الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / تفسير الحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 11 / المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في دبـي: رؤية شرعية معاصرة لفض النزاعات في مجال الصناعة المالية الإسلامية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 11
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    101

التفاصيل طباعة نسخ


مقدمة عامة:

    إن وجود خلاف حول تفسير أو تنفيذ بند من بنود العقود يعد أمراً طبيعياً فـي المعـاملات المالية. ولا يعني ذلك بالضرورة تعبيراً عن سوء نية من أي طرف في العقد، لأن صياغة البنـد قد تحتمل أكثر من وجه، وأكثر من تفسير. ومن هذا المنطلق قد تساعد الصيغ الدقيقة لبنود العقود على التقليل من الخلافات، ولكنها لا تلغيها.

    وإذا كان من الوجيه أن إجازة عقود المؤسسات المالية الإسلامية من قبل هيئـات الرقابـة الشرعية تشكل ضمانة لصحتها من الناحية الشرعية، فهذا لا يمنع كذلك من نشوب الخلاف في قراءة وتفسير ما أجيز في شكل فتوى وما نفذ في الواقع. وبالتالي لا تحول الإجـازة الـشرعية المسبقة للعقود دون إمكانية رصد المحكمة أو هيئة التحكيم لخلل في تطبيق العقود المجازة أو في بعض شروطها. فالوقائع أوسع من النصوص.

    وآليات فض النزاعات في المعاملات المالية متعددة منها ما يتم عبر القضاء وهو الأصـل ومنها ما يتم خارج إطار القضاء. والتحكيم من الصيغ التي تتم خارج القضاء شأنها شأن الصلح والتوفيق وإن كان التحكيم يأخذ من الحكم القضائي الصفة الحكمية للقرار الصادر عن المحكـم كما سنرى.

    ولعل من أهم المظاهر القانونية المعاصرة ظاهرة الانفتاح على التحكيم واتساع آفاقه. فقـد عم الاعتراف بالتحكيم في المجتمعات كافة على اختلاف نظمها القانونية، وأوضاعها الاقتصادية. فقد اتسع نطاق التحكيم ليشمل مجالات كانت بالأمس القريب لا تدخل تحت طائلة التحكيم تـارة بإسم السيادة وتارة بإسم النظام العام. ومن أمثلة ذلك المنازعات التي تكون فيها الدولـة أو أحـد الأشخاص المعنوية العامة طرفاً.

    ما هو دور المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم كتحكيم مؤسسي متخصص؟ ومـا هي الوظائف التي يؤديها للتحكيم عموماً وللمؤسسات المالية الإسلامية خصوصاً؟ وما هو القانون الذي يطبقه لفض النزاعات المعروضة عليه؟ وما هي حجية الأحكام الصادرة عنه؟

    وقبل الخوض في المسائل المذكورة وغيرها من المسائل بالتفصيل سنحاول فـي مبحـث تمهيدي يكون بمثابة التعريف بالتحكيم كآلية لفض النزاعات، وذلك بالتطرق الى مفهوم التحكـيم، وأنواعه، ومزاياه تحت عنوان أساسيات التحكيم، ثم في جزء أول سوف نتطرق إلى مبرر وجود مركز تحكيم دولي متخصص في فض النزاعات بين المؤسسات المالية الإسلامية. وفـي جـزء ثان، سوف نتطرق إلى إجراءات المركز وآلياته. وفي جزء ثالث سوف نتطرق إلى أهم التحديات التي تواجه المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم. وأخيراً سوف نخـتم البحـث بـبعض التوصيات والحلول.

مبحث تمهيدي:

أساسيات التحكيم:

مفهوم التحكيم:

    التحكيم طريقة خاصة لفض النزاعات من قبل هيئة تحكيم يسند إليها أطراف النزاع مهمـة بتها بموجب اتفاقية تحكيم دون اللجوء إلى القضاء النظامي. ويكون التحكيم بهذا المفهوم صـيغة تهدف إلى إيجاد حل ملزم لنزاع بين طرفين أو أكثر عن طريق محكم واحد أو أكثر يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص بين أطراف النزاع ويتخذون قرارهم على أساس الاتفاق المذكور دون أن يكونوا معينين من قبل الجهاز القضائي الرسمي في الدولة لأداء هذه المهمة.

    وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة في قراره رقم 91(8/9) التحكـيم كالتـالي: "التحكيم اتفاق طرفي خصومة معينة، على تولية من يفصل في منازعة بينهما، بحكم ملزم، يطبق الشريعة. وهو مشروع سواء أكان بين الأفراد أم في مجال المنازعات الدولية". وعرفه المعيار الشرعي رقم (31) الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية على أنه: "اتفاق طرفين أو أكثر على تولية من يفصل في منازعة بينهم بحكم ملزم" (الفقرة 2/1 من المادة الثانية) وهو نفس المفهوم تقريباً الذي تبناه مجمع الفقه الإسلامي الـدولي بجـ فـي قـراره المذكور.

   وفي القانون الوضعي نجد صنفين من التعريف: تعريف إصطلاحي مباشر، وتعريف غي مباشر يقوم على ذكر بعض الشروط. من التعريفات المباشرة ما نصت عليه المجلـة التونسية للتحكيم بالمادة الأولى منها: "التحكيم هو طريقة خاصة لفصل بعض أصناف النزاعات من قبـل هيئة تحكيم يسند إليها الأطراف مهمة بتها بموجب اتفاقية تحكيم". ومن التعريفات غير المباشـرة يمكن ذكر المادة 203 فقرة أولى من قانون الإجراءات المدنية بدولة الإمارات العربية المتحـدة التي نصت على أنه "يجوز للمتعاقدين بصفة عامة أن يشترطوا في العقد الأساسي أو باتفاق لاحق عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكم أو أكثر، كما يجـوز الإتفـاق على التحكيم في نزاع معين بشروط خاصة"، وفي نفس السياق عرف نظام التحكيم في المملكـة العربية السعودية (المرسوم الملكي رقم م/46 وتاريخ 12/7/1403هـ) في المادة الأولـى آليـة التحكيم كالتالي: "يجوز الإتفاق على التحكيم في نزاع معين قائم، كما يجوز الإتفاق مسبقاً علـى التحكيم في أي نزاع يقوم نتيجة لتنفيذ عقد معين". ولم تتضمن اللائحة التنفيذية لنظام التحكيم في المملكة العربية السعودية (قرار مجلس الوزراء رقم 7/2021/م في 8/9/1405هـ) تعريفـاً مباشرا للتحكيم.

ومهما تعددت المفاهيم، فإنها تتفق كلها في خصائص التحكيم التالية:

• يستند التحكيم إلى إرادة أطراف النزاع فهم الذين يختارون هذه الصيغة لفـض نـزاعهم دون أن تفرض عليهم.

• حرية أطراف النزاع في اختيار المحكم أو هيئة التحكيم المخولة بت النـزاع، واختيـار مكان التحكيم، والقواعد الواجبة التطبيق على سير إجراءات التحكيم وغيرها.

• التحكيم يفترض نزاعاً يقطع فيه المحكم أو هيئة التحكيم الخصومة بصدور حكـم مـلـزم وواجب التنفيذ.

• التحكيم أوله اتفاق، ووسطه إجراء، وآخره حكم.

الفرق بين التحكيم والقضاء:

التحكيم كالقضاء يقطع الخصومة بصدور حكم ملزم وواجب التنفيـذ، إذ لا يختلـف حك المحكمين عن حكم القضاء من ناحية حجيته وآثاره. فله نفوذ الأمر المقضي به بالنـسبة الـى موضوع النزاع الذي بته. كما أن حكم المحكمين كحكم القاضي يكفل سائر الضمانات المتعلقـة بحقوق الدفاع، وسلامة الإجراءات الأساسية، وقواعد النظام العام. لكن يختلف التحكـيـم عـن القضاء في عدة مجالات نذكر منها:

• من الناحية التاريخية التحكيم أقدم من القضاء. فقد عرف التحكيم في الجاهلية.

• القاضي تعينه الدولة، أما المحكم فتختاره أطراف النزاع، أو مؤسسات التحكــم عنـدماً يكون التحكيم مؤسسيا.

• الإجراءات أمام المحاكم (الاختصاص المكاني، والموضوعي، والقانون الواجب التطبيق) تحكمها القوانين. أما في التحكيم فلأطراف النزاع حرية اختيار مكان التحكيم والقواعـد الواجبة التطبيق، وتحديد زمن صدور الحكم وغيرها.

• يخضع الحكم الصادر عن القضاء النظامي إلى تعدد درجات التقاض  من استئناف وتمييز ومراجعة. أما حكم المحكمين (وخاصة في التحكيم الدولي) فهو نهائي ولا يقبـل الطعن، إلا بطريقة طعن استثنائية واحدة هي الطعن بالإبطال. وبناء عليه تكون وظيفـة التحكيم أيسر من حيث كسب الوقت، ولكنها في الوقت نفسه أشد خطورة من القضاء، لأن طرق الطعن العادية فيها محدودة.

 • التحكيم لا يستغني عن القضاء، لأن الأمر يحتاج إلى تدخل القضاء كمساند للتحكيم سواء عند سير التحكيم فيما يخرج عن ولاية المحكمين، أو عند التنفيذ الجبري بعد صدور حكم المحكمين. مع الإشارة الى أن الأمر يختلف بين التحكيم التجـاري الـدولي والتحكـيم التجاري الداخلي أو المحلي. ففي التحكيم التجاري الدولي وهو الذي يهمنا يكاد ينحصر دور القضاء في الاعتراف بحكم المحكمين، إذا ما رفض المحكوم عليه الاستجابة لحكـم المحكمين عن طواعية.

• في التحكيم يدفع أطراف النزاع أتعاب المحكمين وبقية المصاريف الأخـرى. أمـا فـي القضاء، فإن راتب القاضي تتحمله الدولـة، ولا يتحمـل المتقاضـي، إلا جـزءاً مـن المصاريف الإدارية للتقاضي يختلف مبلغها من دولة لأخرى. مع العلـم أن مـصاريف التقاضي ارتفعت في السنوات الأخيرة إلى درجة التساؤل: هل مـا زال القـضـاء مـن المرافق العامة التي تسهر الدولة على حمايتها؟

• القاضي غير مقيد بأجل معين لإصدار حكمه (إلا في حـالات مـا يعـرف بالقـضاء المستعجل). أما المحكم فيمكن تقييده بأجل لإصدار الحكم وهذا الأصل. وإذا ما تجـاوز التاريخ المحدد له من قبل أطراف النزاع لإصدار الحكم فقد يكون حكمه عرضة للبطلان. وقد تترتب على ذلك مسؤولية مدنية يتحملها المحكم.

