وما يتوجب إيداعه هو التحكيم الأول فقط، أي الذي يتم عن طريق المحكمة. ويجب إيداع أصل الحكم وأصل اتفاق التحكيم، مع المحاضر والمستندات لدى قلم كتاب المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع. ومن حيث إيداع أصل كل من الحكم واتفاق التحكيم، يشبه القانون الإماراتي القانون القطري، وما قيل بشأن الأخير يقال أيضاً بالنسبة للقانون الإماراتي. ويشمل ذلك وجوب الإيداع لدى محكمة الاستئناف، إذا كانت القضية أصلاً منظورة من قبل هذه المحكمة، وتم الاتفاق على التحكيم أثناء ذلك. ونشير هنا، إلى أن محكمة الاستئناف في هذه الحالة، تكون هي المختصة بنظر التصديق على الحكم أو إبطاله على نحو ما سنبين بعد قليل.
وهذا الإيداع، يجب أن يتم خلال الخمسة عشر يوماً التالية لصدور الحكم. وهي ذات المدة في القانون القطري. وما قيل أيضاً عن أحكام هذه المدة في القانون القطري، يطبق أيضاً عن القانون الإماراتي .
ويجب كذلك إيداع صورة عن الحكم بعدد أطراف التحكيم، وذلك بغية إبلاغهم بالحكم، خلال خمسة أيام من إيداعه. ومن الواضح أن الذي يقوم بعملية إبلاغ الحكم للأطراف، هي المحكمة التي أودع لديها الحكم وفقاً لإجراءات التبليغ المنصوص عليها قانوناً.
وبعد الإيداع، يحرر كاتب المحكمة محضراً به، يتم عرضه على القاضي الذي كان ينظر النزاع موضوعاً. فإذا لم يعد يتواجد في موقعه لأي سبب، يتم عرض المحضر على رئيس المحكمة.
وبعد ذلك، يتم تحديد جلسة خلال خمسة عشر يوماً، ويبلغ الأطراف بها. والهدف من الجلسة، هو تصديق أو عدم تصديق الحكم بناءً على جلسة أو جلسات مرافعة يدعى لها الطرفان وتستمع المحكمة لأقوالهما ودفوعهما ، وغير ذلك من إجراءات محاكمة. وفي ضوء ذلك، تقرر المحكمة التصديق أو عدم التصديق على الحكم.
وأثناء جلسة المرافعة على تصديق الحكم، يجوز للمحكوم عليه أن يطلب إبطاله، وبالتالي رفض التنفيذ استناداً لأحد أسباب البطلان المنصوص عليها في المادة (216) من القانون، وفق ما سبق ذكره بالنسبة لبطلان حكم التحكيم. ويكون حكم المحكمة بالمصادقة على حكم التحكيم أو بطلانه، خاضعاً للطعن به بطرق الطعن العادية، من استئناف ونقض ( تمييز) حسب الإجراءات، ووفقاً للمدد المنصوص عليها في القواعد العامة. ولكن حكم محكمة الدرجة الأولى، لا يكون قابلاً للاستئناف إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح، أو كان الخصوم قد نزلوا صراحة عن حق الاستئناف، أو كانت قيمة النزاع لا تزيد على عشرة آلاف درهم .
وبعد حجز القضية للحكم، قد ترى المحكمة أن خللاً ما في الحكم، يمكن تلافيه قبل التصديق على الحكم أو إبطاله. وفي وضع كهذا، أجاز القانون الإماراتي للمحكمة إعادة الحكم للمحكم الإصدار حكم تكميلي أو توضيحي في حالتين: الأولى - للنظر فيما أغفل الفصل فيه من مسائل. كأن يكون للمدعي طلبات، ويفصل المحكم في طلب ويغفل التطرق للطلب الثاني، ولا يصدر فيه حكماً إيجاباً أو سلباً. الثانية - لتوضيح الحكم إذا كان غير محدد بالدرجة التي يمكن تنفيذه. كأن يعطي الحكم الخيار للمشتري بين دفع باقي الثمن أو رد البضاعة مقابل استرداد ما دفعه من ثمن، أو يقضي بنزاع بين شركة سعودية وأخرى قطرية في تحكيم جرى في الإمارات، بدفع مبلغ من المال بالريال دون بيان ما إذا كانت العملة سعودية أو قطرية . وقرار المحكمة بإعادة الحكم للمحكم لا يخضع للطعن إلا مع الحكم النهائي بتصديق الحكم أو إبطاله.
