حكم التحكيم / عدم جواز نشر حكم التحكيم إلا بناء على اتفاق الاطراف / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / عدم جواز نشر الحكم
تنص المادة ٢/٤٤ من قانون التحكيم علي: ۱.... ۲. ولا يجوز نشر حكم أو نشر أجزاء منه إلا بموافقة طرفي التحكيم".
وقد أكد المشرع بموجب هذه المادة على أهم المبادئ التي تميز التحكيم وهو سرية التحكيم التي كثيراً ما يعلق عليها الطرفان أهمية خاصة حفاظاً التجارية بينهما ، فإشترط المشرع لنشر الحكم موافقة طرفي التحكيم.
وفي تقديرنا، أنه لا تكفي موافقة أحد طرفي التحكيم منفرداً لنشر الحكم، ولكن يجب الحصول علي موافقة الطرفين معاً، سواء تم ذلك في مجلس واحد، أو تم الحصول على موافقة كل منهما علي حده، ويرجع ذلك لعدم تعلق سرية حكم التحكيم بطرف واحد فقط ولكنه يتعلق بكافة أطراف الحكم.
رأى الباحث في المسألة
في تقديرنا، يجب أن يكون تفسير الحظر الوارد في المادة (٢/٤4) من قانون التحكيم، بمراعاة الطبيعة الخاصة لنظام التحكيم وما يتسم به من خصوصية تميزه عن القضاء، وكذا من خلال التعرف علي الغاية التي إستهدفها المشرع وقصده من تقنينه، التي أفصح عنها بتأكيده علي مبدأ سرية التحكيم بإعتباره من المباديء الأساسية في التحكيم، وما إستبان من المناقشات التي صاحبت إقراره لمشروع قانون التحكيم وفقاً لما وضحته اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الإقتصادية بمجلس الشعب بتقريرها عن مواد مشروع قانون التحكيم. والواقع أن الأهمية العلمية المتوقعة من نشر أحكام التحكيم كانت محلاً لنقاش من أعضاء مجلس الشعب عند إقرار نص المادتين 33 و 44 من المشروع، وحسمها المشرع بتغليب مبدأ السرية السائد في التحكيم علي أهمية نشر أحكامه ومبادئه .
ومن ناحية أخري فإن ما يتم من نشره من مبادئ قضاء محكمة النقض أو المحكمة الإدارية العليا ليستهدي بها قضاة المحاكم علي إختلاف درجاتها والعاملين في المجال القانوني، يرجع إلي أن هذه المباديء تمثل ما إستقر عليه قضاء المحكمة العليا التي تقبع علي قمة الهرم القضائي، والتي نص القانون علي تحديد السلطة المخولة بتوحيد ما تعارض منها بموجب المادة (4) من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة١٩٧٢، وهما هيئتا محكمة النقض، الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية، والهيئة العامة للمواد الجنائية.
وقد حدد قانون السلطة القضائية آلية قانونية لجمع هذه المبادئ القضائية ونشرها، وذلك بالمادة (5/ بند۱، ۲) منه، وقد إستهدف المشرع من إنشاء هذا المكتب بمحكمة النقض وعلي ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون السلطة الفضائية، أن يضطلع بمهمة جليلة القدر في إستخلاص المبادئ القانونية التي تقررها المحكمة، ثم نشرها وتيسير الإطلاع عليها لرجال القضاء والمشتغلين بالقانون كافة.
وفي ذلك التنظيم التشريعي لتوحيد المبادئ الصادرة عن محكمة النقض وتجميعها وتصنيفها بشكل علمي وعملي ونشرها ما من شأنه أن يحقق الهدف العلمي الذي ينفع العاملين في الحقل القضائي والمشتغلين في القانون علي إختلاف أدوارهم.وهو ما لا يمكن تطبيقه علي أحكام التحكيم، فقد خلا قانون التحكيم من تنظيم مماثل بشأن المبادئ القانونية الصادرة عن هيئات التحكيم، لأنه إعتمد مبدأ السرية وهو من أهم المبادئ التي يقوم عليها التحكيم كنظام إتفاقي لتسوية المنازعات.
كما أنه وإن كان المشرع قد إعتمد السرية في كل ما يخص التحكيم وإجراءاته قاصداً إحترام إرادة طرفي التحكيم في إبقاء النزاع وما يرتبط به من إجراءات سرياً بمنأي عن الغير، فإنه من باب أولي أن تكون نتيجة هذه الإجراءات وهو حكم التحكيم محلاً للإحترام أيضاً بما تضمنه من وقائع وبيانات وقضاء حسم بموجبه النزاع حولها، فلا يجوز للغير ممن لم يكن طرفاً فيه أن ينشره كله أو أجزاء منه إلا بعد الحصول علي موافقة الطرفين.
ولا يقدح في ذلك أن مبدأ سرية حكم التحكيم وضابطه يبقي واقعاً غير محدد، لتعرض حكم التحكيم للعلانية بشكل أو بآخر عند إيداعه قلم كتاب المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع (م 47 من قانون التحكيم)، أو الطعن عليه بدعوي البطلان أمام القضاء (م 54 من قانون التحكيم)، لأن ذلك لا يغير - في تقديرنا- من الأثر المانع المترتب علي نص المادة ٢/٤٤ من قانون التحكيم الذي يبقي قائماً فيمتنع بموجبه نشر الحكم أو أجزاء منه وقيام المسئولية التقصيرية لمن قام بمخالفة حكمه.
فلا يجب أن يفسر إتخاذ إجراءات قانونية نظمها المشرع تمثل في جانب منها التزاماً علي الصادر لصالحه الحكم بإيداع الحكم (م 47 من قانون التحكيم)، وفي جانبها الآخر حقاً للصادر ضده الحكم بالطعن بدعوي البطلان أمام المحكمة المختصة قانوناً (م ٢/٥٢ من قانون التحكيم)، بما يخرجها عن غايتها فليس من شأنها محو الأثر القانوني المترتب علي نص المادة ٢/٤٤ من قانون التحكيم، والقول بغير ذلك يفرغ المادة (٢/٤٤ من قانون التحكيم) من مضمونها ويخالف حقيقة قصد المشرع منها علي ما سلف بيانه.
وعلي ذلك نري إعمال صريح نص المادة ٢/٤٤ من قانون التحكيم بعدم جواز نشر الحكم أو أجزاء منه إلا بموافقة الطرفين، ويشمل الحظر الوارد في تلك المادة كل من هيئة التحكيم والغير علي حد سواء .