستنادا إلى أسباب إجرائية محدودة واردة على سبيل الحصر، بحيث لا يجوز القياس عليها. وقد جرى نص المادة ١/٥٣ على أنه ولا تقبل دعوى حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية: ، ثم أخذت المادة بعد ذلك في سرد هذه الأحوال. وضع قانون التحكيم أساساً عاماً لرقابة القضاء على حكم التحكيم، وذكر حالات محددة لإبطاله، تاركا للقضاء سلطة تقدير توافر شروط وتطبيقات الطباقها.
- وتتميز دعوى بطلان حكم التحكيم كما يسميها القانون أو الطعن بالبطلان على حكم التحكيم حسبما يذهب (الفقه بأنه لا يوجد طريق للطعن ضد أحكام القضاء يمكن رد هذا الطعن (أو) الدعوى إليه بشكل آلي، فالطعن في حكم التحكيم ليس كالطعن بالاستئناف وإن كان يتمتع ببعض خصائص الطعن بطريق الاستئناف، وهو وإن كان يشبه طريق الطعن بالنقض فإنه ليس من دروب الطعن بالنقض فهو طعن مختلط إن جاز التعبير هذا الاختلاط يرشح الطعن في الحكم التحكيمي بامتياز بأن يكون طعناً متميزا، مثله في ذلك مثل كون التحكيم، نظاماً متميزاً وعلى كل حال فأوجه الشبه بين أي من الاستئناف أو النقض والطعن في حكم التحكيم لا يجعلنا نطبق بصورة آلية حلول النقض الحياناً وحلول الاستئناف في الأحيان الأخرى، فالمسألة قد تختلف فالطبيعة
الميزة للتحكيم فرضت ذاتية خاصة على طريق الطعن الذي استنه المشرع البطلان الحكم التحكيمي ويمكنا أن نقرر هذا أن الطعن في حكم التحكيم ليس استتنافاً خالصا وليس نقضا ،خالصاء وإن كان يتمتع ببعض خصائص كل منهما
معان
من ملامح دعوى بطلان حكم التحكيم
41 - سوف تلقي النظر في هذه الفقرة على بعض من الملامح الأساسية على دعوى بطلان الحكم التحكيمي التي يعرفها المشرع المصري ويتبناها:
ان المقصود بعدم جواز الطعن في هذا الخصوص هو الطعن المباشر في
حكم التحكيم، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال إمكانية الطعن بأي طريق من طرق الطعن العادية وغير العادية، في الحكم الصادر من محكمة قضائية في امر متعلق بشأن من شئون التحكيم، ومنها الحكم الصادر في دعوى بطلابه
إذا كانت دعوى بطلان حكم التحكيم كما ترفع على حكم التحكيم الحاصل في مصر، داخليا كان أم دوليا، فإنها ترفع أيضاً ضد حكم التحكيم إذا كان تحكيما تجاريا جرى في الخارج وهذا هو التحكيم الأجنبي) واتفق أطرافه على إخضاعه لقانون التحكيم المصري.
اما التحكيم الأجنبي الذي لم يتفق على إخضاع إجراءاته لقانون التحكيم المصري، فلا يكون للخصم الذي يحتج عليه بالحكم المذكور داخل مصر سوى الاعتراض على تنفيذه، وإقامة الدليل على توافر أحد الأسباب المائعة من الاعتراف به وتنفيذه طبقا لاتفاقية نيويورك بشلل احكام المحكمين وتنفيذها.
إذا كان القاضي في إصدار الحكم القضائي لا يراع فقط مقتضيات صحته كسل له بهذا الحكم يطبق إرادة القانون في القضية التي الستر حكمه فيها، فإذا الخطأ في هذاء فإن هذا الخطأ قد يشكل مخالفة للقانون أو خطأ في تطبيق القانون أو الخطأ في تأويله ويجيز قانون المرافعات الطعن في الحكم القضائي لمثل هذه الأسباب يختلف الأمر في نطاق التحكيم، إذ لا تقبل ادعاءات بطلان حكم التحكيم المؤسسة على خطا الحكم التحكيمي في التقدير أو للخطأ في تطبيق القانون أو في تأويله بالمعني ذاته المطبق في شأن الأحكام القضائية
الأسباب التي ذكرها المشرع والتي تقبل دعوى البطلان على حكم التحكيم استنادا لها المادة (٥٣) تتعلق جميعا، وبحب الأساس بالشكل والإجراءات دون غوص في موضوع النزاع. لذلك لم يمنح المشرع لمحكمة البطلان إذ هي قضت ببطلان حكم التحكيم، سلطة إعادة نظر النزاع الذي كان معروضا على التحكيم، بل يقتصر دورها فقط على بطال الحكم التحكيمي، وفقا للحالات المذكورة على سبيل الحصر في المادة المذكورة دون التصدي لنظر النزاع فيعود الأطراف عند الحكم بالبطلان إلى الحالة التي كانوا عليها قبل نظر التحكيم، وبحيث يقتصر دور قضاء الطعن على بيان صحة الحكم التحكيمي أو بطلانه كليا أو جزئياء دون أن يمتد إلى التصدي لموضوع النزاع أو إعادة الفصل فيه أو لى تصحيح الحكم التحكيمي
لأن الضي الطعن لا ولاية له في الفصل في النزاع المردد في الدعوى التحكيمية، فهو لا يملك التعرض بشكل مباشر - للموضوع الذي فصل فيه حكم التحكيم أو مناقشة مدى صواب أو خطأ ما ذهب إليه المحكم أو في تصديه لفهم الواقع أو تطبيق القانون، إلا أن هذا لا يعني حرمانه
مطلقاً من أن يفحص الحكم التحكيمي وموضوعه ولو من حيث الظاهر توصلا إلى استظهار أسباب الطعن للقضاء ببطلان الحكم أو برفض
البطلان، وهو الأمر المطلوب منه
في قانون التحكيم المصري، لا يحق للأطراف النزول عن دعوى البطلان قبل ثبوت الحق فيها فلا يجوز لهم قبل صدور حكم التحكيم الإتفاق على استبعاد دعوى البطلان أو حتى على تضييق حالاتها، كما لا يجوز لهم تحديد تنظيم اتفاقي أخر للطعن على حكم التحكيم، وهذه الأمور تعد من النظام العام الداخلي
لم يرسم القانون طريقة خاصة لبيان أسباب الطعن في حكم التحكيم. ولكن يستلزم بداهة أن تكون هذه الأسباب واضحة مجددة للعيب الذي يدعيه الطاعن وأثر هذا العيب وموضعه من الحكم المطعون فيه كما أنه ليس في القلون ما يحول دون أن يرفع الطاعن في حكم التحكيم طعناً آخر في الحكم ذاته البكرك ما فاته من أوجه الطبع، طالما كان ميعاد الطعن مفتوحا ولم يفصل في المطعن الأول .
