للتسبيب تعريفات متعددة تبعاً للنظرة التي ينظر بها إليه ، وذلك نظراً للأهمية المترتبة على الالتزام به
أولا : المعنى اللغوي للتسبيب
التسبيب في اللغة العربية مصدره كلمة سبب والسبب هو كل شيء يتوصل به إلى غيره ، والسبب الحبل وكل شيء يتوصل به إلى غيره .
التسبيب بالمفهوم الفلسفي هو عبارة عن : مقدمات تؤدي إلى نتائج محـددة تترتب عليها ، وحتى تكون النتائج صحيحة فلا بد أن تكون المقـدمات صحيحة أيضاً ، فالمقدمات ( الواقعة والنص القانوني الذي تخضع له ) سـبب النتيجـة ، ومتى اجتمعت في الفعل لزمت عنها النتيجة ، فكلمة سبب في لغة المنطق ، تطلق على القدرة الفعلية على تفهم الأمور وفق قواعد التفكير الصحيحة ؛ بمـا يترتـب عليه في النهاية من صحة الحكم الذي توصل إليه ، وأسباب الحكم وفقاً لقواعـد المنطق هي مجموعة المقدمات والأسانيد المنطقية التي تقود إلى النتيجة التي انتهى إليها القاضي .
الأهمية الكبيرة الناجمة عن الالتزام بالتسبيب سواء من ناحيـة أنفسهم ، أو من ناحية المحكم الذي يفصل في النزاع بحكم ونهائي وقابل الخصوم للتنفيذ .
هناك اشتراطات معينـة لا بد أن يلتزم بها المحكم عندما يقع عليه واجب الالتزام القانوني بتسبيب الحكم .
لقد اختلفت أيضاً التشريعات العربية حيال مبدأ وجوبية التسبيب واعتبـار التسبيب التزاماً قانونياً يلزم المحكمين به عند إصدارهم للأحكام .
" إذا كان الثابت من الأوراق أن الطاعن حضر بشخصه أمام محكمة الاستئناف وخلا محضر الجلسة من ما يفيد تمسك الطاعن بما يثيره في سـبب النعـي مـن تمسكه أمام محكمة الاستئناف ببطلان حكم التحكيم لخلوه من الأسباب بالمخالفـة لأحكام المادة (٣،٢/٤٣) من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة 1994 وخلـو الأوراق من اتفاق طرفا التحكيم على أن يكون التحكيم مسبباً ، وأنه لا يجوز إثـارة ذلـك لأول مرة أمام محكمة النقض لعدم تعلق تسبيب حكم التحكيم بالنظام العام "
ان التسبيب يرتبط دوماً بالسلطة القضائية بالرغم من أنه يرتبط أيضاً بالسلطة التشريعية في حالات التفسير التشريعي ، وكذلك السلطة التنفيذية تلتزم بتسبيب قراراتها في حالات استثنائية إذا تطلب القانون ذلك . ذلك إن التسبيب هو الوسيلة التي تسمح بإمكان تحقيق الرقابة على عمل القاضي من جهة ، ويمنح الحكم نوعاً معيناً من القوة الأدبية من جهة أخرى .
وتبين المحكمة لتسبيب حكمها - ما تستند إليه بالنسبة للوقائع التي تثبت لديها في الخصومة ، وبالنسبة لتطبيق القواعد القانونية على هذه الوقائع . ويجـب عليها أن تبين الأدلة التي أقنعتها بثبوت الوقائع .
وقد أكدت المحكمة العليا ( الليبية ) على ذات الحكم فيما يخص إلزام القضاة بتسبيب أحكامهم حيث قضت في حكم لها على أنه : " إن القانون أوجب تسبيب الأحكام وبين في المادة ( ٢٧٣ مرافعات ) ما يجب أن يشتمل عليه الحكـم ومـن بينها ما قدمه الخصوم من دفاع أو دفوع ومضمون ما قدموه مـن مـستندات ، وغرض المشرع من ذلك ليس مجرد استكمال شكل الحكم وإنما إلزام المحكمة بأن تبذل ما في وسعها للإلمام بحقيقة الواقع في الدعوى وإنزال حكم القانون عليهـا بحيث يأتي حكمها نتيجة فحص حتى يطمأن المطلع عليه من الخصوم "
وفي حكم آخر لها بينت الغرض من التسبيب بأن قالت : " إن الغرض مـن تسبيب الحكم هو بيان الأساس الذي بنت عليه المحكمـة حكمهـا حـتـى يطمـان الخصوم لقضائها ولكي تتمكن المحكمة العليـا مـن مراقبـة تطبيقهـا للقـانون لاص النتائج استخلاصاً سليماً سائغاً ؛ لذلك ألزم القانون القاضي ذكر مضمون الأدلة التي استنـد إليها وأقنعته بالنتيجة التي انتهى إليها " .
والحكمة من هذين النصين إعطاء كل خصم الفرصة كي يرد على ما أبـداه خصمه من طلبات ، أو دفوع ، أو أوجه دفاع وعن طريق التسبيب يمكن الرقابة على الأحكام ، والتأكد من التزام القاضي بمبدأ المواجهة بين الخصوم .
ثانياً : التسبيب كوسيلة لحماية المصالح
يجب لسلامة الحكم ألا يصدر على أساس فكرة مبهمة ، أو غامضة لم تتضح معالمها ، أو خفيت تفاصيلها . وإنما يتعين أن يشمل بذاته على ما يطمئن المطلـع عليه إلى أن المحكمة فحصت الأدلة التي قدمت إليها وحصلت منها ما يؤدي إليـه وذلك باستعراض هذه الأدلة والتعليق عليها بما ينبئ عن بحث ودراسـة أوراق الدعوى عن بصر وبصيرة ،كما إن التسبيب يعتبر وسيلة فعالة في حماية المصالح العامة وذلك من خلال التطبيق السليم لنصوص القانون والمصلحة الخاصـة المرتبطة بمصلحة الخصوم أنفسهم وذلك بصدور حكم عادل يكون الدواء الـشافي للخلل الحاصل في العلاقة القانونية بين طرفي الخصومة وإعطاء كل ذي حق حقه ، ولا يأتي اطمئنان الأطراف لسلامة الحكم الذي صدر بينهم إلا بإطلاعهم علـى أسبابه والتي تقدم لهم رداً كافياً عن جميع تساؤلاتهم ؛ وبذلك يكون الحكم ضـمانه للمصالح الخاصة والعلاقات القانونية التي يرتبها الأطراف أو الأشخاص بينهم .
لذا فإن الجهد الذي يبذله القاضي وهو يقوم بتسبيب حكمه وما يسوقه من أدلة ونصوص قانونية سواء لتأكيد شيء ، أو شيء آخـر ، وتشـوع الأحكـام واجتهاد القضاة ، فإن ذلك يعتبر إثراء للفكر القانوني بشكل عام ويتناوله الباحثون بالدراسة .
المطلب الثاني : الغرض من التسبيب في أحكام التحكيم
الأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما على ضوء شروط يحدداتها لفصل هذا المحكم في النزاع بحكم يكون نائياً عن شبهة الممالأة مجرداً من التحامل وقاطعـاً لــدابرالخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلي كل منهما وجه نظره تفصيلاً من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية .