ذكرنا إن طريق الالتماس إعادة النظر يعتبر طريقا من طرق الطعن غير العادية في الأحكام الصادرة من محاكم الدولة، ويحتفظ أيضاً بهذه الخاصية عند الطعن به في أحكام المحكمين، وإن اختلفت التشريعات على النص عليه، فمنها ما نصت عليه ولم تفرق بينه وبين الأحكام الصادرة من محاكم الدولة، ومنها من جعلته إحدى أوجه الطعن بالإبطال أو البطلان، ومنها ما لم تنص عليه على الإطلاق، ومن هذه التشريعات الأخيرة التي لم تنص على الطعن في حكم المحكمين بالتماس إعادة النظر: المشرع المصري، والمشرع الأردني.
وسبق أن رأينا أن الحالات التي جاء بها قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة (1994) والتي حددتها المادة (53) ، وكذلك الحالات التي جاء بها قانون التحكيم الأردني رقم (31) لسنة (2001) والتي حددتها المادة (49)، والتي تعتبر أسبابا لرفع دعوى بطلان حكم التحكيم، لا يوجد من بينها الحالات التي يبنى فيها الحكم على الغش، أو شهادة الزور، أو غياب مستند قاطع في الدعوى حال الخصم دون تقديمه.
وقد أثار موقف المشرع المصري آنذاك سؤلا لم يجد جوابا شافياً، وما زال يتردد حتى الآن، وها نحن نردده مضيفين إليه سؤالاً أخر فيما يتعلق بموقف المشرع الأردني، لنتساءل عن الحكمة التي يذهب إليها المشرع المصري، وكذلك الأردني من استبعاد الطعن في حكم المحكمين بالتماس إعادة النظر، وحماية هذا الحكم، حتى مع وجود غش من الخصم كان من شأنه التأثير الحكم، أو حتى مع وجود تزوير المستندات التي بني عليها الحكم، أو صدور الحكم بناء على شهادة قضي بأنها مزورة بعد صدور الحكم، أو حصول الخصم على أوراق فاصلة في الدعوى وكان من شأنها تغيير الحكم لو أن الخصم لم يحول دون تقديمها.
كما دفع هذا الوضع بعض الفقه إلى القول بأنه يجب ألا تفسر أسباب دعوی البطلان تفسيرا ضيقا باعتبارها السبيل الوحيد لإصلاح العوار الذي قد يصيب حكم التحكيم، إذ إن هذه الأسباب جامعة وتتسع لما لا يتصور أنها لا تتسع له، بالإضافة إلى أن أبناء الحكم على غش، أو ورقة ثبت تزويرها بعد الحكم، أو حصل الخصم على أوراق يتغير بها وجه الحكم، حال خصمه دون تقديمها، هو مخالف للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها التقاضي، والتي تتعلق بالنظام العام، مما يسمح لصاحب المصلحة إعلان رئيس المحكمة المختصة بإصدار أمر التنفيذ بالامتناع عن إصداره لمخالفة الحكم للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها التقاضي، وذلك وفقا للفقرة الثانية (ب) من المادة (58) من قانون التحكيم.
وفي طرح آخر لبعض الفقه يرى أنه يمكن إدراج حالات التماس إعادة النظر، تحت الفقرة الأولى (ز) من المادة (53) من قانون التحكيم، والتي تنص على أنه: "... أو كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلانا أثر في الحكم".
والحقيقة إن المادة (53) من قانون التحكيم المصري، والمادة (49) من قانون التحكيم الأردني قد حددتا حالات رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، تحديدا على نحو يستحيل معه رفع دعوى البطلان لسبب آخر لم يرد من ضمنها.
وهذا ما أكدته محكمة استئناف القاهرة، حيث قضت بأن حالات رفع دعوى بطلان حكم التحكيم، الواردة في الفقرة الأولى من المادة (53) من قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة (1994) قد وردة على سبيل الحصر وإذ إنه لابد من توافر إحدى هذه الحالات لوقوع بطلان في حكم التحكيم.
ومع ذلك فإن الأمر ليس بهذه السهولة المتصورة، إذ إن التسليم بهذا القول على إطلاقه يرتب مشاكل جمة، وخطورة يصعب تداركها، مما يؤدي في النهاية إلى صدور حكم معيب قابلاً للتنفيذ.
وهذا ما دفع بعض الفقه إلى القول بأنه يمكن الطعن في حكم المحكمين بالتماس إعادة النظر، إذا صدر الحكم بناء على غش أحد الخصوم، حتى بعد فوات ميعاد رفع دعوى البطلان، ويبرر هذا الفقه منطقه على أساس إن احترام النص القانوني يجب ألا يرجح على حساب العدالة، وإن الإبقاء على هذا الوضع قد يؤدي إلى صدور أحكام مبنية على غش، وهذا الوضع يتنافى مع العدالة المنشودة من اللجوء إلى التحكيم.
إلا إنه في واقع الأمر لا يمكن مخالفة النص القانوني الواضح الذي نصت عليه المادة (52) من قانون التحكيم، والذي جاء ليمنع الطعن بحكم التحكيم بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.
