كان القانون المصرى ، وفقا للمادة ٨٤٨ من تقنين المرافعات ١٩٤٩ يجيز الطعن فى أحكام المحكمين بالاستئناف والتماس اعادة النظر فضلا عن دعوى البطلان . وفى تقنين المرافعات 1968، قصر المشرع إمكانية الطعن على طريق التماس إعادة النظر ودعوى البطلان . فلم يعد حكم المحكمين يقبل الطعن بالاستئناف.
وفي قانون التحكيم الحالي رقم ١٩٩٤/٢٧ تقرر عدم قابلية حكم التحكـــــيم لأى طريق من طرق الطعن التي ينظمها قانون المرافعات (مادة ١/٥٢).
وبهذا لم يعد حكم التحكيم يقبل الطعن إلا بدعوى البطلان . وأصبحت دعوى البطلان هي الوسيلة الوحيدة لمواجهة عيوب حكم التحكيم أيا كانت هذه العيوب.
والبطلان La nulite جزاء يرتبه المشرع أو تقضى به المحكمة إذا افتقــــد العمل القانوني أحد الشروط الشكلية أو الموضوعية المطلوبة لصحته قانونا ، ويؤدى هذا الجزاء إلى إفقاد العمل القانوني قيمته القانونية المفترضة (١) ومن المقرر أن التنازل مقدما عن الطعن في الحكم الصادر في الدعوى أثناء نظرها - أو قبل رفعها من باب أولى - لا يتضمن التنازل عن التمسك بالبطلان (۲) . ولقد قررت القوانين الوطنية للطرف الذى صدر ضده حكم التحكيم الحق في رفع دعوى ببطلانه في حالات محددة لو أتفق الطرفان على غير ذلك.
أن قانون التحكيم الـمــصــرى ، جعل الطريق الوحيد للرجوع على حكم التحكيم هو دعوى البطلان ، وبذلك لا يمكن الطعن على حكم التحكيم ، وفقا لأحكامه ، بأي طريق من طرق الطعن ، سواء في ذلك الطرق العادية أم الطرق غير العادية ، فهو إذن يصدر حائزا قوة الأمر المقضى .
وجدير بالذكر فى موقف قانون التحكيم المصرى الجديد رقم ٢٧ لسنة 1994 ، أنه بالرغم من أن الاتجاه السائد اعتبار حكم التحكيم عملاً قضائيا ، وبالتالي يحوز حجية الأمر المقضى مما يستتبع عدم جواز المساس بـه ، إلا بواسطة طريق من طرق الطعن التي ينص عليها القانون بالنسبة له ، وهذا الحكم لا يمكن أن يصدر إلا باتفاق طرفي النزاع على الالتجاء إلى التحكيم ، وهذا الاتفاق على التحكيم هو عقد من عقود القانون الخاص يخضع كأى عقد آخر للقواعد العامة ، وإن كان هذا لا يمنع من خضوعه لبعض القواعد التي تتفق طبيعته ، ويترتب على الطبيعة العقدية له فتح السبيل للرجوع بدعوى البطلان ضد حكم التحكيم .
ويمكن لنا أن نقول أن القانون المصرى ، يجعل الرجـــوع بدعوى البطلان ، هو الطريق الوحيد لبطلان حكم التحكيم . وهذا بخلاف القانون الانجليزى الذى يجعل الرجوع بالبطلان على حكم التحكيم احتياطيا لا يلجأ إليه إلا إذا أغلق الباب أمام الأطراف في اللجوء إلى طريق الطعن على حكم التحكيم بالاستئناف فالقانون الانجليزى يفضل المصرى في هذا الخصوص .
