من حيث إن الالتزام بالمبادئ الأساسية لضمانات التقاضي كان نهج المشرع عندما وضع تنظيماً تشريعياً للتحكيم المبني على إتفاق الخصوم، وهو التنظيم الذي إندرجت أحكامه في الباب الثالث من الكتاب الثالث من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨ ، فهو وإن حظر الطعن على أحكام. المحكمين بطرق الطعن العادية وغير العادية، إلا أنه أجاز الطعن عليها بدعوى البطلان التي نظمت أحكامها المادتان (٥۱۲) و ٥١٣) من هذا القانون. وإذ صدر القانون رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية فإن المشرع ظل ملتزماً بمنهجه في كفالة الضمانات الأساسية للتقاضي، فهو وإن حظر الطعن على أحكام المحكمين على نحو ما كان مقرراً من قبل إلا أنه أجاز الطعن عليها بدعوى البطلان التي نظم أحكامها في المادتين (٥٣ و ٥٤) منه، وحيث إن حاصل ما تقدم أن المشرع، وإن قرر قاعدة عامة في شأن أحكام المحكمين التي تصدر في منازعات التحكيم التي تبنى على إتفاق الخصوم، هي حظر الطعن عليها بطرق الطعن العادية وغير العادية، بتقدير أن اللجوء لهذا النوع من التحكيم إنما ينبني في شأنه وإجراءاته وما يتولد عنه من قضاء، على إرادة الاختيار لدى أطرافه التي تتراضى بحريتها على اللجوء إليه كوسيلة لفض منازعاتهم بدلاً من اللجوء إلى القضاء، إلا أنه في توازن مع تقريره حجية لهذه الأحكام وجعلها واجبة النفاذ، عمد إلى مواجهة حالة أن يعتور عمل المحكمين عوار يصيب أحكامهم في مقوماتها الأساسية بما يدفع بها إلى دائرة البطلان بمدارجه المختلفة، فكانت دعوى البطلان هي أداته في تحقيق التوازن الذي به تتوافر ضمانة من الضمانات الأساسية للتقاضي، وهو بهذا قد بلغ نتيجة قوامها أنه إذا كانت القاعدة العامة هي جواز الطعن على أي حكم يصدر من المحاكم بمختلف درجاتها وأنواعها بدعوى البطلان، فضلاً عن جواز الطعن عليها بطرق الطعن الأخرى، فإن أحكام المحكمين التي تصدر طبقاً لأحكام قانون التحكيم في المــواد المدنية والتجارية وإن لم تكن قابلة للطعن عليها بطرق الطعن العادية وغير العادية إلا أنها تشارك أحكام المحاكم الأخـرى فـــي جواز الطعن عليها بدعوى البطلان التي نظمها القانون الأخير.
(دستورية عليا ۲۰۰٣/٥/١١ في القضية رقم ۹٥ لسنة ٢٠ق. دستورية)