وكذلك فعل المشرع المصري في المادة (47) من قانون التحكيم المصري والتي تنص على أنه يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها، أو ترجمة باللغة العربية مصدقة عليها من جهة معتمدة إذا كان صادرة بلغة أجنبية وذلك في قلم كتاب المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون، ويحرر كاتب المحكمة محضراً بهذا الإيداع، ويجوز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من هذا المحضر".
ونلاحظ أولا: على ما جاء في قانون التحكيم اليمني أن المشرع ألزم المحكم إيداع أصل الحكم أو أي قرار يصدره المحكم في موضوع النزاع مع اتفاق التحكيم قلم كتاب المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع للمحكم نفسه، و قد حدد له فترة يجب أن يتم خلالها إيداع ذلك الحكم وذلك في الثلاثين يوم التالية لإصدار الحكم، ويقوم كاتب المحكمة بتحرير محضرة بذلك ويكون من حق أطراف خصومة التحكيم الحصول على نسخة منه، ونلاحظ ثانية على ما جاء في قانون التحكيم المصري في شأن إيداع أصل حكم التحكيم أو صورة منه قلم كتاب المحكمة، أنه ألزم المحتكم الذي صدر لصالحه الحكم بشرط أن تكون الصورة موقعة منه وباللغة التي صدر بها، فإن صدر الحكم باللغة أجنبية، فيتم ترجمته إلى اللغة العربية ويتم تصديق تلك الترجمة من جهة رسمية، وقد ألزم كاتب المحكمة أن يحرر محضرا بذلك الإبداع، وقد أجاز لكل من طرفي التحكيم طلب الحصول على صورة من ذلك المحضر، فهو بذلك يختلف عن نهج المشرع اليمني كما رأينا أعلاه، فالمشرع المصري قد كان أكثر تفصيلا وإيضاحا بخصوص معالجته لمسألة الإيداع، وأما بالنسبة لعدم تحديده الميعاد يجب خلاله إيداع الحكم، كما فعل المشرع اليمني في المادة (50) السالفة الذكر، أن المشرع المصري بترکه مسألة إيداع الحكم لمن صدر الحكم لصالحه، لأنه بالتأكيد سيقوم مباشرة بإيداع الحكم لتثبيت حقه وبأسرع وقت ليتمكن من الحصول على أمر بتنفيذه، وهذا ما جعل المشرع المصري لا يقوم بتحديد ميعاد لإيداع الخكم، لذلك نأمل من المشرع اليمني أن يسلك مسلك المشرع المصري في معالجته لتلك المسألة لما تقدم ذكره.
أما ما جاء في قانون التحكيم العماني في المنازعات المدنية والتجارية في شأن مسألة الالتزام بإيداع حكم التحكيم في المحكمة المختصة كما أشرنا مرارة أن قانون التحكيم العماني نسخة طبق الأصل من قانون التحكيم المصري حتى على مستوى ترتيب أرقام المواد فسأكتفي بما تم تناوله في تلك المسألة من قانون التحكيم المصري وكيفية معالجته لها.
وأما بالنسبة لما جاء في الاتفاقيات الدولية بشأن مسألة إيداع حكم التحكيم فقد جاء في نظام قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري اليونيسترال في المادة (32) الفقرة السابعة والتي تنص على أنه "إذا كان قانون التحكيم في الدولة التي صدر فيها قرار التحكيم يستلزم إيداع القرار أو تسجيله، وجب أن تنفذ هيئة التحكيم هذا الالتزام خلال المدة التي يحددها القانون".
ويلاحظ على أن نظام المركز الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي بالقاهرة هو ترجمة حرفية لنظام قواعد لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري (اليونيسترال)، وهو ما أكد عليه نظام المركز حيث يقوم مركز القاهرة بالدور المباشر والأساسي في إتمام عمليات التحكيم يتم وفقا لقواعد لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي (اليونيسترال).
ونخلص من خلال ما سردناه في شأن مسألة إيداع الحكم في بعض تشريعات التحكيم الوطنية وبعض أنظمة ولوائح التحكيم للمؤسسات والهيئات ومراكز التحكيم الدائمة اتضح أن هناك إجماع على ضرورة إيداع الحكم الصادر من المحكمين، ولكن هناك اختلافا حول الجهة المخول لها الإيداع، فمن الدول من قامت بتخويل إيداع حكم التحكيم للمحكمين أو لأحدهما أو للمحتكم الأكثر عجلة، ومن الدول من خولت . مسألة إيداع حكم التحكيم للمحتكمين فقط، ومنها من خولت إيداع حكم التحكيم للمحتكم الذي صدر الحكم لصالحه.
وأما بالنسبة للمدة التي يجب خلالها إيداع حكم التحكيم، فهناك اختلاف في تقدير هذه المدة من دولة إلى دولة أخرى، كما أن هناك بعض الدول لم تحدد مدة يجب فيها إيداع حكم التحكيم، و هذا ما تم تناوله آنفا بالتفصيل المناسب.
فكلما كانت المدة التي يجب خلالها إيداع الحكم قصيرة،كلما كان ذلك في مصلحة نظام التحكيم الذي يتميز عن غيره من الأنظمة الأخرى المشابهة له في تسوية المنازعات بالسرعة في اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنهاء الخصومات المعروضة عليه.
لذلك نأمل من جميع المشرعيين في مجال التحكيم أن تكون المدة التي يقترحونها لتسيير إجراءات التحكيم قصيرة ، حتى يتحقق الهدف والغاية المبتغاة من اللجوء إلى نظام التحكيم كوسيلة فعالة وسريعة لحل الخصومات .