رأينا من كل ما تقدم، أن حكم المحكم هو بمثابة حكم عادى يخضع للشكل المقرر له، ويصدر من شخص مكلف بتأدية وظيفة القضاء في خصومة النزاع المطروح أمامه، على الرغم من أنه في الأصل من غير رجال القضاء، وهذه الوظيفة تمنح له احتراماً لإدارة المحكتمين. ومن ناحية أخرى متى وضحت هذه الإرادة التزام هؤلاء بحسم النزاع بطريق التحكيم، ويفرض عليهم المحكم وحكمه؛ لأن المشرع يقر التحكيم متى اتفق عليه الخصوم؛ ولم يعدلوا عنه) ولأن المشرع يبتغى حسم النزاع فوراً بالتحكيم تحقيقاً لحسن سيرالعدالة وحتى لا يؤدى التحكيم إلى عرقلة الأمور وتعقيدها فيضر ولا ينفع ويسبب كثرة القضايا بدلاً من أن يكون سبباً لتفاديها. وكل هذه الاعتبارات أساسية وتتعلق بذات مرفق القضاء وحسن سير العدالة.
وكون التحكيم في الأصل وليد إرادة الخصوم لا يؤثر إطلاقاً في الصفة الإلزامية للحكم الصادر فيه.
وإذا يفرض الحكم على المحكمين فيلتزموا بتنفيذه ويفرض على السلطات الأخرى فتعمل هى على تنفيذه واحترامه يجب أن يصدر باسم السلطة العليا في البلاد.
وهل من جدل في أن المحكم إنما يصدر حكمه بناء علـى مـا خوله له قانون المرافعات فى باب التحكيم، ولا يصدره لمجرد تحقيق إرادة المحتكمين وإذا كان المشرع لم يقر التحكيم ولم ينظمه وصدر الحكم فيه فهل كان من المتصور تنفيذه ؛ وهل كان من المتصور أن يفرض على السلطات فتلزم بإحترامه أو تنفيذه.
وبعبارة أخرى حكم المحكم الذى يصدر باسم المحتكمين؛ دون إرادة من جانب المشرع لا ينفذ ولا يفرض على أى سلطة في الدولة، بدليل أن الصلح الذى يتم بين طرفيه فى غير مجلس القضاء لا تكون له قوة التنفيذ.
والمشرع في باب التحكيم؛ وفي غيره؛ قد وصف قرار المحكم واعتبره ((حكماً)) وليس من شك في أن المشرع المصرى أو الفرنسي أو البلجيكي قد حالفه التوفيق في هذا الصدد.
ويؤكد كل ما تقدم نص المادة 841 من قانون مرافعاتنا الذي يقرر وجوب صدور حكم المحكمين فى مصر، ولا معنى لهذه العبارة إلا إذا كان المقصود منها أن يخضع الحكم الصادر في مصــر للشكل المقرر للأحكام في القانون المصرى وإلا اتبعت فى شأنه القواعد المقررة للأحكام الصادرة في بلد أجنبي وهذه هي العبارة الأخبرة من ذات المادة المتقدمة.
ونحن نرى أن ما تقدم يؤيد وجهة نظرنا _ فيما نقول به _ لأن قاضى الأمور الوقتية - وهو الرئيس الإدارى للمحكمة إنما يمهد فقط لإجراء وضع الصيغة التنفيذية على الحكم الأجنبى أو علـى حكـم المحكم حتى لا يترك تقدير الأمر لقلم كتاب المحكمة، وهـو فـي الحالتين يتحقق فقط من أن الحكم الأجنبى قـد صـدر بالفعـل مـن محكمة دولة أجنبية باسم الأمة أو ملكها ، أو رئيسها، وأنه قد روعي في إصداره الشكل المقرر في البلد الأجنبى، أو يتحقق من أن حكم المحكم قد صدر بناء على مشارطة تحكيم وأن المحكم قد راعى كل الشكل الذى يتطلبه منه القانون، ومن بينه أن يكتب كما يكتب الحكم الذي يصدر من المحكمة عملاً بالمادة 840 من قانون المرافعات، ولا يعفى المحكم المصرى من مراعاة هذا الشكل إلا إذا أصدر حكمه في بلد أجنبى عملاً بالمادة 841 المتقدمة دراستها. وكل هذا يقطع بأن قاضى الأمور الوقتية يتعين عليه فحص شكل الحكم قبل إصدار أمره بتنفيذه والتحقق من أنه قد تم وفق القانون في مصر أو في البلد الأجنبى وفارق بين هذا وذاك.
والجدير بتوجيه النظر إليه أن الحكم الأجنبى أو حكم المحكم الصادر في بلد أجنبى إنما يصدر باسم السلطة العليا في هذا البلد ، وإذا صدر الأمر بتنفيذه فى مصر فإنه باسم السلطة العليا فيها؛ وحكم المحكم، هو الآخر إذا صدر في مصر فإنه أيضاً يصدر باسم السلطة العليا فيها ، والأمر بتنفيذه يستوجب أن يتم هذا التنفيذ باسم السلطة العليا في البلاد، وبعبارة أخرى، ليس من مقتضى الأمر بتنفيذه الحكم الأجنبى أو حكم المحكم إعادة إصداره حتى يتسم باسم الشعب المصرى أو الأمة المصرية، وإنما حقيقة المقصود من الأمر بالتنفيذ هي مجرد إجازة هذا التنفيذ باسم السلطة العليا في البلاد، ودليل ما تقدم أن قاضي الأمور الوقتية المختص بإصدار الأمر بالتنفيذ _ في الحالتين _ لا يبحث الموضوع ليقضى فيه وإنما يتحقق من مراعاة الشكل للاعتبارات سالفة الذكر فصدور الحكم إذن _ في هذا الصدد _ يختلف عن الأمر بتنفيذه والمادة 178 من دستورنا الجديد قد نصت على أن الأحكام تصدر وتنفذ باسم الأمة.
وإذن إذا لم يصدر حكم المحكم باسم السلطة العليا في البلاد فإنه يفقد شكله كحكم لأن صدوره باسمها يوضح مؤكداً أن القوة العامة من وراء من أصدره وتستوجب تنفيذه.
وهذه القاعدة من النظام العام، ومن ثم يتعين على القاضي ألا يعتد من تلقاء نفسه بذلك الحكم الذى لم يصدر باسم السلطة العليا في البلاد.
ولا يتصور أن يعتبر حكم المحكم ورقة رسمية من غير أن يعتبر المحكم مكلفاً بتأدية وظيفة القضاء في خصوص النزاع المتفق فيه على التحكيم.