الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / إيداع وتنفيذ والطعن في احكام التحكيم / الكتب / اتفاقية واشنطن للتحكيم وتأثيرها على العراق / تنفيذ حكم التحكيم والطعن به وفقا لاتفاقية واشنطن والقانون العراقي

  • الاسم

    ذكرى جاسم داخل
  • تاريخ النشر

    2021-02-01
  • اسم دار النشر

    دار زين الحقوقية
  • عدد الصفحات

    173
  • رقم الصفحة

    116

التفاصيل طباعة نسخ

تنفيذ حكم التحكيم والطعن به وفقا لاتفاقية واشنطنوالقانون العراقي

التحكيم إن الثمرة الحقيقية للتحكيم تتمثل في الحكم الذي ينتهي إليه المحكمين ومن ثم إذا لم يبادر المحكوم عليه إلى تنفيذ هذا الحكم طوعا واختيار فإنه يغدو مجرد "مداد على ورق" وإذا لم يوجد في الوقت نفسه وسيلة لإجباره على ذلك بات حكم التحكيم مجردة من القيمة، وهنا تكمن أهمية حماية أحكام الأجنبية من إهدارها بأي دعاوى أخرى مضادة أو وقف تنفيذ الأثر المترتب عليها من خلال الطعن بالحكم وتتجسد هذه الحماية في الاعتراف بهذه الأحكام وتنفيذها جبراً باعتبار أن تنفيذ حكم التحكيم هو الهدف النهائي من نظام التحكيم، ومن ثم فإن المراحل كافة التي يمر بها هذا النظام تصب في هذه المرحلة الأخيرة، التي تجسد الحل النهائي للنزاع القائم.

الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها وفقا لاتفاقية واشنطن والقانون العراقي

سوف نتناول في هذا المطلب الاعتراف بأحكام التحكيم في كل من اتفاقية واشنطن والقانون العراقي، ونتطرق أيضاً للمقارنة بين الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم بين كل من اتفاقية واشنطن واتفاقية نيويورك الخاصة بالاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وإنفاذها لعام 1958 لأهمية التطرق إلى بعض أحكامها كونه ضرورية ومغنية لموضوع الدراسة.

ويثار تساؤل ما هو التنظيم الذي وضعته اتفاقية واشنطن بشأن تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في إطار المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار بين الدولة ورعايا الدول المتعاقدة الأخرى؟

الإجابة عن هذا السؤال يستلزم بحث النظام القانوني للاعتراف بأحكام التحكيم الصادرة عن المركز وذلك من خلال التعرض إلى الالتزام بالاعتراف والتنفيذ الذي أوردته المادة (1/54) من الاتفاقية وإجراءات الاعتراف والتنفيذ طبقا لنص المادتين (53) و (54) وأخيراً الجزاءات والعقوبات المفروضة عن عدم الالتزام بحكم التحكيم الصادر عن المركز، وهذا ما سنبينه في المقاصد الثلاثة الآتية:

أولاً: الالتزام بالاعتراف والتنفيذ

نصت المادة (1/54) من اتفاقية واشنطن على أنه تعترف كل دولة متعاقدة بالحكم الذي صدر بناء على أحكام هذه الاتفاقية وتضمن تنفيذ الالتزامات المالية التي يفرضها الحكم كما لو كان حكمة نهائية صادرة من محكمة محلية وعلى الدولة المتعاقدة التي تتبع النظام الفيدرالي ضمان تنفيذ الحكم عن طريق محاكمها الفيدرالية وأن تلتزم هذه المحاكم بمعاملة هذا الحكم كحكم نهائي صادر من إحدى محاكم الدولة الفيدرالية.

يتضح من النص السابق أن حكم التحكيم الصادر عن هيئة التحكيم في

المركز وبمجرد صدوره يكون قابلاً للتنفيذ في الدول الأعضاء كافة في الاتفاقية

أي أن الحكم يتصف بأنه ذو طبيعة دولية. ويلاحظ أن المادة (1/54) من الاتفاقية قد ساوت بين أحكام التحكيم الصادرة في إطار نظام المركز وأحكام المحاكم الوطنية وذلك عن طريق النص على التزام الدول المتعاقدة بالاعتراف بالأحكام الصادرة في إطار المركز وتنفيذها داخل أقاليمها كما لو كانت أحكام قضائية نهائية صادرة من محاكمها الوطنية .

ويترتب على إخلال الدولة المتعاقدة بهذين الالتزامين الدوليين الرئيسين إمكان قيام الدولة التي ينتمي إليها المستثمر بتقديم الحماية الدبلوماسية له، فضلاً عن إقامة دعوى دولية أمام محكمة العدل الدولية. ولا شك أن نص المادة (1/54) يحتل أهمية قصوى بين نصوص الاتفاقية بوصفه پيرهن عن الفعالية الفائقة لآلية التحكيم في المركز الدولي وعلى الثقة التي توليها الدول المضيفة للاستثمار وكذلك المستثمرين لهذا النظام ومن ثم يمكن القول أن نظام الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها الذي أتت به اتفاقية واشنطن يعد خطوة أكثر تقدما من النظام جاءت به قبلها اتفاقية نيويورك لعام 1958. كما يعد في الوقت ذاته مرحلة متطورة في إطار السعي الحثيث والمتواصل للمجتمع الدولي لتوحيد المعاملة القضائية لأحكام التحكيم وتوحيد الجهة التي تملك مراجعة تلك الأحكام يجعل الرقابة على تلك الأحكام رقابة ذاتية من داخلها بغية توفير الحماية الدولية لها متى كانت قد صدرت منها على الوجه الصحيح، ومنع التضارب والاختلاف في المعاملة القانونية لتلك الأحكام من قبل المحاكم الوطنية . 

ثانياً: إجراءات الاعتراف والتنفيذ

يتطلب بيان إجراءات الاعتراف والتنفيذ طبقا للاتفاقية أن تعرض أولاً ولشروط الاعتراف والتنفيذ وأن نبين ثانياً: أثر حصانة الدولة ضد إجراءات التنفيذ على الوجه الآتي:

1 - شروط الاعتراف والتنفيذ

نصت المادة (2/54) من اتفاقية واشنطن على أنه يلتزم الطرف الذي يرغب في الاعتراف بالحكم وتنفيذه على إقليم الدولة المتعاقدة بأن يقدم صورة طبق الأصل من الحكم معتمدة من السكرتير العام إلى المحكمة الوطنية المختصة، أو إلى السلطات الأخرى التي حددتها الدولة المذكورة لهذا الغرض، ويجب على كل دولة متعاقدة إخطار السكرتير العام بالمحكمة المختصة أو السلطة الأخرى التي تحددها لهذا الغرض وبأي تغيير لاحق في هذا الشأن. وبناء على ذلك يتعين على الطرف الذي صدر الحكم لصالحه ويطلب الاعتراف به وتنفيذه في إقليم الدولة المتعاقدة أن يتقدم إلى المحكمة المختصة أو السلطة الأخرى المعينة لهذا الغرض بنسخة من حكم التحكيم المعتمد من السكرتير العام للمركز.

وتتشابه في هذا الصدد: نص المادة (2/54) من اتفاقية واشنطن لعام 1965. مع نص المادة الرابعة من اتفاقية نيويورك لعام 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، وإن كانت اتفاقية واشنطن تتميز بأن إجراءاتها أكثر يسر وسهولة عن اتفاقية نيويورك حيث يكفي للطرف الذي صدر الحكم لصالحه ويرغب في الاعتراف به وتنفيذه أن يتقدم إلى المحكمة المختصة أو السلطة الأخرى المعينة لهذا الغرض بنسخة من حكم التحكيم معتمدة من السكرتير العام. للمركز، في حين أنه يلزم للاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها وفقاً لاتفاقية نيويورك أن يتقدم المستثمر أو الدولة المضيفة للاستثمار الذي صدر الحكم لصالحه بأصل الاتفاق التحكيمي الموقع عليه في الأطراف وأصل الحكم التحكيمي أو صورة رسمية من أصل الحكم مع ترجمة مصدق عليها لاتفاق التحكيم وللحكم الصادر في حالة اختلاف لغته عن لغة البلد المطلوب تنفيذ الحكم فيها. وبالعودة إلى نصوص اتفاقية واشنطن إنه يتم تنفيذ حكم التحكيم عن طريق رفع دعوى بالتنفيذ إلى المحكمة المختصة بذلك. ويثار تساؤل ماهيهذه. المحكمة في إطار نصوص اتفاقية واشنطن؟

 وللإجابة عن ذلك نجد أنه وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة (54) من الاتفاقية والتي جاء بها .... وعلى كل دولة متعاقدة أن تخطر السكرتير العام بالمحكمة المختصة أو الجهات التي تحددها لهذا الغرض وبكل التغييرات التي تطراً في هذا الشأن. 

