من الطبيعي أن يفرض القانون الذي أجاز التحكيم، وأجاز الطعن بالقرارات التحكيمية شروطا شكلية وموضوعية لممارسة حق الطعن.
وهذه الشروط ليست خاصة بالطعن ببطلان القرار التحكيمي، فهي ترد عند الطعن به عن طريق الاستئناف وهي معروفة لدى الطعن بأحكام وقرارات القضاء الرسمي، ولكن طبيعة هذه الشروط تختلف من طعن إلى آخر.
وما يزيد أهمية دراسة شروط الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، إضافة إلى كونها ضرورية لممارسة الحق بالطعن من قبل المتضرر أو المتظلم أنها ليست ذاتها لناحية التحكيم الداخلي في غالبية التشريعات.
ولذلك فإننا في هذا القسم سوف نتناول ضمن بابين منفصلين الشروط الشكلية والموضوعية للطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي.
المنازعة وإلزام الخصوم بقراره. فالعبرة دائما بطبيعة النشاط الذي يباشره المحكم، وعلى أساس هذه المصادر يمكن التمييز بين التحكيم وغيره التصرفات القانونية والتي سبق وأشرنا إلى أكثر مظاهرها أهمية وتعاملاً. وبالتالى لا يعتمد بالتسمية التي يطلقها الأفراد على الاتفاق فيما بينهم، إذ أن ولاية التكييف في هذا المجال محصورة بالقضاء وبه وحده.
وبالنتيجة، فإن المحكم ليس وكيلاً وليس خبيراً ولا يباشر مهمة الوساطة والتوفيق فحسب وإنما يمكن اعتباره شبه قاض» وهذا الطرح مازال يثير خلافاً في الفقه حول طبيعة التحكيم.
وبختام هذا الفصل التمهيدي، فإننا ننتقل إلى القسم الأول من هذه الكتاب والذي يحمل كعنوان شروط الطعن ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي».
لقبول الطعن شكلاً، يجب أن فعلاً يوجه ضد قرار تحكيمي تجاري دولي، وأن يرد ضمن المهلة القانونية، وأن يقدم للمحكمة المختصة.
يشترط لأعمال الأحكام الخاصة ببطلان القرار التحكيمي التجاري الدولي، أن يكون موضوع الطعن قراراً في تحكيم تجاري دولي، وهذا الأمر يستدعي التفرقة بين نقاط مختلفة رتبت عليها التشريعات المقارنة نتائج قانونية مهمة.
ففي البدء يقتضي تحديد ما هو المقصود بالقرار أو الحكم التحكيمي، لأن هذا الوصف له آثار متعددة كون الحكم التحكيمي وحده دون غيره من القرارات التي تصدر عن الحكم، يكون قابلا للطعن عليه بالطرق المقررة قانوناً، وأهمها الطعن بالبطلان، وهو وحده الذي يخضع للمدة المقررة قانوناً لممارسة هذا الحق في الطعن.
كما أن هناك نقطة أخرى ترتبط بأهمية تحديد ما هو المقصود بحكم التحكيم التجاري الدولي وهذا الأمر يتطلب التفرقة بين التحكيم الوطني أو الداخلي والتحكيم الدولي، وهي تفرقة تنعكس بدورها على تحديد طبيعة حكم التحكيم. وتبدو أهمية هذه التفرقة الأخيرة في أن حكم التحكيم الدولي وحده دون التحكيم الوطني أو الداخلي هو الذي يثير جميع المشاكل المعروفة تفرض أي إلزام ،شكلي بصدد القرار التحكيمي في مادة التحكيم الدولي. وهكذا فإن المادة 817 من قانون أصول المحاكمات المدنية لسنة 1983، التي تحدد حالات استئناف أوامر الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة في خارج لبنان، أو إلغاء القرارات الصادرة في لبنان في مادة التحكيم الدولي، أن هذه المادة لا تشير إلى شكل القرار التحكيمي.
ينتج عن ذلك أن غياب التعليل في القرار مثلاً، أو غياب ذكر اسم المحكمين وتاريخ القرار التحكيمي بموجب القانون الداخلي إن غياب كل ذلك يسبب بطلان القرار الصادر في مادة التحكيم الدولي.
ولكن المادة 817 من قانون 1983 تمكن من استئناف قرارات إعطاء الصيغة التنفيذية للقرارات التحكيمية الصادرة خارج لبنان، أو إبطال القرارات الصادرة في لبنان في مادة التحكيم الدولي وذلك:
1- إذا كان المحكم قد أصدر قراره التحكيمي بموجب اتفاقية انقضت مدتها، الأمر الذي يدفع إلى اعتبار أن القرار التحكيمي يقتضي أن يتضمن التاريخ الذي صدر فيه، وذلك بهدف التأكد من أن المهل قد تم احترامها من قبل المحكمين.
2 - إذا أصدر المحكم قراره دون التقيد بحدود المهمة التي عهد بها إليه الفرقاء، فإذا كان هؤلاء قد عهدوا إلى المحكم بمهمة إصدار حكمه ضمن شكليات معينة، أو وفقاً لقانون أصول محاكمات مدنية عائد لبلد ما، فإن امتناع الحكام عن احترام إرادة الفرقاء، يمكن ان يكون سبباً من البطلان أو الاستئناف.
ومن هنا فإن إرادة الفرقاء في النزاع هي التي ترسم حدود مهمة المحكم، في ما يتعلق بالشكل الذي يقتضي أن يتخذه القرار التحكيمي، وهؤلاء الفرقاء أنفسهم هم الذين يقررون ما إذا كان يقتضي أن يكون القرار معللاً أو دون تعليل، وما إذا كان يقتضي أن يتضمن تاريخاً ولا التحكيمي يتضمن، وما وإذا كان يقتضي ذكر الوقائع أم لا .
في إطار القانون الدولي الخاص، وخاصة تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم ذاته وتحديد القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم، فضلا عن تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع المنازعة محل اتفاق التحكيم إضافة إلى أن طرق ووسائل الطعن على حكم التحكيم الداخلي تختلف في بعض الأنظمة عن حكم التحكيم الدولي، فهناك أوجه للطعن يقتصر حكم التحكيم الداخلي على الخضوع لها دون التحكيم الدولي.
ولذلك فإننا في هذا الفصل سوف نتناول ضمن مبحثين مستقلين تحديد ما هو المقصود بالقرار التحكيمي، ومن ثم تحديد ما هو المقصود بالقرار التحكيمي التجاري الدولي، وأخيراً تحديد أنواع القرارات التحكيمية القابلة للطعن بالبطلان
الملاحظ أن قانون التحكيم اللبناني لسنة 1993 لم يختلف عن قانون التحكيم الفرنسي في شيء فيما يتعلق بالحكم التحكيمي، سيما وان الصفة القضائية التي يتسم بها القرار التحكيمي تبرز بشكل واضح في هذا القانون، فالقرار التحكيمي يجب أن يصدر بنتيجة مداولة، وأن يكون معللاً، وأن يصدر بالأكثرية، وله قوة القضية المقضية بمجرد إصداره، وبالإمكان الطعن به أمام المراجع القضائية.