• للقاضي حق إبطال حكم المحكمين عند توافر شروط الإبطال. أما المحكم فلا يجوز لـه بأي حال من الأحوال إبطال حكم القضاء.

ويمكن تلخيص العلاقة بين التحكيم والقضاء كالتالي:

• تدخل القضاء في التحكيم يكون في شكل مؤازرة ومساندة لإنجاز الوظيفة التحكيمية ويتم ذلك قبل صدور الحكم وطلب تنفيذه.

• تدخل القضاء في مجال التحكيم في شكل مراقبة لأعمال التحكيم ويتم ذلك في مرحلة ما بعد صدور الحكم وطلب تنفيذه حيث تنتهي ولاية المحكم بالفصل في النزاع.

• يكون التدخل في أضيق الحدود عندما يكون التحكيم دولياً ومؤسسياً، كما هو الشأن في التحكيم في المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم موضوع هذا البحث.

التحكيم المؤسسي المنظم والتحكيم الحر (ad hoc):

     التحكيم الحر هو التحكيم الذي يلجأ فيه أطراف الخصومة إلى اختيار محكم أو محكمين بكامل حريتهم ليتولوا بت النزاع. ويستند اختيار المحكمين في هذا الصنف من التحكيم الى المعرفة الشخصية للمحكم. أما التحكيم المؤسسي، فهو تحكيم أمام هيئات ومراكز تحكيم دائمة. ومع تنامي دور التجارة الدولية واتساع نطاق المنازعات وتعقيدها، انحصر نطاق التحكيم الحر ليتم الاحتكام أمام هيئات ومراكز تحكيم دائمة. ومراكز التحكيم المؤسسي لا تتولى التحكيم بنفسها، وإنما تقتصر مهمتها على تهيئة التحكيم لأطراف النزاع وتيسيره، وذلك بمساعدتهم على اختيار محكميهم بفضل القوائم التي تعدها تلك المراكز، وإعداد المكان الذي تجتمع فيه هيئة التحكيم. ومن أسباب تفضيل هذا النوع من التحكيم على التحكيم الحر نذكر ما يلي:

• يوفر التحكيم المؤسسي للخصوم عديد الضمانات وذلك بما لديها من أجهزة فنية وطاقات بشرية قادرة على متابعة ملف التحكيم في كل أطواره.

• شفافية تعيين المحكمين حيث أن المركز إذا ما كلف بذلك يختار المحكمـيـن بنـاء كفايتهم مع الأخذ في الاعتبار طبيعة النزاع المعروض.

• حفظ الملفات التي تم على أساسها فض النزاع بأرشيف المركز لعدة سنوات، وذلك بهدف تمكين أطراف النزاع من استرجاع مؤيداتهم أو مراجعة الأحكام التي صدرت بشأنها، أو الحصول على نسخ من تقارير الخبراء، وهذه الخدمات لا يوفرها التحكـيم الحـر، لأن مهمة المحكمين في هذا الصنف من التحكيم تنتهي بصدور الحكم.

• قد يضطر المحكمون الى إصدار قرارات وقتية أو تمهيدية حسب طبيعة النزاع وطلبـات الأطراف. ويتعين تضمين هذه الأحكام المؤقتة، لأنها قد تكون عرضة للطعن أو توقيـف تنفيذها. ومثل هذه الخدمات يوفرها التحكيم المؤسسي بيسر، لأنه يتمتـع، كمـا ذكرنـا، بإدارة متكاملة تجعله كفيلا بضمان مثل هذه الحقوق.

• التحكيم المؤسسي يسهم في مساعدة أطراف النزاع قبل عرض النزاع على المركز وذلك بوضع الشروط النموذجية لبند التحكيم على ذمة الأطراف قصد إدراجها ضمن عقـودهم لتفادي وجود شروط تحكيم مبهمة عادة ما تكون عرضة للبطلان.

• في التحكيم المؤسسي يتم تفادي عوارض التعطيل أو المسائل الجانبية التي تطـرأ فـي التحكيم الحر في بدايته. ومن أمثلة ذلك رفض أحد أطراف النزاع تعيين محكمه، أو طلب رد المحكم، أو تقاعس أحد المحكمين في أداء مهمته، أو انسحاب المحكم قبـل صـدور الحكم. فإن مثل هذه الطلبات والحالات يتم النظر فيها طبق نظام المركز. أما في التحكيم الحر فيتم تعليق الإجراءات إلى غاية الحسم في الموضوع من قبل القضاء. وبناء عليـه يكون التحكيم المؤسسي في وضع أكثر ضماناً لتشكيل هيئة التحكيم، ويكفل استمرارية التحكيم.

• في التحكيم المؤسسي لا يطرح موضوع مقر التحكيم فمقر مؤسسة التحكيم هو من حيث المبدأ مقر التحكيم. أما في التحكيم الحر فلا يعرف مكان التحكيم، وهو مـصـدر نـزاع واسع بسبب الضغوط التي قد تمارس بسبب اختيار المكان.

مزايا التحكيم:

للتحكيم على إطلاقه مزايا ينفرد بها مقارنة بالقضاء، ولكن التحكيم المتخصص الذي ينتهجه المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم له مزايا إضافية وجبت الإشارة إليها.

(أ) مزايا التحكيم مطلقاً:

• السرعة في حسم النزاع وذلك لعدة أسباب منها تفرغ المحكمين من ناحية وعدم تقيدهم بالإجراءات الشكلية (المعتمدة عادة من قبل القضاء) التي تهدر أحيانـا أصـل الـحـق وتحول دون تأمينه. كما أن استبعاد طرق الطعن المعهودة في القضاء مـن شـأنه أن يشكل عنصراً إضافياً في السرعة.

 

• وجود محكمين ضالعين في مجال النزاع المعروض عليهم، إذ لا يقع اللجوء إلى الخبـراء إلا نادراً، إضافة إلى معرفتهم للقوانين والأعراف التجارية. وكثيراً ما يتم اختيار المحكمين بناء على انتمائهم الى قطاع يصنف فيه النزاع. وفي التحكيم الدولي يمكن اختيار المحكمين بناء على تمكنهم من اللغة التي أعدت بها العقود والوثائق موضوع النزاع.

• السرية المطلقة في فض النزاع لأن جلسات المحكمين غير علنية. وتبـرز قيمـة هـذه السرية جلية في التحكيم الدولي حيث يفضل أحياناً عدم رفع القضية إلى المحاكم النظامية حفاظاً على أسرار المعاملة.

• استعداد أطراف النزاع لقبول حكم المحكمين عن طواعية لأن هناك اطمئناناً الى حكـم المحكمين وتعهداً معنوياً مسبقاً بتنفيذ الحكم بناء على أن التحكيم عدالة تـصالحية، فجـل القرارات الصادرة عن هيئات التحكيم تنفذ طواعية دون لجوء الأطراف إلـى المـحـاكم النظامية للمصادقة على قرارات التحكيم.

(ب) مزايا التحكيم بالنسبة إلى المؤسسات المالية التي تحتكم لنظم ولوائح المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم:

   بالإضافة إلى المزايا المذكورة أعلاه إن احتكام المؤسسات المالية الإسلامية أمـام مـركـز متخصص له مزايا نوعية.

• مطابقة قرارات هيئة التحكيم لأحكام الشريعة الإسلامية وذلك بصدور أحكـام مطابقـة للشريعة الإسلامية من متخصصين في المعاملات الماليـة الإسـلامية بـشقيها الفنـ والشرعي. فبعد أكثر من ثلاثين سنة من ممارسة الصناعة الماليـة الإسـلامية عمومـاً والعمل المصرفي الإسلامي المنظم خصوصا، وبعد صدور مئات الفتاوى في مجـالات شتى من فقه المعاملات، توافرت في الوقت نفـسـه طـاقـات متمرسـة فـي اسـتيعاب خصوصيات القضايا المصرفية المعاصرة واقتراح الحلول الشرعية المناسبة لها.

• قطع الطريق على المماطلين: الأصل ان تكون المؤسسات المالية الإسلامية أحرص مـن غيرها من المؤسسات المالية على اختيار التحكيم كصيغة لفض النزاعات، لأن الـضرر عليها أكبر من المؤسسات التقليدية. فالمؤسسات المالية الإسلامية التي يحرم عليها تقاضي غرامات التأخير تعويضاً عن فرص الإستثمار التي ضاعت بسبب التأخير تحتـاج إلـى صدور حكم في وقت وجيز لاسترجاع حقوقها. وهذه الوظيفة يؤديها مركز التحكيم. المؤسسات المالية التقليدية التي تتقاضى غرامات تأخير فسرعة بت القضايا ليـسـت لهـا أهمية بالدرجة نفسها، لأن في غرامات التأخير بالنسبة إلى المؤسسات الماليـة التقليديـة تعويضا ولو جزئياً.

• مدى قدرة المحاكم على معالجة المسائل المستجدة في مجال المعاملات المالية: أثبتـت المحاكم التي نظرت في قضايا تخص المعاملات المالية الإسلامية عدم قدرتها على فهم طبيعة المعاملات المالية الإسلامية وأبعادها. ونعني هنا المحاكم البريطانية التي تعـرض عليها سنوياً نسبة كبيرة من القضايا (بحكم النص في عقود تمويـل بعـض المؤسسات المالية الإسلامية على اختصاص تلك المحاكم) في مسائل تخص مدى تطـابق معاملـة مصرفية معينة مع أحكام الشريعة الإسلامية. ومن أمثلة ذلك مبـادرة إحـدى المحـاكم البريطانية إلى "تعيين خبيرين لإبداء الرأي حول الصيغة القانونية لعقد المرابحة والشروط الابتدائية التي يجب أن تتوافر فيه".