وحرصا من الاتفاقية على تيسير إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم الصادرة في إطارها وتجنب أي غموض أو شك في المستقبل بشأن المحكمة أو السلطة المختصة بذلك، نجدها قد ألزمت الدول المتعاقدة ليس فقط بإخطار سكرتير عام المركز بالمحكمة أو السلطة الأخرى المختصة بدعاوى التنفيذ، ولكن بإخطاره كذلك بأي تغيرات لاحقة من جانبها في هذا الشأن. وتختص المحكمة التي تكون مختصة أصلا بنظر النزاع بالتصديق على قرار التنفيذ في التشريع العراقي طبقا للمادة (272) من قانون المرافعات المدنية العراقي

2 الجزاءات والعقوبات المفروضة عند عدم الالتزام بحكم التحكيم الصادر عن المركز 

أما إذا كان الطرف الممتنع عن تنفيذ حكم التحكيم هو الدولة المتعاقدة الطرف في النزاع فإن الوضع يبدو مختلف، إذ قد تلجأ الدولة المذكورة للدفاع عن حقها في الإعفاء من إجراءات التنفيذ من خلال التقدم بطلب سواء أمام محاكمها أو

أمام إحدى المحاكم القائمة بأي من الدول المتعاقدة بالاتفاقية، لإبطال أو وقف حكم التحكيم الصادر عن المركز وهو ما يعني في هذه الحالة، إن هذه الدولة قد أخلت بالتزامها في الامتثال لحكم التحكيم والوفاء به، مما قد يعرضها لمختلف الجزاءات والعقوبات القانونية المنصوص عليها صراحة في الاتفاقية.

ففي هذه الحالة يحق للدولة العضو في الاتفاقية التي ينتمي إليها المستثمر بجنسيته وإعمالا لنص المادة (1/27) من الاتفاقية :

أولاً: أن تستعيد هذه الدولة حقها في منح الحماية الدبلوماسية لهذا المستثمر بوصفه أحد مواطنيها، لذلك تعد الحماية الدبلوماسية حلاً بديلاً للتنفيذ القضائي الأحكام المركز الدولي بموجب المادة (54) من الاتفاقية، وبصفة خاصة، فإن الحماية الدبلوماسية تكون متاحة في حالة عدم نجاح التنفيذ بسبب الحكم الصادر بحضانة الدولة المضيفة من التنفيذ.

ثانياً: أن تمارس حقها في إقامة دعوى دولية بالأصالة عن نفسها، إذ إنه وفقا للمادة (1/27) من الاتفاقية يتم على وقف إعطاء الحماية الدبلوماسية الأحد مواطنيها فيما يتعلق بالنزاع القائم بينه وبين إحدى الدول المتعاقدة، وذلك خلال مدة إحالة النزاع إلى التحكيم في ظل الاتفاقية وحتى تاريخ الامتثال للحكم الصادر عن التحكيم. ومن ثم يجوز لها العودة لممارسة الحماية الدبلوماسية لصالح المستمر، إذ ما تقاعست الدولة المتعاقدة في الاتفاقية والتي هي طرف في النزاع القائم عن الإمتثال لحكم التحكيم الصادر فيه عن طريق استخدام الآلية المنصوص عليها في

المادة (64) من الاتفاقية والتي تقضي بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية. ومن التطبيقات العملية لنص المادة (54) من اتفاقية واشنطن نزاع شركة Benvenuti and Bonfant مع حكومة الكونغو ويتعلق هذا النزاع باتفاق استثمار أبرم بين الأطراف في 16 نيسان / 1973 بشأن تصنيع زجاجات البلاستيك، وأثناء تنفيذ الاتفاق ثار الخلاف بين الأطراف مما تترتب عليه عرض النزاع على التحكيم في إطار المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار وفقا لاتفاق الأطراف Grande Instance في فرنسا. وبتاريخ 23/ كانون الأول / 1980 صدر حكم المحكمة بالاعتراف بحكم التحكيم وأورد تحفظاً مقتضاه أنه لن يكون لذلك أي أثر بشأن تنفيذ الحكم على ممتلكات الكونغو الموجودة في فرنسا إلا بترخيص سابق، وكان في تقدير

وقد فصلت هيئة التحكيم في النزاع بحكمها الصادر في 18 آب/1980 استحقاق شركة Benvenuti and Bonfant التعويض عما أصابها من أضرار مادية نتيجة لفسخ العقد المبرم بينهما، وإن يتحمل أطراف النزاع نفقات التحكيم مناصفة فيما بينهما.

