حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، هو حكم له خصائصه التي تميزه عن غيره من قرارات المحكم، كما له موضوعه الذي يميزه عن غيره من الأحكام التحكيمية.
خصائص حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري
- حكم التحكيم والعمل التحكيمي:
حكم التحكيم، وإن كان عملاً تحكيمياُ، لكنه لم يعد يستغرق فكرة العمل التحكيمي، إذ استحدثت المادة 41 تحكيم مصري عملاً تحكيمي أخر يجريه المحكم، بل وأعطته القوة التنفيذية.
إذ نصت المادة 41 تحكيم على أنه «إذا اتفق الطرفان خلال إجراءات التحكيم على تسوية تنهي النزاع، كان لهما أن يطلبا إثبات شروط التسوية أمام هيئة التحكيم، التي يجب عليها في هذه الحالة أن تصدر قرارا يتضمن شروط التسوية وينهي الإجراءات، ويكون لهذا القرار ما لأحكام المحكمين من قوة بالنسبة للتنفيذ».
وكانت المادة 41 تحكيم قبل تعديلها بواسطة اللجنة المشتركة، وكذلك مذكرتها الإيضاحية، تسايران الفقه الذي يوحد فكرة العمل التحكيمي وحكم التحكيم، ويخص العمل التحكيمي المستحدث بعبارة «حكم تحكيم اتفاقي» sentence d'accord -parties . فكانت المادة 41 تنص على أنه «...تثبت شروط التسوية، بناء على طلب الطرفين، في صورة حكم تحكيم بشروط متفق عليها، وتسري على هذا الحكم جميع الأحكام التي تسري على الحكم الملهى الموضوع النزاع عدا الالتزام بالتسييب». وقالت مذكرتها الإيضاحية، جاء في هذا الباب عدد من القواعد الأساسية نذكر منها: (۱) .... (۲) إجازة إصدار حكم تحكيم بشروط متفق عليها (المادة (4) ويقع هذا إذا اتفاق الطرفان خلال إجراءات التحكيم على تسوية النزاع القائم بينهما وطلبا من محكمة التحكيم إنهاء الإجراءات بحكم تثبت فيه شروط التسوية». .
لكن رأت اللجنة المشتركة تعديل المادة 41 تحكيم على النحو السالف ذكره. وحسنا فعلت. إنما أيضا لأن عبارة «حكم تحكيم اتفاقي» لا تعني أكثر من أن هذا العمل التحكيمي ليس حكم تحكيم غير اتفاقي، أي أنه ليس حكم تحكيم بمعناه الدقيق.
مما يعني أن موضوع هذا العمل ليس تحكيمية، ويقتضي بالتالي عدم خضوع هذا العمل التحكيمي المستحدث لنظام حكم التحكيم بمعناه الدقيق. لهذا خرج نص المادة 41 تحكيم بعد تعديله من قبل اللجنة، ثم إقراره تشريعيا، خاليا من عبارة «... وتسري على هذا الحكم (أي حكم التحكيم بشروط متفق عليها جميع الأحكام التي تسري على الحكم المهني لموضوع النزاع عدا الالتزام بالتسبيب».
والحقيقة أن العمل التحكيم المستحدث بموجب المادة 41 تحكيم لا يعدو أن يكون توثيقا يجريه المحكم الصلح المتفق عليه بين أطرافه خلال إجراءات التحكيم، وبالتالي فهو توثيق تحكيمي، لا توثيق قضائي يجريه القاضي للصلح المتفق عليه بين أطرافه خلال إجراءات الدعوى القضائية عملاً بالمادة ۱۰۳ مرافعات. وكما للتوثيق القضائي ما للحكم القضائي من قوة بالنسبة للتنفيذ (م۱۰۳ مرافعات)، فإن للتوثيق التحكيمي ما للحكم التحكيمي من قوة بالنسبة للتنفيذ (م 41 تحكيم). لكن كما ليس الحكم التحكيمي حكمة قضائية، فليس الحكم القضائي حكماً تحكيمياً، وبالتالي فليس للحكم التحكيمي ما للحكم القضائي من قوة بالنسبة للتنفيذ، كما ليس للحكم القضائي ما للحكم التحكيمي من قوة بالنسبة للتنفيذ، وبالتالي فليس للتوثيق التحكيمي ما للتوثيق القضائي من قوة بالنسبة للتنفيذ.
وكما لم يقل أحد أن التوثيق القضائي بمثابة حكم قضائي اتفاقي رغم أن لهذا التوثيق ما للحكم القضائي من قوة بالنسبة للتنفيذ، فإن التوثيق التحكيمي لا يعتبر حكم تحكيم اتفاقي حتى لو كان لهذا التوثيق ما الحكم التحكيمي من قوة بالنسبة للتنفيذ. فالتوثيق التحكيمي نوع قائم بذاته، ويقابل الحكم التحكيمي باعتباره نوعاً آخر قائمة بذاته، في جنس العمل التحكيمي.
