يختلف موقف القوانين الوطنية من طرق الطعن في حكم التحكيم إنما تتفق جميعها على جواز الطعن ببطلانه بدعوى البطلان الاصلية، ويختلف هذا الموضوع في النظام الوطني عنه في النظام الدولي الذي يعنى أساسا بالاعتراف بأحكام التحكيم التجاري الدولي وتنفيذها . ونقسم دراستنا إلى مبحثين نتكلم في الأول عن طرق الطعن في حكم التحكيم ونكرس الثاني لبطلانه .
ويندرج في الطائفة الأولى من القوانين الوطنية قانون المرافعات الفرنســــي وقــــانون المرافعات الكويتي.
ففي ظل قانون المرافعات الفرنسي يجوز الطعن في حكم التحكيم بالاستئناف ما لم يتنازل الطرفان في اتفاق التحكيم ، لكن يفلت حكم التحكيم من الطعن فيه بالاستئناف إذا كان صادرا من محكم طليق إلا إذا احتفظ الطرفان صراحة في اتفاق التحكيم برخصة الطعن فيه بالاستئناف paroid lappel إنما لم يجز المشرع الفرنسي الطعن في حكم التحكيم بالمعارضة opposition أو بالنقض pourvoi en cassation و إن أجاز الطعن فيه باعتراض الخارج عن الخصومة tierce opposition أمام المحكمة المختصة أصلا بالنزاع فيما لو لم يوجد اتفاق على التحكيم ، كما أجاز الطعن فيه بالتماس إعادة النظر recours en révision (4) أمام محكمة الاستئناف المختصة . ويلاحظ بوجه عام أن المشرع الفرنسي يتشدد في شروط وحالات الطعن في حكم التحكيم سواء كانت طرق الطعن عادية أو غير عادية .
وإذا كان الأصل في القانون الفرنسي جواز استئناف حكم التحكيم وجواز النزول عن هذا الطعن في اتفاق التحكيم فان الأصل في القانون الكويتي هو عدم جواز استئناف حكم التحكيم وجواز الاتفاق - قبل صدوره - على رخصة استئنافه . فقد نصت المادة ١/١٨٦ مرافعات كويتي على أنه لا يجوز استئناف حكم المحكم إلا إذا اتفق الخصوم قبل صدوره على خلاف ذلك. ويرفع الاستئناف عندئذ أمام المحكمة الكلية بهيئة استئنافية ويخضع للقواعد المقررة لاستئناف الأحكام الصادرة من المحاكم ، ويبدأ ميعاده من إبداع أصل الحكم إدارة الكتاب" . ومع ذلك لا يجوز للطرفين الاتفاق على رخصة استئناف حكم التحكيم في الحالات المقررة في المادة ٢/١٨٦ مرافعات كويتي التي تنص على أنه مع ذلك لا يكون الحكم قابلا للاستئناف إذا كان المحكم مفوضا بالصلح أو كان محكما في الاستئناف أو كانت قيمة الدعوى لا تتجاوز خمسمائة دينار .... ومن جهة أخرى لم يجز قانون التحكيم القضائي الكويتي رقم 11 لسنة ١٩٩٤ الطعن في حكم التحكيم الصادر من هيئة التحكيم إلا بطريق التمييز في الأحوال التي حددتها المادة العاشرة من هذا القانون .
أما طائفة القوانين الوطنية التى تحظر الطعن في حكم التحكيم مطلقا ولا تسمح إلا بدعوى البطلان الأصلية فيندرج فيها القانون المصري. فقد نصت المادة ١/٥٢ من قانون التحكيم المصري صراحة على أن لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لاحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية". وعلى ذلك لا تقبل أحكام التحكيم ، في ظل القانون المصرى الطعن فيها بالاستئناف ولا بالتماس إعادة النظر ، كما لا تقبل الطعن فيها بالنقض . وبالتالي لا يبقى أمام المحكوم ضده إلا طلب بطلان حكم التحكيم عملا بالمادة ٢/٥٢ من قانون التحكيم المصري .
