وإن تسبيب الأحكام حسب رأي الجمهور يحكمـه مـبـادئ ثلاثة تعتبر هي بذاتها شروط صحته .
إذ يجب أن يتوفر في تسبيب الأحكام شروط الصحة ؛ وإلا كـان الحكـم باطلاً لتخلف مقتضى شكلي جوهري فيه ويستعرض الباحث فيما يلـي شـروط صحة التسبيب
ولا يلتزم المحكم بتضمين حكمه القواعد القانونية واجبة التطبيق ، أو يلتـزم ببيان التكييف القانوني للعقد محل الدعوى، كما لا يلتزم المحكـم بتعقـب جميـع الأقوال والمستندات والحجج التي يقدمها الخصوم ومناقشتها جميعـا .
وقد أستقر قضاء النقض في فرنسا ومصر منذ نشأته على اعتمـاد فـكـرة السبب الضمني. فقد قضت محكمة النقض الفرنسية في حكم قديم لها بأن أسباب الحكم الصادر برفض الطـلـب بـدفـع ديـن وفـوائده معـا علـى أســـــــاس أن شروط دفع الدين.
الأصلي غير متوافرة، تصلح أسباباً لرفض دفع الفوائد . وقد تواترت أحكام النقض الفرنسي بعد ذلك على نفس المبدأ وقد صدر العديد من أحكـام النقض المصري الذي اعتمد فكرة السبب الضمني .
أن السبب الضمني يتولد من وجود علاقة تبعية ، أو ارتباط بين الطلبات، كما أنه يوجد بمفهوم المخالفة ، وهو يتجه منطقية للقضاء الـذي سـبب بأسباب صريحة لكونه متوافقاً معه ، أو لأنه يستفاد بمفهـوم المخالفـة، ويـرى البعض أن الأسباب العامة للأحكام تعتبر من قبيل الأسباب الضمنية .
يجب أن يرد بالأسباب ملخص لوقائع الدعوى التي لها علاقة قوية بالحكم كما استخلصها من أوراق الدعوى، بما في ذلك بيان مـا قـدمـه الطرفـان مـن مستندات ودفاع جوهري ، ودفوع، وأن تتضمن مناقشة لأدلة الدعوى، وماهيـة المستندات التي استند إليها الحكم ورداً يواجه به ما قـدم مـن دفـوع ، أو دفـاع جوهري، وأن تكون الأسباب متعلقة بموضوع النزاع وكافية لحمل منطوقة .
وتطبيقاً لما تقدم، فإن الحكم يبطل إذا أغفل الحكم بحث دفاع أبداه الخـصم إذا كان هذا الدفاع جوهرياً ومؤثراً في النتيجة التي انتهى إليها الحكم ؛ لأن مـن شأنه لو صح أن تتغير به وجه الرأي في الدعوى مع ملاحظة أن النعي بإغفـال حكم التحكيم الرد على دفاع للمدعية يجب لقبوله أن يتبين مؤدي الدفاع والطلبات التي أغفلها الحكم وما كان يمكن أن يترتب على تمحيصه من أثر يتغير به وجـه الرأي في النزاع .
ترتيباً على ذات الأسس التي يقدمها القضاء لتبرير التزام القاضي بتسبيب حكمه فقد اختلفت التشريعات بخصوص اشتراط وجوبية التسبيب من عدمه ، إلا هناك تشريعات تطلبت ضرورة التزام المحكم بتسبيب حكمه" : فلا يلزم أن يكـون أسباب حكم التحكيم في ذاتها سليمة من الناحيتين القانونيـة أو الواقعيـة ، أو أن تكون دقيقة أو مقنعة، فإن تطلب ذلك يؤدي بالضرورة إلى إعادة نظر موضـوع الدعوى ويجعل من محكمة البطلان محكمة استئناف . وتطبيقـاً لـذلك قـضت محكمة استئناف باريس بأنه " لما كانت المحكمة ليس لها الحق في إعادة النظر في موضوع الحكم التحكيمي، وليس لها بالتالي حق تقدير مدى دقة التسبيب أو ما إذا كان مقنعاً، فإنه يكفي أن توجد الأسباب وأن تتعلق بموضوع النزاع وألا تكـون متناقضة .
وتطبيقاً لهذا قضت محكمة استئناف القاهرة بأنه " يكفي لصحة هذا الحكـم أن يكون مسبباً – ما لم يتفق على غير ذلك . أمـا مضمون هـذه الأسباب أو صحتها فإنه مسألة تخرج عن رقابة قاضي البطلان وبعبارة أخـرى يكفي أن يتضمن حكم التحكيم رداً على ادعاءات الخصوم وأوجه دفاعهم الجوهرية ولا يهم بعد ذلك مضمون هذا الرد أو مدى سلامته من الناحيتين القانونيـة والواقعية .