ونتيجة لرفض حكومة الكونغو دفع التعويض لجأت شركة Benvenuati and Bonfant إلى فرنسا للاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه على الأصول المالية للكونغو هناك، وعليه تقدمت بطلب بذلك إلى المحكمة الابتدائية Tribunal de الشركة المدعية أن التحفظ الوارد بالحكم السابق من شأنه إلغاء أي قيمة عملية الحكم التحكيم الصادر في إطار المركز، ولذلك تقدمت بطلب إلى محكمة استئناف باريس من أجل إلغاء التحفظ الوارد في حكم المحكمة الابتدائية .

وبتاريخ 29/ حزيران 1981 صدر حكم محكمة الاستئناف بحذف التحفظ الوارد في حكم المحكمة الابتدائية، وذلك على أساس أن نص المادة (54) من اتفاقية واشنطن يضع إجراء مبسطة للاعتراف بأحكام التحكيم الصادرة في إطار المركز الدولي وتنفيذها عن طريق المحكمة أو السلطة الأخرى المعينة لذلك من جانب كل دولة متعاقدة وإن نص المادة (55) من اتفاقية واشنطن أكدت على أن ما جاء بالمادة (54) من هذه الاتفاقية ليس من شأنه الانتقاص من القانون النافذ في أي دولة متعاقدة بشأن الحصانة من التنفيذ.

ومن وجهة نظرنا أن حكم محكمة استئناف باريس هو الأقرب إلى روح اتفاقية واشنطن وذلك الأن تأييد حكم المحكمة الابتدائية بالاعتراف بحكم التحكيم دون أن يكون لذلك أي أثر بشأن تنفيذه إلا بترخيص سابق هو في واقع الأمر بمثابة إلغاء لأي قيمة عملية الحكم التحكيم، وهذا ما يتعارض مع نصوص اتفاقية واشنطن والهدف من إبرامها .

المقارنة بين اتفاقية واشنطن لعام 1965 واتفاقية نيويورك لعام 1958

على خلاف اتفاقية واشنطن تبدو الشروط التي جاءت بها المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك لرفض الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنقيلها، ضعيفة وغير محكمة بشكل بارز وملحوظ ففي المقام الأول، نجد أن اتفاقية نيويورك لا تنصب على الالتزام بأداء حكم التحكيم والوفاء بالالتزامات الواجبة الأداء بمقتضاه ومن ناحية أكثر أهمية، فإنه وعلى الرغم من أن اتفاقية نيويورك قد حرصت على النص على أن أحكام التحكيم لابد أن تكون ملزمة، إلا أن الحرية الكبيرة والنطاق الواسع الذي أتاحتهما للمحاكم الوطنية، لإجراء المراجعة وفحص أحكام التحكيم الأجنبية قد أديا إلى تقويض التكييف الذي أضافته هذه الاتفاقية على تلك الأحكام بأنها أحكام ملزمة .

ومثل هذه المراجعة بعد أمراً محظوراً في اتفاقية واشنطن، إذ إن المحكمة الوطنية أو السلطة المختصة لا تملك في أثناء إجراءات الاعتراف والتنفيذ بحث ما إذا كانت محكمة تحكيم المركز تملك الاختصاص من عدمه، أو إجراء أي مراجعة للأحكام الصادرة عن المركز الدولي من حيث صحة الإجراءات أو من الناحية الموضوعية أو حتى فحص ما إذا كان الحكم يتفق مع النظام العام لدولة التنفيذ بل تنحصر مهمة المحكمة أو السلطة المختصة في التحقق من صحة وموثوقية التوقيع الذي يضعه السكرتير العام للمركز الدولي على حكما التحكيم. 

وإذا كانت اتفاقية نيويورك قد اقتصرت على ضرورة الحصول على الصيغة التنفيذية في الدولة التي يطلب فيها التنفيذ، فإن اتفاقية واشنطن قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، إذ تفرض على الطرف المحكوم ضده في التحكيم ضرورة الالتزام (2) بحكم التحكيم وبعدم أمكانية الطعن به أو استبعاده لأي سبب كان ما عدا تلك الحالات التي نصت عليها الاتفاقية بعدم التنفيذ طبقا لنص المادة (53) منها .

