يترتب على صدور حكم نهائي في موضوع النزاع استنفاذ ولاية المحكمة النظر الموضوع ثانية، بمعنى خروج الدعوى من يد المحكمة. إلا أن المشرع أجاز للمحكمة تصحيح ما يقع في أسباب حكمها ومنطوقه من أخطاء مادية بحتة، كما لها تفسير ما عسى أن يقع في منطوق الحكم من غموض أو إيهام ونعرض لهذا تباعا على النحو التالي:
1- سلطة المحكمة في تصحيح الحكم: قد يصدر الحكم ويشوبه أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية، كأن يكتب – مثلاً – المبلغ المحكوم به بالأرقام بخلاف ماهو مكتوب بالحروف أو خطأ في التاريخ أو في البيانات الشخصية لأحد الخصوم.... إلخ فليس هذا خطأ فني في الحكم ولكنه خطأ مادي وحسابي ورد أثناء الكتابة. في هذه الحالة يجب تصحيح هذا الخطأ المادي أو الحسابي ورده لأصله...
وقد نصت على ذلك المادة (191) من قانون المرافعات بقولها:.
"تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء بحتة كتابية أو حسابية، وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة".
ويجوز الطعن في القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة فيه حقها المنصوص عليه في الفقرة السابقة بطرق الطعن الجائزة في الحكم موضوع التصحيح، أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال".
إذا أجازت هذه المادة تصحيح الحكم حسب ما ذكرنا وقد اشترطت توقيع رئيس وكاتب الجلسة باعتبار ذلك نوعاً من العلانية أو الشفافية على أن لا تتجاوز المحكمة في سلطتها عند تصحيح الحكم بأن تضيف كلمات أو عبارات تؤثر في الحكم أو في حق أحد الخصوم، أي أنه يجب على المحكمة أن تلتزم في تصحيحها للحكم حدود التصحيح وإلا جاز لذي المصلحة الطعن في قرار التصحيح بطرق الطعن نفسها المتاحة بالنسبة للحكم محل التصحيح ويبدأ ميعاد الطعن من تاريخ صدور قرار التصحيح كما اشترطت المادة (191)، سالفة البيان، ألا يكون الحكم المطلوب تصحيحه قد طعن فيه بالاستئناف؛ ففي هذه الحالة لا يملك تصحيح الحكم إلا المحكمة الاستئنافية التي طعن أمامها في هذا الحكم على اعتبار أن الأثر الناقل للاستئناف ينقل لهذه المحكمة السلطة الكاملة في مراجعة هذا الحكم من كافة النواحي وتجدر الإشارة إلى أن تصحيح الحكم – بالمفهوم السابق بيانه - لا يشترط له تقديم طلب وذلك لإمكانية إجراء التصحيح بموجب قرار تصدره المحكمة من تلقاء نفسها، فإذا أمرت المحكمة بالتصحيح، فإن كاتب الجلسة يقوم بإجراء التصحيح الذي أمرت به المحكمة على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة ويكون القرار الصادر بالتصحيح قابلاً للطعن فيه بطرق الطعن المتاحة ضد الحكم موضوع التصحيح، أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال.
ومن جهة أخرى إذا أغفلت المحكمة في الحكم بعض الطلبات الموضوعية الواردة بصحيفة الدعوى، فليس لها بعد ذلك أن تضيف في الحكم هذه الطلبات طالما تم توقيع الحكم ولكن يجوز لصاحب الشأن أن يعلن خصمه بصحيفة للحضور أمام المحكمة لنظر هذا الطلب والحكم فيه وفق المادة (193) من قانون المرافعات حيث نصت على أنه "إذا أغفلت المحكمة في الحكم بعض الطلبات الموضوعية جاز الصاحب الشأن أن يعلن خصمه بصحيفة الحضور أمامها لنظر هذا الطلب والحكم فيه".
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف تغفل المحكمة بعض الطلبات الموضوعية الواردة بصحيفة الدعوى وتلزم صاحب الشأن بإعلان خصمه بجلسة جديدة لنظر الطلب والحكم فيه؟
فالوضع في هذه الحالة لا يخرج عن أمرين:
الأول: إما أن الطلب قائم في العريضة الأولى وأغفلت المحكمة الحكم فيه، وفي هذه الحالة يرى الباحث أنه يجب على المحكمة أن تنظر في هذا الطلب في مداولة خاصة حسب النظام السابق في إصدار الأحكام بحيث يكون الحكم في الطلب مكملا للحكم الأصلي ويكتفي بأن يقدم صاحب الشأن طلباً إلى المحكمة بذلك حتی تفصل فيه من دون تحديد جلسة لأن في ذلك إرهاق وتضييع الوقت المحكمة، ووقت صاحب الشأن في إعلانات عرائض دعاوي جديدة وجلسات جديدة كان هو في غني عنها إذا كانت المحكمة لم تغفل الطلب.
