الطعن بأحكام التحكيم وفقا لاتفاقية واشنطن والقانون العراقي
سبق وإن ذكرنا أن هناك بعض النظم القانونية تحاول أن تمارس قدرة معينة من الرقابة القضائية على القرارات التحكيمية، ومن ثم تكون هذه القرارات محلا للطعن مباشرة أمام الهيئة التي أصدرته أو أمام هيئة أخرى وعلى الأغلب يكون الطعن امام القاضي
الطعن بأحكام التحكيم وفقا لاتفاقية واشنطن
وفقاً لنظام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار لا يكون المحاكم الدول المتعاقدة أي رقابة على أحكام التحكيم الصادرة في إطاره إلا فيما يتعلق بإجراءات الاعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها وفقا لنصوص الاتفاقية، حيث تكون الرقابة على هذه الأحكام من جانب أطراف النزاع، إذ يمكنهم المطالبة بتفسير الحكم أو بإعادة النظر فيه أو بإبطاله وفقا للشروط والحدود الزمنية الواردة في نصوص اتفاقية واشنطن بمعنى أن الاتفاقية أتاحت المجال للطعن بأحكام التحكيم عبر ثلاث وسائل وهي فقط طلب تفسير الحكم وطلب إعادة النظر بالحكم وطلب إيطال الحكم. وهذا ما سنتعرض له في ثلاثة فقرات وعلى الوجه الآتي:
أولاً: تفسير الحكم
نصت اتفاقية واشنطن في المادة (50) على (1- إذا نشأ أي نزاع بين الطرفين حول معنى أو مضمون الحكم، فلكل طرف أن يطلب تفسير الحكم عن طريق تقديم طلب كتابي بذلك إلى السكرتير العام -2 يعرض الطلب على المحكمة التي أصدرته إذا كان ذلك ممكنة، وإذا تعذر ذلك تؤلف محكمة جديدة وفقا للقسم الثاني من هذا الباب ويمكن للمحكمة إذا قدرت أن الظروف تتطلب ذلك أن توقف تنفيذ الحكم لحين صدور قرارها.
وعند استلام السكرتير العام لطلب تفسير الحكم وأجر إيداعه، فإنه يسجله ويعلم الأطراف بذلك من خلال إرسال نسخة من الطلب وأي مستندات مرفقة به للطرف الآخر.
ويعرض الطلب على هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم بناء على اتصالات وتنسيق فيما بينها وبين السكرتير العام للمركز، وإذا تعذر ذلك، يتم تشكيل هيئة جديدة لتفسير الحكم وفقا النصوص القسم الثالث من الباب الرابع من الاتفاقية. ويملك صاحب طلب تفسير الحكم التحكيمي المطالبة في أي وقت بإيقاف تنفيذ الحكم أو أجزائه المرتبطة بطلب التفسير ولهيئة التحكيم إذا قدرت أن الظروف تتطلب ذلك أن تأمر بتعليق تنفيذ الحكم لحين صدور قرارها. ويعلم سكرتير عام المركز الأطراف بإيقاف التنفيذ والذي يعد نافذة من تاريخ إرسال هذا الإعلان، وينتهي إيقاف تنفيذ حكم التحكيم بصورة تلقائية من تاريخ صدور
القرار النهائي في طلب التفسير .
ثانياً: إعادة النظر في الحكم
نصت المادة (51) من اتفاقية واشنطن على -) -1- يمكن لأي من الطرفين. تقديم طلب كتابي إلى السكرتير العام لإعادة النظر في الحكم على أساس اكتشاف بعض الوقائع التي يمكن أن تؤثر بصفة قاطعة، بشرط أن تكون هذه الوقائع غير معلومة للمحكمة عند إصدارها للحكم أو أن جهل الطالب بها لم یکن نتيجة لإهماله -2 يجب أن يقدم الطالب في خلال تسعين يوما عن اكتشاف هذه الوقائع وعلى أي حال خلال الثلاث سنوات التي تلي صدور الحكم. 3- يقدم الطلب إذا أمكن ذلك إلى المحكمة التي أصدرت الحكم وإذا تعذر ذلك يجب أن تشكل محكمة جديدة طبقا للقسم الثاني من هذا الباب 4- يجوز للمحكمة إذا قدرت أن الظروف تتطلب ذلك أن توقف تنفيذ الحكم إلى أن تصدر قرارها وإذا طلب الطالب إيقاف تنفيذ الحكم في طلبه، يوقف التنفيذ مؤقتة إلى أن تفصل المحكمة في هذا الطلب.