كما توجب المادة (54) من الدول الأعضاء في الاتفاقية الاعتراف بحكم التحكيم الصادر طبقة الاتفاقية باعتباره حكمة ملزمة وتنفيذ الالتزامات المالية المقررة بموجب هذا الحكم كما لو كان حكمة نهائية صادرة من محاكم

الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها وفقا للقانون العراقي

تختلف الدول في الطريقة الواجب إتباعها لغرض تنفيذ الحكم التحكيمي وذلك استناداً للقانون أو الاتفاقية التي يجب تطبيقها عند تنفيذ الحكم. ونتيجة لهذا الاختلاف، فقد عملت بعض القوانين إلى إعطاء الحكم التحكيمي القوة التنفيذية بمجرد صدوره من قبل المحكمين، إلا أن الجانب الآخر من الدول قد نهج نهجة مغايرة، إذ عمل على وجوب إصدار أمر بالتنفيذ من المحكمة المختصة في قانون المرافعات المدنية العراقي، إذ يستوجب هذا الجانب من التشريعات سلسلة من الإجراءات الغرض التنفيذ لذلك ستعمل على دراسة الإجراءات الواجب إتباعها والمحكمة المختصة وسلطتها بتصديق القرار التحكيمي وذلك في ثلاثة فقرات مستقلة: في البلد كما هو الحال

أولاً: الاختصاص بدعوى التنفيذ

 

يكون قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية رقم 30 السنة 1928 هو الواجب التطبيق على تصديق القرار التحكيمي ومن تم تنفيذه. إلا أن هذا الرأي منتقد ولا يمكن القبول به نهائية، إذ كيف يمكن أن يكون نص المادة الأولى من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبي هو قانون عام ولا يوجد قانون آخر يخصصه!! فإذا كان كذلك فماذا تعد إذن قواعد قانون المرافعات المدنية الخاصة بالتحكيم الواردة في الباب الثاني من الكتاب الثالث المواد (276-270) الخاصة بتنفيذ القرار التحكيمي إلا تعد نصوص خاصة ومن ثم تقييد للعموم الوارد بقانون تنفيذ الأحكام الأجنبية. عليه فإن قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 وتعديلاته هو القانون المطبق على تنفيذ القرار التحكيمي في العراق. ومن الجدير بالذكر في هذا المقام أن قانون المرافعات المدنية العراقي لم يميز بين القرار التحكيمي الوطني والقرار التحكيمي الأجنبي لأن مواده جاءت مطلقة تطبق على التحكيم الداخلي والخارجي وعلى التحكيم سواء أكان تجارية أم لا. وهذا ما جاء بقرار محكمة البداءة المتخصصة بالدعاوى التجارية ... إن أحكام التحكيم الذي نص عليه قانون المرافعات المدنية العراقي لم يفرق بين التحكيم الذي يجري داخل العراق وخارجه... وإن المطلق يجري إطلاقه إذا لم يقم دليل التقييد نص أو دلالة المادة (160) من القانون المدني كما أن الأسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 تشير صراحة إلى أن المشرع أخذ بالتحكيم الدولي، وأجاز اللجوء إلى هيئات التحكيم الدولية، إذ جاء فيها .. وقد عنى القانون بأحكام التحكيم لما جرى به عادة البلاد من اللجوء إليه في كثير من المنازعات وعلى الأخص المعاملات التجارية، كما تلجأ إليه كثير من المؤسسات والشركات ومن مورد آخر أجازت المادة (1/265) من قانون المرافعات المدنية العراقي أن يتضمن شرط التحكيم إعفاء المحكمين من إتباع الأوضاع والإجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية العراقي ووضع إجراءات جديدة معينة يسير عليها المحكمون بمعنى جواز إجراء التحكيم وفق قواعد التحكيم الدولية..... جاء بالمادة (1/272) من قانون المرافعات المدنية العراقي على: (لا ينفذ قرار المحكمين لدى دوائر التنفيذ سواء كان تعيينهم قضاء أو اتفاقا ما لم تصادق عليه المحكمة المختصة بالنزاع بناء على طلب أحد الطرفين وبعد دفع الرسوم المقررة) .

