الأثر المترتب علي صدور حكم التحكيم من الناحية الإجرائية إستنفاد ولاية هيئة التحكيم بالنسبة للموضوع والخصومة التي كانت تتردد عليها، والذي بموجبه لا يجوز لهيئة التحكيم إعادة النظر في مسألة فصل فيها حكم التحكيم وكانت معروضة على الهيئة في خصومة التحكيم وحتي نهايتها سواء كانت مسألة إجرائية أو موضوعية.
المشرع وإستثناء من ذلك الأثر أبقي لهيئة التحكيم بموجب الماد 1/41 من قانون التحكيم ولايتها بالقدر اللازم للقيام ببعض الأعمال القانونية المرتبطة ارتباطا وثيقا - في تقديرنا - بحكم التحكيم الصادر منها، ومنها تفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض، بناء على طلب أحد طرفي التحكيم خلال مدة ثلاثين يوما من تاريخ إستلامه حكم التحكيم، وبشرط إعلان الطرف الآخر بهذا الطلب قبل تقديمه لهيئة التحكيم.
ومناط الأخذ بطلب تفسير الحكم- علي ما إستقر عليه قضاء محكمة النقض أن يكون الطلب بتفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض أو إبهام، أما إذا كان قضاء الحكم واضحاً لا يشوبه غموض ولا إبهام، فإنه لا يجوز الرجوع إلى المحكمة لتفسير هذا القضاء حتى لا يكون التفسير ذريعة للرجوع عنه والمساس بحجيته .
وتصدر هيئة التحكيم حكمها بتفسير ما وقع في منطوق الحكم من غموض خلال مدة غايتها ثلاثين يوماً من تاريخ تقديم الطلب إليها، ويجوز لها مد هذا الميعاد ثلاثين يوما أخري إذا رأت ضرورة لذلك (م ٢/٤٩ من قانون التحكيم).
وما يسري علي المنطوق بشأن تفسير ما وقع فيه من غموض، يسري علي الأسباب المكملة للمنطوق والمرتبطة إرتباطأ لا يقبل التجزئة التي لا يقوم المنطوق قائمة من دونها ، فتأخذ حكمه بشأن جواز تقديم طلب لهيئة التحكيم لتفسير ما وقع فيما ورد فيها من قضاء مكمل للمنطوق من غموض.
ويجب أن تلتزم هيئة التحكيم في حكمها الصادر بتفسير الغموض الذي وقع في المنطوق بالحكم الصارد منها فلا يجوز لها أن تمس الحكم المفسر بنقص أو بزيادة أو بتعديل فيما قضى به متعدية بذلك على حجية الأمر المقضي التي إكتسبها (م55 من قانون التحكيم)، لإستنفاد ولايتها علي الموضوع،فإن هي خالفت ذلك كان حكمها الصادر بالتفسير باطلاً لصدوره من هيئة لا ولاية لها قانوناً.
والحكم الصادر من هيئة التحكيم بالتفسير يكون متمماً للحكم الصادر بتفسيره وتسري عليه أحكامه (م 3/49 من قانون التحكيم) سواء ما تعلق منها بتنفيذه أو الطعن عليه بالبطلان (م53 من قانون التحكيم)، أو إيداعه قلم كتاب المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع (م1/47 من قانون التحكيم).
إشكالية تعذر اجتماع هيئة التحكيم من جديد بعد صدور حكم التحكيم وأثرها على
سلطتها بتفسير حكم التحكيم.
تثير مسألة سلطة هيئة التحكيم بتفسير حكمها إشكالية قد تصادف واقعاً، عندما تثور الحاجة إلى تفسير حكم التحكيم في وقت لا يكون فيه إجتماع هيئة التحكيم من جديد بقصد تفسير حكمها ممكناً، كما لو توفي المحكم الوحيد الذي تتشكل منه هيئة التحكيم، أو أصبح غير صالح للإشتراك في عملية التحكيم، أو كانت هيئة التحكيم تتشكل من أكثر من محكم وثوفي أحدهم أو فقد صلاحيته للتحكيم أو تعذر اجتماع هيئة التحكيم لأي سبب.