ويجب أن يتوفر في طلب إعادة النظر ما هو مطلوب في طلب تفسير الحكم من حيث كونه مؤرخا ومشيرة إلى الحكم الذي يتعلق به ومرفقة به أجر الإبداع إلا أن طلب إعادة النظر يجب أن يذكر تفصيلا بعض الوقائع التي تم اكتشافها والتي من شأنها التأثير بصورة حاسمة في الحكم بشرط أن تكون هذه الوقائع غير معلومة للمحكمة أو صاحب الطلب وقت صدور الحكم، وأن يكون جهله بهذه الوقائع ليس بسبب إهماله.
ثالثاً: إبطال الحكم
إن الأسباب التي يمكن إبطال الحكم على أساسها وردت بالمادة (1/52) من الاتفاقية، إذ نصت على -1- يجوز لأي من الطرفين أن يطلب إبطال الحكم بطلب كتابي يوجه إلى السكرتير العام ويبني على واحد أو أكثر من الأسس الآتية:
أ خطأ في تشكيل المحكمة.
ب تجاوز المحكمة الواضح لسلطاتها.
ج- رشوة أحد أعضاء المحكمة.
د المخالفة الجسيمة لقواعد الإجراءات الأساسية.
هـ - إغفال الحكم الأسباب التي يبني عليها).
ويتضح من النص السابق أن لكل طرف من أطراف النزاع الحق في المطالبة بإبطال حكم التحكيم، وذلك عن طريق التقدم بطلب كتابي إلى سكرتير عام المركز ويتعين أن يتوافر في طلب إبطال حكم ما هو مطلوب توفره في طلب التفسير وطلب إعادة النظر من حيث كونه مؤرخة ومشيرة إلى الحكم الذي يتعلق به ومرفقة به أجر الإيداع. ويجب أن يؤسس طلب إبطال الحكم على واحد أو أكثر من الأسس الآتية
"الخطأ في تشكيل محكمة التحكيم أو تجاوز المحكمة الواضح السلطاتها أو رشوة أحد أعضاء محكمة التحكيم أو وجود مخالفة جسيمة لإحدى قواعد الإجراءات أمام المحكمة أو صدور الحكم دون بيان الأسباب التي يبنى عليها وعند استلام سكرتير عام المركز طلب إبطال الحكم، فإنه يسجله ويعلم الأطراف بذلك ويرسل نسخة منه وأي مستندات مرفقة به إلى الطرف الآخر ولسكرتير عام المركز حق رفض طلب إبطال الحكم وإعلام الطرف الطالب بذلك إذا لم يتم تقديم الطلب خلال (120) مائة وعشرين يوما من تاريخ إصدار الحكم، باستثناء ما إذا كان إبطال الحكم مؤسسة على رشوة أحد أعضاء المحكمة حينئذ يتم تقديم الطلب خلال مائة وعشرين يوما (120) من تاريخ اكتشاف الرشوة وعلى أي حال خلال ثلاث سنوات من تاريخ إصدار الحكم
وبناء على تسجيل طلب إبطال الحكم يطلب السكرتير العام من رئيس المجلس الإداري أن يعين فورا من قائمة المحكمين لجنة خاصة من ثلاثة أشخاص، ويشترط في أعضاء هذه اللجنة أن لا يكون أي منهم عضوا بالمحكمة التي أصدرت الحكم أو يحمل ذات جنسية أي من أعضائها، أو جنسية الدولة الطرف في النزاع أو دولة مواطنها طرف في النزاع وألا يكون معينة القائمة المحكمين من جانب أي من الدولتين ،وأخيرا ألا يكون أي من أعضاء هذه اللجنة قد عمل من قبل كموفق في النزاع نفسه، وتستطيع اللجنة إذا رأت أن الظروف تتطلب ذلك أن تعلق تنفيذ الحكم لحين صدور قرارها، وينتهي إيقاف تنفيذ حكم التحكيم بصورة تلقائية بصدور قرار اللجنة في هذا الطلب، وفي حالة أبطال الحكم يستطيع الأطراف الطلب من المركز تشكيل هيئة جديدة للنظر في الطلب مع مراعاة ما جاء بالفقرة 3 من المادة (52).
