تقضي المادة (533) من القانون السوري بأنه "يجوز فيما عدا الفقرة (هـ) من المادة (241) الطعن في أحكام المحكمين بطلب إعادة المحاكمة طبقاً للقواعد المقررة لذلك فيما يتعلق بأحكام المحاكم، ويرفع الطلب إلى المحكمة التي كان من اختصاصها نظر الدعوى".
وتقضي المادة (206) من القانون القطري بأنه "فيما عدا الحالتين الخامسة والسادسة من المادة (178) يجوز الطعن في أحكام المحكمين بالتماس إعادة النظر طبقاً للقواعد المقررة لذلك فيما يتعلق بأحكام المحاكم. ويرفع الالتماس إلى المحكمة التي كان من اختصاصها أصلاً نظر الدعوى" .
وتنص المادة (808) من القانون اللبناني على أنه يقبل القرار التحكيمي الطعن بطريق إعادة المحاكمة للأسباب بالشروط المعينة للطعن في الأحكام بهذا الطريق. ويقدم الطعن إلى محكمة الاستئناف التي صدر في نطاقها القرار التحكيمي ويكون القــرار الصادر عن محكمة الاستئناف قابلاً للطعن بطريق النقض وبطريق اعتراض الغير .
وفي القانون البحريني، تعتبر إعادة المحاكمة حسب المادة (243)، من أسباب الطعن ببطلان حكم التحكيم كما سنرى فيما بعد، وبالتالي لا تجوز إعادة المحاكمة بدعوى مستقلة.
أما القانونان الإماراتي والسعودي، فلا يوجد بأي منهما حكم خاص بإعادة المحاكمة في حكم التحكيم، مما يعني تطبيق القواعد العامة في هذا الشأن.
حكم التحكيم ذاته
وإعادة المحاكمة أو التماس إعادة النظر، تفترض أن حكم التحكيم أصبح قطعياً وحاز قوة القضية المقضية. ونرى هنا التفرقة بين فرضين:
الفرض الأول: أن يكون حكم التحكيم ذاته أصبح قطعياً، أي لم يتم استئنافه خلال المدة المحددة لذلك، أو كان غير قابل للاستئناف لأي سبب من الأسباب التي سبق ذكرها. فإذا لم يتم استئنافه على هذا النحو، يصبح قطعياً وقابلاً للتنفيذ. وحينئذ فقط، يمكن القول أن الحكم قابل للطعن بطريق إعادة المحاكمة. أما إذا كان الحكم لا زال قابلاً للاستئناف، فلا يجوز للمحكوم عليه طلب إعادة المحاكمة، لأنه لم يصبح قطعياً بعد، وإنما له اللجوء للاستئناف للأسباب التي يقدرها، ومن ضمنها أحد أسباب إعادة المحاكمة المنصوص عليها في القانون.
ويطبق هذا الحكم في قوانين أخرى مثل سوريا وقطر ولبنان. ولكن يلاحظ بالنسبة للقانون القطري واللبناني، أن كلا منهما ينص على وسيلة أخرى للطعن بحكم التحكيم، وهي الطعن بإبطاله لأحد الأسباب المنصوص عليها في المادة (800) من القانون اللبناني، والمادة (207) من القانون القطري. وفي وضع كهذا ، نرى في هذين القانونين جواز إعادة المحاكمة في حكم التحكيم بحد ذاته، شريطة أن لا يكون سبب إعادة المحاكمة، يشكل في الوقت ذاته سبباً للطعـن بـه بالبطلان، وكان طريق البطلان لا زال متاحاً. إذ في هذه الحالة، يطعن ببطلان الحكم وليس بإعادة المحاكمة ما دام السبب واحداً.
ومثال ذلك، أن من حالات إعادة المحاكمة في القانون القطري صدور الحكم على ناقص الأهلية الذي لم يكن ممثلاً تمثيلاً صحيحاً في الدعوى. ومن حالات بطلان حكم التحكيم، في القانون القطري أيضاً، كون أحد طرفي التحكيم ناقص الأهلية، وبصرف النظر عن أي جدل فقهي حول هذه المسألة، فإن كلاً من الأمرين يؤدي للآخر بطريقة أو بأخرى.