وهناك أنظمة أجازت الطعن بالاستئناف بالإضافة إلى الطعن ببطلان حكم التحكيم ومن ذلك التشريع القطرى الذى اتبع نظيره الفرنسى إذ جعل القاعدة العامه هي أن حكم التحكيم يكون قابلا للاستئناف إلا فى ثلاث حالات أ- إذا كان التحكيم بالصلح ب- إذا تنازل الأطراف صراحة عن حق الاستئناف جــ - إذا كان التحكيم يجرى بلا قضية فى استئناف مع وجوب الاشارة إلى أن النظام الفرنسي يفرق بين التحكيم الداخلى والتحكيم الدولى فحكم التحكيم الداخلي يقبل الطعن فيه بالاستئناف إلا إذا اتفق الأطراف على نزولهم عن هذا الحق أو كان المحكم مفوضا بالحكم وفقا لقواعد العدالة ولم يتحفظ الأطرف بإعلان تمسكهم بإمكانية الطعن بالاستئناف ويسمح المشرع الفرنسى بالنسبة للتحكيم الداخلي بالطعن في الحكم بالتماس إعادة النظر أو اعتراض الخارج عن الخصومة أما عن حكم التحكيم الدولى فلا يقبل الطعن فيه سواء بطرق الطعن العادية أو غير العادية ولا يجوز سوى إمكانية طلبه بطلانه إذا كان تحكيما دوليا تم في فرنسا أما إذا تعلق الأمر بحكم تحكيم دولى صادر في الخارج فلا يخضع الحكم التحكيمي للاستئناف أو طلب البطلان وإنما يمكن استئناف القرار الصادر بالاعتراف وتنفيذ الحكم في حالات واردة على سبيل الحصر هذا هو الاتجاه الأول لبعض الأنظمة .
والإتجاه الثاني : هو اتجاه غالبية تشريعات دول مجلس التعاون الخليجي إذ اتفقت هذه التشريعات على القاعدة العامة المقررة فى التشريعات الحديثة والتي تقضى بعدم جواز استئناف أحكام المحكمين وإن اختلفوا فيما بينهم علـى تقرير اتفاق الأطراف على خلاف ذلك.
فبالنسبة للمشرع الكويتي فقد أجاز في المادة ١٨٦ من قانون المرافعات المدنية والتجارية الطعن بالاستئناف في حكم المحكمين على سبيل الاستثناء وفقا للشروط التالية :
أن يتفق الخصوم على إمكانية الطعن بالاستئناف في حكم المحكمين .
أن يتم هذا الاتفاق قبل صدور حكم المحكمين .
أن يتم إقامة الاستئناف خلال ٣٠ يوماً تبدأ من تاريخ إيداع أصل الحكـــم إدارة الكتاب ،و١٥ يوما بالنسبة للمواد المستعجلة.
أن يتم رفع هذا الاستئناف أمام المحكمة الكلية بهيئة استئنافية.
وتأكيداً لهذا الطابع الاستثنائى المقرر للطعن في أحكام المحكمين بالاستئناف ، فقد أوردت الفقرة الثانية من المادة ١٨٦ أربع حالات لا يجوز فيهـا استئناف حكم المحكمين حتى لو اتفق الخصوم على خلاف ذلك وتتمثل هذه الحالات في:
1 - إذا كان المحكم مفوضاً بالصلح ، وفي هذه الحالة لا يجوز الاستئناف حتى لو اتفق الخصوم قبل صدور الحكم على الاستئناف . وعلة ذلك أن طبيعة التحكيم مع التفويض بالصلح تتعارض مع طبيعة وإجراءات الاستئناف ونظمه المطبقة ، حيث يصعب تعايش النظامين معا ؛ لأن محكمة الاستئناف ملزمة بالفصل طبقاً للقانون بينما محكمة التحكيم في هذه الحالة غير مقيدة بالقانون
2 - الحكم الصادر عن محكم في الاستئناف ، وفى هذه الحالة لا يجوز الاتفاق على الاستئناف ؛ لأن التحكيم هنا يتناول دعوى مطروحة على محكمة الاستئناف ، وقد سبق الفصل فيها بواسطة محاكم أول درجة بمحاكم الدولة.
3- الحكم الصادر فى منازعة لا تتجاوز قيمتها ألف دينار ؛ لأن قيمة الدعوى فـــــي هذه الحالة أقل من نصاب الاستئناف ، ويمثل النصاب النهائي للمحكمة الجزئية .
4 الحكم الصادر عن هيئة التحكيم القضائي المنصوص عليها في المادة ١٧٧ من قانون المرافعات
وينتقد أغلب الفقه عدم إتاحة القانون المصرى الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم التحكيم .
ونحن لا نؤيد الرأى الذي يذهب إلى أن تعدد طرق الطعن يؤدى إلى عدم فاعلية التحكيم للأسباب الآتية :
1- الطعن بالالتماس يعتبر طريق طعن غير عادى للأحكــام التـي تــصــدر بصفه نهائيه ، وذلك لمواجهة الخطأ فى الواقع . فإن كان طريق الاستئناف مفتوحا أمكن تصحيح الحكم دون الحاجة إلى طريق الالتماس ، ولقد أعطى المشرع الفرنسي للأطراف الحق في اللجوء إلى الالتماس إذا كانوا قد اتفقوا على أن حكم التحكيم لا يقبل الاستئناف (۳) ، أو إذا كان التحكيم بالصلح ولم يتفق الأطراف على الاستئناف ، ويفهم ذلك من عبارة نص المادة ١٤٩١ مرافعات فرنسي التي جعلت الطعن بالتماس حكم المحكم طبقا للحالات المنصوص عليها بالنسبة للأحكام القضائية.