ونرى تطبيق مبدأ إعادة الحكم للمحكمين على النحو المشار إليه ليس فقط في معرض المصادقة على الحكم كما يدل على ذلك ظاهر النص، وإنما أيضاً أثناء رفع دعوى أصلية ببطلان الحكم. فالحكمة من النص في الحالين واحدة لا فرق بينهما، وكل منهما يؤدي إلى نفس الطريق ولكن بأسلوب مختلف. فطلب المصادقة قد يؤدي به المآل إلى الرفض، مما يعني عملياً إبطال الحكم. وطلب البطلان، قد يكون مصيره الرفض، مما يعني المصادقة على الحكم عملياً.
ويجب على المحكم إصدار حكمه التكميلي أو التوضيحي خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إبلاغه بقرار المحكمة، أو أي مدة أخرى تراها المحكمة مناسبة. ولا يوجد ما يمنع من تمديد هذه المهلة من قبل المحكمة لمدة أخرى شريطة أن لا تتجاوز ستة أشهر، كما نرى وذلك قياساً على مدة التحكيم الأصلية المقررة في القانون، وهي ستة أشهر. ومهما كانت المدة المقررة من المحكمة، يمكن تمديدها بإرادة الأطراف صراحة أو ضمناً لأي مدة أخرى، وهذه من قواعد التحكيم المستقرة والمتفق عليها.
والمبدأ في القانون الإماراتي من حيث إعادة حكم التحكيم للمحكمين له مقابل في القانون القطري مع الفارق في نقطة جوهرية واحدة على الأقل. ففي القانون الإماراتي، لا يجوز إعادة الحكم للمحكم إلا في الحالتين المشار إليهما سابقاً، في حين يجوز ذلك في القانون القطري، لأي عيب ترى المحكمة معها، أن من الأفضل قبل اتخاذ القرار النهائي بإبطال الحكم أو عدم إبطاله، إعادة الحكم للمحكم لإصلاح هذا العيب، سواء كان العيب شكلياً أو موضوعياً.
وبعد صدور الحكم الجديد، يفترض تقديمه للمحكمة التي تنظر دعوى البطلان، والتي سبق وأعادت الحكم للمحكم. وعندئذ ، يفترض أيضاً ضم الحكم الجديد للحكم الأصلي، للفصل فيهما معاً كحكم واحد، إما بالتصديق أو الإبطال. وكما نرى، يجوز للمحكوم عليه أن يضيف أسباباً جديدة لطعنه بالحكم الأصلي بالبطلان، إذا كانت هذه الأسباب مستندة للحكم الجديد. مثل صدور الحكم الجديد خارج الميعاد ، أو تجاوز المهمة المحددة له في قرار المحكمة.
ولم يواجه القانون الإماراتي أو القطري من قبله الفرض الذي يتعذر أو يصعب فيه إعادة الحكم للمحكم لأي . سبب، مثل وفاته أو مرضه أو لأنه أصبح لا تتوفر فيه الشروط القانونية في المحكم، أو أن المحكم كان أجنبياً وسافر لبلده بعد إصداره الحكم وانقطعت أخباره، أو لغير ذلك من أسباب كثيرة. ولحل هذا الإشكال، نرى تقرير عدة أمور في هذين القانونين: أولاً - أنه لا يجوز للمحكمة من تلقاء نفسها تعيين محكم بديل للنظر في جزء من قضية كانت معروضة على غيره، بل وفصل فيها هذا الغير بحكم تحكيمي. ثانياً - ولكن هذا الحظر ، لا يمنع الأطراف من الاتفاق على محكم بديل، إذا وجدوا ذلك مناسبا ، بافتراض أن المحكم البديل قادر على الفصل فيما قررته المحكمة. ثالثاً ـ فإذا تعذر تعيين المحكم البديل على هذا النحو، ليس أمام المحكمة إلا إعادة فتح ملف القضية ثانية، بناءً على طلب الطرف المعني وتقرر ، حسب الحالة المعروضة، أحد الأمرين: الأول - التصديق على الحكم إذا كان ذلك ممكناً، كأن يكون سبب الإعادة إغفال الحكم لجزء من طلبات المحتكم، مثل مطالبته بالدين مع الفائدة، ويحكم المحكم له بالدين دون التطرق لموضوع الفائدة. وفي هذه الحالة ما على الطرفين إلا اللجوء لتحكيم جديد بشأن الفائدة، الثاني - أو تقرر المحكمة إبطال الحكم كلياً أو جزئياً.