ويتضح لنا مما سبق شرحه وبيانه للقواعد المنظمة لتفسير وإعادة النظر وإبطال أحكام التحكيم الصادرة في إطار نظام المركز إن سلطة أطراف النزاع والرقابة على هذه الأحكام محددة على سبيل الحصر في نصوص الفصل الخامس من اتفاقية واشنطن وتتمثل في طرق الطعن بأحكام التحكيم الصادرة عن المركز وتتمثل في تفسير الحكم وإعادة النظر فيه وإبطاله وإن هذه الاتفاقية قد وضعت إجراء مبسطاً لذلك يتمثل في تقديم طلبة كتابية إلى السكرتير العام للمركز على أن يكون هذا الطلب مؤرخا ومشيرة إلى الحكم الذي يتعلق به
ومرفقة به أجر الإبداع.
ونلاحظ أن اتفاقية واشنطن قد وضعت حدوداً زمنية يجوز في إثناءها التقدم بطلبات إعادة النظر أو إبطال أحكام التحكيم الصادرة في إطاره. فيجب أن يقدم طلب إعادة النظر خلال (90) تسعين يوما من اكتشاف الوقائع التي يمكن أن تؤثر بصفة قاطعة في الحكم، وعلى أية حال خلال الثلاث سنوات التي تلي صدور الحكم. كما يجب أن يقدم طلب إبطال الحكم خلال (120) مائة وعشرين يوما
الحكمة من ذلك هي وعلى أي حال خلال الثلاث سنوات التي تلي صدور الحكم. ويعني ذلك أنه لا يجوز لأي سبب تقديم طلب إعادة النظر أو إبطال حكم التحكيم بعد مرور ثلاث سنوات تالية لصدور هذا الحكم ، وفي تقديرنا أن الحرص على إزالة أي شك بشأن قيمة حكم التحكيم الصادر في النزاع وذلك بتجنب تهديده بإعادة النظر أو الإبطال لمدة طويلة، ولاشك أن لذلك أثره الجيد على استقرار المعاملات وتدعيم فاعلية أحكام التحكيم الصادرة في إطار اتفاقية واشنطن. من تاريخ صدور الحكم أو من تاريخ اكتشاف رشوة أحد أعضاء المحكمة،
وقد جعلت اتفاقية واشنطن الاختصاص بنظر طلبات التفسير وإعادة النظر لهيئة التحكيم التي أصدرت الحكم وإذا تعذر ذلك تشكل محكمة جديدة طبقاً لنصوص القسم الثاني من الباب الرابع من الاتفاقية، بينما يكون الاختصاص بطلب إبطال الحكم التحكيمي للجنة خاصة يتم تشكيلها لمعرفة رئيس المجلس الإداري بالمركز ووفقا للشروط الواردة في هذا الشأن. وتستطيع اللجنة أن تقرر وقف تنفيذ الحكم لحين صدور قرارها في الطلب المقدم إليها وينتهي هذا الإيقاف بصورة تلقائية من تاريخ صدور قرارها.