وهنا يُلاحظ أن القاعدة في هذا الشأن أن دعاوى البطلان لا تقبل، كأصل عام في الأحكام القضائية، لأن هذه الأحكام ليست تصرفات قانونية أو عقود يمكن يطالها عن طريق الدعوى بل أحكام قضائية حقيقية لا يجوز اهدار حجيتها إلا بطرق الطعن المحددة في القانون مثل الاستئناف أو النقص، وإذا كان الفقه والقضاء يرى أن بعض الأحكام القضائية تعتبر منعدمة الوجود وليست لها صفة الأحكام ولا خصائصها، وذلك إذا شابتها عيوب جسيمة تنعدم معها صفنها کمل فضائي، ومن ثم يجوز طلب القضاء ببطلانها بدعوى أصلية. كما ر الحال في الحكم الذي يصدر من شخص زالت عنه ولاية القضاء أو من هيئة
مكونة من قاضيين بدلا من ثلاثة قضاة وكالحكم الذي يصدر على شخص
توفي .
فإن دعوى بطلان حكم التحكيم مقررة تشريعيا لا كاستثناء تمليه اعتبارات الملائمة كالحال في دعوى بطلان الأحكام القضائية، وإنما كاصل عام تمليه الطبيعة المتميزة للحكم التحكيمي، بمعنى أن حكم التحكيم لا يخضع لنظام دعوى بطلان الحكم القضائي، إنما يخضع لنظام دعوى بطلانه هو، التي نظمها قانون التحكيم، وهناك اختلافات كثيرة بين الدعويين. فالطعن على حكم التحكيم هو وسيلة متميزة وطعن مختلف متميز، أوجده القانون الخاص بالتحكيم، لا يعرفه النظام القانوني الذي ينظم أحكام القضاء ويرسم طرق الطعن فيها، فالحال مختلف حتى بالنسبة للفروض التي تقبل فيها، استثناء، دعوى بطلان الحكم القضائي .
التدخل الناعم عند نظر دعوى بطلان حكم التحكيم
۱۸ - الجدير بالتنويه في الشأن الذي نتناوله أنه عند ممارسة القاضي الدورة الرقابي عند الطعن في حكم التحكيم للقول بصحته أو بطلانه، فأنه لا يراقب حكما قضائيا بل حكما تحكيميا له طبيعته الخاصة وغير صادر من قاض، وإنما من فرد عادي قد لا يكون من ذوي المؤهلات القانونية
ويمكننا هنا أن نفرق بين تدخل لين ناعم» للقضاء عند الفصل في الطعن المقام بطلب بطلان حكم التحكيم، وتدخل جاف خشن» وهو التدخل الذي يحصل عند الطعن في الحكم القضائي بأي صورة من صور الطعن في الأحكام القضائية، هذا التدخل الخشن يجب استبعاده في نطاق الطعن ببطلان الحكم التحكيمي اكتفاء بالتدخل الناعم المتسم بقدر من المرونة والقائم على ثقافة خاصية
لمؤسسة على مفاهيم تناسب خصوصية التحكيم وطابعه الاتفاقي المتحرر من القواعد المرافعات الشكلية، بمعنى أن أمر صحة أو بطلان التحكيم إنما يرجع إلى قواعد التحكيم وقانونه وليس إلى قواعد قانون المرافعات المتعلقة بالطعن في أحكام القضاء وتطبيقاتها.
وسوف نزيد هذا الأمر إيضاحاً عند الكلام في باقي الموضوعات التي سوف تعرض لها في المباحث القادمة. إذ إنها تتضمن الكثير من الإشارات، تلزم من القضاء أن يراعي عند نظر دعوى بطلان حكم التحكيم، أو عند النظر في شأن من الشئون المتصلة بأمر من أمور العملية التحكمية بصفة عامة، أن الأمر لا يتعلق بقضاء إنما يتصل بتحكيم، وبأن التحكيم نظام قانوني يملك أطره ومفاهيمه الخاصة التي ليست هي بالضرورة أطر ومفاهيم القضاء ..