وبناء عليه لا ينفذ الحكم التحكيمي لدى دوائر التنفيذ العراق ما لم تصادق عليه السلطة المختصة بالنزاع. إن المحكمة المختصة في مراقبة وتصديق القرار التحكيمي طبقاً لنص المادة (1/272) من قانون المرافعات المدنية العراقي هي المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع فيما لو لم يتم الالتجاء إلى التحكيم ومن ثم فتكون محاكم البداءة هي المختصة أصلا ينظر النزاعات التجارية التي تنشأ بين الأطراف العراقيين، أما إذا كان أحد الطرفين غير عراقي، فإن محكمة البداءة المتخصصة بالدعاوى التجارية تكون هي صاحبة الاختصاص.

أما مشروع قانون التحكيم التجاري العراقي، فقد جعل الاختصاص في نظر قضايا التحكيم المحكمة استئناف بغداد.

ثانياً: سلطات محكمة دعوى التنفيذ

وبعد أن أطلعنا على أن القرار التحكيمي لا ينقذ في العراق إلا بعد تصديق المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع. ويثار تساؤل في هذا الصدد مفاده: هل أن دور المحكمة في مراقبة وتصديق قرار التحكيم ينص على الإجراءات فقط أو أنه يمتد إلى موضوع النزاع؟

لقد بينت المادة (274) من قانون المرافعات المدنية العراقي سلطة المحكمة التصديق على القرار التحكيمي، إذ نصت على (يجوز للمحكمة أن تصدق في قرار المحكمين أو تبطله كلا أو بعضا ويجوز لها في حالة الإبطال كلا أو بعضا أن تعيد القضية إلى المحكمين لإصلاح ما شاب قرار التحكيم أو تفصل في النزاع بنفسها إذا كانت القضية صالحة للفصل فيها. ويتيين من هذه المادة السلطة الواسعة للمحكمة في مراقبة القرار التحكيمي حتى أنها تستطيع أن تترك قرار التحكيم جانباً وتقوم هي بالفصل في النزاع، وهذا يعني أن المحكمة تباشر الرقابة على القرار التحكيمي من حيث الموضوع والشكل.

كما يلاحظ أن تأكيد هذه الإجراءات بالذات هو التحقق من ضمان حق الدفاع الذي يجب أن يكون مكفولاً لكل من الخصمين.

2- التحقق من سلامة النتائج التي توصلت إليها هيئة التحكيم، وهنا تدخل سلطة المحكمة في الرقابة الموضوعية على قرار التحكيم نطاق تطبيقها وذلك يكون من خلال ملاحظة المحكمة المختصة للنتائج التي توصلت إليها هيئة التحكيم في قرارها النهائي الحاسم للمنازعة من حيث مطابقة تلك النتائج لقواعد القانون الأساسية الأمرة التي لا يجوز مخالفتها باتفاق الطرفين، أي بمعنى أن هذه النتائج يجب أن لا تخالف قاعدة آمرة من قواعد القانون بصورة عامة سواء أكان قانون مدنية أم تجارية أم أي فرع من فروع القانون الأخرى. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا ماذا لو كان الحكم النهائي للتحكيم وحسب التكييف الذي وضعته له اتفاقية واشنطن في المواد (54 و 53) والتي صادق عليها العراق وأصبحت نافذة خالف قاعدة قانونية، فإيهما واجب التطبيق ؟ أي أن المادة (1/54) من اتفاقية واشنطن تعطي لحكم التحكيم الصيغة النهائية الملزمة، بينما المادة (274) من قانون المرافعات المدنية العراقي تعطى للمحكمة سلطات واسعة في التصديق على القرار أو إبطاله فأيهما واجب التطبيق؟ نصت المادة (34) من قانون عقد المعاهدات) العراقي رقم 111 لسنة 1979 على "تنشر المعاهدة قانون تصديقها أو الانضمام إليها في الجريدة الرسمية، وقد تمت المصادقة على اتفاقية واشنطن بالقانون رقم 64 لسنة 2012 ونشرت في الوقائع العراقية بالعدد 4283 في 29/تموز/2013. مع ومنهم من ذهب إلى القول أن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي يصادق عليها العراق وتنشر في الجريدة الرسمية تعد جزء من القانون الداخلي دون أن تكون له أي علو على القانون الداخلي وإنما تعامل معاملة التشريعات الداخلية أما إذا وجد تعارض بينها وبين القوانين الداخلية فإن القاضي الوطني ملزم بتطبيق قواعد التفسير التي تزيل هذا التعارض بالاستعانة بالقاعدتين الآتيتين:

1- الخاص يقيد العام 2 - اللاحق يلغي أو يبدل أو يقيد السابق .