اعتباراً بأن دعوى البطلان ليست طعناً بالاستئناف على حكم المحكمين .
كما قضت بأنه لا يجوز الجدل حول تكوين هيئة التحكيم لمعتقدها فيما قررته من أسباب لحكمها إذ إن تحصيل فهم الواقع في الدعوى هو من سلطة هيئة التحكيم كما هو الحال بالنسبة لمحكمة الموضوع وحسبها بيان الحقيقة التي اقتنعت بها مع عدم التزامها بالرد على حجج الخصوم استقلالا.
اولا : المنطق القانوني
ولما كان التسبيب مسألة قانونية فإن المنطق الذي يحكمه هو منطق قـانوني، ولا يعتمد هذا المنطق على الحدس والتخمين، ولكنه منطق مـنظم و تفكيـر علمـي، فالمنطق القانوني هو الوسيلة التي يطبق بها المنهج القانوني على حالات معينـة .
ولا يقتصر مجال المنطق القانوني على استخلاص النتائج التـي تترتـب منطقياً من مجموعة المقدمات ولكن مجاله يمتد أيضاً إلى إنشاء المقـدمات ذاتهـا سواء المقدمة الكبرى ( القانون ) أو المقدمة الصغرى ( الواقع ). وذلك من أجـل إعطائها مضموناً قانونياً صحيحاً ، وهناك الكثير من الحالات التي لا يجد فيهـا القاضي نصاً واضحا ويضطر للرجوع إلى المبادئ العامة للقانون والعدالـة وقـد يلجا إلى ما درج عليه القضاء دون أن يكون ملزماً بذلك .
ثانيا : المنطق القضائي
هو المسار الذهني الذي يسلكه القاضـي عنـدما يتصدى للفـصـل فـي المنازعات .
إن المنطق القضائي يقوم على فحص الوقائع واحتجاز ما يلزم للحكم فيهـا بالمواصفات السابق ذكرها، ثم يجري التكييف القانوني حسب المقدمات الكبـرى والصغرى . ثم يطبق القانون على النتيجة المستخلصة من مقارنة الوقائع المكيفـة بالمفترض الكامن في القاعدة القانونية، ويتم ذلك عن طريـق اسـتخدام القيـاس والاستنباط، ويقصد بالاستدلال في هذا المقام تلك العمليات الذهنية التي يقوم بهـا القاضي بصدد نزاع معين مطروح عليه بغية الحكم فيه وذلك باستخلاص نتيجـة معينة من المقدمتين الكبرى والصغرى للقياس الذي يجريه .
ولا يقتنع القاضي فوراً بما يقدمه المحامون بل عليه أن يراقب الاستدلال الذي يقدمونه ويستبعد أي استدلال فاسد يقوم على السفسطة، وأن يتأكد من صحة المقدمات الكبرى والصغرى ومن ملائمة الوقائع . ويجب على القاضي أن يراعي مبادئ معينة حتى يكون قد سلك منطقاً قضائياً، وهو مراعاة الموضـوعية التـي يفتقدها الخصوم، وإدارة الجدل وتقسيم المسائل محل النزاع واستبعاد العناصـر غير الضرورية أو الزائدة أو غير الملائمة وهذه مسائل يكتسبها القاضـي كلمـا زادت خبرته .
ويختلف الاستدلال القانوني عن الاستدلال القضائي في أن الأول يهدف إلى تطبيق القانون على الوقائع التي يتعين الفصل فيها ولو لم توجد منازعة، كما فـي أحوال تطبيق القانون طواعية واختياراً . أما الاستدلال القضائي فهو المسعى الذي يباشر القاضي بمقتضاه وظيفته وهي النطق بالحكم في حالة خاصة . ولا ينبغـي الخلط بين التسبيب والاستدلال القانوني الذي لا يرد في الحكم، لأنـه لا يشترط لصحة التسبيب بيان العمليات العقلية التي قادت القاضي إلى إصدار حكمه، فالحكم ليس إلا صورة لفكر القاضي في المرحلة الأخيرة التي وصل إليها تفكيره، أمـا الخطوات السابقة على ذلك والتي أدت إلى إقناعه، فإنها لا تظهر فـي الحكـم .