ونلاحظ أن اتفاقية واشنطن قد قصرت المطالبة بالإبطال على أحكام التحكيم فقط ، ومن ثم فإن أي إجراءات من جانب المحكمة لا يجوز المطالبة بإبطالها إلا بعد صدور الحكم. وفي تقديرنا أن الحكمة من ذلك هو الرغبة في منع محاولة الأطراف تأجيل الفصل في النزاع عن طريق الطعن بالإبطال في أي قرار المحكمة قبل صدور حكمها في النزاع ونجد تطبيق عملية لذلك في نزاع شركة SPP مع حكومة جمهورية مصر العربية وذلك عندما تقدمت الحكومة المصرية إلى السكرتير العام للمركز بطلب لإبطال قرار محكمة التحكيم باختصاصها بنظر النزاع حيث رفض السكرتير العام قبول هذا الطلب موضحا أن قرار المحكمة باختصاصها بنظر النزاع لا يمثل حكمة قابلا للإبطال وفقا لمفهوم المادة (52) من نصوص الاتفاقية وتكون مطالبة الحكومة المصرية بإبطال الحكم على أساس عدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع موضع قبول عقب صدور حكم المحكمة بالفصل في النزاع. وهنا يثار تساؤل غاية في الأهمية عما إذا كان الخطأ في تطبيق القانون يعثر أساسا الإبطال الحكم وفقا لنصوص اتفاقية واشنطن؟ للإجابة عن ذلك نجد أن المادة 52) من نصوص الاتفاقية لم تنص صراحة على ذلك. وفي تقديرنا أن خطأ المحكمة في تطبيق القانون يمكن أن يمثل سبباً الإبطال الحكم وذلك على أساس أنه تجاوز واضح من جانب المحكمة في ممارسة سلطاتها وفقا لنص المادة (1/52/ب) من نصوص الاتفاقية. ويجب علينا في هذا الخصوص أن نبين أن خطأ المحكمة قد يكون في تحديد القانون واجب التطبيق على النزاع وفقا لإرادة الأطراف ولنص المادة (42) من اتفاقية واشنطن، وقد يكون الخطأ في تطبيق هذا القانون على النزاع.
الطعن بأحكام التحكيم في القانون العراقي
ألزم القانون العراقي في المادة (271) من قانون المرافعات المدنية العراقي بإيداع قرار التحكيم لدى المحكمة المختصة بالنزاع خلال ثلاثة أيام التالية الصدوره. وقد أعطت المادة (273) من قانون المرافعات المدنية العراقي للخصوم الحق بالتمسك ببطلان القرار التحكيمي أمام المحكمة المذكورة التي أودع لديها القرار وللمحكمة أن تبطل القرار من تلقاء نفسها في حالات أربع حددتها المادة المشار إليها. لذا فقد حدد المشرع العراقي حالات الطعن بهذا الطريق بنص قانوني محددوهذه الحالات هي :
أولاً: إذا صدر القرار التحكيمي بغير بينة تحريرية أو بناء على اتفاق باطل أو إذا كان القرار قد خرج عن حدود الاتفاق .
توضح هذه الفقرة الحالة الأولى من الحالات التي يمكن الطعن بها ببطلان القرار التحكيمي بطلب من قبل أحد الخصوم أو يمكن أن يكون من قبل المحكمة المختصة ومن تلقاء نفسها، في حالة صدور القرار التحكيمي من دون أي اتفاق سابق على التحكيم بين الطرفين على وفق ما نصت عليه المادة (252) من قانون المرافعات المدنية العراقي التي اشترطت وجود اتفاق تحكيم سابق على صدور القرار التحكيمي، وهذه الحالة نادرة الوقوع ما لم تكن مستحيلة التحقق وذلك لأنه ليس من المتصور أن يصدر المحكم قراره من دون موافقة الخصوم على الخضوع له أو يصدر القرار التحكيمي بناء على اتفاق باطل كأن يكون أحد الطرفين ناقص الأهلية أو عديمها). وكذلك ضمن حالات البطلان التي تنطوي تحت هذه الفقرة وهي حالة تجاوز المحكمين بقرارهم التحكيمي حدود اتفاق التحكيم، ففي هذه الحالة ينظر إلى الحكم التحكيمي كوحدة واحدة، فإن كان قابل للتجزئة، تكون فقط المسائل التي تجاوز المحكمون فيها سلطاتهم ،باطلة أما البقية فتعد صحيحة، بينما إذا كان القرار التحكيمي غير قابل للتجزئة وتجاوز المحكمون فيها حدود اتفاق التحكيم، فيعد القرار بأكمله باطل بطلان مطلق.