- حكم التحكيم والقرار غير القطعي:
" الحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبري، كما هو بطبيعته يخضع لنظام الأمر بالتنفيذ، فهو بطبيعته يخضع لنظام دعوى بطلان حكم التحكيم. لذا نصت المادة ۱/۰۸ تحكيم على أنه «لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى»، بيد أن ذلك، كما لا يعني أي أن كل حكم تحكيمي خاضع لنظام دعوى البطلان، يكون بالضرورة واضعة لنظام الأمر بالتنفيذ، فإنه لا يعني أكثر من أن كل حكم تحكيمي خاضع النظام الأمر بالتنفيذ، يكون بالضرورة خاضعة لنظام دعوى البطلان. ومن ثم فإن الحكم القابل للتنفيذ الجبري يجب أن يكون من الأحكام التحكيمية الخاضعة النظام دعوى البطلان.
وحكم التحكيم الذي يمكن أن يكون موضوعاً لدعوى البطلان، هو العمل التحكيمي الفاصل بصفة قطعة de mnanire definitive، أي الحكم التحكيمي القطعي sentence definitive.
ومن ثم فالحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبري ومن ثم للخضوع لنظام الأمر بالتنفيذ، يجب أن يكون حكم قطعية، أي حكماً له قوة ملزمة مانعة بصفة نهائية من العدول عنه أو التعديل فيه من جانب المحكم نفسه صدوره.
ونصت المادة ۳/۲۲ تحكيم على أنه «تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة قبل الفصل في الموضوع أو أن تضمها إلى الموضوع لتفصل فيهما معا، فإذا قضت برفض الدفع، فلا يجوز التمسك به إلا بطريق رفع دعوى بطلان حكم التحكيم المنهي للخصومة كلها وفقاً للمادة 53 من هذا القانون».
وحاصل هذا أن الحكم التحكيمي الذي يمكن أن يكون موضوعا لدعوى البطلان المبتدأة، هو الحكم المنهي لخصومة التحكيم، ومن ثم فالحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبري ومن ثم يمكن أن يكون موضوعا للأمر بالتنفيذ يجب أن يكون حكما منهيا لخصومة التحكيم كلها.
لكن المادة 4 ۲/۲ تحكيم قد خولت الطرف الذي صدر لصالحه أمر بتدبير تحكيمي مؤقت أو تحفظي تقتضيه طبيعة النزاع، حقاً «في أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون الأمر بالتنفيذ»، إذا تخلف من صدر إليه الأمر عن تنفيذه، رغم أن هذا العمل التحكيمي هو بطبيعته غير منه للخصومة كلها. ومبنى ذلك أن هذا الحكم التحكيمي، وإن كان صادرا أثناء الخصومة الأصلية ولا ينهيها، لكنه بطبيعته حكم معجل ومن ثم فله استقلاله، سواء من حيث طلبه أو خصومته، بل ولا يجوز طلبه أو إصداره إلا إذا تضمن اتفاق التحكيم شرطاً مستقلاً يجيز ذلك على نحو ما نظمته المادة ۱/۲٤ تحكيم.
وبهذا فإن موضوع الحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجبري، يجب أن يكون إلزام بتنفيذ حق. كالإلزام بتسليم، أو بدفع، أو بهدم، أو بيناء، أو برد.
وسلم أنه لا يشترط الوجود الفعلي أو الحقيقي للحق. مما يعني أنه على أن يكون موضوع الحكم التحكيمي إلزاماً بتنفيذ حق، وبصرف النظر وجود الفعلي أو الحقيقي لهذا الحق. وبعبارة أخرى، الوجود الفعلي أو الحق، ليس عنصراً في موضوع الحكم التحكيمي القابل للتنفيذ ما يعني أن هذا الموضوع هو إلزام بتنفيذ، مستقلاً عن الحق الحقيقي للحق، ليس عنصراً الجبري. مما يعني أن هذا الموضوعي ومن ثم فلا يعتبر حكمة تحكيمية قابلاً للتنفيذ الجبري، أي حكم تحكيمي موضوعه ليس إلزام بتنفيذ، إنما يعتبر الحكم التحكيم في هذا الفرض حكماً غير قابل للتنفيذ الجبري ومن ثم فهو لا يصلح أن يكون سنداً تنفيذية، وبالتالي فهو لا يخضع لنظام الأمر بالتنفيذ. كالحكم برفض الدعوى التحكيمية، أو ببراءة ذمة المدعي، أو بثبوت ملكيته، أو بثبوت المديونية، أو ببطلان عقد الشركة، أو بفسخ عقد الإيجار، أو بعدم اختصاص المحكم.
- إلزام محقق الوجود certain :
وقد نصت المادة ۱/۲۸۰ مرافعات على هذا الشرط، وذلك بقولها: «لا يجوز التنفيذ الجبري إلا .... اقتضاء لحق محقق الوجود .....
بينما المسلم أنه لا يشترط حتى الوجود الفعلي أو الحقيقي يعني أنه ليس المقصود بهذا الشرط تحقق وجود الحق الذي لا فعلاً أو حقيقياً، كما يعني أن المقصود في هذا الصدد ها موضوع حكم الإلزام، أي تحقق وجود الإلزام بتنفيذ حق.