ويتم الاستدلال في المنطق الصوري عن طريق القياس . وهذا القياس هو غير القياس المعروف لدى علماء الأصول ، هذا الأخير يقصد به إعمـال الحكـم المنصوص عليه في حالة على حالة أخرى لم يرد النص عليه فيهـا إذا إتحـدت العلة في النصين . أما القياس العقلي أو قياس التقدير في المنطق الصوري فيقصد به تحقق النتائج إذا وجدت المقدمات التي تؤدي إليها .. وتطبيق ذلك على الحكـم نجد أن المقدمة الكبرى هي القاعدة القانونية التي تطبق على النزاع بعد أن توصل إليها القاضي عن طريق إعمال الاستدلال ، أما المقدمة الصغرى فهـي مجمـوع وقائع النزاع .
المنطق الصوري سنده في أمرين . ( الأمر الأول ) هو أن النظام القانوني يقـوم على وجود قواعد قانونية مكتوبة، وهو ما يستلزم لجوء القاضي إلى الاستنباط لأنه يجري في الحالة المعروضة أمامه معناها بين الوقائع والقاعـدة القانونيـة ويستخلص حلا يكون هو الوحيد لحل النزاع . وحتى يقدم الحكم الدليل علـى أن فكر القاضي قد تم بشكل صحيح فإنه ينبغي أن يجري استدلالاً قانونياً يرتكز على الاستنباط ثم يجري القياس للوصول إلى نتائج معينة .
أما ( الأمر الثاني ) فهو أن من وظائف التسبيب تسهيل مهمة الرقابة على الحكم والتأكد من مطابقته للقـانون واحترامه لحقوق الدفاع . كما أن من وظائفه ضمان قوة الحكم أي إعطائه مظهراً يدل على أنه عمل واضح .
ويجري التسبيب من الناحية الفنية استناداً إلى المنطق الصوري ، وذلـك بإجرائه في شكل قياس استنباطي، أي بيان المقدمتين الصغرى والكبـرى وذكـر النتيجة التي تترتب ضمناً عليهما، وإجراء التسبيب استناداً إلـى هـذا المنطـق يستهدف بيان أن الحكم الصادر يتطابق مع القانون، ويلتزم القاضـي بـإجراء التسبيب طبقاً لمقتضيات هذا المنطق ولو كان النظام القانوني به نقص أو مـشـوباً بالتناقض، حتى لا يعد القاضي منكراً للعدالة .
المنطق غير الصوري هو المنطق القائم على الجدل، بمعنى أن المنطق لم يعد هو القائم على البرهان الواضح الذي لا يحتمل خلافاً، ولكنه أصبح يعتمد على الابتكار ويعتمد هذا المنطق على الاستدلال القائم على الحجج وليس على القياس، وهو لا يستبعد كل الحجج التي يستند إليها الرأي الآخر، لأن ما يقنع يقنع الآخر .
عيوب التسبيب:
يقصد بأسباب الحكم، حيثياته والسند الذي قام عليه، سواء من حيث الواقع أو القانون . ويشمل أيضاً الردود التي يجب أن يقدمها الحكم على طلبات الخصوم وأقوالهم على النحو المبين سابقاً . والتسبيب بهذا المفهوم من أهم عناصر الحكم ويؤثر بدون شك على مضمونه، بل هو أساس مضمون الحكم، مادام أن اختلاف الأسباب قد يؤدي إلى اختلاف مضامين الأحكام ، فإن التقادم على كل الدين المطالب به، يؤدي إلى رد الدعوى كلياً، وعلى جزء منه يؤدي إلى ردها جزئياً . والحكم بالفائدة يستلزم حتماً أن الالتزام المدعي به هو مبلـغ مـن النقود، وإن لم يتم سداده . والحكم بالتعويض أو الفسخ أو التنفيذ العيني، يستوجب توفر الشروط القانونية والواقعية المطلوبة لذلك .
ويشترط التسبيب في كل طلب، أو دفع استجابت، أو لم تستجب لـه هيئه التحكيم كلياً ، أو جزئياً . فلـو طـلـب البـائـع مبلـغ مائة ألف جنيه ثمناً للبضاعة، وقبلت الهيئة هذا الطلـب كلـيـا ، أو رفضته كليـاً، أو جزئيـا ، فيجب عليها تسبيـب ذلك؛ وكذلك الأمر لو أثـار المشتري الـدفع الجدي بالتقادم، أو بأنه سدد ثمن البضاعة كلياً، أو جزئياً، إلا أن الهيئة رفضت هذا الدفع كلياً، أو جزئياً، فيجب عليها بيان سبب ذلك .