• وتعليقاً على تعيين خبراء للإدلاء برأيهم في مسألة فقهية/قانونية، نرى أن لجوء التحكيم إلى الخبرة أمر استثنائي وفي مسائل فنية لا يدركها، إلا أهل الاختصاص الـدقيق، لأن مقياس اختيار المحكمين يشمل خبرتهم العلمية والعملية. أما أن يتم تعيين خبير في مسألة فقهية صدرت بشأنها فتاوى منذ بداية ثمانينات القرن الماضي، فهو اختيار غير موفـق، لأن فيه مضيعة للوقت من ناحية وكلفة إضافية غير مبررة.

• الإلمام بالجوانب الشرعية للمعاملة موضوع النزاع: إن الإلمام بالجوانب الشرعية مـن المسائل التي يجب توافرها في المحكم الذي ينظر في قضايا لها علاقة بفقه المعاملات من المسائل المهمة. وقد لاحظنا في بعض الأحكام الصادرة عن المحاكم البريطانيـة التـي نظرت في قضايا لها علاقة بالصناعة المالية الإسلامية سوء فهم لأحكام فقه المعاملات ما أدى في كثير من الأحيان إلى الحكم بصحة المعاملة (من الناحية القانونية) رغم بطلانها من الناحية الشرعية، أو إعادة تكييفها (لتستجيب لقوالب القانون الوضـعي البريطـاني) بالرغم من صحتها من الناحية الشرعية.

• التقيد المطلق بالشروط: تقيد المحكمين المطلق بتطبيق أحكام الشريعة كما هو منصوص عليه في بند التحكيم، وكما هو منصوص عليه في لوائح مركز التحكـيم (فـي التحكـيم المؤسسي) لأن المحكم يستمد نفوذه من اتفاق التحكيم. أما المحاكم فحتى مع وجود النص على تطبيق أحكام الشريعة فقد لا تتقيد بهذا البند. ومن أمثلة ذلك ما ذهبت إليه المحـاكم البريطانية من استبعاد تطبيق مبادىء الشريعة الإسلامية، بل طبقت قوانين دولـة مقـر البنك الذي لم تتضمن مجلته التجارية ما ينظم المنتجات المالية الإسلامية. وكانت النتيجة تطبيق القانون الوضعي سواء كان قانون دولة مقر البند أو القانون البريطاني.

• عدم تأثر المحكم بالمحيط القانوني: المحكم لا سلطان عليه ولا خلفية له، إلا التقيد باتفاقية التحكيم خوفاً من تعرض حكمه للبطلان. أما المحاكم فهي عادة ما تكون حريصة على عدم التناقض في إصدار أحكامها، ومن أمثلة ذلك إذا كان القانون يأخـذ بمبـدأ الفائـدة أخـذاً وعطاء، فلا يتوقع أن يلتزم القاضي بشرط تطبيق أحكام الشريعة المنصوص عليها فـي العقد. وهذا ما يفسر الإجتهاد أحياناً في استبعاد أحكام الشريعة وذلك بالاستناد إلى إعـادة التكييف حتى تنصهر في منظومة القانون الوضعي، أو الاحتجاج بالعرف، أو بالنظام العام.

• التحكيم عنصر تقديم الشريعة على غيرها من القوانين: التحكيم باب واسع لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، لأن الحرية التي يوفرها التحكيم في اختيار القانون الواجب التطبيـق على النزاع تجعل تقديم تطبيق الشريعة على غيرها من النظم القانونية أمراً واقعياً، إذا ما أرادت أطراف النزاع ذلك.

• الاسترشاد بالسوابق القضائية لتحسين صياغة المعاملات: وجود مركز تحكيم متخصص في فض النزاعات التي تخص المؤسسات المالية الإسلامية تطبيقـاً لأحكـام الـشريعة، سيسهم في إيجاد رصيد من السوابق القضائية في مجال فقه المعاملات، تـستفيد منـه الإدارات القانونية عند صياغة العقود أو عند صياغة هيكلة المنتج الجديد بمـا يـضمن تفادي مواطن الضعف والهشاشة. فإصدار الأحكام في فقه المعاملات قد يساعد علـى مراجعة بعض الشروط لتستجيب للضوابط الشرعية.

• التأثير على التصنيف: وجود نزاعات عالقة أمام المحاكم لفترة طويلة دون بتها يؤثر سلباً على برنامج المؤسسات المالية الإسلامية في استقطاب مـوارد إضـافية عـن طـريـق الصكوك. فبت المعاملة في فترة وجيزة يؤدي إلى غلق ملف النزاع بصفة نهائية، ويعطي المؤسسة المالية الإسلامية آفاقاً أوسع مما لو كانت مكبلة بحجم كبير من النزاعات العالقة أمام المحاكم.

التحكيم وجه من أوجه العدالة الصلحية: في المؤسسات المالية الإسلامية يجـب أن لا تكون الخصومة قطيعة بين المؤسستين المتنازعتين، وإنما خلاف عابر يطوى بعد صدور الحكم، ليستأنف التعامل إن لم يكن قد استأنف من قبل. وهـذا المنـاخ يـوفره التحكـيم بسرعته وسريته وثقة أطراف النزاع في المحكمين وفي المركز الذي يدير التحكيم. أمـا التقاضي بما يحمله من إجراءات (نشر القضايا في أروقة المحاكم، وربما استغلالها مـن قبل الصحف) فخشية القطيعة وارد.

الجزء الأول: مبرر وجود مركز تحكيم دولي متخصص في فض النزاعات في مجال الـصناعة المالية الإسلامية:

   يمثل المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم لبنة أساسية في البنية التحتية للصناعة المالية الإسلامية" بإعتباره مؤسسة دولية مستقلة متخصصة غير ربحية إلى جانب مؤسسات البنية التحتية الأخرى.

 1/1 إطار التأسيس:

   أصبح للصيرفة الإسلامية كيان مستقل له سمات وخصائص تختلف في مضمونها عن الصيرفة التقليدية. وقد تعاظم هذا الدور كماً وكيفاً منذ بداية الألفية الثالثة. ولكن بالرغم من كثرة عددها وقوة وزنها المالي تعمل المؤسسات المالية الإسلامية تحت أنظمة قانونية قد وضعت أساساً لتنظيم أعمال البنوك التقليدية ولم يترجم تعاظم دور المؤسسات المالية الإسلامية من ناحية الكيف إلى صيغ وآليات قانونية تعكس خصوصية المنهج المتبع في التعامل. ونتيجة لهذا الاختلاف الفكري بين صناعة الصيرفة الإسلامية والصيرفة التقليدية ظهرت الحاجة، لأن يكون للصناعة المالية الإسلامية مؤسسات بنية تحتية تنظم نشاطها بحيث يصبح له كيان مستقل ومتكامل. وتأسيس المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم ومقره إمارة دبي يندرج ضمن إطار سد الفراغ في مجال فض النزاعات في فقه المعاملات المالية بناء على أحكام الشريعة الإسلامية وبالسرعة والمهنية المطلوبتين.

   وللتأكد من جدوى تأسيس المركز عهد لمكتب خبرة دولي إعداد دراسة علمية للنظر في مدى الحاجة إلى مركز متخصص في فض النزاعات في الصناعة المالية الإسلامية وفق أحكام الشريعة الإسلامية. وخلصت الدراسة التي أعدها مكتب الخبرة المتخصص إلى أن هناك من الأسباب الموضوعية ما يدعو إلى تأسيس المركز. ومن أهم دوافع إنشاء المركز ضبطت الدراسة العناصر التالية:

- لصناعة الخدمات المالية الإسلامية خصائص من حيث الضوابط والممارسة والمصطلحات تميزها عن الصناعة المالية التقليدية. ومثل هذا الإختلاف يحتاج إلى آليات نشاط مختلفة في الأهداف والآليات بما فيها كيفية فض النزاعات.

- تطور حجم الصناعة المصرفية الإسلامية في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ.

- تطور وتعقيد المعاملات المالية عموماً والإسلامية خصوصاً.

- غياب خبراء في الصناعة المصرفية الإسلامية داخل الأنظمة القانونية السائدة.

تضاف إلى ذلك العناصر التالية:

- المكانة المتميزة للصلح والتحكيم في مجال المعاملات المالية عموماً، والإسلامية خصوصاً، مع مشروعية الصلح والتحكيم بالنص القرآني والسنة النبوية والإجماع.

- رغبة المتعاملين في التجارة الدولية في التحكيم لحسم خلافاتهم. فلا يكاد يخلو عقـد مـن عقود التجارة الدولية من شرط اللجوء إلى التحكيم.

- بروز الحاجة إلى إيجاد آلية لفض النزاعات على أساس الشريعة الإسلامية، وذلك بسبب تعاظم دور المؤسسات المالية الإسلامية عدداً (يقدر عدد المؤسسات المالية الإسلامية من بنوك، وشركات تأمين، وشركات تأجير، وصناديق استثمارية بأربعمائـة تقريبـاً حـول العالم) ونوعية (تدير هذه المؤسسات مئات البلايين من الدولارات)، برزت الحاجة إلـى إيجاد آلية لفض النزاعات على أساس الشريعة الإسلامية.

- تنوع المنتجات المالية الإسلامية وتشعبها جعل من الضروري الأخـذ فـي الاعتبـار خصائص هذه المنتجات وذلك بالإلمام بالجوانب الشرعية والفنية، وإلا تعطلـت مـصالح المؤسسات المالية المذكورة.

- قبول الاحتكام إلى قواعد الشريعة على نطاق واسع حيث أصبح الاحتكام الـى الـشريعة الإسلامية من قبل عديد الجهات أمراً واقعاً سواء من خلال الدراسات القانونية والأكاديمية التي ترى في الشريعة منهجاً عادلاً لفض النزاعات أو من قناعة رجال الأعمال بمرونـة وعدالة وإنصاف قواعد الشريعة الإسلامية، وذلك لقدرة الشريعة على تحقيق التوازن في الحقوق والواجبات وتشبثها بمبدأ العدل والإنصاف كأمر ثابت وهو مبتغى كـل الجهـات العاملة في الحقل المالي.

- غياب مركز تحكيم تجاري دولي متخصص في المنطقة العربية والإسلامية: باسـتثناء المركز الإسلامي للتحكيم التجاري بالقاهرة الذي تأسس سنة 1991 فـإن العمـل فـي المراكز الدولية والإقليمية الأخرى يقوم على تطبيق القوانين الوضعية التي اختارهـا أطراف النزاع.