فالإلزام غير النهائي وإن كان إلزاماً موجوداً، لكنه إلزام غير محقق الوجود. ويكون إلزام غير نهائي وبالتالي غير محقق الوجود، إذا كان وجوده نهائياً يتوقف على حكم أو أمر لاحق، أي إذا كان مصير وجوده يتوقف على حكم أو أمر لاحق. ففي القانون الفرنسي مثلاً، حيث يخضع حكم التحكيم لنظام الاستئناف، فإن مصير وجود الإلزام الذي يتضمنه حكم التحكيم، يتوقف على استئنافه، وبالتالي فإن هذا الإلزام هو بطبيعته غير نهائي، ولو أنه إلزام موجود.
بل ويجب أن يكون موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري، إلزاماً نهائياً حقيقة، لا حكمة. وهذه القاعدة مطلقة في القانون المصري منذ صدور قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968، الذي الغي خضوع حكم التحكيم النظام النفاذ المعجل. إذ كان الأمر بالنفاذ المعجل يرفع الإلزام غير النهائي إلى مصاف الإلزام النهائي، أي يجعل الإلزام غير النهائي إلزاماً نهائياً حكمه، لا حقيقة، وبالتالي يجعل حكم التحكيم قابلاً للتنفيذ الجبري ضم قابليته للاستئناف في مصر قبل صدور قانون المرافعات الحالي.
بهذا لا يكفي أن يكون موضوع الحكم التحكيمي القابل للتنفيذ الجزئي أي الإلزام بالتنفيذ، موجودة، إنما يلزم أيضا أن يكون محقق الوجود، بل ويلزم كذلك أن يكون معيناً. ۳۷ - إلزام معين : من المادة ۱/۲۸۰ مرافعات على هذا الشرط وذلك بقولها «لا يجوز الجيري إلا بسند ... اقتضاء لحق .... معين المقدار ۰۰۰۰۰
لكن بما أن المسلم به أنه لا يشترط الوجود الفعلي أو الحقيقي للحق، المقصود بهذا الشرط تعيين مقدار الحق، ولا حتى تعيين الحق، إنما المقصود هو أن يكون موضوع سند الإلزام معيناً، لا مجهولاً أو مجهلاً. لأن لا إلزام إلا بمعلوم
ومن ثم يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري إلزاماً معيناً، سواء من الناحية الشخصية أو من الناحية الموضوعية.
لكن بما أن المسلم أنه لا يشترط الوجود الفعلي أو الحقيقي للحق، فإنه ليس المقصود بهذا الشرط حلول أداء الحق، ولا مجرد حلول الأداء، أي حلول الإلزام بالتنفيذ، إنما المقصود هو أن يكون موضوع حكم الإلزام ممكنا، أي غير مستحيل قانوناً، لأنه لا إلزام بمستحيل.
ومن ثم يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم القابل للتنفيذ الجبري. أممكنً، أي غير مستحيل قانوناً، سواء من الوجهة الشخصية والموضوعية، أو من الوجهة الزمانية.
فمن الوجهة الشخصية والموضوعية، يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم إلزاماً بتنفيذ مما يستوي فيه أن يتم من المحكوم عليه أو من غيره. أما إذا كان إلزاما بتنفيذ لا يتم إلا من المحكوم عليه وحده، فهو إلزام بمستحيل بالنسبة لغير المحكوم عليه وبالتالي بالنسبة للمحضر، فحكم التحكيم الصادر بإلزام المحكوم عليه بصنع تمثال أو رسمه لوحة أو إجراء جراحة، ولو أنه حكم بإلزام نهائي معين، لكنه إلزام بتنفيذ غير ممكن إلا بالنسبة للمحكوم عليه، وبالتالي فهو إلزام بمستحيل بالنسبة للأغيار ومنهم المحضر. لذا فإن هذا الحكم غير قابل للتنفيذ الجبري.
ومن الوجهة الزمانية يجب أن يكون موضوع حكم التحكيم إلزاما بتنفيذ مما يستوي فيه أن يتم حالاً أو آجلاً. أما إذا كان إلزاما بتنفد لا يتم إلا أجلا فهو إلزام بمستحيل بالنسبة للحال، ولو أنه ليس إلزاماً بمستحيل عند حلول الأجل، سواء كان الأجل قانونياً أو قضائياً. والقاعدة أن حكم الإلزام بتنفيذ مؤجل، لا يقبل التنفيذ الجبري قبل حلول الأجل، إنما يقبله بعد حلول الأجل.
وعلى هذا، فإن حكم التحكيم الصادر بإلزام بدفع مبلغ إذا تسلم المحكوم عليه من المحكوم له وصل الشحن، هو حكم إلزام بتنفيذ مؤجل، وبالتالي لا يقبل التنفيذ الجبري إلا بعد تسلم المحكوم عليه وصل الشحن. وحكم التحكيم. بإلزام بدفع مبلغ بعد سنتين، هو حكم بإلزام بتنفيذ مؤجل.