اختلفت القوانين موضوع الدراسة في إجازتها للطعن بالاستئناف في أحكام المحكمين، ففي الوقت الذي أجاز فيه القانون الكويتي، والقانون اللبناني، والقانون الفرنسي، منع القانون المصري، والقانون الأردني الطعن بهذا الطريق.
وحيث إن القاعـدة العامـة بأنـه لا يجـوز ولـوج أي طـريـق مـن طـرق الطعـن في الأحكام، إلا في الحالات التي يقررها القانون، فإنه يتعين على المحكمة التي تنظر الطعن في حال مخالفة هذه القاعدة، أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الطعن لتعلق ذلك بالنظام العام، ولا فرق في ذلك بين إحكام التحكيم وأحكام القضاء.
وبالتأكيد ينطبق هذا القول فيما يتعلق بالقانون المصري، على حكم التحكيم الداخلي، سـواء كـان حكـم تحكيم وطـني أو دولي، وحكـم التحكيم التجـاري الدولي الذي يصدر في الخارج بناء على اتفاق الأطراف بتطبيق قانون التحكيم المصري على إجراءاته.
ولا يختلف ما جاء به المشرع المصري في قانون التحكيم الحالي ـ مـن منع الطعن في حكم التحكيم بالاستئناف ـ عـن موقفـه الـذي كـان يتبنـه في قواعد التحكيم الملغاة التي كان ينظمها قانون المرافعات الحالي (1968)، حيث كانت المادة (510) تنص على أن: "أحكام المحكمين لا تقبل الطعن فيها بالاستئناف".
إلا أن طريق الطعـن بالاستئناف في أحكام المحكمـيـن كـان مـقـرراً في المادة (874) من قانون المرافعات المصري، القديم رقم (77) لسنة (1949)، وكانت الفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أنه: "يجوز استئناف الأحكام الصادرة من المحكمين طبقاً للقواعد المقررة لاستئناف الأحكام الصادرة في المحاكم".
وبالنظر في موقف قانون المرافعات الكويتي الحالي، نجده متقارباً مع موقف هذا القانون الأخير، حيث إنه أجاز اتباع طريق الطعن بالاستئناف إذا كان التحكيم طبقاً للقانون، ولم يجزه كذلك إذا كان التحكيم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف.
إلا أن قانون المرافعـات الكـويتي ـ وإن أجـاز الطعـن بالاستئناف في أحكـام المحكمين ـ قـد ضـيـق مـن نطاقه، نظراً للأصـل الاتفاقي لعمـل المحكم، حيث اشترطت المادة (186) من قانون المرافعات عدة شروط لجواز اللجوء إلى الاستئناف:
الشرط الأول: أن يتم الاتفاق على اللجوء إلى الاستئناف بإرادة الطرفين معاً، إذ إنه لا يكفي أن يتم الاحتفاظ بهـذا الحـق بـإرادة أحد الأطراف، لأن الأصـل هـو عـدم جواز استئناف حكم المحكمين، إلا إذا تحفظ الأطراف واتفقوا على جوازه.
أمـا الشرط الثاني: فيجـب أن يتفـق الأطـراف على اللجوء إلى الاستئناف قبـل صـدور الحكـم، وهـذا يعني أن المشرع الكـويتي لا يشترط أن يكـون احتفـاظ الأطراف بحق اللجوء إلى الاستئناف عند إبرام اتفاق التحكيم.
وإضافة إلى الشرطين السابقين: يجب أن يكون التحكيم وفقاً لقواعد القانون، وأن يكون قانون المرافعات يسمح بذلك ـ حيث ذكرنا ـ بأن القانون الكويتي لا يسمح باللجوء إلى الطعن بالاستئناف في أحكام المحكمين، ويقصر الأمر على رفع دعوى البطلان إذا كان التحكيم طبقاً لقواعد العدالة والإنصاف، أو كان الحكم صادراً ضمن الحالات التي لا يجيز القانون فيها الاستئناف حتـى لـو كـان التحكيم طبقاً للقانون.
لكن ما يجدر الإشارة إليه بأنه إذا كان هناك اتفاق بين الأطراف علـى جـواز الاستئناف، فإنـه يستفاد مـن ذلـك أنهم لم يعفـوا المحكـم مـن التقيد بالقانون، لأن القانون الكويتي لا يجيز الاستئناف في حالة عدم التقيد بالقانون، وفي ذات الوقت إذا اتفق الأطراف على إعفاء المحكم من التقيد بالقانون، فان ذلك يعني التنازل عن حق الاستئناف.
أما فيما يتعلق بالقانون الفرنسي، فقد جاء في نص الفقرة الأولى مـن المـادة (1482) مـن قـانون المرافعات ، على أن حكم التحكيم الداخلي (الـوطني) يقبـل الطعن فيه بالاستئناف، وهو الأصل إذا كان المحكم مقيداً بالقانون، إلا إذا اتفق الأطراف على التنازل عنه صراحة في اتفاق التحكيم، أو ضمنياً، وفي ذات الوقت يقبل حكم التحكيم المفوض بالحكم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، الطعن فيه بالاستئناف إذا تضمين اتفاق التحكيم ما يفيد صراحة تمسك الأطراف بذلك (2/1482 مرافعات فرنسي).
أما بالنسبة لقانون المرافعات الكويتي، فإن الأصـل هـو عـدم جـواز اتباع طريق الطعن بالاستئناف إلا إذا اتفق الأطراف على جوازه، وكان القانون يسمح بذلك، بما يعني أن اتباع طريق الطعن بالاستئناف هـو طـريـق استثنائي وفقاً للقانون الكويتي ، يحتاج إلى توافق إرادة الأطراف عليه لاتباعه.
ويتـضـح لنـا ـ أيـضاً ـ أن القاعدة في القانون الفرنسي علـى عكـس القـانون الكويتي، فيما يتعلق بجواز الطعن في حكم التحكيم بالاستئناف، في حال إن كأن التحكيم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، حيث إن القانون الفرنسي يجيز ـ والحالة هذه ـ للأطراف الاتفاق في اتفاق التحكيم على الاحتفاظ بطريق الطعن بالاستئناف، أما القانون الكويتي فلا يجيز للأطراف الاتفاق على ذلك مطلقاً.
والجدير بالملاحظـة أن حكـم التحكيم الصادر في فرنسا في منازعـة تتعلـق بالتجارة الدوليـة، وكـذلك حكـم التحكيم الصادر في الخارج، لا يقبـل الطعـن بالاستئناف أمام المحاكم الوطنية الفرنسية في أي حال من الأحوال، وذلك بسبب الطابع الآمر للنصوص المنظمة لطريق الطعن في حكم التحكيم الداخلي، وكذلك بالمنع من إخضاع حكم التحكيم الخارجي لطرق الطعن الداخلية.
وفيما يعتلق بحكم التحكيم الأجنبي أو الدولي سواء أكان صادراً داخل دولة لبنان أم في الخارج، فإنه لا يقبل الطعن فيه بالاستئناف أمام المحاكم الوطنية اللبنانية، حتى لو اتفق الأطراف على ذلك، ويكون في هذه الحالة اتفاق التحكيم نفسه باطلاً، مع الملاحظة أن القانون اللبناني وإن لم يجز استئناف القرار التحكيمي الدولي بحد ذاته، إلا أنه أجازه ضد القرار الصادر في صدد الاعتراف به أو في صدد تنفيذه.