- ظهور مركز تحكيم دولي متخصص في المعاملات المالية الإسلامية سيسهم في تعميـق مفاهيم التحكيم المهنية في ذلك القطاع وحشد الطاقات المادية والعلمية لصالح القطاع.

- حرص المؤسسات المالية الإسلامية من خلال التوصيات والمقترحات لاستكمال البنيـة التحتية للصناعة المالية الإسلامية بجهاز قانوني دولي لفض النزاعات وذلـك لمعاضـدة القطاع المالي الإسلامي في هذا الجانب.

- إحياء ونشر مبادىء الفقه الإسلامي في مجال المعاملات لأن الأحكام التي ستصدر عـن المركز سوف تتجاوز بت النزاع بين الخصوم لتصبح مرجعاً لهيئات تحكيم أخرى محلية وإقليمية ودولية. وعموماً ستكون أحكام المحكمين مرجعاً فقهياً للبحوث الأكاديمية.

 2/1 التخصص في الأهداف:

   يهدف المركز بالأساس إلى تنظيم الفصل في النزاعات المالية والتجارية التي تنشأ بين المؤسسات المالية والتجارية، أو بينها وبين عملائها، أو بينها وبين الغير وذلك بصيغتي المصالحة والتحكيم بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ، كما يقدم المركز عدة خدمات قانونية وشرعية مساندة للصناعة المالية الإسلامية كتقديم الإستشارات القانونية، ويتم تفعيل دور المركز بصيغتي الشرط والمشارطة التي يضعها المركز بين أيدي الإدارات القانونية في هذه المؤسسات المالية الإسلامية من أجل إدراجها في العقود التي تبرم أو بوثائق مستقلة، كما يضع المركز على ذمة المحتكمين قائمة من المحكمين والخبراء الملمين بأحكام الشريعة الإسلامية والقانون المقارن وذوي السمعة الحسنة والنزاهة ويسهم المركز في الرفع من مستوى الثقافة التحكيمية وذلك بالسهر على إعداد الدورات التدريبية والتواصل مع الإدارات القانونية في المؤسسات المالية الإسلامية.

الجزء الثاني: إجراءات نشاط المركـز وآلياته:

   ينظر لآليات النشاط داخل المركز على أنها المؤشر لنجاعة التحكيم. وفـي هـذا الإطـار يحرص المركز على الإدارة الفعالة في التحكيم من الناحية الإجرائية. كما يحرص المركز مـن ناحية الموضوع على القانون الواجب التطبيق الذي وإن عهد في اختياره لأطراف النزاع إلا أنه يجب أن لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية. وقد توخى المركز قدراً كبيراً من المرونة لتيسير عملية التحكيم دون أن تنقلب تلك المرونة إلى مصدر مماطلة. كما أن الإطمئنـان الـى سـلامة الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم داخل المركز قد حظيت بعناية، حيـث تـم تـشكيل هيئـة استشارية للنظر في مدى تطابق الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم المشكلة وفق أنظمة المركز ولوائحه مع مبادىء وأصول أحكام الشريعة الإسلامية  دون أن تشكل هذه الهيئة درجة تقاضي، لأن حكم التحكيم نهائي.

1/2 حرص المركز على الإدارة الفعالة في التحكيم:

   على المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم بصفته مؤسسة تحكيم دولية متخصـصة الحرص على صدور أحكام سليمة من الناحية الإجرائية والموضوعية حتى تكون مقبولـة فـي محيط الصناعة المالية الإسلامية وبعيدة عن الطعن فيها بالبطلان. ومن هذه الإجراءات:

- إدارة التحكيم باقتدار وبحياد من قبل خبراء ومختصين.

- احترام سرية الإجراءات.

- عــدم قبول تنظيم التحكيم بناء على طرف واحد في النزاع. أمـا إذا كانـت اتفاقيـة التحكيم تتضمن بعض الغموض في تعيين جهة التحكيم، فإن ذلك من اختصاص هيئـة التحكيم.

- نشر التعديلات التي يجريها المركز على لوائح التحكيم ونظمه حتى يكـون المتنـازعون على بينة من التعديلات.

- الحرص على صدور أحكام تتوافر فيها مقومات الأحكام السليمة من حيث حرية الـدفاع، والتعليل، وعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، وما يجب النص عليه في الحكم كـذكر المصاريف مع تحديد الطرف الملزم بدفعها أو نسب توزيعها بين الأطراف.

 2/2 القانون الذي يجب على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع:

    إن المؤسسات المالية الإسلامية وإن كانت مرجعيتها الأساسية هي أحكام الشريعة الإسلامية، إلا أنها تخضع في الوقت نفسه لضوابط أخرى فهي بذلك تنشط تحت "تعدد الأنظمـة"، ونقـصد بذلك :

- القوانين والنظم السارية في البلدان التي تنشط فيها (نظم المصارف، وشركات التـأمين، وشركات التأجير، وشركات التمويل، والصناديق وغيرها).

- رقابة الهيئات الشرعية التي تتبعها.

- المعايير والمبادىء الإرشادية التي تصدرها مؤسسات البنية التحتية (المعايير الـشرعية الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة، ومجلس الخدمات المالية الإسلامية).

- المعايير الدولية التي تنظم كفاية رأس المال ومخاطر الإدارة، والتدقيق وغيره ها.

وعند الحديث عن القانون الواجب التطبيق لا بد من الأخذ في الإعتبـار تعـدد الأنظمـة المذكور آنفاً. وفي مجال التحكيم لأطراف النزاع كامل الحرية في تحديد القـانـون الـذي يجب على المحكمين تطبيقه على موضوع النزاع. وفي حالة عدم تحديد الأطراف للقانون الواجب التطبيق -سواء في العقد أو في مشارطة التحكيم- يطبق المحكمون القانون الذي يرونه مناسبا، سواء كان قانون مكان إبرام العقد، أو قانون مكان تنفيذه، وذلك مع مراعاة شرط العقد وقواعد وأعراف التجارة الدولية وطبيعة النزاع. وقد أصـدر مجمـع الفقه الإسلامي الدولي قراراً في موضوع التحكيم وضع فيه الأسس العامـة للتحكيم  كمـا أصدرت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية معياراً في هذا الشأن أشير إليه في مقدمة هذا البحث..

   وعملاً بما جاء في المادة 11 من النظام الأساسي للمركز "يجب على المحكمـين الإلتـزام بالقانون الذي اختاره أطراف النزاع. وفي حالة عدم تحديد القانون واجب التطبيق في مشارطة أو شرط التحكيم فإنه يتعين على هيئة التحكيم اختيار القانون واجب التطبيق الأكثر التصاقاً بالعقـد محل النزاع مسترشدة بمكان انعقاد العقد ومكان تنفيذه وجنسية المتعاقدين وموطنهمـا والقـانون واجب التطبيق. وفي جميع الأحوال يتوجب على هيئة التحكيم استبعاد الأحكام التـي تتعـارض وأحكام الشريعة الإسلامية في القانون واجب التطبيق. ولهيئة التحكيم أن تختـار مـن المـذاهب الإسلامية وآراء المجامع الفقهية واجتهادات هيئات الرقابة الـشرعية فـي المؤسسات الماليـة الإسلامية ما تراه مناسبا لموضوع النزاع".

    ولكن نشاط المؤسسات المالية الإسلامية في محيط قانوني تطبق فيه أحكام الشريعة كمـا تطبق فيه القوانين الوضعية، أو تطبق فيه أحكام القانون الوضعي مع قبول جزئي بتطبيق أحكـام الشريعة الإسلامية، وتعامل المؤسسات المالية الإسلامية مع المؤسسات التقليدية التي تتمسك عادة بتطبيق القانون الوضعي في معاملاتها، جعل من المناسب النظر في الحلول الممكنة للتعاون بين مؤسسات لها مرجعيات قانونية مختلفة، خاصة وأن التمويلات الكبرى تحتـاج إلـى تمـويلات مشتركة (التمويل المصرفي المجمع). وقد تكون المؤسسة المالية الإسلامية التي تربطها معاملات مع مؤسسة تقليدية في موقف تفاوضي لا يمكنها من فرض قانونها ليحكم المعاملة كأن تكون نسبة مساهمة البنك التقليدي في تمويل مصرفي مشترك أكبر من نسبة البنك الإسلامي الـشـيء الـذي جعل بعض المؤسسات المالية الإسلامية تقبل بتحكيم القانون الوضعي منطلقة تارة مـن أن جـل القوانين الوضعية في العالمين العربي والإسلامي مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية وليـست هناك مخالفة مبدئية وصريحة بين الشريعة وقانون المعاملات، وتارة تقبل بالأمر الواقـع لعـد ضياع فرصة التمويل، ولو وجدت شبهة في ذلك.

   ولا يخفى ما لمعرفة القانون الواجب التطبيق من أهمية خاصة في المعاملات الدولية التـى تحتمل تطبيق أكثر من قانون. فإذا حصل خلاف في المعاملات الدولية سواء عرض على القضاء أو التحكيم فلا بد من معرفة القانون الواجب التطبيق. وتعد هذه المعرفة مسألة أولية تسبق كـل حل للنزاعات، بل إن التسوية الودية نفسها لا تخلو من السعي لمعرفة القانون الواجب التطبيـق وذلك لتقدير حجم ونوعية التنازلات التي يعتزم كل طرف القيام بها.

   كما أن بعض المؤسسات الإسلامية ذهبت في الإتجاه مع افتـراض أن فـي القـوانين الوضعية ما قد يخالف أحكام الشريعة الإسلامية فتحوطت بذكر صيغة تنص على تطبيق القانون الوضعي "بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية".

    وقد اثبتت التجربة أن مثل هذه الصيغ وخاصة التوفيقية منها – التي تبدو وكأنها أعطت كل مدرسة فكرية حظها من التفعيل- كانت سبباً مباشراً في تـضرر بعـض المؤسسات الماليـة الإسلامية لما حان وقت تفعيل الصيغة وعرض الأمر على القضاء لبت النزاع، وذلـك بتفـسير سلبي لتلك الصيغ كانت نتيجته التقليل من شأن أحكام الشريعة الإسلامية إن لم يكـن الإسـتبعاد الكلي وهو أمر لم تتوقعه المؤسسات التي نصت على مثل تلك الشروط والتي رأت فيها رأت فيها مخرجـاً يقوم على عدم استبعاد القانون الوضعي وعدم اغفال أحكام الشريعة الإسلامية.