ولو أخذنا القانون القطري كمثال، وفرضنا أن أحد طرفي اتفاق التحكيم كان قاصراً، بالإضافة إلى أنه لم يمثل تمثيلاً صحيحاً في الدعوى التحكيمية، يكون الحكم قابلا لالتماس إعادة النظر من جهة، وللطعن به بالبطلان من جهة أخرى في هذا الفرض نرى أن الطريق الطبيعي للطعن بالحكم هو الطعن بالبطلان، وهو حكم خاص بالتحكيم، وليس التماس إعادة النظر. فلا يجوز اللجوء للطريق الثاني، ما دام الطريق الأول متاحاً. ولكن قد يلتبس الأمر أحياناً على الطرف صاحب المصلحة بالطعن بل وربما على المحكمة أيضاً، فيما إذا كان سبب الطعن في الحالين واحداً أم مختلفاً. وقد يختلف الاجتهاد بشأن هذه المسألة، خاصة وأن التطبيق القضائي في التحكيم يشير بوضوح إلى أن حالات الطعن بالبطلان محددة حصراً، فلا يجوز القياس عليها ، أو إبطال الحكم لأي سبب آخر لا يقع ضمن هذه الحالات. في وضع كهذا ، نرى حل الإشكال حلاً عملياً بجواز اللجوء للطريقين في آن واحد : أي رفع دعوى قضائية بالتماس إعادة النظر، وفي الوقت ذاته رفع دعوى قضائية أخرى ببطلان حكم التحكيم. ويمكن في هذه الحالة، وقف السير بإحدى الدعويين، حسب مقتضى الحال إلى حين البت بالدعوى الأخرى، إذا رأت المحكمة أن الحكم في الدعوى المنظورة أمامها ، يتوقف على الحكم في الدعوى الأخرى طبقاً للمادة (84) من القانون القطري.
المصادقة على حكم التحكيم
الفرض الثاني: وفي هذا الفرض ، يكون حكم التحكيم قطعياً ليس بحد ذاته، وإنما لأنه طعن فيه بالاستئناف في القانونين السوري والقطري، أو طعن به بالبطلان في القانون القطري، إلا أن المحكمة ردت الطعن في كلا الحالين وصادقت على حكم التحكيم. وتم تمييزه في الأحوال التي يجوز فيها ذلك، إلا أن محكمة التمييز ردت الدعوى. في مثل هذا الفرض ، يكون حكم التحكيم حاز قوة القضية المقضية بموجب قرار قطعي صادر عن المحكمة. فإذا توفرت بعد ذلك إحدى حالات الطعن بإعادة المحاكمة ( التماس إعادة النظر) يكون الطعن مباشرة بحكم المحكمة وليس بحكم التحكيم، وبطريقة غير مباشرة بحكم التحكيم.
الاستثناء من إعادة المحاكمة
واستثنى كل من القانونين السوري والقطري من حالات إعادة المحاكمة، حالة ما إذا قضى حكم التحكيم بشيء لم يطلبه الخصوم، أو بأكثر مما طلبوه. وأضاف القانون القطري لذلك حالة أخرى، وهي إذ كان الحكم مناقضاً لبعضه البعض، وبمعنى آخر، لا تجوز إعادة المحاكمة إذا توفرت إحدى هذه الحالات في حكم التحكيم. ونرى أن هذه الاستثناءات، تقتصر على حكم التحكيم ذاته، وليس على قرار المحكمة الذي صادق على حكم التحكيم. فإذا قضى هذا القرار بشيء لم يطلبه الخصوم، أو بأكثر مما طلبوه، أو كان مناقضاً لبعضه البعض ( حسب القانون القطري)، تجوز إعادة المحاكمة بالنسبة لقرار المحكمة ، حتى ولو كانت غير جائزة بالنسبة لحكم التحكيم ذاته. ومثال ذلك، أن يطلب (أ) من هيئة التحكيم الحكم على (ب) بأن يدفع له مبلغاً من المال. فتقضي له الهيئة بما طلب. ولدى استئناف الحكم من قبل (ب)، صادقت محكمة الاستئناف على حكم التحكيم، وفي الوقت ذاته حكمت على (ب) بأن يدفع لـ (أ ) المبلغ مع الفوائد، بالرغم من أن (أ) لم يطالب بهذه الفوائد لا أمام هيئة التحكيم، ولا أمام محكمة الاستئناف، في هذا الفرض، يكون حكم الاستئناف بفرض أنه أصبح قطعياً) قابلاً لإعادة المحاكمة (التماس إعادة النظر).
المحكمة المختصة
ومع الأخذ بالاعتبار أن مهمة هيئة التحكيم، وهي هيئة خاصة وليست قضاء رسمياً، محددة زمنياً بصدور حكم التحكيم، فإن دعوى إعادة المحاكمة لا تقدم لها بداهة ،وإنما ، كما نرى، للمحكمة التي كانت مختصة أصلاً بنظر النزاع، حسب النظام القانوني المطبق في الدولة، ما دام لا يوجد نص خاص في القانونين السوري والقطري يقضي بغير ذلك. أما في لبنان، فإن المحكمة المختصة بإعادة المحاكمة ، هي محكمة الاستئناف التي صدر في نطاقها حكم التحكيم . فالعبرة هنا بمكان صدور حكم التحكيم وليس بمكان التحكيم. وقد يكون هذا المكان حسب الاتفاق هو جبل لبنان، إلا أن حكم التحكيم صدر، لسبب أو لآخر، في بيروت. عندئذ ، تكون محكمة استئناف بيروت هي المختصة بدعوى إعادة
المحاكمة. وما عدا ذلك، تخضع هذه الدعوى للأحكام العامة من كافة الوجوه.