جري القضاء الفرنسى لمدة طويلة على اعتبار التناقض في أسباب حكم التحكيم مساويا لعدم التسبيب فيؤدى إلى بطلان الحكم إذا كان ذكر الأسباب واجبا، كما اعتبر قانون القضاء البلجيكي تناقض الأسباب من أحوال بطلان حكم التحكيم (المادة ١٧٠٤ / ط ) وتبعه في ذلك أيضا قانون المرافعات الإيطالي (المــادة ٤/٨٢٩). وفي رأينا أن هذا المذهب محل نظر، ذلك أنه يكفى لصحة حكم التحكيم أن يكون مسببا - إذا كان ذكر الأسباب واجبا - أما مضمون هذه الأسباب أو صحتها فمسألة تخرج عن رقابة قاضى البطلان، وبعبارة أخرى أنه يكفى أن يتضمن الحكم المذكور رداً على إدعاءات الخصوم وأوجه دفاعهم الجوهرية، ولا يهم بعد ذلك مضمون هذا الرد أو مدى سلامته من الناحيتين الواقعية والقانونية- اعتبار بأن دعوى البطلان ليست طعنا بالاستئناف على حكم التحكيم. ومن ناحية أخرى، فإنه لا محل للقول أن تناقض الأسباب يشبه عدم ذكرها في الحكم، لأن القول بالتشابه لا يعنى أنهما متطابقان أو أنهما شئ واحد، ذلك أن خلو الحكم مــن الأسباب هو عيب شكلي Vice de form بينما تناقض الأسباب عيب موضوعي Vice de fond يشوب الواقع ويقع بين الأسباب الواقعية، فهو ليس عيبـــا شـكليا فلا يكون التناقض بين الأسباب الواقعية والأسباب القانونية، أو بين الأسباب القانونية، ومن هنا فإن البحث فيما إذا كان هناك تناقض في أسباب الحكم يفرض إبداء الرأي في موضوع النزاع وهو ما يخرج عن نطاق دعوى البطلان.
وإذا كان تناقض الأسباب الواقعية في الحكم الذي يصدره قضاء الدولة يعد من أسباب الطعن عليه بالنقض، فإن الحال يختلف بالنسبة لتناقض أسباب حكم التحكيم، ويرجع ذلك إلى اختلاف دور محكمة النقض بالنسبة للرقابة على قضاء محكمة الموضوع عن الدور المطلوب من محكمة الاستئناف في الرقابة علــى أحكام التحكيم، فتناقض الأسباب الواقعية مثله هنا مثل الغياب الكلى للأسباب كلاهما يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على صحة تطبيق القاعدة القانونية على واقع النزاع الذى يختص قاضى الموضوع وحده باستخلاصه - وبالتالي لا يمكن للمحكمة المذكورة الاعتماد في هذا الخصوص على الأسباب المتناقضة، أما رقابة محكمة الاستئناف - كمحكمة بطلان على حكم التحكيم فإنها لا تتسع لبحث مدى صحة هذا الحكم سواء فيما يتعلق بفهم الواقع أو تطبيق القانون، ومن ثم فإن تناقض الأسباب واقعية) كانت أم قانونية لا يعجزها عن القيام بدورها في الرقابة التي ترمي إلى التأكد من أن المحكمين قد تناولوا الرد على ادعاءات الخصوم وما أبداه كل منهم من دفاع جوهرى بقطع النظر عن مدى صواب أو خطأ هذا الـــرد لأن ذلك يتعلق بموضوع النزاع، ومن هنا فقد استقر قضاء محكمة استئناف القاهرة منذ ۱۹۹۷ على أن تناقض أسباب حكم التحكيم لا يعتبر من أحوال البطلان المنصوص عليها حصراً في المادة (٥٣) من قانون التحكيم.
وهناك أشكاليات خاصة بهذه البيانات الأساسية فصلها بعض الفقهاء فذهبوا في خصوص مكان صدور حكم المحكمين.
1 - معيار أجنبية حكم المحكمين يرتبط بمكان صدوره
ترتبط أهمية تحديد مكان صدور حكم المحكمين بمعيار أجنبية الحكم، دون النظر إلى مكان إتفاق التحكيم أو إجراءاته، إذ ترجع أهمية أن يشمل حكم المحكمين على المكان الذي صدر فيه إلى تحديد هوية الحكم بمعنى أن يكون حكماً وطنياً أو حكما أجنبياً، كما يشكل مكان صدور الحكم معيارا هاما، فيمـــا يتعلق بالإجراءات اللازمة لتنفيذه.
فإذا صدر الحكم التحكيمي في الدولة اعتبر وطنياً، وجرى تنفيذه وفقـــا لقواعد تنفيذ حكم المحكمين الواردة في قانون المرافعات أو في قانون خــاص بالتحكيم.
أما إذا كان مكان صدور الحكم خارج الدولة، فيعامل معاملة تنفيذ أحكــــام المحكمين الأجنبية، ولو كان الخصوم من إقليم الدولة المراد تنفيذ الحكم فيها، أو كان الإتفاق على التحكيم مبرماً فى نفس الدولة، أو كانت بعض إجراءات التحكـيم قد اتخذت فيها.