    ومع بدء نشاط المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم الذي أسسته الصناعة الماليـة الإسلامية نفسها ليكون مرجعها في مجال فض النزاعات، طرأ عنصر جديد قد يعطي موضوع القانون الواجب التطبيق المطروح أبعاداً أخرى يتعين دراستها.

3/2 المـرونــة في الإجـــــــراءات:

    من نقاط قوة المركز في هذا الجانب أن نظام التحكيم في المركز لا يتأثر بقانون وطنـي معين. فالإجراءات القانونية التي يرعاها المركز بالرغم من وجود مقر المركز بدبي، يمكن أن تجرى في أي مكان بالعالم. والمرونة قد تكون بصريح نصوص النظـام الأساسـي ولـوائح المركز، وقد تكون عن طريق الإصغاء لحاجـة الـصناعة الماليـة الإسـلامية والإسـتجابة لخصوصياتها باقتراح حلول خاصة، وقد تكون بإتخاذ مجموعـة مـن الإجـراءات لتفـادي المماطلة.

 2/3/1 المرونة بمقتضى النصوص:

     يظهر المركز مرونة كبيرة في مجال فض النزاعات بالتحكيم حيث نصت المادة 3 من النظام الأساسي والمادة 6 من لائحة إجراءات المركز على إمكانية إختيار مكان التحكيم من قبل الأطراف. أما بشأن لغة التحكيم فيمكن إختيارها على نحو يتسم بالمرونة فالأصل أن يتم التحكيم باللغة العربية وقد يتفق الأطراف أو تقرر هيئة التحكيم لغة أخرى متى رأت لذلك ضرورة تستوجبها ظروف وملابسات الخصومة التحكيمية. وفي كل الأحوال يجب أن يصدر الحكم باللغة العربية وذلك للأهمية التي يوليها المركز في صياغة حكم التحكيم الذي قد يحتوي في طياته على بعض المصطلحات الفقهية التي يخشى من ترجمتها تغيير المقصود منها أو سوء فهمها عند التنفيذ.

    وحول مدة إصدار الحكم حرص المركز على أن لا تتجاوز مدة التحكيم 6 أشهر من يوم إحالة ملف القضية إلى الهيئة مع إمكانية تمديد مدة التحكيم لفترة لا تتجاوز ستة أشهر على أن يكون الطلب مسبباً، وتظهر المرونة أيضاً في تعيين المحكمين بالإضافة إلى جملة المزايا التي يوفرها المركز للمحتكمين.

   وتم إدراج بند التحكيم الخاص بالمركز في عقود العديد من المؤسسات الماليـة الإسـلامية، بالإضافة إلى عدة فعاليـات وملتقيـات تكميلية لعمل المركـز ومـساندة للـصناعة الماليـة الإسلامية.

    كما يعكـف المركـز حاليـا علـى إعداد خطط مستقبلية كالبرامج المزمع تنفيذها فـى مجال تأهيل المحكمين في مجال فض النزاعـات الماليـة الإسـلامية بالتعـاون مـع المعهـد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، وذلك عبر برنامج تدريبي عـالي المستوى يجمع بين البعدين القانوني والشرعي، بالإضافة إلى عدة ملتقيات وفعاليات تصب فـ تحقيق أهدافه.

    وتم تعزيز وظيفة المركز في أداء مهمته بصدور المعيار الشرعي رقم 31 الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، والذي يعتبر المرجع العلمي والإجرائي للتحكيم في مجال الصناعة المالية الإسلامية.

 2/3/2 المرونة بالإستجابة للحالات الخاصة: إقتراح صيغة لفض النزاعـات ذات المبـالغ الصغيرة:

    من خلال اتصال المركز بالمؤسسات المالية الإسلامية عبر العالم ونظراً لإختلاف البيئة القانونية من دولة لأخرى طلب بعض المؤسسات المالية من المركز التفكير في صيغة تحكيمية مناسبة للتفريق بين المنازعات الصغيرة المحلية والتي ترى فيها تلك المؤسسات أن القضاء أنسب لحلها والمنازعات الأخرى التي ترى تلك المؤسسات إخضاعها لبند التحكيم من خلال المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم، وبعد الدراسة والتدقيق خلص المركز إلى صياغة تجمع بين التحكيم والقضاء وهي كالتالي:

   "إذا نشأ خلاف بين البنك والعميل حول تفسير أو تطبيق هذه الإتفاقية- العقد- يحال النزاع إلى هيئة تحكيم تفصل في النزاع بحكم نهائي وملزم طبقاً لقواعد وإجراءات المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم بدبي.

     ويحق للبنك دون العميل اللجوء إلى القضاء البحريني بالرغم من وجود شرط التحكيم أعلاه، على أن يبقى اللجوء الى طلب المصالحة من خلال المركز متاحاً للطرفين متى توافقت إرادتيهما على ذلك. وعلى طالب الصلح أن يخطر الطرف الآخر برغبته في المصالحة على أنه إذا لم يرد الطرف الآخر في غضون أسبوع يعد ذلك رفضاً ضمنياً للمصالحة.

    وعلى البنك إخطار المركز بكتاب مضمون الوصول يفيد اللجوء الى القضاء قبل أسبوع من بدء إجراءات التقاضي، إذ يعد إحالة موضوع النزاع على القضاء بمثابة التنازل النهائي عن صيغة التحكيم في موضوع هذا النزاع".

     مع العلم أن عقود البنك المعنية بإدراج هذه الصيغة التحكيمية الخاصة يجب أن لا تتجاوز قيمتها مبلغاً معيناً كأن يكون خمسين ألف دولار أمريكي. ولتفعيل هذا الشرط الخاص ينبغي على البنك إعتماد تصنيف لعقوده وذلك بإستخدام الصيغة العامة لشرط التحكيم في باقي العقود والصيغة الخاصة في العقود صغيرة الحجم، حيث يمكن للبنك اللجوء الى القضاء النظامي دون التحكيم في المنازعات البسيطة مع عملائه أو غيرهم، كما يجنب البنك مماطلة المدين، إذا ما قرر اللجوء إلى القضاء وإطالة أمد التقاضي. والمركز دائم الإصغاء للخصائص التي يثيرها بعض المؤسسات المالية للنظر في كيفية التفاعل معها بما يخدم المؤسسات المالية المعنية دون مخالفة نظم المركز ولوائحه.

2/3/3 التعامل مع مسألة تحكيم غير المسلم:

    طرح على إدارة المركز في أكثر من مناسبة مسألة موقف المركز من تحكيم غير المـسلم. ونعتقد في هذا السياق بأن المعاملات المالية الإسلامية هي ثقافة وليست نصوصاً فقط. فلا يمكن أن نطلب من المحكم على سبيل المثال تطبيق بنود عقد الإجارة والتأمينـات التـي تحـيـط بـه والعلاقة بين المضارب ورب المال، وعقود المشاركات، إذا كان لا يملك دراية واسعة بالقواعـد الكلية كقاعدة الغنم بالغرم. ومقولة أن العقد شريعة الأطراف – وهي قاعدة راسـخـة وتـشترك المدارس القانونية في الثناء عليها لا يمكن أن تشكل وحدها مفتاحاً لتفسير كل المسائل القانونية والشرعية التي تطرحها المعاملة. ولا بد أن يعزز ويفسر العقد بقواعد أخرى مساندة. وبناء عليه، على المحكم المسلم أن تكون له ذهنية أوسع من قانون بلده أو المدرسة القانونية التي نشأ فيهـا. كما يتعين على المحكم غير المسلم أن يستجيب لهذه الشروط. فاستبعاده مـن التحكـيم فـى المعاملات المالية الإسلامية إذا تم ليس بسبب دينه، وإنما بسبب ما يحمله من ثقافة قانونية تعتبـر الفائدة جزءاً أساسياً في المعاملات المالية (مقابل إجارة العملة)، وترى فـي غرامـات التـأخير معاملة عادلة لما فات الدائن من كسب دون النظر في عسر المدين.

    هذا وتجدر الإشارة الى أنه بعد ظهور جهات تحكيم إسلامية متخصـصـة فـي المعـاملات المالية الإسلامية، أصبحت مسألة إحالة النزاع إلى جهات تحكيم غير إسـلامية غيـر مبـررة. ولجهات التحكيم الإسلامية أن تستقطب الكفاءات حسب ضلوعها ومهارتهـا فـي مجـال فقـه المعاملات دون أن يكون الدين حاجزاً في ولوج هذه المجالات.

 2/4 آليات الحد من المماطلة:

     إن الكثير من الإجراءات التي تنص عليها القوانين في المجال القضائي أو في غيـره مـن المجالات، كثيراً ما يساء استخدامها حتى من الذين جاءت تلك القوانين والإجـراءات لحمـايتهم، لتتحول من صيغ وآليات إيجابية غرضها بلوغ أقصى درجات العدالة كحماية الحقوق والحريات إلى حيل غايتها هدر الحقوق والمراوغة.

    ولم يشذ التحكيم الذي يتسم في الأصل بالسرعة في فض المنازعات عن هذه القاعدة. فمـن خلال قراءة القوانين المنظمة للتحكيم نجد أن تلك القوانين قد اتخذت مجموعة من الإجراءات يفهم منها التصدي وقطع الطريق على مماطلة أحد أطراف النزاع وهذا متوقع، لأن التحكيم كالقـضاء النظامي قد لا يقبل كل أطراف النزاع مبدأ المثول أمام العدالة أصلاً أو حتـى مماطلـة أحـد المحكمين وهذه مماطلة مستغربة، لكنها غير مستبعدة تماماً.

    وقد حرص المركز على مسألة ردع المماطلين مع السعي للحفاظ على التوفيـق بـين القواعـد الإجرائية الكبرى التي تحكم الإجراءات القضائية عموما، وبين سير إجراءات التحكيم فـي ظـروف مناسبة، وكذلك التوفيق بين استقلالية التحكيم كعدالة اتفاقية وبين ضرورة تدخل القضاء عند الحاجة.