الثاني: إما أن الطلب غير وارد في العريضة الأولى، فيلتزم صاحب الشأن برفع طلب جديد وتحديد ميعاد جلسة جديدة لنظر هذا الطلب والحكم فيه منفرداً کدعوی مستقلة لأن هذا الطلب غير وارد ضمن طلبات الدعوى الأولى وليس مطروحاً فيها.
وعلى هذا الأساس يمكن أن تعتبر الطلب الذي أغفل في العريضة الأولى ولم ينظر فيه هو تصحيح وليس تقديراً جديداً للدعوى.
2- سلطة المحكمة في تفسير الحكم:
قد يشوب الحكم بعض الغموض بحيث يحتاج هذا الحكم- إلى تفسير ما يتضمنه هذا الحكم من غموض في بعض فقراته، ليس بحثاً عن إرادة القاضي ولكن بحثاً عما يتضمنه الحكم من تقدير .
وقد نظمت المادة (۱۹۲) من قانون المرافعات مسألة تفسير الحكم حيث نصت على إنه "يجوز للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة التي أصدرت الحكم تفسير ما وقع في منطوقه من غموض أو إبهام، ويقدم الطلب بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، ويعتبر الحكم الصادر بالتفسير متمماً للحكم الذي يفسره، ويسري عليه ما تسري على هذا الحكم من القواعد الخاصة من طرق الطعن العادية وغير العادية".
لا يرد التفسير على ما قد يكون في الأسباب من غموض مادام المنطوق واضحاً وإنما يكون السبيل في هذا الشأن هو الطعن في الحكم لقصور التسبيب.
ويتعين لنظر طلب التفسير أن يرد على حكم قطعي الذي شاب منطوقه غموض أو إبهام يحتمل معه أكثر من معنى.
ويشترط لقبول طلب التفسير ألا يكون قد رفع استئناف عن الحكم لأن الاستئناف ينقل النزاع برمته إلى محكمة الدرجة الثانية
فتتولى تفسيره، وإذا صدر الحكم الاستئنافي بتأييد حكم أول درجة فتكون محكمة ثاني درجة هي المختصة بالتفسير.
تلك هي القواعد المنظمة لطلب تفسير الحكم ويبدو أن هذا النظام معيب حيث إن طلب تفسير الحكم يقدم بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، وهذا يعني أن صاحب الشأن يظل في إجراءات رفع الدعوى فضلا عن الوقت الذي أمضاه قبل صدور الحكم المطلوب تفسيره، فقد يأخذ ذلك وقتا طويلا مما يضيع معه الحقوق علی أصحابها وتتغير المراكز القانونية. لذلك يرى الباحث أن يكون تفسير الحكم بطلب يقدم إلى المحكمة التي أصدرته على أن تجتمع هيئة المحكمة وتعطي تفسيراً يلحق بالحكم ويكون هذا التفسير بموجب مسودة أيضاً ترفق مع مسودة الحكم وذلك من دون رفع دعوى تفسير بالطرق المعتادة لرفع الدعوى وتداولها بالجلسات لنظرها.
لذلك يهيب الباحث بالمشرع النظر في هذه المادة بحيث يكون طلب التفسير للمحكمة مباشرة بموجب طلب عادي يقدم إلى قلم كتاب المحكمة، وتقوم ببحثه للوقوف على مدى جديته..
وبعد أن تناولنا في إيجاز القواعد المنظمة للحكم الصادر من القضاء طبقاً لقانون المرافعات، سوف نعرض فيما يلي للقواعد المنظمة الحكم التحكيم وذلك الإيضاح الدور الرقابي للقضاء الوطني تجاه حكم التحكيم وفق هذه القواعد وعما إذا كانت قواعد التحكيم تتوافق مع قواعد قانون المرافعات بشأن الأحكام أم أنه يجب الرجوع إلى أحكام قانون المرافعات في حالة غموض بعض المواد الخاصة بقانون التحكيم، أو أن القضاء ليس له دور رقابي في ذلك .