2- لم يجعل المشرع المصرى كل أسباب التماس إعادة النظر التي تضمنتها المادة [٢٤١ مرافعات] ضمن أسباب دعوى البطلان ، وإنما لم يجعل من تلك الأسباب - أسباب دعوى البطلان - الحالات التالية :
أ- إذا وقع من الخصوم غش كان من شأنه التأثير في الحكم.
ب - إذا حصل بعد الحكم إقرار بتزوير الأوراق التي بني عليها أو قضي بتزويرها.
ج- إذا كان الحكم قد بنى على شهادة شاهد قضى بعد صدوره بأنها مزورة .
د - إذا حصل الملتمس بعد صدور الحكم على أوراق قاطعة في الدعوى كـــان خصمه قد حال دون تقديمها
٣- يقوم التحكيم كنظام قانونى على مشيئة الأطراف ، وكان الأولى أن يعطى المشرع لإرادة الأطراف الحق في عرض حكم التحكيم على قضاء الدولة إن هم اتفقوا على ذلك.
ولا يمكن أن يكون السبب الذى يبتغيه المشرع المصرى من عدم إجازتــــه للطعن بالاستئناف هو سرعة حسم النزاع ، لأن الواقع العملى ينبئ بغير ذلك على النحو التالي
أولاً : الطعن بالاستئناف يستوعب أسباب دعوى البطلان وأسباب التماس إعادة النظر ، فإذا كان طريق الاستئناف مفتوحا لم يكن هناك حاجة إلى طرق الطعن الأخرى .
1 - الرقابة التحكيمية على مشروع حكم المحكمين :-
هذه الرقابة تمارسها الهيئات المنظمة للتحكيم . والقصد منها ضمان خلو قرار المحكمين من العيوب وضمان فاعليته القانونية بتنقيته من العيوب التي تشوب عدم صحته . فهيئة التحكيم تتعهد كما تنص المادة (۲۱) من لائحة التحكيم بغرفة التجارة الدولية على سبيل المثال بأن تبذل قصارى جهدها لأجل أن يصبح حكم المحكمين قابلا للتنفيذ قانونا
وتأخذ هذه الرقابة الذاتية شكلين فى الواقع العملي هما :-
(أ) الرقابة التي يعهد بها إلى هيئة دائمة مشكلة من أعضاء معينين بواسطة هيئة التحكيم . وبصفة عامة يقع على كاهل هذه الهيئة عبء إدارة التحكيم . وقد يكون دور هذه الهيئة الوحيد هو رقابة فحوى أحكام المحكمين الصادرة في قلب الغرفة أو المركز. وأبرز الأمثلة على ذلك الدور الذي تقوم به محكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية
. ومما له فائدة من ذكره في هذا المقام ، أن العقد ، يكون باطلا بطلانا مطلقا ، فى حالة عدم توافر ركن من أركانه ، بالإضافة إلى ركن الكتابة بالنسبة للعقود الشكلية - ومنها اتفاق التحكيم - والتسليم بالنسبة للعقود العينية ، أى أن العقد الباطل ، لا وجود له من الناحية القانونية ، فهو معدوم أمــام القـانون وبالتالي لا ينتج أية آثار قانونية . وهو يتصف بهذه الصفة بأثر رجعى أى منذ إبرامه ، وهذا لا يستقيم مطلقا مع نص المادة ١/٥٣ ، التي نصت على جواز رفـــــع دعوى بطلان حكم التحكيم ، إذا لم يوجد اتفاق التحكيم أو كان الاتفاق باطلا ، إذن كون الاتفاق باطلا هو مجرد تكرار لحالة عدم وجود اتفاق التحكيم . أما العقد القابل للإبطال فيتصف بهذه الصفة ، إذا لم تتوافر شروط صحة التراضي وهـــى الأهلية وسلامة الإرادة من العيوب . وهو عقد موجود قانونا ، وليس هناك فرق بينه وبين العقد الصحيح من الناحية القانونية ، سوى أنه مهدد بالانعدام من الوجود القانوني ، فإذا تقرر إيطاله ، فإن آثاره القانونية تنمحى بأثر رجعى منذ إبرامـــــه ، فيستوى معا العقد.