أولا، نطاق البطلان
1- من خلال تحديد حكم التحكيم الخاضع للبطلان:
تختلف الأنظمة القانونية المعاصرة بشأن تحديد حكم التحكيم الخاضع للبطلان، ويمكن التفرقة في هذا الصدد بين اتجاهين:
أ. الاتجاه الأول "الواسع"
ووفقًا له يخضع أي حكم تحكيمي للبطلان وذلك بغض النظر عن مكان صدوره سواء كان صدر في إقليم الدولة المرفوع أمام قضائها الطعن بالبطلان أو كان قد صدر في الخارج بالتطبيق لقانونها، بينما تذهب أنظمة قانونية أخرى تدرج أيضًا في إطار هذا الاتجاه الموسع للقضاء ببطلان حكم التحكيم إلى عدم الاختصاص بنظر دعاوى البطلان إلا تلك المقامة ضد أحكام تحكيم صدرت في إقليم الدولة التي التمس من قضائها الحكم بالبطلان.
ب، الاتجاه الثاني "الضيق"
هناك أنظمة قانونية تضيق من نطاق اختصاص القضاء الوطني بالبطلان وتجعله لا يختص إلا بحالات معينة تمس النظام الوطني وبالتالي لا يختص هذا على إقليم هذه الدولة.
القضاء بنظر دعاوى البطلان الأخرى حتى لو كانت أحكام التحكيم قد صدرت علي إقليم هذه الدولة.
ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن الرجوع على حكم التحكيم في دولة مقر التحكيم على الرغم من أنها لا توجد بين الأطراف فيها وهذه الدولة أية صلة يشكل العقبة الكبرى ضد تطور التحكيم الدولي، وتزداد هذه الخطورة بالنظر إلى معاهدة نيويورك الموقعة عام 1958 بشأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية، إذ نجعل من بين الأسباب التي تنص عليها من أجل رفض تنفيذ حكم التحكيم، أن يكون حكم التحكيم قد تم إبطاله في الدولة التي صدر فيها، وبالتالي فإنها تعترف بقيمة دولية للاختلافات القائمة في الأنظمة الوطنية، إذ إنه من الممكن أن حكم التحكيم الصحيح في دولة كل من طرفيه، لا يمكن تنفيذها بالتطبيق لأعمال معاهدة نيويورك، لمجرد أنه تم إبطاله في دولة مقر التحكيم وهو أمر خطير للغاية.
موقف المشرع الجزائري:
لم يتطرق المشرع الجزائري لنطاق البطلان من خلال تحديد حكم التحكيم الخاضع للبطلان بالنسبة للتحكيم الداخلي أما بالنسبة للتحكيم الدولي فجاء في نص المادة 1/1058 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية أنه: "يمكن أن يكون حكم التحكيم الدولي الصادر في الجزائر موضوع طعن بالبطلان في الحالاتالمنصوص عليها في المادة 1056 ". فنجد أن هناك نتيجتين الأولى إيجابية والأخرى سلبية تترتب على هذه الصياغة، والنتيجة الأولى الإيجابية تفيد أن مجرد صدور حكم التحكيم في الجزائر يكفي في حد ذاته لانعقاد الاختصاص للمحاكم الجزائرية بنظر دعوى الطعن بالبطلان المرفوعة ضد هذا الحكم، وذلك حتى إذا كان الحكم قد صدر في منازعة دولية لا تتصل بالنظام القانوني الجزائري بأي عامل من العوامل اللهم إلا مجرد وجود مقر التحكيم في فرنسا.
ويتحقق في هذا الإجراء مجموعة من المزايا بعضها نابع من هذا الضابط في حد ذاته، وبعضها مرجعه عدم ملاءمة الضوابط الأخرى كأساس لتقرير اختصاص القضاء الوطني والفصل في دعاوى بطلان أحكام التحكيم لا سيما لما يترتب عليها من آثار سلبية.
إذا ينطلق هذا الرأي من مبدأ توزيع الاختصاص بين الدول المختلفة المعنية بالحكم التحكيمي وهو مبدأ متبع في الأنظمة القانونية للعديد من الدول، بل ويسيطر على المعاهدات الدولية الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم.
ووفقًا له تختص دولة مقر التحكيم اختصاصًا قاصرًا عليها بنظر دعاوى البطلان المقامة ضد الحكم التحكيمي، وبالتالي لا تملك الدول الأخرى المطلوب تنفيذ الحكم التحكيمي فيها أو الاعتراف به على إقليمها إلا قبول أو رفض ترتيب هذا الحكم لآثاره في نظامها القانوني.
كما أن هذا الإجراء يتحاشى ظاهرة أحكام التحكيم غير المتصلة بأي نظام قانوني والتي يمكن أن تكون معيبة بعيب جسيم وقد لا توجد أية دولة مختصة بتوقيع الجزاء المترتب على ما لحق بها من عيب.
والمعيار الذي تبنته المادة 1058 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية يعطي أهمية قصوى للمكان الذي تم إصدار حكم التحكيم فيه.
ومع ذلك فإن الطابع البسيط والواضح الذي يميز هذا المعيار لا يعني أن المشاكل التي قد تصادف تحديده في ظروف معينة قد تم إنجازها.
فعلى سبيل المثال عندما تحدد الأطراف أو مؤسسة تحكيمية نزولًا على إرادة الأطراف مقر التحكيم في مكان فإنه قد يحدث لأي يتعلق بالسهولة، أن يتم انعقاد بعض جلسات التحكيم في مكان آخر.
(111)