ومثالاً على ذلك، تطبق الأحكام الواردة في المادتين (۱۹۹، ۲۰۰) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي والمتعلقتين بتنفيذ الأحكام الأجنبية في الحالة التى لا تكون البلدان الصادرة فيها الأحكام الأجنبية عضوا في اتفاقية أو معاهدة دولية نافذة فى الكويت، ومن ثم تنفذ هذه الأحكام بموجب المادتين الـمـشـار إليهما، مع مراعاة المعاملة بالمثل، فإذا كان البلد الأجنبى الصادر فيـه الحكـــم التحكيمي عضوا في اتفاقية دولية، فإن الحكم التحكيمي يعطى القوة التنفيذية بموجب القواعد المقررة في تلك الاتفاقية.
كما يحدد مكان التحكيم القانون واجب التطبيق فى عملية التحكيم، ما لم يتفق أطراف النزاع صراحة على خلاف ذلك.
2 - الاعتداد بالمكان الذي تم فيه التوقيع:
ومن جانبنا فإن تحديد مكان إصدار الحكم له أهميته ومن ثم يجــب عـدم إغفاله، وللتأكيد على أن: ..... المحكم قد راعي الشكل الذي يتطلبه القانون، سواء عند الفصل في النزاع، أم عند كتابة الحكم ، إضافة إلى أنه يفيـد فـــي المعاملة التي سيلقاها الحكم بعد صدوره، فعلى سبيل المثال تتوقف قواعد تنفيذ الحكم على الدولة التي صدر فيها، ومن ثم فإننا نميل للرأى الأخير الذي يرى أن العبرة بالمكان الذي تم فيه التوقيع، ذلك أن حكم المحكم يعتبر ورقة رسمية شأنه في ذلك شأن الأحكام التي يصدرها القضاء ، فحكم التحكيم الذي جاء فيه ذكــــر مكان توقيع المحكمين فى مكان خارج دولة الكويت، يسرى عليه قواعد تنفيذ الأحكام القضائية الأجنبية، أما حكم التحكيم الذي ذكر فيه مكان توقيع المحكمين
داخل الكويت، وفقا لأحكام القانون الكويتي فتسرى عليه قواعد التنفيذ المقررة في باب التحكيم في قانون المرافعات الكويتي، ذلك أن المــادة (۳/۱۸۲) مرافعات كويتي أوجبت أن يصدر حكم المحكم فى الكويت وإلا إتبعت في شأنه القواعد المقررة لأحكام المحكمين الصادرة في بلد أجنبي.
وترتيبا على ذلك قضى فى الكويت بأن المشرع الأردني وقد نص فـــي المادة (١٥) من قانون التحكيم الأردنى رقم ۱۸ لسنة ١٩٥٣ على أنه لدى تقديم استدعاء لتنفيذ قرار التحكيم يصدر في الحال إعلان إلى المستدعى ضده يعلن فيه إليه أن له الحق فى الاعتراض خلال سبعة أيام من تاريخ التبليغ وإنه إذا تخلف عن ذلك فإن المحكمة قد تصدر قرارا بالتصديق عليه بناء على طلب فريق واحد بالمداولة في غرفة القضاة دون سماع أى فريق من الفرقاء، والنص في المادة (١٦) من ذات القانون أنه لدى إنقضاء المدة المذكورة يجوز للمحكمة أن تصدق قرار المحكمين إذا ثبت لها أن المستدعى ضده قد بلغ الإعلان ولم يقدم اعتراضه خلال المدة المعينة والنص في المادة (۱۷) من ذات القانون على أنه بعد تصديق المحكمة على قرار المحكمين ينفذ بالصورة التي ينفذ بها أى حكم أو قرار ومفــــاد هذه النصوص وعلى ما جرى به قضاء محكمة التمييز الأردنية أن القانون يشترط لحيازة قرار المحكمين الدرجة القطعية أن يحصل ذو المصلحة على حكـم مــن المحكمة المختصة بالتصديق عليه وأن أحكام المحكمين لا تكون حائزة لقوة الشئ المحكوم فيه إلا عندما تعتبر واجبة التنفيذ وهى لا تصبح كذلك إلا بعد أن تصدق عليه من قبل المحكمة المختصة وأن مجرد قبول المحكمين لقرار المحكمين لا تكون حائزة لقوة الشئ المحكوم فيه إلا عندما تصبح واجبة التنفيذ وإنه بعد أن يكتسب قرار التحكيم الدرجة القطعية بالتصديق القضائي عليه يصبح حكماً مبرمـــاً واجب النفاذ بذاته، لما كان ذلك، وكان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وانتهى إلى رفض طلب الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم موضوع التداعى لعدم توفر الشروط التي يتطلبها القانون إذ لم يصبح هذا الحكم ملزماً للخصوم لعدم التصديق عليه من المحكمة المختصة بالأردن وفقاً لقانونها وبالتالى لم يستوف الشروط بتنفيذه بدولة الكويت فإنه يكون قد التزم صحيح القانون ويضحى النعي بهذه الأسباب على غير أساس."
ولا أدل على أهمية تعيين مكان التحكيم من اهتمام التشريعات الدولية بتحديده تحديداً مفصلاً على نحو يزيل ما قد يحيط بذلك من غموض، فوفقا للفقرة الأولى من المادة (١٦) من قانون اليونيسترال إذا لم يتفق الطرفان على مكــان إجراء التحكيم، تتولى هيئة التحكيم تحديد هذا المكان مع مراعاة ظروف التحكيم.