إن هذا الرأي منتقد لأن هناك سمو لنصوص المعاهدات والاتفاقيات على النصوص التشريعية الداخلية استنادا لنص المادة (29) من القانون المدني العراقي رقم 40 لسنة 1951 والتي جاء بها لا تنطبق أحكام المواد السابقة إذا وجد نص على خلافها في قانون خاص أو معاهدة دولية. 

وهذا النص يؤكد سمو نصوص الاتفاقية على نصوص القوانين الداخلية حتى وإن نشرت في الجريدة الرسمية وأصبحت جزء من التشريع الداخلي، لأن ذلك لا ينفي عنها بأنها اتفاقية دولية يترتب على الإخلال بأحد نصوصها المسؤولية الدولية وأن أجراء التصديق التي تتم بها الاتفاقية وذلك من خلال صدورها بقانون داخلي ينشر في الجريدة الرسمية هو مجرد إجراء يتطلبه القانون النفاذ الاتفاقية داخل الدولة، أي أنه وفي حالة وجود أي تعارض بين نصوص الاتفاقية وبين نص قانوني آخر، فإن نصوص الاتفاقية هي التي تكون واجبة التطبيق. 

ثالثاً: إجراءات دعوى تنفيذ القرار التحكيمي

أوجبت المادة (271) من قانون المرافعات المدنية العراقي بأن يودع المحكم القرار التحكيمي مع أصل اتفاق التحكيم لدى المحكمة المختصة خلال الثلاثة أيام التالية لصدور القرار ويقوم كاتب المحكمة (قلم المحكمة) باستلامه لقاء وصل يوقعه يثبت تسلمه للقرار التحكيمي .

إن إيداع القرار التحكيمي لدى المحكمة المختصة لا يعني ذلك أنها ستباشر بتصديق القرار تلقائياً، إنما يتوجب تقديم طلب من أحد الطرفين، فالقانون لم يشترط تقديم طلب التصديق من الطرف الذي صدر القرار لصالحه، بل ترك الخيار لأي من الطرفين، أي يحق للطرف الذي صدر القرار بحقه أن يقدم طلب التصديق، وهذا يحقق له مصلحة ملموسة عند عدم تقديم الطلب من قبل الطرف الذي صدر القرار لصالحه والذي يتعمد إلى عدم تقديم الطلب لغرض تأخير التنفيذ وتراكم الفوائد أي عندما يكون سيء النية ويتعمد الأضرار بمصالح الطرف الآخر. 

وبعد بدء المحكمة المختصة بنظر دعوى تصديق القرار التحكيمي يقع على كاهلها تبليغ كل من طرفي الدعوى بموعد إجراء جلسات المحكمة لكي يحق لهم تقديم الطعون في المواعيد المحددة قانوناً. وفي حالة عدم تقديم أي طعن من قبل الأطراف وإذا ما اتفقت المحكمة مع ما ذهب إليه المحكمون، ولم تجد أي سبب يدعوها إلى رفض التصديق، فإن المحكمة تصدق القرار التحكيمي، وهنا يحق للطرف المستفيد الذهاب إلى مديرية التنفيذ لغرض تنفيذ حكم التحكيم بعد أن تم تصديقه من قبل المحكمة إذ يقع على عاتق هذه المديرية الالتزام التام بما ورد في الحكم. إلا أن المنقذ العدل الحق في أن يستوضح من المحكمة التي أصدرت الحكم عما ورد فيه من غموض وإذا اقتضى الأمر أصدرت المحكمة قرارة منها يفهم ذوي العلاقة بمراجعتها دون الإخلال بتنفيذ ما هو واضح من الحكم واجب التنفيذ حيث نصت المادة العاشرة من قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980 على اللمنفذ العدل أن يستوضح من المحكمة التي أصدرت الحكم عما ورد فيه من غموض وإذ اقتضى الأمر صدور قرار منها أفهم ذوو العلاقة بمراجعتها دون الإخلال بتنفيذ ما هو واضح من الحكم واجب التنفيذ. ويمكن أن يكون قاضي البداءة الأول هو منفذ عدل مديرية التنفيذ إذا لم يكن لها منفذ عدل خاص بها.