الأمر الذي قد أثار خلافات فقهية حول المقصود بهذا المصطلح ، أو وفقاً لأي قانون يفهم على ضوئه هذا المصطلح ، الأمر الذي دفعنا للبحث عن أهمها ، وننضم لأحدها ، وذلك وفقاً للتفصيل التالي :
يرى جانب من الفقه بأن الحكم لا يعد ملزماً إلا إذا كان هذا الحكم يتمتع بهذا الوصف وفقاً لقانون دولة التحكيم – أي وفقاً لقانون المكان الذي صدر فيه أو القانون المطبق على حكم التحكيم -، مببرين موقفهم من خلال إيرادهم جملة من الحجج منها :
الحجة الأولى : أنهم يستندون إلى صياغة المادة (5/1/هـ) كأساس لحجتهم ، إذ يرون بأن هذه المادة قد أخضعت البطلان أو وقف الحكم صراحة لقانون مقر التحكيم – أي وفقاً لقانون المكان الذي صدر فيه أو القانون المطبق على حكم التحكيم – وبالتالي فإن من غير المنطقي عدم إخضاع تفسير مصطلح " ملزماً " لغير قانون مقر التحكيم والذي يخضع له حكم التحكيم بشأن بطلانه أو وقفه
الحجة الثانية : التي يستند إليها هذا الاتجاه الفقهي ، إذ إنهم يعتبرون حكم التحكيم مثله مثل أي تصرف قانوني مستنداً إلى نظام قانوني يحكم أركانه المختلفة ، أي أنه لا يوجد من خلال فراغ قانوني ، فقانون دولة مقر التحكيم هو الذي يحدد أثر هذا الحكم واتصافه بالطابع الملزم ، ويؤكد هذا الاتجاه على صحة مسعاه بأن اتفاقية نيويورك لم تصرح من خلال نصوصها صراحة في أن تتخذ حلا آخر .
الحجة الثالثة : إذ إن اتفاقية نيويورك أعطت لقانون مكان التحكيم الأولوية بخصوص العديد من المسائل ، ولا سيما كتلك التي تتعلق بالتحكيم وحكم التحكيم ، ومن باب أولى بأن يسري هذا القانون على صفة الحكم ، وليس هناك مؤشر في الاتفاقية لإخضاع هذا المصطلح لمفهوم مستقل خاص بالاتفاقية نيويورك دون إسناده إلى قانون مكان التحكيم . وهناك اتجاه آخر من الفقه يرى إعطاء كلمة "ملزماً " مفهوماً مستقلاً ذاتياً خاصاً بها ، دون إخضاع تفسير مفهوم لفظ " ملزماً " لقانون دولة التحكيم ، إذ نبع عن هذا الاتجاه أربعة اتجاهات رئيسية تنادي إلى استقلالية وذاتية مفهوم لفظ " ملزماً وففقاً للتفصيل التالي :
الاتجاه الأول : اعتبر الأحكام الملزمة هي الأحكام التي تحوز على قوة أو حجية الأمر المقضي ، ووفقاً لهذا التكييف، تسري هذه الصفة على الأحكام التي تكون قابلة للطعن عليها بكافة طرق الطعن .
الاتجاه الثاني : يرى من أجل تفسير لفظ "ملزم" بوجوب التفرقة بين طرق الطعن العادية وطرق الطعن غير العادية . ووفقاً لهذه التفرقة ، يعتبر الحكم ملزماً، وذلك إذا كان غير قابل للطعن فيه بطرق الطعن العادية ، وحتى إذا كان قابلاً للطعن عليه بطرق الطعن العادية ، والتي من بينها الطعن بالبطلان .
الاتجاه الثالث : ارتأى هذا الجانب من الفقه ضرورة الابتعاد عن التفرقة بينما ما يعد من طرق الطعن العادية ، وما لا يعد من طرق الطعن غير العادية ، وذلك نظراً لصعوبة التفرقة بين هذه الطرق في كل من النظم القانونية المختلفة ، إذ إنهم ارتأوا بأن إيراد لفظ " ملزماً " في اتفاقية نيويورك إلى رغبة الاتفاقية لاستبعاد الحالات التي يتفق فيها الأطراف على إمكانية الطعن في الحكم التحكيمي أمام قضاء تحكيمي من درجة ثانية – هيئة تحكيمية استئنافية – أو تلك الأحكام التي تتطلب من أجل إعمال ما قضت به من إلزام يتوقف على قيام فعل معين آخر .
الاتجاه الرابع : هناك رأي آخر من الفقه يرى بأن اتفاقية نيويورك لم تورد قاعدة إسناد موحدة ، وذلك من أجل التعرف على القانون الواجب التطبيق من أجل تحديد الصفة الإلزامية للحكم ، إذ إنهم يعتبرون ذلك تجاوباً إيجابياً في عدم ربط الاتفاقية في تحديد مفهوم الصفة الإلزامية للحكم بمفاهيم وطنية مقيدة ، وذلك تأكيداً على روح وأهداف الاتفاقية ، إذ يرى هذا الاتجاه بأنه أمكن استخلاص قاعدة مادية موحدة ، وذلك من خلال تتبع تاريخ إعداد هذا الاتفاقية، وحتى نفاذها ، ومقارنتها بسابقتها اتفاقية جنيف 1927م ، وسعيها لتجنب سلبية التنفيذ المزدوج . إذ أمكن وضع هذه القاعدة مقتضاها بأن حكم التحكيم وهو نتاج اتفاق إرادي للجوء إلى هذا الأسلوب المتميز لفض المنازعات ، تلاقت إرادة أطرافه حول ضوابطه وإجراءاته ، يعد ملزماً لهذه الأطراف بمجرد صدوره .
وبعد البحث في آراء الفقه ، سننضم لأحدها وهو الرأي الأول ، وذلك لرجاحة أسانيده التي تتوافق مع منطق القانون ، وعليه يعني مصطلح الحكم ملزماً بأن موضوع النزاع لا يمكن أن يبحث من جديد ، ولا يصدر بشأنه حكم جديد ، هذا بموجب قانون المكان الذي صدر فيه أو القانون المطبق على حكم التحكيم .وعليه فإثبات أن الحكم غير ملزم يقع على عاتق المنفذ ضده بأن يثبت أن الحكم قد أبطل أو أوقف تنفيذه ، وبهذه الحالة يفقد الحكم صفة الإلزام .