وحيث إن الأصل أن حكم التحكيم شأنه شأن الأحكام الصادرة عن المحاكم العادية، لا يمكن التظلم منه إلا بسلوك طريق الطعن الذي رسمه القانون على سبيل الحصر، وبالتالي فإنه لا يجوز الطعن على أحكام التحكيم بغیردعوی البطلان، ولا أعتقد أن هناك من يستطيع الجزم باستحالة أن يبني حكم التحكيم على غش أو تزوير مثلاً، فلماذا إذن نحول بين المحكوم عليه وحقه الطبيعي في الطعن بالتماس إعادة النظرة؟
وقد فرق القانون الكويتي بين ميعاد رفع دعوى البطلان، وميعاد الطعن بالتماس إعادة النظر، بالرغم من أنه أجاز الطعن بهذا الطريق ضمن الأسباب التي تجيز رفع دعوى البطلان، حيث أحال میعاد إقامة الطعن في أحكام التحكيم بالتماس إعادة النظر إلى نص المادة (149) من قانون المرافعات، وقد قرر ذلك في المادة (187) من قانون المرافعات، والتي تنص على أن: "ترفع دعوى البطلان إلى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى وذلك خلال ثلاثين يوما من إعلان الحكم ويبدأ هذا الميعاد وفقا لأحكام المادة (149) في الحالات التي يتحقق فيها سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها إعادة النظر".
وتنص المادة (149) من قانون المرافعات على أن: "ميعاد الالتماس ثلاثون يوما. ولا يبدأ في الحالات المنصوص عليها في الفقرة (أ وب وج) من المادة السابقة.
وقد أجاز المشرع اللبناني الطعن في حكم المحكمين بالتماس إعادة النظر (إعادة المحاكمة)، إذا كان حكم التحكيم غير قابل للاستئناف، حيث نصت المادة (1/808) من قانون أصول المحكمات المدنية، على أنه: "يقبل القرار التحكيمي الطعن بطريق إعادة المحاكمة للأسباب وبالشروط المعينة للطعن في الأحكام بهذا الطريق".
وأجاز المشرع الفرنسي للأطراف الطعن في حكم المحكمين الداخلي الوطني بالتماس إعادة النظر، وفي ذات الشروط والحالات المحددة للطعن في الأحكام الصادرة عن محاكم الدولة، والواردة في المادة (595) من قانون المرافعات.
والملاحظ أن رفع الطعن بالتماس إعادة النظر أو الفشل فيه (من جانب الخصم) لا يفيد التنازل عن رفع دعوى بطلان حكم المحكمين، والعكس صحيح أيضا، بمعنى أن رفع دعوى بطلان حكم المحكمين من جانب الخصم، لا يسقط حقه في الطعن في حكم المحكمين بالتماس إعادة النظر، بشرط أن يكون ميعاد الطعن بالتماس إعادة النظر ما زال ممتدا.
كما يجدر الملاحظة أن قانون المرافعات الفرنسي يجيز الطعن بالتماس إعادة النظر في حكم التحكيم، ولو فوت الخصم على نفسه ميعاد الطعن بالاستئناف، إذا توافرت إحدى الحالات المنصوص عليها في المادة (595) من قانون المرافعات.
ويقرر البعض أن المشرع الفرنسي قد بنا هذا الرأي استنادا على مبدأ أن الغش يفسد كل شيء، حيث إن الاعتبارات التي ينبني عليها أسباب الالتماس تعلو عما يترتب على تفويت الخصم لميعاد الاستئناف.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا المقام هو: هل يجوز الاتفاق بين الأطراف على التنازل عن الطعن في حكم المحكمين بالتماس إعادة النظر؟
يقرر بعض الفقه عدم صحة الاتفاق الذي يتم بين الأطراف على التنازل المسبق عن الطعن بطريق التماس إعادة النظر، وذلك لأن الطعن بهذا الطريق يرمي إلى سحب أو إلغاء الحكم، الذي يقوم على الغش، أو التزوير وهو أمر متعلق بالنظام العام.
وعلى هذا الأساس، فإنه يحق للخصوم في حال الاتفاق على التنازل عن طريق الالتماس قبل العلم بالتزوير أو الغش أن يتبعوا هذا الطريق الذي رسمه القانون عند العلم بالسبب.
وقد تنبه القضاء الفرنسي إلى ذلك، إذ أجازت محكمة النقض الفرنسية) وأحد أحكامها - وفقا للمبادئ العامة للقانون - لهيئة التحكيم طالما أنها لا تزال منعقدة أو يمكن أن تجتمع من جديد سحب حكمها الصادر في فرنسا في مجال التحكيم الدولي، إذا كان هذا الحكم مبنياً على غش.
وقد تنبهت أيضا بعض الأنظمة الأوروبية إلى هذا الموقف، فشرعت وأجازت الطعن على أحكام التحكيم الدولية بطريق التماس إعادة النظر، حيث نصت المادة (1068) من قانون المرافعات الهولندي، على جواز الطعن بالتماس إعادة النظر أحكام التحكيم، إذا توفرت أحد الحالات التي تسمح باتباع هذا الطريق ولو كانت الأحكام دولية.