ثانياً: إذا خالف القرار قاعدة من قواعد النظام العام أو الآداب أو قاعدة من قواعد التحكيم من قواعد التحكيم المبينة في هذا القانون
(من قانون المرافعات المدنية العراقي )
ثالثاً: إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها إعادة المحاكمة
تجيز هذه الفقرة إقامة دعوى بطلان قرار التحكيم متى ما توافر أي سبب من سباب إعادة المحاكمة المنصوص عليها في المادة (196) من قانون المرافعات المدنية العراقي، ذلك على أساس أن أي سبب من هذه الأسباب يقوم أصلا على الغش والاحتيال مما يؤثر على صحة القرار التحكيمي) ويجوز الطعن بطريقة إعادة المحاكمة ولو كان المطعون به قد حاز درجة البنات أذا وجد سبب من الأسباب الآتية:
- إذا وقع من الخصم الآخر غش في الدعوى كان من شأنه التأثير في الحكم. - إذا حصل بعد الحكم إقرار كتابي بتزوير الأوراق التي أسس عليها أو قضي بتزويرها.
- إذا كان الحكم قد يبنى على شهادة شاهد وحكم عليه بشهادة الزور. - إذا حصل طالب الإعادة بعد الحكم على أوراق منتجة من الدعوى كان خصمه قد حال دون تقديمها.
وعلى هذا الأساس فقد جعل المشرع حالات إعادة المحاكمة أساسا لطلب أبطال حكم التحكيم.
رابعاً: إذا وقع خطأ جوهري في القرار أو في الإجراءات التي تؤثر على صحة
القرار إن أي خطأ جوهري في القرار التحكيمي أو في إجراءاته يؤثر عليه بالبطلان وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال الذي يستفهم عن المقصود بالخطأ الجوهري في القرار؟
أما بالنسبة للخطأ الجوهري الذي يصيب إجراءات التحكيم والتي تؤثر على صحة القرار التحكيمي، فهنا يجب التمييز بين الأساسية الخاصة بقرار التحكيم وبين الإجراءات الثانوية العامة، فبينما يتعلق بالإجراءات الثانوية العامة والتي أشارت إليها المادة (265) من قانون المرافعات المدنية العراقي فإذا وقع خطأ جوهري في هذه الإجراءات لا يؤدي إلى البطلان إذا تضمن اتفاق التحكيم إعفاء المحكمين من هذه الإجراءات صراحة أو إذا تضمن ذلك الاتفاق إجراءات معينة يسير عليها المحكمون. أما بخصوص الإجراءات الأساسية الخاصة بإصدار القرار التحكيمي والتي نصت عليها المادة (270) 257 254 (252) ومن ثم فإن أي خطأ في تلك الإجراءات يؤثر على صحة القرار التحكيمي ويؤدي به إلى البطلان
إن القرار الذي تصدر المحكمة بخصوص تصديق القرار التحكيمي أو إبطاله كلا أو جزء غير قابل للاعتراض وإنما يقبل الطعن بالطرق الأخرى المقررة قانوناً، بمعنى يجوز للخصوم أن يطعنوا بالحكم الصادر من المحكمة بكافة الطرق عدا الاعتراض أي أنه يقبل الاستئناف والتمييز، فتصحيح القرار وإعادة المحاكمة .