2/4/1 الحد من المماطلة التي سببها أطراف النزاع:

    أثبت الواقع أنه ليس غريباً ان يسعى أحد أطراف النزاع إلى تعطيل إجراءات التحكيم بشتى الوسائل وذلك سواء لعدم اقتناعه بالتحكيم بالرغم من موافقته الكتابية عليه، أو لتأجيل صدور الحكم المتوقع صدوره ضده، وبالتالي كسب الوقت. ومن الإجراءات التي عادة ما يتوخاها هـذا الصنف من المحتكمين والتي أصبحت تقليدية: الطعن في اختصاص هيئة التحكيم من حيث النظر في القضية، ورد المحكمين وذلك بالطعن في حيادهم واستقلاليتهم ونزاهتهم.

(أ) الطعن في اختصاص هيئة التحكيم:

    قيام التحكيم على الاتفاق وتعيين محكمين للفصل في النزاع (كما يفعل القضاة بالرغم مـن أنهم ليسوا قضاة)، يجعل من اليسير الطعن في اختصاص هيئة التحكيم، وذلـك بـاللجوء إلـى القضاء للطعن في اختصاص هيئة التحكيم الشيء الذي يستغرق وقتاً وجهداً ومالاً مما يـضعف المؤسسة التحكيمية برمتها علاوة على الحط من معنويات الطرف الآخر بكسب الوقت.

    ورداً على هذا الهاجس، أرسى القانون قاعدة أساسية وهي "اختصاص هيئة التحكيم في تحديد اختصاصها". وهذه القاعدة تبنتها المادة 19 من لائحة إجراءات التحكيم والمصالحة بالمركز حيـث نصت على ما يلي: "تختص هيئة التحكيم بالفصل في الموضوع المتعلق بعدم اختصاصها، ويشمل ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو بطلان هذا الإتفاق...". ومضمون هذه القاعـدة أن الدعوى بعدم اختصاص هيئة التحكيم من اختصاص الهيئة نفسها بحيث لا يعرض بت موضوع الاختصاص عند المنازعة فيه، إلا أمام هيئة التحكيم قبل غيرها من الهيئـات. ونتيجـة لـذلك إذا عرض الموضوع على المحكمة قبل إبداء هيئة التحكيم نظرها فيه، فعلى المحكمة أن تعلـن عـدم اختصاصها حتى اصدار هيئة التحكيم قرارها في الموضوع. ومن المزايا العملية لهذه القاعدة أنهـا تمنع أحد أطراف النزاع من تأخير أو قطع سير إجراءات التحكيم دون وجه حق. ولكـن هـذا لا يعني أن نتيجة نظر هيئة التحكيم في اختصاصها تفرض حتما على المحاكم ولا تخـضع للطعـن. فمن حق أطراف النزاع الطعن في اختصاص هيئة التحكيم بصيغة طلب ابطال حكـم المحكمـين. ولولا هذه القاعدة الأساسية في التحكيم لفتح الباب على مصراعيه لمن يرغب في المماطلة للطعـن في اختصاص هيئة التحكيم أمام القضاء وتعطيل المؤسسة التحكيمية برمتها. ولكن هـذه القاعـدة لیست محل اجماع بين القوانين. فهناك قوانين تسمح بوجود القاعدة من حيث المبدأ، لكن لا تمنـع أطراف النزاع من اللجوء إلى القضاء للنزاع في اختصاص هيئة التحكيم.

(ب) رد المحكمين:

يحق لأطراف النزاع رد المحكمين إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المجال مـن حياد ونزاهة، أو قد ينص عليها أطراف النزاع. ومثل هذا الحرص على تطابق شروط المحكـم مع المطلوب اتفاقاً أو قانوناً أمراً مشروع في حد ذاته، ولكن يكمن المأخذ في استغلال الحمايـة القانونية من قبل أطراف النزاع تعسفاً. فقد يلجأ أحد أطراف النزاع إلى الرد بغاية تـأخير بـت القضية أو حتى شل التحكيم. ويبذل المحتكم أقصى جهده ليعدد سبل التقاضي أمام المحاكم، فعادة ما يقاضي في الرد أمام محكمة مؤسسة التحكيم، لأنها لم تستجب طلبه، أو أمام محكمة الطـرف الذي عين المحكم. ولكن المحاكم في مجملها لم تستجب لهذا الطلب لأن القرار الذي اتخذته هيئة التحكيم بتعيين المحكم أو رفض رد المحكم ليس حكماً قابلاً للطعن، ولكنه مجرد إدارة العدالـة. وسمحت المحاكم في القانون المقارن بأن يتم الطعن عند طلب التصديق على الحكـم أو الطعـن بالابطال بعد صدور الحكم. وقد أخذت نظم ولوائح المركز بمبدأ الحق في رد المحكمين من قبل أطراف النزاع، ولكن دون أن يفضي هذا الحق إلى تعطيل التحكيم. فقد نصت المـادة 17 مـن لائحة إجراءات التحكيم والمصالحة في فقرتها الأولى على حالة طلب أحد الطرفين رد المحك وموافقة الطرف الآخر على طلب الرد أو تنحي المحكم من تلقاء نفسه. وهذه أبسط الإفتراضات وأيسرها. كما نصت في فقرتها الثانية على عدم موافقة الطرف الآخر على الرد وعلى عدم تنحي المحكم، عندها تتدخل اللجنة التنفيذية للمركز للنظر في الرد وتصدر قرارها في مدة لا تتجـاوز أسبوعاً من تاريخ استلام طلب الرد. كما نصت الفقرة الثالثة على قبول الرد، عندها يعين المركز محكماً جديداً وفقاً للائحته، ويتم تبليغ قرار التعيين فور صدوره لكل من المحكم الذي تقـرر رده وللطرفين.

 2/4/2 الحد من المماطلة التي سببها أحد أعضاء هيئة التحكيم:

    في يبدو أن هذا الصنف من المماطلة أكثر غرابة من مماطلة أحد أطراف النزاع، لأن وظيفة المحكم كوظيفة القاضي هي أداء العدالة أسمى معانيها وفي أنسب الظروف وأيسرها. ولسائل أن يسأل كيف يسعى المحكم وهو بمثابة القاضي في افشال التحكيم. كما أنه من الناحية الزمنية تبدو مماطلة المحكمين أحدث من مماطلة أطراف النزاع. فقد يتصرف المحكم كوكيل للطرف الذي عينه أو كمساعد له لحفظ حقوقه ناسياً أو متناسياً أنه قاض مستقل عن أطراف النزاع بما في ذلك الطرف الذي عينه.

    ومن خلال قراءة الواقع نجد أن الأسباب متعددة، لكنها تكاد تنحصر في ثلاث صيغ: رفض المحكم المساهمة في إجراءات التحكيم، واستقالة المحكم والحكم على وشك الـصدور، ورفـض المساهمة في المداولة، ورفض توقيع الحكم. مع العلم أن تبني المحكم احد التصرفات المذكورة قد لا يكون غايته مماطلة، وإنما هناك أسباب مشروعة قد تؤدي إلى ابطال الحكم برمته.

(أ) رفض المحكم الإسهام في إجراءات التحكيم بعد تشكيل هيئة التحكيم:

    قد يبدو من الوهلة الأولى أن مثل هذا التصرف منطقي، بل مستحب، لأن المحكم قد يـرى في شخصه بعض عناصر عدم الحياد والاستقلالية. ولكن عليه أن يثير مثل هذه المآخذ في وقت متقدم من بداية الإجراءات، بل وقبل الشروع في النظر في القضية. ومثل هذه الحالات عالجتهـا المواد 14 و17 وغيرها من لائحة إجراءات التحكيم والمصالحة.

(ب) استقالة المحكم والحكم على وشك الصدور:

    يتعين التوضيح منذ البداية أن المحكم لا يستطيع الاستقالة دون عذر شـرعي، لأن قبولـه مهمة التحكيم تعد بمثابة التعهد باتمامها على أفضل وجه. وقد نصت جل القوانين صراحة علـى هذا المبدأ. ولكن مهما يكن من أمر لا يمكن جبر المحكم على البقاء في اللجنة إذا لم يرغب في ذلك. وعليه أن يتحمل المسؤولية المدنية. ويبقى السؤال قائماً حول تعويضه. ولكن إذا تمت تسمية المحكم بالاسم في وثيقة التحكيم، فإن الأمر يكون عسيراً في تعويضه إلـى درجـة أن بعـض القوانين تعتبر أن اتفاقية التحكيم قد أصبحت غير نافذة. وقد غطت لائحـة إجـراءات التحكـيم والمصالحة بالمركز هذه الثغرة، وذلك بمنح اللجنة التنفيذية والأمين العام صـلاحيات التحـرك لإنقاذ عملية التحكيم وهي في مرحلة متقدمة.

(ج) رفض المساهمة في المداولة:

دخول المحكم في التداول والاشتراك في اتخاذ القرار مسألة أساسية في التحكيم، وذلك بحكم الطبيعة التعاقدية للتحكيم. وينبغي عدم الخلط بين رفض المساهمة في المداولة ورفـض توقيـع الحكم موضوع الفقرة (د) أدناه كما سيأتي بيانه. ومن الناحية المبدئيـة يعتبـر رفـض المحكـم المساهمة في المداولة بمثابة التخلي عن المهمة. وفي هذه المرحلة المتقدمة من صـدور الحكـم يصعب تعيين محكم يعوض المحكم المتخلي. ويطرح السؤال هل على المحكم المعوض سـماع أطراف النزاع من جديد مع ما يترتب على ذلك من تأخير على افتراض امكانية سماع اطراف، أم يمضي قدماً في المداولة، مستنداً الى ما تم من جهد وتحريات سابقة لتعيينه. ولكن ما المقصود بالتداول أو المفاوضة؟ يرى فقه القضاء أنه لا توجد صيغة معينة للتداول، ولكن يكفـي أن يـتم تمكين المحكم من إبداء ملاحظاته حول مشروع الحكم"، ولكن تطور صيغ التـداول كـإجراء المفاوضة بالتمرير، أو الإجابة عن الاستجوابات التي يعدها رئيس اللجنة، أو عـرض مـشروع الحكم على الأعضاء لإبداء الرأي في شأنه، أو تحديد تاريخ معين لإبداء ملاحظاته، أو اعتبـار السكوت تصويتاً سلبياً ألخ... كل هذه الصيغ المتطورة تقلص من سلبيات عـدم المـساهمة فـي التفاوض والمداولة. وفي كل الحالات فإن المحكم الذي عرض عليه المشروع أو طلب منه إبداء ملاحظاته حول نقطة معينة يعتبر قد ساهم في التفاوض.