وإذا كانت هذه الاتفاقية لم تجز من طرق الطعن في حكم التحكيم إلا التماس إعادة النظر فإن نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية قد حظر الطعن في حكم التحكيم بأي طريق من طرق الطعن . فقد نصت المادة ٢٤ من هذا النظام على أن حكم المحكمين نهائي وأن الطرفين يلتزمان ضمنيا ، نتيجة لإخضاع نزاعهما لتحكيم الغرفة ، بتنفيذ الحكم الذي يصدر دون إبطاء ويتنازلان عن مباشرة طرق الطعن التى يجوز لهما التنازل عنها قانونا . وحيث لا تعتد معظم القوانين الوطنية بتنازل الطرفين عن الطعن في حكم التحكيم بدعوى البطلان الأصلية وتجيز لأي منهما إقامة هذه الدعوى ولو سبق التنازل عنها فانه لا يجوز الطعن في أحكام التحكيم الصادرة من غرفة التجارة الدولية ، وفقا لهذه القوانين إلا بالبطلان .
ولقد سار في نفس الاتجاه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، حيث لاحظت لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي أن القوانين الوطنية تسمح بمجموعة متنوعة من طرق الطعن في أحكام التحكيم فضلا على تفاوتها في تحديد الفترة الزمنية التي يجوز فيها الطعن وعادة ما تكون فترة زمنية طويلة لا تتناسب مع السرعة المطلوبة في الحصول على أحكام تحكيم نهائية كما لاحظت اللجنة أن أسباب الطعن بالطرق التي تحددها القوانين الوطنية تتباين تباينا شاسعاً من قانون لآخر ، لذا حرصت اللجنة على أن يعالج القانون النموذجي للتحكيم هذا الوضع بالنص على قاعدة موحدة تقطع دابر هذه المشكلة التي تحول دون الحصول على حكم تحكيم نهائي سريع. وتمثلت هذه القاعدة في عدم قابلية أحكام التحكيم الصادرة وفقا للقانون المذكور للطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن العادية أو غير العادية، حيث لم يجز سوى الطعن فيها بالبطلان ويظهر ذلك مما نص عليه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي من أنه لا يجوز الطعن في حكم التحكيم أمام إحدى المحاكم إلا بطلب إلغاء ، وهو الطلب الذي تعادله، في القوانين الوطنية دعوى البطلان الأصلية.
ومن نافلة القول أن الحد من طرق الطعن في أحكام التحكيم وحظرها ييسر من الاعتراف الدولي بها وتنفيذها في إقليم الدولة التى يطلب إليها ذلك ، حيث تشترط القوانين الوطنية واتفاقيات و أنظمة التحكيم التجاري الدولي - على السواء أن يكون الحكم نهائيا كشرط لهذا الاعتراف والتنفيذ كمبدأ عام. ولقد ورد هذا الشرط في المادة ٥/هـ من اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٥ بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، حيث نصت على جواز رفض الاعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها إذا ثبت أن الحكم لم يصبح ملزما للخصوم أو ألغته السلطة المختصة في البلد الذي صدر فيها أو صدر وفقا لقانونها . كذلك كانت المادة الأولى (فقرة د) من اتفاقية جنيف لعام ١٩٢٧ بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية قد فصلت الشرط المذكور بما نصت عليه من أنه لا يجوز الاعتراف بحكم التحكيم أو تنفيذه إذا ثبت أنه لم يصبح نهائيا définive في البلد الذي صدر فيه ويكون الأمر كذلك إذا كان الحكم قابلا للطعن فيه بالمعارضة أو بالاستئناف أو بالنقض
(في الدول التي تجوز فيها هذه الطرق) أو إذا ثبت اتخاذ إجراء يهدف إلى المنازعة في صحة حكم التحكيم متى كان هذا الإجراء لا يزال قائما عند طلب الاعتراف بالحكم أو تنفيذه . ولنا عودة أخرى إلى هذه الموضوع.