هذا بالنسبة إلى الاعتراض الغيابي، أما بالنسبة إلى اعتراض الغير، فهو الآخر لا يجد الا تطبيقا كطريق للطعن لأن قرارات التحكيم تكون مقصورة التنفيذ على أطراف الاتفاق فقط ولا يمكن أن ينال التنفيذ غيرهما، وهذا ما أكدته المادة (2/272) من قانون المرافعات المدنية العراقي فضلاً عن ذلك أن نص المادة (275) من قانون المرافعات المدنية العراقي قد جاء عامة ولم يستثني سوى طريق الاعتراض ومن دون أن يحدد الاعتراض على الحكم الغيابي أو الاعتراض على الغير وعليه فإن المطلق يجري على إطلاقه ولو أراد المشرع غير ذلك لنص عليه. وبما أن دعوى البطلان هي دعوى قضائية عادية، فما هي المدة الزمنية اللازمة لرفع تلك الدعوى؟
عند الرجوع لقانون المرافعات المدنية العراقي المواد الخاصة بالتحكيم (279-251) ترى أن المشرع لم يحدد المدة الزمنية اللازمة لرفع دعوى البطلان وإنما نص على جواز تمسك الخصوم ببطلان القرار التحكيمي عندما يطرح على المحكمة المختصة للتصديق عليه هذا من جهة ومن جهة أخرى جاء بالمادة (171) من قانون المرافعات المدنية العراقي على: (المدد المعينة لمراجعة طرق الطعن في القرارات حتمية ويترتب على عدم مراعاتها وتجاوزها سقوط الحق في الطعن وتقضي المحكمة من تلقاء نفسها لرد عريضة الطعن إذا حصل بعد انقضاء المدة القانونية.
أما الآثار القانونية الذي يمكن أن تترتب عند إقامة دعوى البطلان، فهي عندما تنظر المحكمة في دعوى البطلان، فإنها تقرر أما أن تبطل القرار التحكيمي كلا أو جزء أو بحسب الأحوال، وفي أي حالة من حالات البطلان الكلي أو الجزئي، فإن للمحكمة الخيار في أن ترجع الدعوى للمحكمين لإصلاح ما شاب القرار من أخطاء تؤدي إلى بطلانه أو أن تؤدي إلى بطلانه أو أن تقوم المختصة بالفصل بهذا النزاع بنفسها إذا كانت الدعوى صالحة للفصل فيها. وفي تطبيق عملي لنص المادة (273) من قانون المرافعات المدنية العراقي النزاع بين شركة الغري والكرابة في دعواهما القضائية ضد محافظ النجف.
وقائع الدعوى: أدعى المدعيان لدى محكمة بداءة النجف أنهما قد تعاقدا مع المدعى عليها (محافظة النجف) بإنشاء خط مجاري مياه الأمطار الناقل لحي الجمعية الوفاء... وبعد عدة مخاطبات رسمية ثبت بتقرير اللجنة الهندسية وجود طبقات صخرية، وتم على أساسها منح المقاول 200 يوم إضافية، ومن ثم إحالة النزاع إلى التحكيم بموجب الأمر الإداري المرقم 6554 في 2009/7/19، وقد صدر قرار التحكيم استحقاق المدعيان مبلغ 433.306.994 مليون دينار، عليه طلب دعوى المدعي عليه للمرافعة والحكم بتصديق القرار وتأدية المبلغ 433.306.994 وتحميله الرسوم والمصاريف.
