يجب على هيئة التحكيم القيام بتسليم كل من طرفي التحكيم صورة التي من الحكم المنهي للخصومة تحمل توقيعات جميع المحكمين أو الأغلية أصدرته. وقد ألزم قانون التحكيم المصري الهيئة التي أصدرت الحكم بتسليم صورة موقعة منه إلى كل من الطرفين خلال ثلاثين يوماً من صدوره (المادة (١/٤٤)، بينما حدّد القانون العراقي ميعاد ثلاثة صدور الحكم لتسليم صورة منه إلى كل من الطرفين وإيداع المختصة بالنزاع (المادة ۲۷۱ مرافعات، أما قانون المرافعات التونسي فإنه لم ينص على أية مهلة في هذا الخصوص. وتبين هذه الأمثلة إختلاف التشريعات في معالجة هذا الموضوع. ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن تسليم حكم التحكيم - في حالة وجود نص قانوني بشأنه – هو ميعاد لا يترتب البطلان على مخالفته، وكل ما في الأمر أنه قد يعرض هيئة التحكيم للمسؤولية المدنية عن التأخير في تسليم الحكم المذكور.
وتوجب غالبية تشريعات التحكيم الحديثة إيداع أصل حكم التحكيم أو صورة موقعة منه أمانة (قلم كتاب إحدى محاكم الدولة)، فمنها ما ينص على إيداع الحكم المذكور المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع (٦) ، وتشريعات أخرى تشترط أن يتم ذلك الإيداع بالمحكمة التي صدر حكم التحكيم في دائرتها ، وطائفة ثالثة توجب إيداع الحكم المذكور في المحكمة التي يقع في دائرتها مكان التحكيم، ومن هذه الطائفة الأخيرة القانون الدولي الخاص الفيدرالي السويسري المادة) (۱۹۳)، وقانون المرافعات الهولندي (المادة ١٠٥٨) والمادة (۷۹۳) من قانون أصول المحاكمات اللبناني الجديد (۸).
وقد حرصت بعض القوانين على النص على مهلة يجب خلالها إيداع حكم التحكيم بالمحكمة المختصة، وقد اختلفت هذه التشريعات فيما بينها بشأن مقدار تلك المهلة، فمنها مثلاً من جعلتها ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الحكم كالقانون اليمني الجديد لسنة ۱۹۹۲ (المادة ٥٠)، ومنها من جعلها ثلاثة أيام كالقانون البحريني المادة (۲۳۹) والعراقي (المادة ٢٧١) والقانون المغربي (الفصل (۲/۳۲۰، والمادة (٤٥٢) من قانون المرافعات ، (۳/۰۲)، والأردني (١/٤١) والسويدي (۱/۳۱ (۳/۳۳)، والتركي (٤/١٤)، والاسباني /۱)، والإيطالي (٦/۸۲۳)، والنمساوي (١/٦٠٦) ، والهولندي (٢/١٠٥٧)، والبلجيكي الجزائري وإلى جانب كل ذلك وجدت تشريعات أخرى مكنت تماماً عن الإشارة إلى أية مهلة في هذا الخصوص منها على سبيل المثال: القانون المصري والعماني والفرنسي والسويسري والهولندي واللبناني
وتختلف التشريعات في تحديد من يقع عليه عب، إبداع حكم التحكيم، فمنها من يُلقي هذا الواجب على عاتق هيئة التحكيم أو أحد أعضائها مثل القانون اليمني (٥٠) والجزائري (٤٥٢) والعراقي (۲۷۱)، أما القانون الفرنسي فقد عهد بذلك إلى أحد المحكمين أو أطراف التحكيم (المادة ١٤٧٧)، والقانون السويسري أجاز لأحد طرفي النزاع إبداع صورة طبق الأصل من حكم التحكيم المحكمة السويسرية التي يتبعها مكان التحكيم (١٩٣) كما أن هناك من التشريعات من ألقى بعب، هذا الإيداع على عاتق من صدر حكم التحكيم لصالحه كالقانون المصري (٤٧) والعماني (٤٩). وأخيراً فإن هناك من القوانين التي أوجبت إيداع حكم التحكيم ولكن دون بيان الملزم بذلك كالقانون الهولندي واللبناني والمغربي والبحريني والقطري والكويتي.
ويحقق إيداع حكم التحكيم في إحدى محاكم الدولة أو أي جهة مختصة أخرى من الفوائد ما لا يُمكن جحده، ذلك أن هذا الإيداع يوفر الحماية الضرورية لحكم التحكيم إذ يرفع يد المحكمين عنه فلا تمتد إليه بتعديل أو تغيير بعد صدوره، كما يحفظه من مكان أو التلف في الضياع أمين، وبذلك يسهل الرجوع إليه عند الحاجة، فضلاً عن أنه يؤكد تاريخ صدوره، وكل ذلك بلا شك لازم لحماية حقوق أطراف التحكيم، وأخيراً نجد أن تشريعات كثير من الدول تنص على إعتبار إيداع حكم التحكيم الجهة المختصة من الشروط اللازمة لإصدار الأمر بتنفيذه . ومن هنا فإن التأخير أو التقاعس في إيداع حكم التحكيم الجهة التي حددها القانون قد يعتبر سبباً لمسؤولية هيئة التحكيم إن كانت هي المكلفة قانوناً بذلك الإيداع، فتسأل عندئذ عن الضرر الذي قد يترتب على تأخيرها في هذا الخصوص، وغني عن البيان أن من صدر الحكم لصالحه سيكون هو الطرف الأكثر حرصاً على المبادرة بإيداعه في أسرع وقت ممكن. ونظراً لما لإيداع حكم التحكيم على النحو السالف بيانه من أهمية فقد عنيت بعض لوائح مراكز التحكيم الدولية المعروفة بإلزام هيئة التحكيم بتنفيذ ما يقضي به قانون البلد الذي صدر فيه حكم التحكيم بشأن إبداعه أو تسجيله والتقيد بالمهلة المقررة لذلك .
وتثور في العمل من ألت ايات سبباً من أسباب بطلانه، ذلك أن المشرع لم يرتب جزاء على هذا الإبداع الخاطئ، كما أنه ليس من أحوال البطلان المنصوص عليها في المادة (٥٣) من قانون التحكيم المصري على سبيل الحصر (4). ومع ذلك تجدر الإشارة إلى أن إيداع حكم التحكيم قلم كتاب محكمة غير مختصة يجب أن يؤدي إلى منع إصدار الأمر بتنفيذه، ذلك أن المشرع المصري مثلاً قد إشترط تقديم صورة من المحضر الدال على إيداع حكم التحكيم قلم كتاب المحكمة المشار إليها في المادة (٩) من قانون التحكيم ضمن المستندات الواجب إرفاقها بطلب الأمر بتنفيذ الحكم المذكور، وذلك حتى يتحقق القاضي من إيداع هذا الحكم المحكمة المختصة وإلا رفض إصدار الأمر المطلوب. وقد كشفت عدة قضايا عن لجوء البعض إلى إيداع أحكام التحكيم في قلم كتاب محكمة غير مختصة كوسيلة آثمة للغش والتحايل بقصد إخفاء أمر حكم تحكيم (صدر هو الآخر بطريق الغش أو التزوير أو بهما معاً) عن أصحاب الشأن الحقيقيين.