(د) رفض توقيع الحكم:

    الأصل في هذا الموضوع أن الحكم يوقعه اغلب المحكمين، إلا إذا نص اطراف النزاع على خلاف ذلك. وتنص بعض القوانين على ضرورة النص الصريح في الحكم على تعذر الحـصول على توقيع المحكم. كما أن القانون النموذجي للأمم المتحدة ينص على ضـرورة ذكـر أسـبـاب رفض المحكم توقيع الحكم. مثل هذا التوضيح له أهميته عند طلب ابطال الحكم، وخاصـة فـي الأنظمة التي لا تقبل بتدوين الآراء المخالفة. وهناك بعض القوانين حسمت الأمـر لتفـادي أيـة مماطلة وذلك بإعطاء الرئيس دورا. فقد نصت المادة 189 فقرة 2 من القانون السويسري علـى أنه في غياب اتفاق مخالف للطرفين فإن توقيع الرئيس وحده يكون كافياً. وأكدت المادة 32 مـن لائحة إجراءات التحكيم والمصالحة بالمركز على وجوب تعليل الحكم وأن يتضمن ذكر أسـماء المحكمين وتوقيعاتهم، ولكنه لم يتطرق إلى رفض التوقيع. ونرى أن معالجة الموضوع تكمن في معرفة سبب الرفض فإذا كان وجيها كان على رئيس هيئة التحكيم أخذ ذلـك بعـين الإعتبـار والإستجابة لمطلب رافض التوقيع، وإذا رأى رئيس هيئة التحكيم عدم وجود وجاهة في رفـض التوقيـع فعليـه أن لا يعطـل عملية التحكيم بسبب رفض توقيع الحكم من قبل أحـد أعـضاء الهيئة.

2/5 الإطمئنان إلى سلامة الحكم من الناحية الشرعية والإجرائية: الهيئة الاستشارية المكلفة بالنظر في مدى تطابق أحكام المحكمين مع مباديء الشريعة الإسلامية وأصول الأحكام:

    أحكام المحكمين وخاصة منها تلك التي تتعلق بالتحكيم الدولي غير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن، إلا الطعن بالإبطال وهي حالة استثنائية، ولا تتضمن النظر في مضمون الحكم بل تقتصر على النظر في الجوانب الشكلية. علماً أن أحكام المحاكم النظامية يمكن أن تكون عرضة للطعـن بالاستئناف وبالتمييز ولا يمكن أن تكون عرضة للإبطال.

    وحرصاً من مراكز التحكيم على تفادي إبطال أحكام المحكمين وهي عادة ما تكون لأسباب إجرائية كما ذكر (احترام حقوق الدفاع، والمساواة بين الخصوم، وصدور الحكم فـي الأجـال ودعوة الأطراف حسب الصيغ القانونية، وتطابق الأسباب مع منطوق الحكم) فقد تم إيجاد صيغة وقائية في شكل تدقيق مسبق لحكم المحكم قبل توقيعه من قبل هيئة التحكيم والإعلان عنه، وذلك لضمان تنفيذه عند الحاجة ولتفادي حصول أخطاء إجرائية جوهرية مـن شـأنها تهديـد حك المحكمين.

    وتحقيقاً لذلك اتخذت جل مراكز التحكيم إجراءات في هذا الشأن نذكر منها على سبيل المثال المحكمة الدولية للتحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية بباريس.

    ويشترك المركزالإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم (المركز) مع المراكز الأخـرى فـي الحرص على صدور أحكام تتوفر فيها المتطلبات الإجرائية في المجال. وإلى جانـب الحـرص المشترك مع المراكز الأخرى (مراعاة ضوابط الإجراءات)، يضاف إلى ذلك الحـرص علـى تفادي صدور أحكام مخالفة لقاعدة شرعية أساسية مجمع عليها ما يؤدي لا سمح الله إلى الإساءة إلى سمعة المركز والمحكمين على السواء، وقد يفسح مجالا للمساومة عند تنفيذ الحكم.

    وحرصاً من المركز على تغطية مثل هذه الثغرات، فقد نصت المادة 37 مـن لائحـة إجـراءات التحكيم والمصالحة على تكوين جهاز ينظر في مشروع حكم التحكيم قبل توقيعه من قبل هيئة التحكيم.

    ونظراً إلى المكانة المحورية للشريعة الإسلامية في الغرض من تأسيس المركز حيث أن كل الأحكام الصادرة عن هيئات التحكيم بالمركز يجب أن تكون مطابقة لأحكام الشريعة سواء ذكرت المرجعية الشرعية بصريح العبارة كقانون واجب التطبيق أو أشير إلى قانون واجـب التطبيـق. وبناء عليه يبدو من الطبيعي أن تنصب المراجعة على التأكد من مطابقة الحكم لأحكام الشريعة عموماً وللمذهب المعين، إذا تم تحديد مذهب بذاته. كما تؤخذ بعين الاعتبار الجوانب الإجرائيـة المعتادة. وفي هذا الصدد نصت المادة 37 من لائحة إجراءات التحكيم والمصالحة علـى أنـه "يجوز لهيئة التحكيم أن ترفع مشروع حكم التحكيم قبل توقيعه إلى الهيئة الشرعية التي يعتمـدها المركز وللهيئة الشرعية أن تدخل تعديلات شكلية على الحكم، ولها أيضا أن تلفت انتبـاه هيئـة التحكيم إلى مسائل موضوعية لها علاقة بالشريعة الإسلامية دون المساس بما لهيئة التحكيم مـن حرية في صياغة الحكم". وتوصية اللجنة الشرعية بإدخال التعديلات على الحكم لا يخرج عـن أحد الافتراضات الثلاثة التالية:

  - إبداء ملاحظات في شأن صياغة الحكم بحيث يفسح المجال لتدخل اللجنة فـي المجـال التحريري.

-  إبداء ملاحظات في شأن التعليل كأن تكون النتيجة التي توصل إليها المحكمـون مقبولـة لكن التعليل غير موفق.

- إبداء ملاحظات قانونية إجرائية في شأن الوثائق التي تم الاطلاع عليها، ومدى احتـرام مبدأ حرية الدفاع، وغيرها.

(أ) الصيغة الجوازية لعرض الحكم على الهيئة الشرعية الاستشارية:

    مقارنة بما ورد في نظام المحكمة الدولية للتحكيم التابعة للغرفة التجاريـة ببـاريس الت تفرض عرض مشروع الحكم على المحكمة الدولية للتحكيم قبل توقيعه، تنص لائحة إجـراءات التحكيم بالمركز في المادة 37 على تقدير هيئة التحكيم نفسها حول مدى الحاجـة الـى عـرض الموضوع على اللجنة الشرعية، واختيار الصيغة الجوازية يعفي هيئة التحكيم، وكذلك المركـز من اللجوء الآلي للجنة الشرعية في مسائل قد لا تحتاج الى الرجوع إلى تلك اللجنة، إما لوضوح الحل، أو للجانب الفني للنزاع. والرجوع بصفة آلية للجنة الشرعية قد لا تقبله هيئة التحكيم نفسها خاصة إذا كانت مكونة من مرجعيات فقهية معروفة وهو الأصل فـي اختيـار المحكمـيـن فـي المركز. كما أن الرجوع إلى اللجنة الشرعية بصفة آلية قد يفهم منه وكأن هـذه اللجنـة تـشكل طريقة من طرق التقاضي كالاستئناف أو التمييز. فبالرغم من السلطة المعنوية التي قد تتمتع بها اللجنة الشرعية فليست لها أية وصاية على هيئة التحكيم التي اختارها أطراف النزاع أو فوضـوا المركز باختيارها. ولكن الهدف من وجود اللجنة الشرعية هو ضمان نجاعة الحكم عند التنفيذ.

(ب) الجهة المختصة:

    نظرا إلى الدمج بين الجوانب الإجرائية والشرعية في مضمون المراجعة، يتعين أن تضم اللجنة في عضويتها على الأقل إختصاصيين اثنين وهما: الاختصاص الإجرائي والاختصاص الشرعي، وبما أن عمل اللجنة سوف يقتصر على إبداء الملاحظات دون إلزام هيئـة التحكـيم بذلك، فلا يبدو من الضروري أن تضم اللجنة ثلاثة أعضاء كما هو معتـاد، ولكـن يكتفـى بعضوين: عضو متخصص في فقه المعاملات المالية، وعـضو متخصص فـي المـسائل الإجرائية.

    من الناحية العمليـة يحرر كل عضـو ملاحظات كتابية تبلغ إلى هيئة التحكـيم. وتظـل لهيئة التحكيم حرية الاستفادة من الملحوظات حسبما تراه مناسباً، ولا يتعين عليها إبـداء أسـباب لإغفالها.

الجـزء الثالث: أهم التحديات التي تواجه المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم، والحلول والتوصيات المقترحة لتجاوزها:

     بالرغم من الإنجازات التي حققها المركز بعد سنتين من بداية نشاطه الفعلي، إلا أنه في ضوء التواصل المستمر مع محيط الصناعة المالية الإسلامية، وفي ضوء نتائج الإستبيان الذي أعد لمعرفة رأي الصناعة في مجال التحكيم، رصد المركز عدة تحديات وجب النظر فيها بموضوعية وإيجاد الحلول المناسبة لها.

 3/1 التحديات التي تواجه المركز:

(أ) صيغة شرط التحكيم (وهو الشرط الذي يدرج في العقد قبل نشوب النزاع):

    السند القانوني الذي ستعرض بمقتضاه القضايا على المركز حالياً أو على المدى القصير لن يكون أساساً شرط التحكيم الذي نصت عليه بعض المؤسسات المالية في عقودها منذ بداية سنة 2007م، لأن الصعوبات التي تنتج من تنفيذ العقود المصرفية المتضمنة شرط التحكيم، لن تبرز في بداية التعاقد. وبالتالي فإن شرط التحكيم لا يفعل في الغالب إلا بعد فترة من الزمن. وبناء عليه فإن شرط التحكيم الذي أدرج في عقود المؤسسات المالية على امتداد سنة ونصف السنة لم يلجأ إليه بسبب حداثة النص على الشرط كما ذكر.