صدر قرار محكمة البداءة برد دعوى المدعي فاستأنف الحكم من قبل المدعي صدر القرار الاستثنافي والذي جاء فيه .. وحيث أن قرار المحكمين قد صدر استنادا إلى بينات تحريرية ووقائع مادية ومعاينة للموقع محل العمل في المقاولة المبرمة بين طرفي الدعوى وأن القرار لم يكن قد خالف قاعدة من قواعد النظام العام أو قاعدة من قواعد التحكيم من قانون المرافعات المدنية العراقية، ومن ثم يكون قد جاء منسجمة وتطبيقا لنص القانون عليه ولما تقدم قررت المحكمة بالاتفاق فسخ قرار محكمة البداءة والحكم بتصديق قرار التحكيم". ولعدم قناعة المستأنف عليه بالحكم الصادر طعن به تمييزاً بلائحته المؤرخة في 2012
الحكم التمييزي: .... إن القرار المذكور قد جاء خلافا لأحكام قواعد التحكيم المنصوص عليها في المواد (251-279) من قانون المرافعات المدنية العراقي، إذ إن عقد التحكيم لا يثبت إلا بالكتابة وفقاً للمادة (252) منه، وهذا لم يقم به طرفا التحكيم، كما أن المادة (259) نصت على أنه يجب قبول المحكم للتحكيم كتابة، أو التوقيع على هذا التحكيم، كما أن المحكمين لم يكتبوا قرارهم وفقا للطريقة التي يكتب بها الحكم إلا بعد أن طلبت محكمة الاستئناف ذلك خلافاً لأحكام المادة (270)، إذ لوحظ أن قرار التحكيم صادر في 2012/5/3 بينما أقيمت الدعوى لتصديقه أمام محكمة البداءة في 2012/1/18 أي بتاريخ سابق لصدوره وإضافة لما تقدم، فإن المدير المفوض في شركة الغري هو الذي تم ترشيحه كمحكم ممثل للشركة خلافا لأحكام المادة (261) واستدلالا بالمادة (92) من القانون المذكور، لذا فإن شروط التحكيم غير متوفرة في ادعاء المدعي مما كان على المحكمة الفصل في الدعوى على وفق الوقائع والدلائل المتحصلة..... ونحن نتفق تماما مع ما ذهبت إليه محكمة التمييز، ونرى أنه كان من الأفضل لو كانت المحكمة المذكورة قد أسست قرارها استنادا لنص المادة (1/273 و2) بإبطال قرار التحكيم وذلك لعدم وجود اتفاق تحكيمي، وهذا يخالف المادة (2/273) بدلالة المادة (253) من قانون المرافعات المدنية العراقي وأيضاً يعد القرار التحكيمي باطل استناداً للمادة (2/273) بدلالة المادة (261) كون أحد أعضاء لجنة التحكيم هو المدير المفوض للشركة الطرف في النزاع. من خلال عرض الاتفاقية الدولية يتبين لنا بأن المنازعات الاستثمارية تتسم بطبيعة خاصة ناتجة عن اختلاف المركز القانوني لأطرافها، حيث غالباً ما يكون أحد الأطراف هي الدولة المستضيفة للاستثمار والآخر من أشخاص القانون الخاص الطبيعة أو الاعتبارية، مما يحمل أية هيئة دولية أو إقليمية عبء التوافق بين سيادة الدولة وحاجتها إلى استقطاب رؤوس الأموال وبين المصالح المشروعة للمستثمر وحاجته للضمان كما يتبين لنا أن نظام المركز الدولي لتسوية المنازعات قد أخذ كل هذه الأمور بنظر الاعتبار في أحكامه وقواعده إذ تم صياغة هذه الأنظمة بصورة تمنح إرادة الطرفين نصيباً وافراً من الخيارات مع ضمان الحماية المطلوبة للاستثمارات الأجنبية في ذات الوقت، إذ يحق لأية دولة أن تصبح طرفاً في اتفاقية واشنطن، لذلك نجد من الضروري أن يكون العراق طرقاً ومنضماً إلى هذه الاتفاقية المهمة، لأنها تدعم المصالح الوطنية للبلاد، وتزيد من الإقبال على جذب رؤوس الأموال، وتساعد في التنمية الاقتصادية للعراق، كما تكون ضمان لكل من المتعاقد الأجنبي، والعراق البلد المستضيف لهذه الاستثمارات.