وفي حكم لمحكمة استئناف القاهرة، أوضحت المحكمة ضـرورة تسبيب أحكام المحكمين وضوابطه كالتالي: " يجب أن يشتمل الحكم على أسباب تبـين الأدلة التي كونت ( الهيئة ) منها عقيدتها وفحواها، وأن يكون لها مأخذها الصحيح من الأوراق ثم تنزل عليه تقديرها ويكون مؤدياً للنتيجة التي خلصت إليها، وذلـك حتى يتأتى مراقبة سداد الحكم وأن الأسباب التي أقيم عليها جـاءت سائغة لهـا أصلها الثابت بالأوراق وتتأدى الأوراق مع النتيجة التي خلصت إليها حتى يقتنـع المطلع على الحكم بعدالته ويمكن المحكمة في دعوى البطلان من مراقبة صـحة الحكم وخلوه من العوار المبطل له – وحتى لا ينقلب التحكيم إلى وسيلة تحكميـة .
لهذا صار لزاماً بيان العيوب التي قد تلحق بالتسبيب والتي يترتب عليهـا آثار قانونية في حالة وجوب الالتزام بالتسبيب ؛ لضمان فاعلية حكم التحكيم وخلوه من العيوب التي قد تلحق به فيفقد بذلك أساس اللجوء إليه وهو سرعة الفصل في المنازعات
والأسباب كما قد توجد في ورقة الحكم وتجتمع فيهـا شـروط الكفايـة والمنطقية، فإنه يتصور انعدام وجود الأسباب ، وهذا الانعدام قد يكون كلياً ، وقد يكون جزئياً ، ويعرض الباحث هذه المسائل فيما يلي .
إن انعدام الأسباب يقصد به خلو الحكم من أي ، سبب يحمل المنطوق . أما إذا
وجد ولـو سبب واحـد، حتى ولـو كـان غـيـر كـاف فـــــــان عيـب انعـــــدام الأسباب لا يقوم .
من التطبيقات القضائية لحالة خلو الحكم تماماً . من الأسباب :
- يكون الحكم خالياً من الأسباب إذا صـدر،ولم تشتمل مـسـودته علـى الأسباب .
- يكون الحكم خالياً من الأسباب إذا حكم لصالح شخص واكتفـى بـالقول بعبارة عامة بأن هذا الشخص صاحب حق .
- يكون الحكم خالياً من الأسباب إذا قضى لصالح شخص استناداً إلى عبارة واحدة مقتضاها أن ذلك تقتضيه الاعتبارات العليا للعدالة .
- يكون الحكم خالياً من الأسباب إذا رفض إدعاءات الخصوم مستنداً إلـى عبارة عامة مؤداها أنهم قد أسسوا إدعائهم بشكل سيء .
- يكون الحكم منعدم الأسباب إذا كان يتضمن مصادرة على المطلوب ؛ أي إذا اعتمد نتيجة معينة دون أن يبرر كيف وصل إلى هذه النتيجـة، أو إذا اكتفى بالقول بأن الطلب مؤسس دون أن يقدم أي سبب آخر، فمثل هـذا القول يتساوى مع عدم وجود الأسباب .
لا يلزم أن تكون أسباب حكم التحكيم في ذاتها سليمة من الناحيتين القانونية ، أو الواقعية ، أو أن تكون دقيقة ، أو مقنعة ؛ إذ تطلب ذلك يؤدي بالضرورة إلى إعادة نظر موضوع الدعوى ويجعل من محكمة البطلان محكمة استئناف.
وتطبيقاً لهذا قضت محكمة استئناف باريس بأنه : "لما كانت المحكمة ليس لهـا الحق في إعادة النظر في موضوع الحكم التحكيمي، وليس لها بالتالي حق تقـدير مدى دقة التسبيب أو ما إذا كان مقنعاً، فإنه يكفي أن توجد الأسباب وأن تتعلـق بموضوع النزاع وألا تكون متناقضة".
أوضحت محكمة النقض المصرية هذا العيب في العديد من أحكامها وقضت المحكمة بأنه : "إذا كان الحكم قد انتهى إلى عدم جدية عقد البيع وتواطؤ المشترى في تحريره قد استدل على ذلك بإقرار غير مسجل صادر من البائع فـي تـاريخ سابق على هذا العقد ولا يتضمن أي إشارة إليه، فإنه يكون استدلال غير سـائغ لا يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم .
والخلاصة هي أن تحقق عيب الفساد في الاستدلال يقتضي أن تكون هناك أسباباً واقعية وقانونية فعلاً، وأن تكون المحكمة ، أو هيئة التحكيم قد استخلصت منها نتيجة معينة لا تؤدي إليها هذه الأسباب .
والمقرر في قضاء محكمة النقض المصرية أن أسباب الحكم تعتبر مـشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للإقناع بها إذ إلى عدم فهـم العناصر كما في حالة عدم اللزوم المنطقي للنتيجـة التـي انتهت إليها المحكمة بناء على تلك العناصر التي يثبت لديها .