يمكن الأخذ بالحل الذي تبناه المشرع الفرنسي في (المادة ٢/1485 من قانون المرافعات الفرنسي)(474)، الذي يتمثل في إسناد الإختصاص بتفسير الحكم في هذه الحالة للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع لو لم يوجد إتفاق علي التحكيم.
رأى الباحث في المسألة
من جانبنا، نوید ما ذهب إليه الرأي الأول الذي يري إسناد الأمر إلي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع مباشرة أخذا بما عليه الأمر في قانون المرافعات الفرنسي بالمادة 3/1485 منه،لأن الإرتكان في مثل هذه الحالة إلي الإجراءات التي نص عليها قانون التحكيم بشأن إستبدال المحكم الذي قام بشأنه أياً من العوارض السابق ذكرها، وفقاً لنص المادة 17 من قانون التحكيم، لايتفق والغرض من طلب التفسير الذي يهدف إلي توضيح ما ورد في المنطوق من إبهام أو غموض دون أن يمتد إلي المساس بالحكم بتعديل بزيادة أو نقصان، وهو ما لا يتطلب في تقديرنا ولاية كاملة لهيئة التحكيم كتلك التي كانت لها عند الفصل في موضوع النزاع، فولايتها بشأن طلب التفسير محدودة وشكلية.
كما أن أصحاب الرأي الثاني إنتهوا إلي منح الأمر إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع في نهاية المطاف، وبالتالي يبقي الرأي الأول الأقرب للواقع ويتفق مع طبيعة طلب التفسير.
كما أن ولاية هيئة التحكيم بشأن تفسير حكمها تختلف عن ولايتها الممتدة قانوناً لتمكينها من الفصل في الطلبات الموضوعية التي كانت مطروحة عليها في الخصومة التحكيمية حتي نهايتها وأغفلت الفصل فيها، فولايتها علي هذه الطلبات كاملة بكل معني الكلمة لأنها مما يدخل في نطاق ولايتها التي حددها إتفاق التحكيم التي لم تستنفدها بعد، كما أن الحكم الصادر منها، تبقي حجيتة التي إكتسبها بمجرد صدوره قاصرة علي ما فصل فيه من طلبات، دون أن تمتد إلي ما أغفلت هيئة التحكيم الفصل فيه من طلبات موضوعية رددها الخصوم في الدعوي وتمسكوا بها حتي نهايتها وقفل باب المرافعة فيها.
ومن ناحية أخري فإن قيام المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع بمهمة تفسير ما جاء في منطوق حكم التحكيم من غموض عند قيام أياً من الحالات المشار إليها، يأتي في إطار دور ليس بغريب أو بعيد عن وظيفة تقوم بها المحكمة بالفعل في أي من الدعاوي التي تنظرها بمقتضي إختصاصها القضائي وفقاً للقواعد العامة في قانون المرافعات، التي تمنحها سلطة تقدير وتفسير الأحكام التي يحتج بها لديها، وهي لا تختلف عن سلطتها في تفسير سائر المستندات الأخري التي يقدمها الخصوم.
ويتطلب إعمال هذا الحل تدخل المشرع بالتعديل اللازم علي نص المادة (49) من قانون التحكيم الحالي،بإسناد مهمة تفسير ما وقع في منطوق حكم التحكيم من غموض إذا تعذر إجتماع هيئة التحكيم بتشكيلها الذي أصدر الحكم المطلوب تفسيره لأي من الأسباب السالف ذكرها، للمحكمة المنصوص عليها في المادة 9 من قانون التحكيم، علي أن يسري علي الحكم الصادر بالتفسير من تلك المحكمة ما يسري علي حكم التحكيم الذي فسرته.