(ب) صيغة مشارطة التحكيم (وهو الإتفاق على التحكيم بعد نشوب النزاع، لأن العقد لم يتضمن شرطاً بسبب عدم وجود المركز قبل سنة 2007):

    تستوجب مشارطة التحكيم قبول الطرفين صيغة التحكيم في وقت دخل فيه الطرفان في نزاع، وكثيرا ما تنعدم الثقة بين الطرفين. فعادة ما يتمسك الطرفان بالجهة المختصة في العقد وهي عادة جهة قضائية. واللجوء الى التحكيم عن طريق المركز في هذه المرحلة، يستوجب جهداً من قبل الإدارات القانونية وإدارات تحصيل الديون في المؤسسات المالية الإسلامية لإقناع عملائهم باللجوء الى التحكيم.

(ج) تأثير العرف القضائي في مجال فض النزاعات:

    يلاحظ في المؤسسات المالية الإسلامية تمسك الإدارات العليا في هذه المؤسسات بصيغة فض النزاعات عن طريق القضاء سواء لوجود شرط الإختصاص القضائي أو لإعتقادهم بأن القضاء هو الصيغة الطبيعية لفض النزاعات وما دونها يحتاج إلى نظر. وقد لاحظنا أن هناك الكثير من المؤسسات المالية قد أبدت استعدادها لعرض قضاياها على المركز، لكنها تتردد في أن تكون هي الأولى في عرض القضية على المركز. وهذا استوجب كسر الجمود بالحصول على القضية الأولى، عندها رفع الجمود.

(د) تفعيل توصيات اللجان الشرعية:

    عدم تقيد بعض الإدارات ومنها الإدارات القانونية في المؤسسات المالية الإسلامية بتوصيات اللجان الشرعية فيما يخص إحالة القضايا على المركز، لم يكن عاملاً إيجابياً في توسيع دائرة اختصاص المركز في مجال التحكيم. ولعل السبب يعود إلى أن الإدارة القانونية تعتبر نفسها هي المؤهلة قبل غيرها للنظر في كل ما يتعلق بفض النزاعات. ورغم وجاهة مثل هذا الرأي، فإن اختيار التحكيم بدل القضاء في المؤسسات المالية الإسلامية يجب أن يكون قراراً استراتيجياً من أعلى هرم المؤسسة ولا يترك لتقدير إدارة معينة ولو كانت الإدارة القانونية، لأن طريقة فض النزاع لها علاقة وثيقة بسلامة المؤسسة المالية. فكسب القضية في فترة قصيرة وتنفيذ الحكم الصادر لصالح المؤسسة يوفر لها سيولة إضافية يمكن توظيفها.

 3/2 الحلول والتوصيات:

    وفي مواجهة هذه العقبات إعتمدت إدارة المركز على بعض الحلول منها ما هو مفعل، ومنها ما هو بصدد التفعيل، والتوصيات من شأنها أن تسهم في إزالة هذه العقبات.

(أ) تنويع صيغ التواصل مع الصناعة:

إلى جانب الصيغ التقليدية التي اعتمدها المركز في التعريف بمزايا التحكيم وأهميته بالنسبة الى المؤسسات المالية الإسلامية، وذلك بتكثيف الزيارات الميدانية، والإتصالات مع الإدارات المعنية، ومزيد من التشاور مع الإدارات القانونية في الصناعة المالية الإسلامية على غرار "الإجتماع التشاوري الأول لممثلي الإدارات القانونية بالمؤسسات المالية الإسلامية" الذي عقد بمقر المركز بتاريخ 14 أبريل 2008 والذي مكن المركز من التعرف عن قرب الى الإشكالات القانونية في الصناعة المالية الإسلامية عموماً وفي التحكيم خصوصاً. كما أن توقيع مذكرات تفاهم مع بعض المؤسسات المتحولة حديثاً الى الصناعة المالية الإسلامية، أو المؤسسة حديثاً يضمن للمركز تواصلاً سلساً مع تلك المؤسسات. وفي الإتجاه نفسه يسعى المركز لترسيخ التواصل مع الصناعة المالية الإسلامية وذلك بإحداث ملتقى سنوي يجمع القانونيين العاملين في الصناعة المالية الإسلامية، وهم أساساً القانونيون في الإدارات القانونية في المؤسسات المالية الإسلامية والمحامون، والخبراء المختصون في هندسة الصناعة المالية الإسلامية في شقها القانوني.

(ب) محاولة اختراق مجال فض النزاعات عبر الصلح:

    يسعى المركز الى الدخول في مجال فض النزاعات عبر منفذ الصلح تمهيداً لفض النزاعات بصيغة التحكيم، والصلح كما هو معلوم إجراء بسيط ولا يكون عادة مصدر تحفظ من أطراف النزاع.

(ج) التواصل الدائم مع الجهات الشرعية:

    عمد المركز دوماً إلى التواصل مع اللجان الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية من أجل تفعيل ومتابعة توصياتها للإدارات العليا في تلك المؤسسات وحضها على اللجوء الى المركز لفض النزاعات، خاصة لما تبين أن بعض التوصيات لم تفعل.

(د) الدعوة إلى تفعيل دور المؤسسات التي تؤطر العلاقة بين المركز والمحتكمين:

    من خلال الدراسات التي أجراها المركز حول مراكز التحكيم المحلية والإقليمية والدولية، اتضح أن مراكز التحكيم عبر العالم تعاضدها غرف التجارة والصناعة، أو منظمات دولية حيث تقوم هذه الغرف والمنظمات بتوجيه منتسبيها للتحاكم والتعامل مع مركز التحكيم الذي أسسته. وهذا ما سعى إليه المركز بدعوة رئيس الغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة الى حض أعضاء الغرفة للإستفادة من خدمات المركز وفض النزاعات طبق نظم المركز ولوائحه. والدور المطلوب من مؤسسات البنية التحتية الأخرى العاملة في مجال الصناعة المالية الإسلامية وعلى رأسها المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية بصفته المظلة القانونية للصناعة المالية الإسلامية، دعوة ممثلي أعضاء الجمعية العمومية الحضور الى حض المؤسسات التي يمثلونها على الإحتكام الى المركز في المنازعات التي تكون تلك المؤسسات طرفا فيها.

المراجع:

 1/ المراجع القانونية:

 1/1 د. مصطفى محمد الجمال ود. عكاشة محمد عبد العال "التحكيم في العلاقات الخاصـة الدولية والداخلية"، الطبعة الأولى 1998، منشورات دار الحلبي الحقوقية. بيـروت - لبنان 1998.

 1/2 د. محسن شفيق "التحكيم التجاري الدولي" (دراسة مقارنة في قانون التجارة الدوليـة). دار النهضة العربية.

 1/3 عزة رشاد قطورة "التحكيم في ضوء الشريعة الإسلامية". 1415- 1416هـ. 1/4 د. أحمد حداد "دعوة لتفضيل مؤسسة المصالحة". مجلة التحكيم العربي. العدد الرابـع ص 113.

 

5/1  د. أحمد عبد الحميد سلامة "قانون التحكيم التجاري الدولي". دار النهضة العربيـة. الطبعة الأولى 2004.

 1/6 د. فتحي والي "قانون التحكيم في النظرية والتطبيق". دار النهضة العربيـة. الطبعـة الأولى 2007.

1/7 د. أحمد شرف الدين "دراسات في التحكيم في منازعات العقود الدولية". دار النهـضة العربية 1993.

1/8 د. علي بركات "خصومة التحكيم في القانون المصري والقانون المقـارن". رسـالة. حقوق القاهرة. 1996.

 1/9 د. عزمي عبد الفتاح "نظام الطعن في حكم التحكيم: التحكيم بين التشريعات العربيـة والمواثيق الدولية دراسات ووثائق" – ج 1 إصدار اتحاد المحامين العرب.

1/10 أبو زيد رضوان "الأسس العامة في التحكيم التجاري الدولي". دار الفكر العربي. دار الفكر العربي بالقاهرة.

1/11 د. نجيب الجبلي "التحكيم في القانون اليمني". رسالة دكتوراه، جامعـة الإسكندرية. 1996م.

 2/ المراجع الفقهية:

• مجلة الأحكام العدلية: المواد 1841 إلى 1851.

• قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 91(9/8) في شأن "مبـدأ التحكـيم فـي الفقـه الإسلامي". الدورة التاسعة. أبوظبي 6 ذي القعدة 1415هـ الموافـق 6 نيسان/أبريـل 1995م.

• الموسوعة الفقهية الكويتية، مصطلح "تحكيم".

• د. قحطان الدوري "عقد التحكيم والفقه الإسلامي والقانون الوضعي". ط. الخلود. بغـداد .1405

• د. عبد الله محمد عبد الله "مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي والقانون". مجلة مجم مجمـع الإسلامي الدولي. العدد التاسع. الجزء الرابع.

• محمد مصطفى شلبي "نظام المعاملات في الفقه الإسلامي". الطبعة الأولى. 1956.

• د. عبد الستار الخويلدي "التعليق على معيار التحكيم رقم 31". بحث قدم فـي المـؤتمر العلمي السنوي السادس عشر الذي نظمته جامعة الإمارات. المجلد الثالـث. ص 1153- .1192

3/ المراجع التشريعية:

• قانون التحكيم بدولة الإمارات العربية المتحدة. المـواد: 203 إلـى 218 مـن قـانون الإجراءات المدنية.

• مشروع قانون التحكيم لدولة الإمارات العربية المتحدة الذي سيصدر قريباً.

• مجلة التحكيم التونسية الصادرة بمقتضى القانون رقم 42 لسنة 1993 المؤرخ فـي 26 أبريل 1993.

• القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجـاري الـدولي لعام 1985.

• القانون النموذجي للتوفيق التجاري الدولي. أعد من قبل لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي UNCITRAL قرار الجمعية العامـة للأمـم المتحـدة رقـم 35/35 بتـاريخ 2002/11/19

• نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية الصادر بمقتضى المرسوم الملكي رقـم م/46 وتاريخ 1403/7/12هـ.